السبت، 31 يناير 2015

«الربيع العربي» في سيرتَين: شيماء الصباغ وعبد الملك الحوثي / رستم محمود


وكأن مآل الربيع العربي بات مستقطباً بين أحد شابين، على الطرف الاول تقف شهيدة الحراك المدني السلمي الديمقراطي شيماء الصباغ، تلك الشابة الثلاثينية التي اختصرت بسيرتها النضالية والمهنية كل ما انطلق وانبنى عليه الربيع العربي؛ وعلى الطرف الثاني يقف زعيم «العُصبة الحوثية» عبد الملك الحوثي، الثلاثيني الآخر، حيث يختصر بنموذجه وجماعته وخطاباته وأعماله كل ما قام الربيع العربي ضده، وللأسف كل ما آل إليه. 

السعودية: الانقلاب رأساً على عقب؟ / صبحي حديدي


حتى حين لا يكون المرء من هواة نظرية «انقلاب القصر»، التي يُزعم أنه وقع في السعودية بعد وفاة الملك عبد الله؛ فإنّ الإقالات والتعيينات الدراماتيكية التي سارع إليها الملك الجديد، سلمان بن عبد العزيز، على مستويات مختلفة من آلة الحكم والحكومة والإمارة، ترقى بالفعل إلى مستوى الانقلاب على كثير من ركائز العهد السابق.

الجمعة، 30 يناير 2015

ثقافة الإصلاح استوطنت عقول الصينيين!


مراجعة : د. مسعود ضاهر
 الكتاب: الصين في السنوات الثلاثين المقبلة
 الكاتب: مؤلف جماعي
المترجم: وانغ فو
الناشر: مؤسسة الفكر العربي، بيروت 2014

الخميس، 29 يناير 2015

المسألة اليهودية واللاسامية والجوديوفوبيا ثلاثة وجوه لأزمات أوروبية / مأمون كيوان


ما زالت المسألة اليهودية أو المسائل اليهودية منذ تشكلها، تمثل ظاهرة فريدة في تاريخ البشرية وتأتي فرادتها ليس من كون اليهود هم أصحابها، بل لكونها أخذت تعبيرات وتفسيرات متعددة، ووضع لها حلول مختلفة ادعت غالبيتها أنها حلول شاملة وجذرية للمسألة اليهودية.

»سيريزا» اليونان: أوان «ما بعد الديمقراطية»؟ / صبحي حديدي


في القرن الخامس قبل المسيح، كانت اليونان هي التي اقترحت على الإنسانية مفردة الديمقراطية، في مدلولها الأصلي على الأقلّ، أي النظام التمثيلي الذي يقوم على حكم الشعب، بواسطة الشعب.

الانقلاب لا يترنح.. إنه شامخ كشموخكم! / سليم عزوز



أكثر المتفائلين، لم يتوقعوا هذا الزخم الثوري، بعد أربع سنوات من اندلاع الثورة المصرية في 25 يناير 2011، وبعد سبعة عشر شهراً من الانقلاب العسكري!.

الاثنين، 26 يناير 2015

الشام والعراق واليمن.. مثلث برمودا الإيراني / د. أحمد موفق زيدان


كراكب وحش يخشى إن قفز منه فيُقتل، أو يواصل ركوبه فلا يدري متى سيهوي به صريعاً. هذا هو حال المشروع الإيراني وتفرعاته الحزبلاتية والحوثية في الشام والعراق واليمن، فالخسائر الإيرانية النوعية تتصاعد في المنطقة بعد الأنباء التي سرت عن إصابة الجنرال قاسم سليماني بإصابة خطيرة في هجوم عليه بالهاشمية بالعراق،

تحقيق جديد حول موت الشاعر الأكبر بابلو نيرودا في تشيلي / اسكندر حبش


يبدو أنها واحدة من تلك القصص التي لن تنتهي، إذ نجدها تُستعاد كلّ فترة لتصبح من جديد «الحدث» الذي يفرض نفسه علينا: هل مات بابلو نيرودا مقتولا بحقنة سامة، لا من جراء «سرطان البروستات» مثلما أُعلن رسميا يومها؟

لماذا نذهب الى القاهرة؟ / فايز سارة


تؤكد نظرة سريعة للمشهد السوري الواقع المتردي الذي يحيط بقضية السوريين. ان نظام الاسد مستمر في حربه ضد الشعب السوري قتلاً وتدميراً وتهجيراً، وجماعات التطرف والارهاب، تكرس وجوداً وانتشاراً وممارسات، لا تقل بشاعة عن ممارسات نظام الاسد، ان لم نقل انها الوجه الآخر له، فيما يتواصل انحسار الوجود السياسي والمسلح للمعارضة والقوى الثورية السورية، التي شاركت في تحمل اعباء الثورة في السنوات الماضية، ويزيدها ضعفاً وتشتتاً، بالتزامن مع التهميش الدولي للقضية السورية وللمعارضة، وبين ابرز تجلياته، تركيز الاهتمام في الحرب على الارهاب بما يعنيه من حرب على «داعش» وترك غيرها، ودعم مبادرات دولية لا تعالج جوهر القضية السورية، انما تدور حولها، كما هي المبادرة الروسية حول الحوار السوري السوري.

تصريحات نصرالله والعبادي… أيهما الكاذب؟ / هيفاء زنكنة


حتى اعلان تأسيس «الدولة الأسلامية» بالعراق، كان التدخل الأيراني بالعراق، متمثلا بفيلق القدس وعملياته العسكرية والأمنية، بقيادة اللواء قاسم سليماني، محاطا بالتعتيم الرسمي من قبل النظامين العراقي والأيراني، وأجهزة اعلامهما، على حد سواء.

الجمعة، 23 يناير 2015

هل هو " الانقلاب المبكر " في السعودية ؟

 كتب المتابع .. 
انقلاب مبكر هو  الوصف الاكثر دقة لقرارات العاهل السعودي الجديد سلمان بن عبد العزيز والتي كان من بينها تعيين محمد بن نايف وليا لولي العهد، وابن سلمان الشاب محمد وزيرا للدفاع رغم انه درس القانون ولا تسمح سنه له في اقصى حالة سوى الحصول على رتبة مقدم، او وكيل نيابة لو بقى ضمن تخصصه.

الأربعاء، 21 يناير 2015

في ذكرى الثورات: عن الهاربين من قهر إنسانيتهم في مصر / إسماعيل الإسكندراني



جناحان يتنازعان التوجهات الفكرية والسياسية لـ "حركة النهضة" التونسية، قد يمكن اختزال الفارق بينهما بالإشارة إلى موقع كل منهما إبّان حكم زين العابدين بن علي: المعتقلين في جانب، والمنفيين السائحين في الأرض الواسعة في الجانب الآخر.

في الرد على تنظيم "يا لهوي"! / سليم عزوز


لم يكد الدكتور محمد مرسي يتهم في مرافعته عبد الفتاح السيسي بأنه كان يقف وراء مقتل شهداء الثورة، حتى خبط كثيرون على صدورهم وهم يهتفون "يا لهوي"، وبعضهم قرر عدم المشاركة في يوم 25 يناير المقبل، إلا اذا قرر "تحالف دعم الشرعية"، التخلي عن مطلب عودة الرئيس!.

متى يطلع الفجر على سوريا؟ / جهاد فاضل



إذا استعدنا سيرة الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت سنة ١٩٧٥ واستمرت حتى بداية التسعينيات، أي سبع عشرة سنة، أمكننا القول ان الحرب الأهلية السورية، وهي في وجه من وجوهها كذلك، قابلة لأن تستمر أكثر من هذه المدة، أي عشرات السنين.

موت قطة / توجان فيصل


هنالك من قبلوا التطبيع مع حالة الإفقار والتهميش والإذلال التي تمارس عليه، بأن باتوا ينازعون القطط على قوتهم، ويفعلونها علنًا!

الاثنين، 19 يناير 2015

«الحرٌاق» العراقي خريج معتقل بوكا ومخيمات النازحين / هيفاء زنكنة




لايمر يوم بدون ان يلفظ البحر المتوسط جثة حرٌاق مغاربي أو افريقي، كما انضم اليهم في قوارب الموت، في الاعوام الأخيرة، سوريون وفلسطينيون. 
«الحرٌاق» هو الذي يحرق كل أوراقه الثبوتية ليبدأ رحلة هجرته الى اوروبا، بعيدا عن بلده ، حتى وهو يعرف جيدا بان هذه الرحلة ستكلفه حياته. واحصائيات ضحايا قوارب الموت من الشباب تتعدى الآلاف سنويا. 

عمى أم تعامي أيها الوزير / علي الكاش



هناك الكثير من الأشعار والأمثال التي تناولت موضوع العمى ومنها " نور البصيرة ولا البصر"، و" إن أصحاب البصيرة يدركون ما لا يدركه المبصرون". وهذه حقيقة فهناك الكثير من العلماء والأدباء والشعراء فقدوا البصر ولكنهم كانوا أقوياء البصيرة، لم يمنع العمى المعري وطه حسين والشاعر جون ملتون، وهيلين كيلار ولويس برايل وغيرهم من إرتياد واحة العظمة والإبداع.


النظام والعصابة كيان واحد حين لا يتم الفصل بين الثروة الضخمة وبين الحكم / د.مصطفى سالم


* الانظمة العربية لم تكن تطورا للقبيلة، بل إن اعتمادها على القبيلة كان أساسا لانها تمارس فعلا إدارة الأمور من خلال اسلوب العصابة
* مصادر اكتساب الشعب للوعي في الوطن العربي تحتاج هي اصلا للوعي
* إن الدولة كما يجب أن تكون حتى تتحقق يجب التحرر قبلها من نظام العصابة، ولا يمكن إنجازها بنفس الانظمة
* الحداثة كما نفهمها بشكل سيء تستوعب نموذج الانظمة – العصابة
* من الخطأ ان يعتقد البعض ان الخروج من نظام- العصابة الى نظام الدولة يتطلب فقط شهداء
* حذفنا فكرة احترام الحقوق لدى المواطن العربي بسبب الخوف من الفصل بين الثروة الضخمة والحكم

                        


                 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


التطورات التي تعيشها عدد من دول العالم لا تبدو انها نجحت في إحداث نقلة في بنية الأنظمة العربية، بل جعلها تتبنى بقوة اسلوب العصابة في إدارة البلاد معززة ذلك بالحرب على الارهاب الذي هو ممارسة بشعة للدول أكثر منه من المنظمات.


