الأربعاء، 31 ديسمبر 2014

دعاة التجريس / سليم عزوز



لا أعرف ما إذا كان في حوزة القائمين على قناة "الشرق الفضائية" ، فيديوهات فاضحة، لشخصيات في السلطة الحاكمة في مصر، أم أن ما قاله الزميل "معتز مطر" ، يدخل في باب التهديد من ناحية، ومن ناحية أخرى ليؤكد تمسك القناة بالقيم المهنية الرصينة، برفض بث مثل هذه الفيديوهات. لكن ما أعرفه أن حجب هذه الفيديوهات أثار غضب كثيرين، على القناة وملاكها، واعتبره البعض خيانة للثورة، ومؤامرة يقودها صاحب هذه المحطة الفضائية.

الحمد لله، فقد تمكن الجيش الالكتروني الباسل لمصر، بقيادة رائد أركان حرب، على النحو الذي نشرته جريدة "الدستور" من التوصل لاسم صاحب القناة، وقال الجيش في تسريبات له نشرتها الجريدة المذكورة، أن صاحب "الشرق" يدعي "باسم خفاجي" . هنا صحت بعلو الصوت: "تكبير" . ونسي جيشنا الالكتروني بقيادة المهيب الركن الرائد إياه، أن يذكر لنا بعضاً من ملامحه، وأنه "طول في عرض" ، وملتحٍ ما يؤكد انتماءه لتنظيم داعش!.

كل من يعرف قناة "الشرق" يعرف أن المالك الأبرز لها هو الدكتور "باسم خفاجي" ، وهو رجل لا يخفي نفسه باعتباره يقود تنظيماً سرياً، وقناة فضائية مسلحة؛ فلا يكاد يمر يوم دون أن تجد له حواراً على شاشاتها مع أحد مذيعيها، لأنه ليس مجرد صاحب فضائية ولكنه صاحب طموح سياسي، وقد فكر في خوض الانتخابات الرئاسية بعد ثورة يناير وهو الآن يعلن أنه سيخوض أول انتخابات تجري بعد الانقلاب، وهو ما ألب عليه القبائل. والبعض يري أن مثل هذا الحلم حرام، كحرمة يومك هذا في شهركم هذا.. "شهير يناير الفضيل" !.

ولأن "الشرق" تُعرف بملكيتها لباسم خفاجي بدون أن يحتاج الأمر للطلعات الجوية، لجيش مصر الإلكتروني، فقد توجه له البعض بالطلب عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بأن يبث هذه "الفيديوهات" التي قال "معتز مطر" إن القناة رفضت بثها، والبعض حرض على بثها مستخدماً سلاح الابتزاز، فكون القناة لم تبثها فمعنى هذا أن هناك صفقة جرت بين "باسم خفاجي" ومن تخصهم هذه الفيديوهات، وأنه أسبغ حماية عليهم باسم التمسك بالقيم وأخلاق القرية!؟

بعيداً عن حالة التشكيك والابتزاز، التي أعتقد أن القناة مسؤولة عنها، إذ لم يكن عليها ما دامت اعتصمت بشرف المهنة، أن تلوح بامتلاكها فيديوهات فاضحة، تمس الحياة الشخصية لمسؤولين، فقد راعني ما جناه الانقلاب على منظومة القيم، حتى وجد الجميع لنفسه المبرر للخروج عليها، تحت عنوان مواجهة العدو، التي تبيح استخدام كل الأسلحة، حتى وإن مثل الامر خوضاً في الأعراض. والبعض قرر أن الخصم لا عرض له ولا كرامة، وكما استباح الانقلاب وإعلامه الحياة الخاصة لخصومه، يجد هؤلاء الخصوم مبرراً لذلك للرد عليهم بالتي هي أسوأ.

قد يزعج أصحاب فكر الاستباحة إذا علموا ما علمته، من أن "فيديوهات" حملت للرئيس محمد مرسي، فيها ممارسات فاضحة لعدد من الإعلاميين، ممن قادوا ضده حملة الإبادة الإعلامية ، لكنه رفض استخدامها، وقال "هذه ليست أخلاقنا" . وقيل إن ابنه قبل قدميه ليوافق، فرفض أيضاً. فقال له نجله: كل ما نطلبه أن تعطينا الإذن، بأن نرسلها لبيوتهم، فتصبح الفضيحة محصورة، وتؤدي الهدف منها. لكنه لم يوافق أبداً.