السبت، 17 يناير 2015

“حمام رمسيس″: تنظيف الانقلاب بتوسيخ سمعة المصريين / سليم عزوز


أيكم يدخل علىَّ في هذه اللحظة التاريخية من عمر الأمة، والأمم المجاورة، بكوبليه «موعود» لخالد الذكر «العندليب عبد الحليم حافظ»؟، فالأكثر تعبيراً عن حالتي في هذه اللحظة، واللحظات القادمة، هي أغنية «موعود بالعذاب يا قلبي»، فقد حدث ما ذكرني بالذي مضى!
الذي حدث أنني كتبت في مثل هذا اليوم من الأسبوع الماضي في هذه الزاوية، الطيبة المباركة «فضائيات وأرضيات»، والتي تستمد الطيبة والبركة من أنني أحد كتابها منذ أحد عشر عاماً، عن وصف عبد الفتاح السيسي بأنه «السيد المسيح»، ولأن البعض يمارس القراءة بذات الطريقة «الفهلوية» التي يسير بها حياته، فقد ظن أنني من وصفته بذلك، وعليه فقد كثر أولئك الذين رموني باتهام الإساءة للمسيح. وأحدهم قام بالتحريض ضدي باعتبار أنني ارتكبت جريمة إزراء الأديان، ومنهم من ذهب يشيد بسماحة المعتدلين المسيحيين الذين سكتوا علي سخريتي من السيد المسيح، بتقديم السيسي على أنه هو، في حين أن المسلمين قتلوا عدداً من الصحافيين بالصحيفة الفرنسية إياها لأنها سخرت من نبيهم!.


الجمعة، 16 يناير 2015

ترقّب دولي لتأثير هبوط سعر النفط على مواقف إيران وروسيا / ثريا شاهين


تتوقع مصادر ديبلوماسية، أن يستمر التراجع في أسعار النفط عالمياً، وأن تستمر معه المحاولات الدولية لاستخدام هذا التراجع كسلاح ضاغط سياسياً في ملفات عدة ذات الصلة بإيران وبسوريا.

الثلاثاء، 13 يناير 2015

موت بائع متجول / توجان فيصل


قلة في بلادنا من يعرفون أو حتى سمعوا بـ"موت بائع متجول"، المسرحية المأساة التي أبدعها الكاتب الأمريكي آرثر ميللر، وحازت على جائزة "بوليتزر" وعلى"جائزة نقاد الدراما".. ولكنّ الأردنيين جميعًا يعرفون الآن تفاصيل قصة لا تقل مأساوية تتمثل في مقتل شاب"الديلفري" محمد أبو خديجة في حادث سير أثناء العاصفة الثلجية الأخيرة.. لا، ليس "حادث سير"، بل في جريمة لا يمكن للقانون أن يعاقب عليها بما يتوجب، لأنها جريمة منظومة ظلم متكاملة تُطوّع كل القوانين لصالحها، بل وتفصل فيها قوانين صريحة لتشريع الفساد والاستغلال والإفلات من تهمهما، ويُقاضى ويجرّم كل من يسعى بجدية لوقفهما.. حتى القانون العشائري الذي ظل لقرون يضمن حق الإنسان في بيئة صحراوية كان جلّ سكانها بدو متنقلين، بات يطوع الآن لخدمة ضياع الحق على يد متنفذين حازوا السلطة بالمال، والمال بالسلطة، حد اقتران هذين في زواج غير مقدس ولكنه غير قابل للتطليق.. بات ينجب أصحاب البورشه والمرسيدس إس كلاس.

الاثنين، 12 يناير 2015

العواقب العالمية المترتبة على عُزلة روسيا / هارولد جيمس ودومينيكو لومباردي


انقلبت كل من آليات الحوكمة التي يهمين عليها الغرب ومؤسسات مجموعة البريكس الناشئة ضد روسيا. وعند هذه المرحلة يتلخص أمل روسيا الوحيد في أن تعمل هذه الأزمة على إشعال شرارة عدم الاستقرار و تفجير نظام الإدارة العالمية.

الأحد، 11 يناير 2015

فساد منذ الاحتلال الامريكي للعراق في المؤسسة العسكرية / د.نزار السامرائي


هل يعود الفساد داخل المؤسسة العسكرية العراقية إلى يوم أعلن الرئيس الروسي بوتين عن معاقبته لعدد من كبار المسؤولين الروس بمن فيهم وزيرالدفاع ورئيس هيئة الأركان بسبب صفقة السلاح مع العراق؟

السبت، 10 يناير 2015

لماذا تنخفض أسعار السلع؟ / جيفري فرانكيل *


هوت أسعار النفط بمقدار أربعين بالمائة منذ يونيو، وهذه أخبار طيبة للدول المستوردة للنفط، ولكنها أخبار سيئة بالنسبة لروسيا وفنزويلا ونيجيريا وغيرها من الدول المصدرة للنفط.
إن البعض يعزو هذا الهبوط بالاسعار للانتعاش في الطاقة التي تأتي من الزيت الصخري في الولايات المتحدة الامريكية، والبعض يعزو ذلك الى فشل الاوبك في الموافقة على تقييد العرض.

العلاقات الكوبية الأميركية: هل سيعود سيجار هافانا إلى واشنطن ؟ / محمد نجيب السعد



مقدمة:
كانت كوبا والولايات المتحدة على خلاف منذ أن سيطر فيدل كاسترو على السلطة في عام 1959. وعلى الرغم من ان الإدارات الأميركية المتعاقبة طبقت اجراءات صارمة ضد كوبا، بما في ذلك الحصارالاقتصادي ووضع كوبا في قائمة الدول الراعية للإرهاب، الا ان تلك الأجراءات لم تفل من عضد الدولة الكوبية على نحو كبير. وشهدت سياسات الولايات المتحدة تجاه كوبا بعض التغير عندما سلم فيدل كاسترو رسميا رئاسة كوبا لشقيقه راؤول في عام 2008 وعندما دخل باراك أوباما البيت البيض رئيسا للولايات المتحدة، وبعد اتصالات حثيثة، تمكّن الفاتيكان من ردم بعض الهوة بين هافانا وواشنطن، وأجرى الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وزميله الكوبي، راؤول كاسترو، مكالمة هاتفية دامت حوالي ساعة كاملة وذلك بعد جفاء وانقطاع دبلوماسي دام طوال نصف قرن.

أي مستقبل للجبهة الشعبية في تونس؟ / توفيق المديني


من الواضح أن الرئيس التونسي الجديد السيد الباجي قائد السبسي و»حزب نداء تونس» لم يستدعيا «الجبهة الشعبية» للمشاركة في الحكومة المقبلة حسب تصريح النائب في البرلمان التونسي عن الجبهة الشعبية الجيلاني الهمامي في حوار لإذاعة «اكسبريس آف آم« يوم الإثنين 29 كانون الأول/ ديسمبر 2014. ولهذا «ستبقى الجبهة في المعارضة مبدئيا« حسب الهمامي «خصوصاً ان ملامح البرنامج الاقتصادي والاجتماعي المقبل مناف لقناعاتها. لكن الجبهة لن تكون مبدئيا خارج الحكومة بسبب برامجها فقط بل لشروطها التي تبدو تعجيزية. صحيح أن «حزب نداء تونس« قادر على تعديل برامجه بما يتلاقى أو على الأقل يقترب من برامج الجبهة حتى بتحالف معها أو بتوافق، ولكن هذا لا يكفي ليطلب ودها بل عليه أيضا أن يستبعد فرضية الإبقاء على بن جدو في وزارة الداخلية والقطع مع أي تقارب أو توافق مع حزب «حركة النهضة«.

مصر بين الأمس واليوم.. وداعاً للطبقة الوسطى / طارق البشري


(1)
استعير هذا العنوان من عنوان لكتاب لرمزي زكي، أصدره منذ أكثر من خمس عشرة سنة، وهو كتاب مع كتابَين آخرين له يعتبر موضوعهم من أهم ما يتلاءم مع وضعنا الحاضر على مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة، والكتابان الآخران هما «الليبرالية المستبدة» و «الليبرالية المتوحشة» أصدرهما في تسعينيات القرن العشرين.

الجمعة، 9 يناير 2015

المثقفون.. بناء على تعليمات السيد الرئيس! / محمد شعير



خرجت الشاعرة فاطمة ناعوت من لقاء عدد من المثقفين بالرئيس السيسي بتصريح أكدت فيه أن الرئيس كلفها بتصحيح صورة الإسلام. أما الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي فأكد أن الرئيس كلفه باستعاده دور الصالونات الثقافية القديمة للحوار مع الشباب وتبصيرهم بالمخاطر.

إرهاب فرنسا: خمسة هوامش على الدفتر الباطني / صبحي حديدي


الأسهل ـ وهي أيضاً صيغة واجبة أخلاقياً، وقد تفلح في طرد بعض الالتباس المحتمل ـ أن يترحم المرء على ضحايا العملية الإرهابية البشعة التي استهدفت مقرّ أسبوعية "شارلي إبدو"، في باريس؛ وأن يتعاطف مع ذويهم وأصدقائهم، ويأسف لخسران مواقفهم النقدية الضرورية إزاء مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية، ويفتقد رسوماتهم اللاذعة بصفة خاصة؛ ثمّ يقصد «ساحة الجمهورية»، فيعتصم مع الآلاف، رافعاً لافتة «أنا شارلي إيبدو»، لكي يدين هذه العملية بوضوح أقصى، ومعها الإرهاب عامة، أياً كانت مسوغاته وأهدافه وطرائقه وأدواته؛ وأن يتابع حال التضامن هذه، حتى إذا أُسمع ـ بسبب من لونه الأسمر ربما، هنا أيضاً في باريس، كما في بيروت! ـ عبارة عنصرية ضدّ المسلمين هنا، وأخرى كارهة للعرب هناك…

الخميس، 8 يناير 2015

روسيا وبيتها الأوروبي / فلاديسلاف إينوزيمتسيف


برغم أن العقوبات بدأت تصبح مؤلمة بوضوح، فسوف يمر بعض الوقت قبل أن يستشعر القسم الأكبر من الشعب الروسي تأثيرها فعليا. وإذا دخلت أوكرانيا الحظيرة الأوروبية، فإن الشعب الروسي سوف يكون راغباً في اتباع خطاها.
في الربيع الماضي، بعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم وبدأت تتدخل في شرق أوكرانيا، فَرَضَت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات ضد أفراد وشركات في روسيا. ولكن إذا كان لهذه العقوبات أن تعمل كأداة فعّالة في مواجهة طموحات فلاديمير بوتن ــ وهو موضوع مناقشة جارية في الغرب الآن ــ فلابد أن تجمع بين اليد الحازمة في التعامل مع روسيا واليد المفتوحة تجاه شعبها.

الأربعاء، 7 يناير 2015

هل أخطأ الإخوان بخوض الانتخابات الرئاسية ؟! / سليم عزوز



كأنه لم ينطق في حياته بجملة غيرها.. فلم يكد "إبراهيم منير" القيادي بالتنظيم الدولي للإخوان، يعلن أن الجماعة أخطأت بمنافستها على الانتخابات الرئاسية، حتى أقام خصوم الجماعة، وأدعياء الحكمة بأثر رجعي، لما قال،"حلقة ذكر". فالجماعة قد أخطأت، وهي تدفع الأن ثمن هذا الخطأ، فما ظلمهم الانقلاب، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، فهل أخطأ الإخوان فعلًا.

أخطاء أوباما ...وتحطيم الرئيس / إليزابيث درو


أوباما لا يتحمل المسؤولية عن تحديات السياسة الخارجية التي تواجه الولايات المتحدة الآن. فهو لم يخلق تلك الفوضى العبثية في العراق وأفغانستان، وليس ذنبه أن إدارة السياسة الخارجية أصبحت أصعب كثيراً في عالم اليوم المفتت
عندما انتُخِب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة في عام 2008، اعتُبِر على نطاق واسع شخصية جديدة مثيرة. والواقع أن تضاؤل شعبيته على نحو متزايد وتخلي حزبه عنه فعلياً في ولايته الثانية في عام 2014 ينبع إلى حد كبير من هذه الحقيقة: فقد تجاوزت التوقعات الواقع. ولكن الأمر الأكثر أهمية هو أن الواقع ذاته تغير ــ على أكثر من نحو.

الثلاثاء، 6 يناير 2015

ما يطلب من الثورة .. وبعدها / توجان فيصل



لا يمكن إنكار إنجاز الثورة التونسية لكل ما هو مطلوب من "الثورة". فقد أنجزت دستورا رائعا( تناولت أهم ما حواه في مقالتي الأخيريتن على الجزيرة نت) يصلح ليكون أنموذجا لبقية دول الربيع العربي بل نجزم بأنه أصبح تحديا لبقية الثورات والثوار.

هذا عن "نص" عقد الحكم الذي أنجزه التونسيون ولم يمكن الطعن فيه سوى القول بأن العبرة في التطبيق.. فجاء التطبيق في صورة انتخابات نيابية ثم رئاسية لم يمكن لأي من الأطراف التي جاءت نتائجهما أن تطعن في نزاهتها بأكثر من التأشيرعلى تجاوزات محدودة من مختلف الأطراف، مما يتوقع أن تجري محاولته في بلد يلج منعطفا تاريخيا لا بد ان تحاول قوى سياسية تسجيل أعلى قدر ممكن من المكاسب، وبعض المحاولات لا تكون مشروعة. لكن حتى لو صحت تلك التأشيرات لما تغيرت نتائج الانتخابات النيابية ولا الرئاسية. والدليل على هذا إقرارالجميع، بدءا بالطرفين اللذين توقعا وتوقع معهم محللون كثر، أن يحصلا على أعلى الأصوات الشعبية: حزب النهضة ومعه كامل تيار الإسلام السياسي الذي اعتبر الأوفر حظا في استشراف مآلات الثورات..و"الحركة الشعبية لتحقيق أهداف الثورة" التي تشكلت لأغراض خوض هذه الانتخابات من أحد عشر حزبا يساريا وقوميا وبيئيا. فالأول اتكأ على توظيف الدين ومعه التاريخ العربي بعد السلام غير المنقح بما يمس "مثاليته".. والثاني اتكأ على نضالات طويلة قادها اليساريون بحيث أصبح "الاتحاد العام للشغل أهم من اي حزب عامل في تونس، وساندتها قوى نسائية كانت تجد في الفكر اليساري مصدر دعم "تاريخي" لمطالبها بالمساواة. وهؤلاء كانوا في مقدمة قيادة الثورة وكانت التوقعات المحايدة تتجه نحو ترجيح "الحركة الشعبية في تونس تحديدا.. ومع ذلك كانت الجبهة اول من سلّم لإرادة الشعب، وهو موقف مسؤول يؤشر على ان مكونات الجبهة تملك بوصلة سليمة توهلها لقيادة معارضة راشدة.

في ضوء هذا يبدو قول جهة متضررة في نعي الثورة بأنها اختصرت لـ"دستور وانتخابات نيابية ورئاسية" عجيبا، بل وديماغوغيا ..فماذا يطلب من الثورة غير هذا؟!

غير هذا مما يطرح بعمومية وهلامية كله يتعلق بتغيير تفاصيل الحال الذي تمت الثورة عليه، في شقيه: محاسبة من اقترفوا جرائم ضد الشعب التونسي لقمعه او نهبه، او لكليهما فكل القمع الجاري في العالم العربي يخدم النهب الجاري بشكل رئيس.. وتحقيق التنمية والتطوير على عكس مسار النظام المخلوع . والهدفان مترابطان، فالمحاسبة تتضمن عقاب المجرمين "الجزائي" كما تتضمن استعادة ما نهبوه من امال، ليتمكن التوانسة من بناء بلدهم وإصلاح ما دمر. ولكن كليهما ليسا مما يمكن مطالبة نواب الشعب والحكومة ورئيس الجمهورية المنتخبين بتقديمه فورا كما حلوى احتفالات الفوز. بل هو مسار يبدأ بالفوز ويمكن قياس إنجازه بتتبع مدد الإجراءات المتخذة ومدى معقوليتها، بدءا بالتحقيقات مرورا بالتوقيفات للمتهمين بالعسف أو الفساد ومطالبات تسليم المتهمين الفارين،و"شروعا في " وليس "وصولا لمحاكمتهم".

وأهم ما يحدد كل هذا هو البينات التي يستحيل زعم غيابها. فأقله سؤال"من اين لك هذا" ليس فقط إرثا إسلاميا أرساه الخليفة عمر بن الخطاب ويبرر به الآن زعم ضرورة "الخلافة "لتطبيقه، بل هو ما يطبق في كافة الديمقراطيات في العالم كله، بدءا بالحكام وانتهاء بأي مواطن تظهر عليه معالم ثراء .. وعدم تمكن هؤلاء (الحكام كما المواطنين) من تقديم مصدر مشروع لثرواتهم أو انفاقهم، يعتبر وحده دليلا يجرّمهم بالفساد، والبحث يجري لمعرفة إن كانت جرائم أخرى اقترفت لتسهيل ذلك الفساد او التغطية عليه.

وفي تونس طرح سؤال مفصلي عن الأرشيف الرئاسي الذي لم يتم تسليمه.. ولكن هنا تحديدا يتوجب تذكّر ان المرزوقي امتنع عن تقديمه فترة رئاسته، وبالتالي هو مساءل كما من كانوا في بقية المناصب قبل الانتخابات الأخيرة،عن ذلك الأرشيف وعن غيره من وثائق الدولة التي لا يجوز زعم إتلافها، فالشهود على ما جرى كثر وبأعداد تفوق ما يلزم كبينة. وحتما لا يخلو الأمر من قيام مواطنين شرفاء بالاحتفاظ بأدلة فساد او عسف ليوم حساب. وفي تونس يمكن الآن إقرار تشريع مستعجل يكافئ من يقدمون الأدله ويعفي من شارك في الفساد خوفا ولم يكن منشئاً له، إن أعاد كل ما حازه وأمكنه تقديم أدلة تدين من أنشأوا ذلك الفساد.. فهذا ايضا إرث إسلامي (يعطى من يرد المال الضائع حصة فيه وتقبل توبة التائب المعترف طوعا) وعرف ديمقراطي قضائي عالمي، حيث يعطى الشهود حصانة من عقاب المشارك، ويعطون ما يسهل لهم حياتهم بعدها بعيدا عن انتقام من ادانوهم.

 وهذه مجرد امثله، فوسائل إثبات العسف والفساد الصريحين لسنوات وعقود لا تعجز أحدا!

الاثنين، 5 يناير 2015

تعويم الأسد.. وتسويق إدارة الأزمة / هشام منوَّر



تبدو المحاولات الدولية والإقليمية لما يسمى إعادة تأهيل الأسد أو على الأقل ما تبقى من هياكل نظامه، ممجوجة ومنبوذة ومكررة بالنسبة لأغلب السوريين الذين عانوا من ممارسات هذا النظام ما لم يعانه شعب في العالم، حتى ضد أقسى أنواع الأنظمة الفاشية والاستبدادية.

الجديد في هذه المبادرات التي أضحت تحظى بقبول دولي أكبر مع انضمام شطر كبير من دول الاتحاد الأوروبي إلى التحالف الدولي ضد ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية، أنها تأتي تحت ستار هذا التحالف وضروراته لمواجهة عناصر التنظيم المتغول، لكنها تتخذ من هذه «الضرورات« لا سيما من قبل الدول الأوروبية الأقل مساهمة في التحالف، ذريعة لإعادة التعامل مع النظام وفق آليات تأهيله وتعويمه، واجتراح مبادرات لإدارة ما عاد يعرف في الأدبيات الإعلامية الغربية بالأزمة السورية بعد أن تحولت ثورة الشعب السوري في نظر العاجزين من المجتمع الدولي إلى مجرد «عبء« أو «أزمة«.

القاسم المشترك بين جميع المبادرات المطروحة هو فكرة أن المعارضة «المعتدلة« السورية لم تعد طرفاً فاعلاً في هذه «الأزمة«، وأنها ما فتئت تفقد تأثيرها لصالح جماعات «جهادية« متطرفة تبدأ بداعش والنصرة، ولا تنتهي بجماعة خراسان التي كشف الأميركيون عن وجودها، أول مرة، عندما استهدفوا ما قالوا إنها مواقع لها، وذلك مع انطلاق الغارات الأميركية ضد تنظيم الدولة في سوريا في 23 أيلول/ سبتمبر الماضي. 

تحاول هذه المبادرات القول إن البديل لنظام بشار الأسد لم يعد، في ظل ضعف المعارضة المسلحة المعتدلة على الأرض، وتشتتها في الخارج، إلا «التنظيمات الإسلامية المتطرفة«، ما يعني أن إضعاف نظام الأسد والسعي إلى إطاحته يخدم، في نهاية المطاف، هذه التنظيمات، ويمهد لها سبل الوصول إلى السلطة. 

مبادرة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا، «ستيفان دي ميستورا«، على سبيل المثال، تهدف إلى تجميد الصراع ابتداءً من مدينة حلب. وترتكز على ثلاث نقاط رئيسة، أهمها التركيز على محاربة الإرهاب، وكأن الإرهاب في سوريا يمارس من طرف واحد، وأنه سبب الأزمة، وثاني النقاط تخفيض مستوى العنف، وثالثها تخفيف المعاناة الإنسانية، والدفع باتجاه مصالحات محلية، يمكن أن تشكل منطلقاً لحل سياسي للأزمة.

أما المبادرة الثانية التي تدفع بالاتجاه نفسه تقريباً، فهي المبادرة الروسية المدعومة إيرانياً، والتي كشف عن بعض تفاصيلها المستشرق الروسي، فيتالي نعومكن، في مقال نشره موقع المونيتور، والذي يملكه ويديره جمال دانيال، رجل الأعمال الأميركي السوري الأصل، والمقرب من نظام بشار الأسد، مطلع شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي. 

يرى «نعومكن« أنه مع تلاشي المعارضة المسلحة المعتدلة على الأرض في سوريا، فإن طرفي الصراع الرئيسيين اليوم هما الجماعات الإسلامية المتشددة ونظام الأسد، «وإن بقاء نظام الأسد من ثم قد يكون السبيل الوحيد للحفاظ على الدولة السورية ومنعها من الانهيار«، أو سيطرة المتشددين الإسلاميين عليها. ولتحقيق هذا الهدف، تسعى المبادرة الروسية إلى عقد مؤتمر سوري، يجمع أطراف الأزمة في موسكو، أولاً، ثم ينتقل الاجتماع إلى دمشق، ويشارك فيه ممثلون عن نظام بشار الأسد، وأطراف من المعارضة السورية، مثل الرئيس السابق لائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، معاذ الخطيب، وعباس حبيب ممثلاً عن مجلس العشائر السورية، وقدري جميل المعارض القريب من نظام الأسد، والذي يقيم في موسكو منذ إقالته من منصبه، نائباً لرئيس مجلس الوزراء في سوريا عام 2013، وأعضاء من هيئة

التنسيق التي غالباً ما يشار إليها بالمعارضة الداخلية أعربت عن رغبتها بالانضمام إلى هذه الاجتماعات، التي قد يسبقها تنسيق مواقف بين هذه التيارات في القاهرة، وقد أعرب هؤلاء جميعاً، عن استعدادهم للحضور من دون اشتراط تنحي الرئيس بشار الأسد، وعن دعمهم للحرب على تنظيم الدولة، وإجراء مصالحات بين أطراف الصراع من السوريين. كي تكون التضحية بجرائم النظام ورأسه مقابل المشاركة في طاولة الحوار والتفاوض معه، أبرز ما يحاول المجتمعون في القاهرة وموسكو لاحقاً التوافق عليه، كي يرضى ممثلو النظام الجلوس معهم على مائدة الحوار تحت سقف «الوطن«!

يدرك السوريون ما آل إليه واقع ثورتهم من عسكرة سعى النظام إليها، ومن حسابات سياسية مصلحية تراعي الشق الغربي في مخاوفه من نمو التطرف والإسلاموفوبيا وتنامي ظاهرة المجاهدين الأوروبيين القادمين لإعلاء دولة الخلافة المزعومة التي أعلنها البغدادي في شهر رمضان الماضي، لكنهم يعلمون أن النظام ليس مسؤولاً فقط عن استدامة الاستبداد في بلادهم وقمع الحريات والديمقراطية ومنع تداول السلطة لأكثر من ستة عقود منذ عهد أبيه حافظ الأسد، فهذا الاستبداد هو الذي دفع إلى نشوء الثنائية بينه وبين والإرهاب، مثل ثنائية «الأسد أو نحرق البلد«. لتستمر إدارة «الأزمة« في سوريا بعد أن عجز الكبار في العالم عن إيجاد حل ينهي معاناة السوريين، في ظل دعم قسم من هؤلاء «روسيا وإيران والصين« لنظام جر بلاده إلى الخراب ومنح داعميه تفويضات بإعادة الإعمار.. مقابل استدامة حكمه الشمولي المستبد!

() كاتب وباحث

حلال لإيران حرام علينا / د. عوض السليمان



الذي تابع تصريحات نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، وتصريحات علي لارجاني يدرك فوراً أن إيران كعهدها دولة معادية، شديدة العداء للإسلام من جهة، وللعرب من جهة أخرى.
ويدرك أيضاً أن ما يُسمى المجتمع الدولي يحلل لإيران الشيعية ما يحرمه على الدول الإسلامية السنية، وأن هذا المجتمع يدعم الاعتداءات الإيرانية على الدول الإسلامية.
يقول سلامي، إن بلاده استطاعت، لا أن تقوم بالثورة فحسب، بل صدّرتها إلى البلاد الأخرى، سورية والبحرين واليمن ولبنان، ويقول: «لقد تشكلت بفضل أفكار الثورة الإسلامية وأفكار الولي الفقيه، قوة شعبية في العراق، تعادل عشرات أضعاف قوة حزب الله في لبنان»، وبمنتهى الصفاقة يشيد باحتلال الحوثيين لصنعاء وبسط سيطرة الشيعة عليها، و يتحدث عن قوة شعبية كبرى في سوريا تستمد بطولاتها من الفكر الشيعي.
لا يدرى أنه يسيء إلى الشيعة وفكر الولي الفقيه بما يقول، ويفضح أفكار إيران السياسية التي تقوم على الحقد الطائفي والعنصري.
على المؤسسة الدينية في إيران أن توضح لنا إذاً، أفكار الولي الفقيه التي استخدمتها الميليشيات الشيعة في سورية على سبيل المثال لبسط أفكار الثورة الإيرانية. نريد أن نعرف، هل أمر الولي الفقيه بقتل الأطفال بالمثقاب، واغتصاب النساء لأنهن سنة، وهل أمر الولي الفقيه بأن تُدمر حلب وحمص ودرعا وإدلب والرقة وغيرها لأنها مدن سنية، أم لأنها سنية وعربية في آن. هل يأمر فكر «الثورة الإسلامية» في إيران، أن يكون كل الجلادين في السجون السورية والعراقية شيعة إيرانيين أو من ميليشيات حزب الله والحوثيين، ويتسلطون على المعتقلين السنة، بل لنقل المعتقلات السنة تحديداً.
إذا كان ذلك فكر الولي الفقيه، فعلينا أن نتصور تلك السعادة الغامرة على وجهه وعلى وجوه المسؤولين في المؤسستين الدينية والسياسية في إيران، عندما يرون أشلاء أطفال السنة وقد قطعت ونساؤهم قد اغتصبت، ولا شك أنهم يوزعون الورود عندما تفرّغ مدينة سورية سنية من ساكنيها، فيأتون فوراً كالحمر المستنفرة ليحتلوها ويقتلوا من بقي من أهلها بذنب أنهم سنة.
من الحماقة بمكان، أن نتصور أن الفكر الإرهابي مرتبط بالسنة، وإنما يرتبط الفكر الإرهابي أساساً بما يُسمى المجتمع الدولي وأدواته، الأول ممثلاً بالغرب والولايات المتحدة، والثاني بأدواته ممثلة في إيران والكيان الصهيوني وبعض الحكومات الإقليمية التي لا تمثل ديناً ولا عقيدة.
الولايات المتحدة الأميركية بالذات منشأ الإرهاب الدولي الذي بدأ بقتل سبعين مليون من الهنود الحمر، ولم ينته بعد، مروراً بقتل مليون ونصف مليون عراقي وتهجير مثلهم، ثم بترك بشار الأسد يذبح أطفال المسلمين السنة ويدمر مدنهم. وبسبب شدة الإجرام الأميركي تمّ استخدام أفكار الحقد الطائفي الإيراني لتحقيق ذلك الغرض، فسلط مجموعات من الإرهابيين الشيعة على الأبرياء في سورية لتنتقم لعلي من معاوية رضي الله عنهما، ولكي لا يقوم أطفال درعا بسبي زينب مرتين.
يتفرج المجتمع الدولي على ميليشيات الحوثيين وهم يحتلون اليمن ويقتلون السنة فيه، ويتركون حزب الله ليعيث فساداً في لبنان وسورية، كما يشجعون تلك الميليشيات ويدعمونها. وفي الوقت نفسه يستخدمون الحكومات السنية لمحاربة السنة، والقضاء على أي تجمع أو فكر لديهم.
حلال على الشيعة أن يقطعوا رؤوس السنة وأن يحتلوا بلاداً إسلامية، وحرام على السنة أن يدافعوا عن أرضهم وعن بلادهم، بل حرام عليهم أن يعلنوا عن عقيدتهم، لدرجة أنهم سلطوا علينا كتّاباً وصحفاً ومحطات فضائية تتكلم بلغتنا وتريد تدمير عقيدتنا وديننا فلم يبق هزيل ولا وضيع إلا وتكلم عن التطرف والإرهاب وهو لا يقصد بذلك إلا الإسلام والمسلمين.
لن يدوم الأمر طويلاً، ستنتصر الثورة السورية «وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون».

العراق وجنرالات وميلشيات سرقة المنازل / نزار السامرائي



 نسب العميد السابق في المؤسسة العسكرية العراقية إبان حكم الرئيس السابق صدام حسين سبب فشل الجيش العراقي الحالي في حربه ضد تنظيم «الدولة الاسلامية» الى ما اسماه «أسلوب القوات الإيرانية» قائلا: «الجيش العراقي حاليا فيه من الجنرالات أكثر مما في جيوش الصين وروسيا والولايات المتحدة كل على انفراد وربما مجتمعة، لكن معظم هؤلاء الجنرالات لم يتخرجوا من الكلية العسكرية العراقية، ومع ذلك فإنهم يضعون مع رتبهم خرقة حمراء تشير إلى أنهم ضباط ركن، أي أنهم تخرجوا من الكلية العسكرية وبعدها من كلية القيادة في حال كونهم من الضباط المتفوقين المتميزين أثناء عملهم في وحدات الجيش أو على مقاعد الدراسة النظرية والعملية في الكلية العسكرية، ومن ينجح في كلية القيادة فسوف يكون مهيئا لدخول كلية الأركان» .
فمن أين جاء هؤلاء الجنرالات وهل يصلحون لقيادة الأفواج والألوية التي تخوض معارك طاحنة في أكثر من مدينة ومحافظة في الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية»، وهل أن دحر هذا التنظيم هو هدفهم النهائي؟
ولعل الإجابة على هذا التساؤلات تختصر في جملة واحدة، هي أن الجيش الحالي لا يعدو كونه «تجمعا ميليشياويا لا أكثر»، فمعظم هؤلاء الضباط منحدرون من ميليشيات، واقتصرت خبرتهم على تنفيذ مهمات لا صلة لها بالواجبات العسكرية، ولكن الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر قرر دمجهم في وحدات الجيش البديل الذي أمر بتشكيله، لكنهم عانوا من أزمة مراجع أثناء تأديتهم لواجبهم في وحدات الجيش، إذ بقي ولاؤهم للقيادات الدينية والسياسية التي جاءت بهم إليه، وهنا تكمن أخطر أسباب تفكك المؤسسة العسكرية وانعدام الضبط فيها والذي يعد أهم عامل لتماسك الوحدة العسكرية وتنفيذها لواجباتها.
وتعود جذور المسألة لفترة الحرب العراقية الإيرانية، حين أصرت القيادة الإيرانية الدينية والعسكرية، على زج الكتل البشرية المتلاحقة في الحرب العراقية الإيرانية، واستطاعت تلك الكتل تحقيق مفاجآت في العمليات، ولكنها لم تستطع تحويل إنجازاتها الأولية إلى نتائج ثابتة فوق مسرح العمليات، أي الاحتفاظ بمكاسبها الأولية، إذ سرعان ما تأتي أرتال القوات العراقية المدرعة والآلية فتستعيد ما خسرته القوات المدافعة من مواضع وأرض.
ولعل ما يجري في الوقت الحاضر أن «القوات المسلحة العراقية» استعارت من القوات الإيرانية التي كانت تقاتلها في حرب الثماني سنوات، أسلوب زج الكتل البشرية في معاركها ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، وذلك لتعويض النقص الحاصل في القوة البشرية في جيش الحكومة، بسبب وجود عشرات الآلاف من الجنود والضباط «الفضائيين»، فذهب التحالف الشيعي الحاكم إلى زج ميليشيا «الحشد الشعبي» التي تشكلت بفتوى الجهاد الكفائي التي أصدرها المرجع الشيعي علي السيستاني، لسد النقص في القوة القتالية في الجيش.
وفي لقاء تلفزيوني لعضو في لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب، قال إنه وأثناء إشرافه على حركة إحدى الفرق العسكرية للتوجه إلى مناطق القتال، فوجئ بأن موجود الفرقة لم يزد على 400 عسكري، من قائد الفرقة إلى أصغر جندي، وعند السؤال من قائد الفرقة عن عدد منتسبيها المسجلين قال إنهم ثمانية آلاف، ولكن معظمهم لبوا نداء المرجعية وفضلوا القتال مع الحشد الشعبي بدلا من القتال مع الجيش.
وقال النائب إن قائد الفرقة كان يبرر فساده هو وضباط الفرقة وتستره على وجود أسماء وهمية لأكثر من 7600 جندي وضابط في فرقته، وهو ما يفسر حديث رئيس الوزراء حيدر العبادي عن وجود الفضائيين في المؤسسة العسكرية، والذي وعد بمواصلة الكشف عن تفاصيلهم الكاملة ولكنه توقف من دون إعطاء تفسير.
لكن المراقبين الذين تابعوا أساليب القتال وإدارة المعارك في المناطق ذات الأغلبية السنية الساحقة، والتي أدارها الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني وهادي العامري قائد فيلق بدر، وخاصة في جرف الصخر ومدن محافظة ديالى المتاخمة لإيران وبيجي، أشاروا إلى أن كثيرا من الشباب العاطلين عن العمل يفضلون التطوع للحشد الشعبي من أجل إعطاء عملهم صفة دينية والحصول على وجاهة اجتماعية في المدن الشيعية، ثم التحرك بلا قيود عسكرية نظامية على سلوكهم أثناء المعارك أو بعد دخول المدن السنية.
وبينوا أنهم يجدون في وجودهم مع الميليشيات سببا لثراء سريع لا يتحقق لهم من الوظائف الحكومية، فلا أحد يردعهم عن انتهاك حرمة منازل المواطنين ونهب ما فيها واعتبارها غنائم حربية، وهذا ما حصل فعلا عندما أقيمت أسواق على أطراف تلك المدن لبيع الممتلكات المصادرة. سكان المدن الموضوعة على لائحة الانتظار القاتل، لا يريدون بقاء داعش، ولكنهم يرتعبون من مجرد احتمال دخول قوات الحشد الشعبي الشيعية المعبأة بثقافة التطهير الطائفي، لأنهم يعرفون أنهم سيعاملون بالطريقة نفسها التي يتم التعامل بها مع داعش حتى أولئك الذين اضطهدتهم داعش.
ولهذا قال لي صديق يسكن مدينة المقدادية في محافظ ديالى، «لا استطيع تمثيل دور من يفرح بسيطرة ميليشيا شيعية على مدينتي، من المؤكد أنها ستهجرنا من منازلنا وتستولي على أملاكنا وبساتيننا هذا بفرض أننا سننجو من الموت، فنحن في مدينة يشطرها الطريق الدولي الرابط بين بغداد والحدود الإيرانية إلى نصفين، وهذا الطريق يجب ألا يبقى على مقربة منه مواطن سني واحد، لأن تلك الميليشيات مصممة على حماية قوافل زوار المراقد الشيعية مهما كان الثمن».



الأحد، 4 يناير 2015

المرونة والتفاعل الصحيح سر نمو الصين / تشانج جون



يشعر العديد من الناس بالتشاؤم العميق إزاء آفاق النمو الاقتصادي في الصين، وذلك بسبب ظهور الديون الضخمة، والاستثمار المفرط، والقدرة الزائدة، وما يسمى "مدن الأشباح"، منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في عام 2008. ولكن هذه المشاكل ليست جديدة. فقد أثرت، على أكثر من نحو، على الاقتصاد الصيني منذ عام 1978، وكانت واضحة في اقتصادات أخرى عالية الأداء في شرق آسيا تايوان، وكوريا الجنوبية، بل وحتى اليابان خلال فترات النمو السريع التي مرت بها.
ورغم هذا، سجلت الصين نمواً سنوياً بلغ في المتوسط 9.7% على مدى خمسة وثلاثين عاماً منذ بدأ دنج شياو بينج برنامج "الإصلاح والانفتاح". واستغرق الأمر أربعين عاماً فقط لإتمام انتقال كوريا الجنوبية وتايوان من حالة الدخل المنخفض إلى حالة الدخل المرتفع.
ولكن كيف تمكنت هذه الاقتصادات من النمو بهذه السرعة ولهذه الفترة الطويلة والتغلب على المشاكل الخطيرة التي واجهتها على طول الطريق؟ الإجابة بسيطة: المرونة.
إن التنمية الاقتصادية عملية معقدة، وذاخرة بالتحديات والمخاطر، والنجاحات والإخفاقات، والصدمات الخارجية والتقلبات الداخلية. ومن الواضح أن التأثيرات الضارة مثل ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي والقدرة الزائدة حتمية.
وإذا فشل أي بلد في الاستجابة على النحو الملائم للتحديات الجديدة كلما نشأت، فسوف يتوقف النمو الاقتصادي والتنمية لا محالة. على سبيل المثال، أصبحت عدة بلدان في أميركا اللاتينية وجنوب آسيا غارقة في ما يسمى "فخ الدخل المتوسط"، لأنها فشلت في تعديل نماذج النمو في الوقت المناسب.
وبهذا المعنى فإن اقتصادات شرق آسيا تبنت عملية "التدمير الخلّاق" التي وصفها رجل الاقتصاد النمساوي جوزيف شومبيتر، والتي تجعل البنية الاقتصادية في حالة من التغيير الجذري المستمر من الداخل. وعلاوة على ذلك، من خلال تنفيذ إصلاحات تراكمية تعمل على تسهيل بل وحتى تشجيع إحلال موارد النمو القديمة غير الفعّالة بموارد جديدة أكثر ديناميكية، نجحت هذه الاقتصادات في التعجيل بهذه العملية.
على سبيل المثال، جاء تحفيز الإصلاحات الزراعية المعززة للإنتاجية في ثمانينيات القرن العشرين جزئياً بفعل النمو في القطاع غير الزراعي، نتيجة لسياسات استهدفت تحفيز روح المبادرة التجارية في البلدات والقرى. وعلى نحو مماثل، عكفت الصين في التسعينيات على معالجة تراكم الديون الرديئة ومشاريع البناء التي لم تكتمل نتيجة للخسائر المزمنة التي تتكبدها الشركات المملوكة للدولة والإفراط في الاستثمار في العقارات، على التوالي من خلال تنفيذ إصلاحات مؤسسية عملت على تحفيز النمو في قطاعات أكثر ديناميكية، وبالتالي التعويض عن العائد المتدهور على رأس المال في الشركات المملوكة للدولة.
وبالتالي، كانت المرونة السمة المميزة للتفاعل بين الحكومة والأسواق منذ إطلاق إصلاحات دنج. ووفقاً لرجل الاقتصاد الراحل جوستاف رانيز فإن ديناميكية التفاعل بين السياسات ومؤسسات السوق كانت المفتاح إلى نجاح اقتصادات شرق آسيا. على سبيل المثال، ساعدت إزالة المركزية المالية في الصين، والتي حفزتها مطالبة المؤسسات المحلية بالمزيد من الاستقلال، في تغذية المنافسة الإقليمية والحفاظ على بيئة اقتصادية داعمة للسوق بشكل متزايد.
كما انعكست هذه الديناميكية التفاعلية في تشكيل السياسات الصناعية. ففي الصين، وبرغم ازدهار تكتلات نشطة من شركات التصنيع الأصغر حجما، لم يفعل صناع السياسات سوى القليل نسبياً لتشجيع التنمية الصناعية ورفع مستوى الصناعات. وهذا من شأنه أن يترك لمؤسسات السوق توجيه العملية على النحو الذي يضمن اضطلاعها بدور أساسي في القطاعات الصناعية المتوسعة.
وتمثل الحكومات المحلية في شرق آسيا مصدراً آخر للمرونة. فبادئ ذي بدء، تتولى الحكومات المحلية المسؤولية عن الإنفاق الرأسمالي العام، الذي يدفع عملية تحسين البنية الأساسية المادية ويدر عوائد معقولة على الاستثمارات الخاصة. وهذا من شأنه أن يعزز هدف مساعدة الشركات المحلية، وخاصة الشركات المبدعة الصغيرة والمتوسطة الحجم، على تحقيق النمو والازدهار. ولتحقيق هذه الغاية، تعمل الحكومات المحلية أيضاً على مساعدة رجال الأعمال على الوصول إلى سلاسل الإنتاج العالمية. وكانت مقاطعات مثل تشيجيانج وجوانجدونج ناجحة بشكل خاص في هذه الجهود وليس من المستغرب أن تحتل هذه المقاطعات مرتبة عالية بين الاقتصادات الإقليمية الأكثر نشاطاً في الصين.
وأخيرا، أثبتت الحكومات المحلية استعدادها لدعم الإبداع المؤسسي. وهذا يسمح بالقدر اللازم من المرونة لمعالجة التحديات البنيوية على المستوى المحلي، وبالتالي منعها من عرقلة النمو.
بعد ثلاث سنوات من النمو المتباطئ والديون المرتفعة، تجد الصين نفسها مرة أخرى عند مفترق طرق. ومن حسن الحظ أنها تختار فيما يبدو مسار المرونة والتكيف، في حين تلاحق خطة إصلاح طموحة من المؤمل أن تمكنها من الاقتراب من عتبة الدخل المرتفع وعبورها في نهاية المطاف.

تشانج جون أستاذ الاقتصاد، ومدير مركز الصين للدراسات الاقتصادية بجامعة فودان في شنغهاي.

ثمن هز الأكتاف 4.3 بليون دولار / هاورد ديفيز




في نوفمبر، أعلنت هيئة السلوك المالي في المملكة المتحدة عن تسوية تقضي بتغريم ستة بنوك ما مجموعه 4.3 بليون دولار أميركي لتلاعب هذه البنوك بسوق الصرف الأجنبي. ورغم هذا، لم تتأثر أسعار الأسهم إلا بالكاد. ولكن لماذا؟

الواقع أن الممارسات الشائنة والإخفاقات الإدارية التي كَشَف عنها تحقيق دام عاماً كاملاً والتي أدت إلى هذه الغرامات كانت صادمة ومروعة. وقد كشفت الرسائل المتبادلة على البريد الإلكتروني والمحادثات شبه الأمية في غرف الدردشة بين تجار فاسدين عن مؤامرات وقحة للتلاعب بسعر صرف ما بعد الظهيرة طلباً للربح وتحقيق مكاسب شخصية. وكان كبار المديرين مهملين إلى الحد الذي جعلهم يسمحون لموظفيهم بالتصرف وكأنهم أطفال مدللون مبتذلون يحصلون على أجور أعلى مما يستحقون. فباستخدام أسماء مستعارة مثل «الفرسان الثلاثة» و»الفريق أ»، فعلوا كل ما يحلو لهم، وبتكلفة هائلة تحملتها مؤسساتهم.ولكن، برغم الغرامة الضخمة التي فرضتها هيئة السلوك المالي، فلم يُرغَم أي مسؤول تنفيذي كبير على «الانتحار»، ولم تتجاوز ردود فعل المستثمرين هز الكتفين بلا اكتراث. ومن بين الأسباب بطبيعة الحال أن هذه التسوية كان من المعروف أنها قادمة؛ ولم تكن الأخبار الجديدة سوى تلك المتعلقة بتفاصيل الجرائم وحجم الغرامات.ولكن السبب الأكثر أهمية رغم ذلك هو أن حتى مبلغ الـ 4.3 بليون دولار ليس أكثر من دريهمات قليلة مقارنة بمجموع الغرامات وتكاليف التقاضي التي تكبدتها البنوك الكبرى على مدى السنوات الخمس الماضية. وتشير تقديرات محللي شركة مورجان ستانلي إلى أن أعلى 22 بنكاً في الولايات المتحدة وأوروبا أرغِمَت على دفع 230 بليون دولار منذ عام 2009 ــ أكثر من خمسين ضعف تكلفة تسوية هيئة السلوك المالي. وهذا علاوة على الخسائر الثقيلة التي تكبدتها البنوك بسبب الإقراض الرديء والهندسة المالية المفرطة في الطموح.
وقد تكبدت بنوك أميركية أكثر من نصف هذه العقوبات الضخمة. وكانت الفاتورة التي تحملتها البنوك الأوروبية أعلى قليلاً من 100 بليون دولار ــ ونصف هذا المبلغ تقريباً تحملته أعلى سبعة بنوك بريطانية.ولكن الأرقام لا تنبئنا بأكثر من جزء من القصة. ففي الولايات المتحدة، هيمنت على العقوبات غرامات عن مبيعات من أوراق مالية مدعومة بالرهن العقاري وتم تسويقها بشكل مضلل، وغالباً لكيانات تدعمها الحكومة مثل فاني ماي وفريدي ماك. ومن الإنصاف أن نقول إن البنوك لا تقبل بشكل كامل الحجج التي تسوقها الهيئات التنظيمية في هذا الشأن، ولكنها دفعت على مضض. (فرضت الهيئات التنظيمية الأميركية أيضاً عقوبات عالية على بنوك أجنبية بسبب انتهاكات لعقوبات أميركية مرتبطة بإيران).
ويشير تحليل مورجان ستانلي إلى أننا من الممكن أن نتوقع 70 بليون دولار أخرى من الغرامات وتكاليف تقاضي على مدى العامين المقبلين بسبب أخطاء وحالات سهو تم تحديدها بالفعل. وقد تنشأ حلقات جديدة؛ فقبل عامين لم يكن أحد ليتوقع التداعيات المترتبة على التلاعب بأسواق صرف النقد الأجنبي.
والمفارقة هنا ــ والتي لم تغب على المديرين الماليين للبنوك الكبرى ــ هي أنه بقدر سرعة البنوك في إضافة رأس المال من إصدارات الحقوق والأرباح التي تحتفظ بها لتلبية مطالب الهيئات التنظيمية الاحترازية، تستنزف هيئات تنظيم السلوك الأموال. والآن أصبح حجم العقوبات كبيراً بالقدر الكافي لإحداث تأثير كبير على ميزانيات البنوك العمومية، وتأخير استعادة صحتها، وتقييد قدرتها على الإقراض.والواقع أن بعض المال، وبخاصة في المملكة المتحدة، أعيد إلى مستهلكين أفراد. ولكن القدر الأكبر من المال ذهب إلى الهيئات التنظيمية ذاتها ثم إلى الحكومات الوطنية. وفي المملكة المتحدة، ساعدت الغرامات في تغطية تكاليف الهيئات التنظيمية: فقد خفضت العناصر السيئة الرسوم المفروضة على العناصر الطيبة، الأمر الذي خلق حلقة مرتدة إيجابية. واليوم، أصبحت المدفوعات كبيرة إلى الحد الذي حمل الحكومات على الاستيلاء عليها وتوجيه العائدات التي تزيد على تكاليف التنفيذ من قِبَل الهيئات التنظيمية إلى جمعيات قدامى المحاربين الخيرية.

خطوة أوباما " التاريخية " / نعوم تشومسكي



يُعتبر قرار استعادة العلاقات الديبلوماسيّة بين الولايات المتحدة وكوبا، والذي أُشيد به على نطاق واسع، حدثاً ذا أهميّة تاريخيّة. ويخلص في هذا الإطار مراسل مجلة «نيويوركر» الأميركية جون لي أندرسن إلى ردّ فعل عام ظهر بين المثقفين الليبراليين، عندما يقول إنّ «الرئيس الأميركي باراك أوباما أظهر أنّ في استطاعته أن يتصرّف كرجل دولة ذي ثقلٍ تاريخي، وهو ما أظهره راوول كاسترو أيضاً. وستكون هذه اللحظة بالنسبة إلى الكوبيين شافية عاطفياً، بالإضافة إلى كونها تحولاً تاريخياً. وبقيت علاقة كوبا مع جارتها الأميركية، القوية والغنية، مجمّدة منذ الستينيات، ولأكثر من نصف قرن. وقد جُمّدت مصائرهم كذلك. تعتبر المسألة ذات أهمية كبيرة بالنسبة إلى الأميركيين أيضاً. يُعيدنا السلام مع كوبا، للحظات، إلى ذلك الوقت الذهبّي عندما كانت الولايات المتحدة أُمّة مُحبّبة في جميع أنحاء العالم، عندما كان الشاب الوسيم جون كينيدي في منصبه – وذلك قبل فيتنام، وقبل أليندي، وحتى قبل العراق، وكل المآسي الأخرى – الأمر الذي يسمح لنا بالشعور بالفخر حيال أنفسنا للقيام أخيراً بخطوة في الاتجاه الصحيح».
لم يكن الماضي بهذه المثالية التي يُصوّر فيها، وكأنه استمرار لمملكة كاميلوت. فجون كينيدي لم يكن «قبل فييتنام» – ولا حتى قبل أليندي والعراق، ولكن لندع ذلك جانباً. عندما تسلّم كينيدي منصبه (كانون الثاني 1961)، كانت وحشية نظام ديم في فيتنام (الجنوبية) التي فرضتها الولايات المتحدة، قد أثارت، أخيراً، مقاومة داخلية لم يعد بإمكان أميركا السيطرة عليها. لذا واجه كينيدي ما أسماه «الهجوم من الداخل»، أو «العدوان الداخلي»، وهي عبارة لافته يُفضّل سفير كينيدي لدى الأمم المتحدة أدلاي ستيفنسون استخدامها.
وبناء على ذلك، صعّد كينيدي من التدخل ضدّ العدوان الصريح، آمراً سلاح الجو الأميركي بقصف فيتنام الجنوبيّة، كما أجاز استخدام النابالم، والأسلحة الكيميائية لتدمير المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية، وأطلق برنامجاً لاقتياد الفلاحين إلى معسكرات الاعتقال الافتراضية بهدف «حمايتهم» من المقاتلين الذين كانوا يدعمونهم، كما تعلم واشنطن.
مع حلول العام 1963، بدا أن الحرب التي يقودها كينيدي تقترب من النجاح، بحسب التقارير الواردة آنذاك، ولكنّ مشكلة خطيرة ظهرت في المقابل. ففي آب من العام ذاته، علمت الإدارة الأميركية أنّ حكومة ديم الجنوبية بدأت تسعى إلى مفاوضات مع فيتنام الشمالية بهدف إنهاء الصراع.
ولو كان لدى جون كينيدي أدنى نيّة للانسحاب، حين كانت الفرصة مثالية ومؤاتية للقيام بذلك، من دون أيّ تكلفة سياسية، كان بإمكانه الادّعاء أنّ الثبات الأميركي والدفاع المبدئي عن الحريات أرغما الفيتناميين الشماليين على الاستسلام. ولكن خلافاً لذلك، أيّدت واشنطن انقلاباً عسكرياً لتثبيت جنرالات يعتبرهم كينيدي أكثر انسجاماً مع التزاماته الفعليّة، وقتل، في هذه العمليّة، الرئيس ديم وشقيقه. ومع اقتراب النصر، وافق كينيدي، على مضض، على اقتراح كان قد تقدّم به وزير الدفاع آنذاك روبرت ماكنمارا لبدء سحب القوات الأميركية (NSAM 263)، ولكن بشرط حاسم: بعد الانتصار. وحافظ كينيدي على رغبته بإصرار، حتى اغتياله بعد بضعة أسابيع (تشرين الثاني 1963). وتم تلفيق الكثير من الأوهام بشأن تلك الأحداث، إلا أنها انهارت بسرعة تحت وطأة السجل الوثائقي الذي كان غنياً.
القصة، على المقلب الآخر، لم تكن مثالية كذلك، كما هو الحال في أساطير كاميلوت. وكانت إحدى أكثر قرارات كينيدي المترابطة منطقياً، عندما حوّل، في العام 1962، مهمّة الجيش الأميركي اللاتيني من «الدفاع في نصف الكرة الغربي» – المستمرة منذ الحرب العالمية الثانية – إلى «الأمن الداخلي»، أي بتعبير ألطف الحرب ضدّ العدو الداخلي: السكان.
ووفقاً لتشارلز ميتشلينغ، الذي قاد مكافحة التمرّد والتخطيط الدفاعي الداخلي في الولايات المتحدة في الفترة بين العامين 1961 و1966، فبعد قرار كينيدي، تحوّلت السياسية الأميركية من التسامح بشأن «جشع وقسوة الجيش الأميركي اللاتيني» إلى «التواطؤ المباشر» مع جرائمهم، وكذلك إلى الدعم الأميركي لـ «أساليب فرق الإبادة على غرار تلك التي كانت تابعة لهاينريش هيملر». ولأولئك الذين لا يفضّلون ما يسميه المتخصّص في العلاقات الدوليّة مايكل غلينون بـ «الجهل المتعمّد»، يمكنهم استخدام التعابير التي تناسبهم.
الوقائع واضحة للعارفين، بالرغم من انها لم تمرّ في «مصفاة» الثقافة الفكرية والشعبية العامة، وهي لذلك تشكل مفاجئة لمعظم الأميركيين، بمن فيهم قطاعات المتعلّمين. وبحسب الباحث اللاتيني جون كوتسوورث في الفصل الذي يتحدّث فيه عن أميركا الوسطى في الدراسة العلميّة الصادرة عن جامعة كامبريدج حول الحرب الباردة، فإنّ «التكلفة البشرية» لهذا الجهد، كانت مرتفعة جداً. فبين العام 1960، وهو الوقت الذي فكّك فيه السوفيات معسكرات الاعتقال لدى ستالين، والعام 1990 الذي شهد انهيار الاتحاد السوفياتي، فإن عدد المعتقلين السياسيين وضحايا التعذيب والإعدامات بحق المعارضين السياسيين السلميين في أميركا اللاتينية، تجاوزت إلى حدّ كبير تلك الموجودة في الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية. بعبارة أخرى، فما بين العامين 1960 و1990، كانت الكتلة السوفياتية ككل أقل قمعاً، من حيث أعداد الضحايا البشرية، مقارنة بالعديد من بلدان أميركا اللاتينية».
وفي كوبا، ورث كينيدي سياسة سلفه دوايت إيزنهاور، التي قامت على الحصار وكذلك على خطط رسميّة لقلب نظام الحكم، سرعان ما تصاعدت من خلال غزو «خليج الخنازير». وتسبب فشل ذلك الغزو، بما يمكن وصفه بالهستيريا في واشنطن.
لم تختلف إجراءات كينيدي العمليّة عن تصريحاته. إذ أطلق حملة إرهابيّة قاتلة لجلب «أهوال الأرض» إلى كوبا، بحسب تعبير المؤرخ ومستشار الرئيس الأميركي آرثر شليزينغر. وبمعزل عن قتل الآلاف إلى جانب الدمار الكبير، كانت، «أهوال الأرض» عاملاً رئيسياً في اقتراب العالم إلى حافة حرب نوويّة، كما تكشف الدراسات الأخيرة. واستأنفت الإدارة الأميركية هجماتها الإرهابية حالما هدأت أزمة الصواريخ الكوبيّة (تشرين الأول 1962).
وهناك معيار مُحدّد للتهرب من المسائل غير السارة، وهو الحفاظ على مؤامرات وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ضدّ فيدل كاسترو. تلك المؤامرات كانت موجودة فعلاً، لكنها كانت هامشيّة مقارنة بالحرب الإرهابيّة التي شنّها الأخوان كينيدي (جون وروبرت) بعد فشلهما في غزو خليج الخنازير، وهي حرب تصعب مطابقتها في سجلّات الإرهاب العالمي.
ويكثر الجدل حول ما إذا كان يجب شطب كوبا من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، وهو ما يعيد إلى الأذهان كلمات كورنِليوس تاسيتُس (مؤرخٌ ورئيس قضاة في إحدى مقاطعات الإمبراطورية الرومانية): «عندما تُكشف الجريمة، فلا ملجأ لها سوى الوقاحة»، إلا أنها لم تُكشف، وذلك بفضل «خيانة المثقّفين».

بعد توليه منصبه عقب اغتيال كينيدي، قلص الرئيس الأميركي ليندون جونسون من سياسات الإرهاب، لكنه لم يكن ليسمح لكوبا أن تعيش بسلام. وشرح جونسون للسيناتور فولبرايت أنّه «لن يدخل في أيّ صفقة تتعلّق بخليج الخنازير»، لكنه أكد حاجته إلى نصيحة بشأن «ما يتعيّن على أميركا القيام به للتضييق على كوبا أكثر».
إلا أن البعض شعر أنّ الوسائل المعتمدة لهذا الغرض لم تكن كافية. من بين هؤلاء عضو المجلس الوزاري المصغّر الكسندر هيغ، الذي طلب من الرئيس جونسون أن يسمح له بتحويل «تلك الجزيرة اللعينة (كوبا) إلى موقف للسيارات».
وقد عبر هذا الكلام عن الإحباط الذي كان يعاني منه القادة الأميركيون بشأن «الجمهورية الكوبية الشيطانية»، بحسب تعبير ثيودور روزفلت، الذي غضب بشدة بسبب عدم قبول كوبا مكرُمة الغزو الأميركي في العام 1898، وتحويلها إلى مستعمرة افتراضية.
وقد علّق المؤرخ الكوبي لويس بيريز بالقول إنّ التدخل الأميركي، الذي اعتبر بمثابة تدخّل إنساني لتحرير كوبا من الاستعمار الاسباني حينها، حقّق أهدافه الفعلية في «تحويل حرب التحرّر الكوبيّة إلى فتوحات أميركية».
كيف تغيّرت الأمور خلال قرنين من الزمن؟
كانت هناك جهود مبدئية لتحسين العلاقات الأميركية - الكوبية خلال السنوات الخمسين الماضية، وهو ما استعرضه، بالتفصيل، وليام ليوغراندي وبيتر كورنبلا في دراستهما الشاملة الأخيرة بعنوان: «قناة العودة إلى كوبا». وسواء شعرنا «بالفخر» بفضل الخطوات التي اتّخذها الرئيس باراك أوباما أم لا، إلا أن ما حصل يعدّ بالتأكيد «خطوة صحيحة»، برغم أنّ الحصار المفروض على كوبا ما زال قائماً، في تحدٍ للعالم بأسره (باستثناء إسرائيل)، فيما السياحة ما زالت ممنوعة.
وخلال خطابه الذي أعلن فيه عن السياسة الجديدة، لمّح الرئيس الأميركي إلى أنّ معاقبة كوبا ستستمر بسبب رفضها الخضوع للإرادة والعنف الأميركيين. ومع ذلك، فإن ما يلي من خطابه كان جديراً بالاهتمام:
لقد دعمت الولايات المتحدة، بكل فخر، الديموقراطية وحقوق الإنسان في كوبا خلال العقود الخمسة الأخيرة. وقد فعلنا ذلك من خلال سياسات تهدف إلى عزل الجزيرة. وبرغم أنّ النوايا خلف تلك السياسة كانت حسنة، لم تنضم إلينا أيّ دولة أخرى في فرض العقوبات التي لم يكن لها أثر يذكر، باستثناء إعطاء ذريعة للحكومة الكوبية لفرض القيود على شعبها. اليوم سأكون صادقاً معكم: لا يمكن أبداً أن نمحو التاريخ بيننا وبين كوبا.
على المرء أن يُعجب بالجرأة المذهلة لتلك التصريحات، والتي تذكّرنا مرّة أخرى بكلمات كورنِليوس تاسيتُس (مؤرخٌ ورئيس قضاة في إحدى مقاطعات الإمبراطورية الرومانية): «عندما تُكشف الجريمة، فلا ملجأ لها سوى الوقاحة». بالطبع، لا يجهل أوباما التاريخ الفعلي، والذي يتضمّن بالإضافة إلى الحرب الإرهابية القاتلة والحصار الاقتصادي الفاضح، احتلالاً عسكرياً لجنوب شرق كوبا منذ أكثر من قرنٍ مضى، برغم مطالبة الحكومة الكوبية، منذ الاستقلال، استرداد ما سُرق منها تحت تهديد السلاح. وعلى سبيل المقارنة، تبدو سيطرة بوتين، غير المشروعة، على شبه جزيرة القرم حميدة.
لقد بلغ التفاني ذروته بهدف الانتقام من الكوبيين الذين يقاومون الهيمنة الأميركية، إذ أبطلت رغبات قطاعات قوية مثل مجتمع الأعمال أو حتى المستحضرات الطبية في التطبيع، ما يعتبر تطوراً غير عادي في السياسة الخارجية الأميركية.
وترغب واشنطن ومعاونوها في التظاهر بأنهم «عزلوا» كوبا، بحسب تصريح أوباما، لكن السجل يُظهر بوضوح أن الولايات المتحدة هي التي جرى عزلها، وهو ما يمكن أن يكون السبب الرئيسي للتغيير الجزئي الذي طرأ.
لا شك أنّ الرأي العام المحلّي كان له دور أساسي في خطوة أوباما «التاريخية»، برغم أنّ الجمهور كان يعمل لمصلحة التطبيع منذ فترة طويلة. فقد أظهر استطلاع للرأي للعام 2014 نشرت نتائجه شبكة «سي ان ان»، أنّ ربع السكان الأميركيين يعتبرون أنّ كوبا تُشكّل تهديداً خطيراً على الولايات المتحدة، بالمقارنة مع أكثر من ثلثي الشعب الأميركي عندما كان ريغان في منصبه (1981 – 1989).
وتعليقاً على قرار أوباما، كانت الفكرة الرائدة تدور حول جهود واشنطن «الحميدة» التي تهدف إلى تحقيق الديموقراطية وتعزيز حقوق الإنسان في كوبا. ولكن «الأهداف السامية» لم تتحقّق، لذا فإن تغيير السياسات كان مطلوباً.
هل كانت السياسات فاشلة؟ هذا يعتمد بالضرورة على الأهداف. وفي هذا السياق، يبدو الجواب واضحاً إذا ما ألقينا نظرة على السجل الوثائقي. كان التهديد الكوبي مألوفاً، إذ كان جزءاً من الحرب الباردة. لكن القلق الأساسي تركز حول احتمال ان تتحول كوبا إلى «وباء» وأن «تنشر العدوى»، في استعارة لتعبير كيسنجر عندما أشار إلى الرئيس التشيلي الراحل سلفادور أليندي.
وللتركيز على أميركا اللاتينية، أنشأ كينيدي، قبل توليه منصبه، «بعثة أميركا اللاتينية» برئاسة مستشاره آرثر شليزينغر. وقد حذّرت البعثة من إعجاب الأميركيين اللاتينيين «بفكرة قيام كاسترو بالاهتمام بالمسائل على طريقته»، وهو ما اعتبره شليزينغر خطراً حقيقياً. وكان شليزينغر يكرر رثاء وزير الخارجية جون فوستر دالاس الذي اشتكى للرئيس إيزنهاور من الأخطار التي يشكلها «الشيوعيون»، إذ إن في استطاعتهم «السيطرة على الحركات الجماهيرية»، الأمر الذي اعتبره ميزة غير عادلة «ليست لدينا القدرة على تكرارها».
وكانت الطريقة المُثلى للتعاطي مع أي وباء قابل للانتشار، تتمثل بقتل ذلك الوباء وتطعيم الضحايا المحتملين. تلك السياسة الحساسة التي سعت واشنطن إلى تحقيقها باعتبارها هدفاً رئيسياً، كانت سياسة ناجحة. وجرى «تلقيح» المنطقة بالديكتاتوريات العسكرية الشرسة لمنع انتقال العدوى، بدءاً بالانقلاب العسكري في البرازيل بعد وقت قصير من اغتيال كينيدي.
الأمر نفسه ينطبق على حرب فيتنام، التي توصف بالهزيمة أو الفشل الأميركي. لقد كانت واشنطن تخشى من انتقال العدوى إلى المحيط، ومن وصول هذه العدوى إلى اندونيسيا، أو إلى اليابان حتى، التي كان بإمكانها تطويع شرق آسيا لتتحول إلى مركزها الصناعي والتقني. هكذا، دمرت فيتنام تماماً. لم تعد نموذجاً لأحد. وتمت حماية المنطقة عبر استيلاد ديكتاتوريات دموية، تماماً كما حصل في أميركا اللاتينية في السنوات ذاتها.
لقد شكلت فيتنام نجاحاً جزئياً بهذا المعنى. لم تتمكن الولايات المتحدة من تحقيق هدفها الأقصى المتمثل بتحويلها إلى فيليبين أخرى، لكنها تمكنت من تخطي هواجسها الكبرى، تماماً كما فعلت في كوبا، وفق المنطق الإمبريالي نفسه! اما ما تبقى من هذه السياسة فيمكن وصفه بالهزيمة، او الفشل، او القرارات شديدة السوء.
ترجمة ملاك حمود

هل يُستهدف التدين بعد «الإسلام السياسي»؟ / ياسر الزعاترة



ثمة نظرية في التعاطي مع الظاهرة الإسلامية ذات جذور صهيونية، ما لبث الغرب أن رحب بها، بخاصة بعد أن جرى تطبيقها على نحو ناجح (برأيه) في تونس «بن علي»، لكن الواقع العملي هو أن غالبية الأنظمة العربية قد طبقتها؛ بهذا القدر أو ذاك.
عنوان النظرية هو «تجفيف الينابيع»، وكان الصهاينة يشرحونها في سياق من الحديث عما يسمونه الإرهاب، قائلين إن محاربة بعوض الإرهاب لا يمكن أن يتم من خلال مطاردة كل بعوضة وقتلها، بل من خلال تجفيف المستنقع على نحو يقضي على كل البعوض.
في الحديث عن الظاهرة الإسلامية رأى دهاقنة الأنظمة، والناصحون لها من يساريين وليبراليين، وأحيانا من مشايخ ارتدوا على أدبارهم، أن ما يسمى الإسلام السياسي لم ينبت من الفراغ، وإنما هو نتاج التدين في المجتمع، وهو صانعه في آن، وإذا أرادوا تحقيق النجاح في محاربته، فلا بد من تحجيم ظاهرة التدين برمتها، ولن ينجحوا في ذلك من دون تقليل قيمة الدين في وعي الناس، وتسفيهه والحط من رموزه.
قبل سنوات ليست بعيدة نقل أحدهم حوارا قصيرا لرجل أعمال مع ضابط كبير في أمن الدولة في مصر كان يحتج على منع عمرو خالد من التدريس في أحد النوادي (نجل الرجل اهتدى من خلال دروس عمرو خالد بعد مرحلة ضياع). وحين قال رجل الأعمال إن الرجل (عمرو خالد) يخرج الشبان من أماكن اللهو والخراب إلى مربع الهداية، فكان رد الضابط، وإلى أين سيذهبون بعد ذلك؟!».
لماذا جاءت سيرة عمرو خالد التي تثير الحزن على ظاهرة دعوية جميلة ما لبثت أن وقعت في شرك السياسة فضيَّعت البوصلة؟!
نستعيد ذلك كله بين يدي ما يمكن للمراقب أن يلحظه في مصر، وعلى نحو أكثر سرعة مما توقعنا، ممثلا في استهداف الدين والتدين في المجتمع. وإذا كانت بعض الأنظمة قد استعانت بالسلفية التقليدية التي تنادي بطاعة ولي الأمر، وأخرى بالصوفية التي تغيّب الناس عن واقعهم من أجل محاربة الإسلام السياسي، فإن الموقف في مصر يبدو مختلفا هذه الأيام؛ إذ بدأت تجري ملامح واضحة لعملية استهداف للدين والتدين برمته، ويُرجَّح أن تتصاعد بالتدريج، وذلك من خلال إطلاق أعداد من صغار المشايخ كي يشككوا الناس في كل شيء. وربما في هذا السياق تنهض قصص موجة الإلحاد التي تنتشر بين الشباب.
قد يرى البعض أن من عمل الفضائيات الإثارة، وهي تبحث تبعا لذلك عن مشايخ يصدمون وعي الناس بطروحاتهم، لكن واقع الحال يقول: إننا أمام منظومة إعلامية تديرها مباحث أمن الدولة، وإن ما يجري ليس عفويا بحال من الأحوال، وقد حدث شيء من ذلك عمليا في مرحلة عبدالناصر حين استهدف جماعة الإخوان، وبدأت عملية تسخيف للتدين في وسائل الإعلام ومن خلال