وقد زار مكتب أحد الوزراء في عهده ضابط سابق بجهاز أمني رفيع، وعرض خدماته على الوزير بأنه يستطيع أن يدفع هؤلاء الإعلاميين بأن يسبحوا بحمد الرئيس، بما يملكه في حوزته ضدهم، وطلب مقابلة الرئيس لهذا الغرض، وتحدد الموعد، وجلس معه في الرئاسة بعض مساعدي الرئيس، وعرضوا الموقف على الدكتور مرسي فرفض، "فهذه ليست أخلاقنا" !.

قد يشد دعاة "التجريس الآن" شعر رؤوسهم لما حدث، وإن كنت أرى أن الرئيس مرسي قد هزم الثورة بسماحته، وتصرف وفق المطلوب من رجل الدين لا رجل الحكم، لأن هؤلاء أمنوا العقوبة فأساؤوا الأدب، ولأنه لايباح في أي بلد في العالم لمرتزقة أن يخرجوا على قواعد النقد المباح، إلى "شرشحة الحواري" ، والافتراء، والتجاوز، وكان كل هذا مدفوع الثمن من جهات خارجية وداخلية، ومهد الطريق لانقلاب العسكر في 3 يوليو، بعد حملة "استهياف الرئيس" !.

لكني وأنا لست من الذين يملكون سماحة محمد مرسي، لست مع التطرق للحياة الخاصة للناس، وبما يحدث في ظل الدولة البوليسية، وفي دولة العمليات القذرة التي أسسها العسكر في كل البلاد التي حكموها، فأنا مؤمن بأن هناك مئة طريقة وطريقة للتعامل مع هذا الانحطاط الإعلامي، ليس من بينها نشر "الفيديوهات" الخاصة بأصحابها أو حتى بإرسالها لبيوتهم!.

ومهما يكن، فاللافت في "فقه الاستباحة" السائد، أن البعض يرى أن الشخصية العامة حياتها الخاصة مباحة، وينبغي أن تكون على الهواء مباشرة، وهو أمر لا أصل له في القانون، وكل الدساتير المتعاقبة تحصن حياة الناس الخاصة مهما كانت مسؤولياتهم العامة ووظائفهم في الدولة، والاستثناء هنا، عائد على ما يتصل من حياة الموظف العام الخاصة بعمله وما يؤثر فيه. وقد آذاني كثيراً هذه الصور المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي لأحد قضاة مجلس الدولة، في أوضاع لا تليق، بمكانته كقاض. واللافت أن ما نشر من صور إباحية له، قيل أن من بثها هو "معتز مطر" في التسريبات، وقلت إنه ربما خضع لابتزاز البعض، فكان هذا البث، لكني عرفت أن الحلقة نفسها لم تذع بسبب التشويه، الذي أقدمت عليه سلطات الانقلاب، وأن بعض الصور ليست حديثة تماماً.

القاضي، صاحب هذه الصور المبتذلة، ليس صاحب أحكام لصالح الانقلاب، بحسب ما علمت، وهو ما يدفعنا للسؤال عن السبب في هذا النشر؟. أعلم أن البعض يرد أن يشهر بالقضاة ككل باعتبار أن المؤسسة القضائية جزء من الانقلاب العسكري، وقد وجد البعض في هذه الصور ضآلته، وهو أمر عندي غير مبرر على الإطلاق، صحيح أن الأوضاع التي ظهر بها القاضي تمثل إخلالاً بالشكل الذي ينبغي أن يكون عليه القاضي، لكن المكان الطبيعي الذي تقدم له هذه الصور هو جهاز التفتيش بالمحكمة أو المجلس الخاص بقضاء مجلس الدولة، لاتخاذ ما يلزم حيال هذا الإخلال بهيبة الوظيفة لاسيما وأن الصور لم تلتقط خلسة له، فمن الواضح أنه كان يعلم بالتقاطها، وهو نوع من العبث، ويؤكد أن اختياره لهذه الوظيفة المرموقة كان خطأ من البداية، وهو نتيجة طبيعية للاختيار بمعايير الواسطة والمحسوبية، ربما كانت المهنة الجديرة به، هي "وكيل فنانين" !.

ويعنيني هنا التأكيد على أن ما أريده من القاضي هو أن يحكم بالعدل، وألا يخالف القانون، وألا يكون تابعاً في أحكامه لضغوط، ولا شأن لي كمواطن بحياته الخاصة، وسلوكه الشخصي!.

ما علينا، فقد صار الجميع في حالة ولع بالتشهير بالآخر، وعدم ستر العورات، والتلذذ بتشويه الخصوم، وهي حالة مرضية السبب فيها الانقلاب العسكري.
إنها واحدة من جنايات الانقلاب على المصريين وأخلاقهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق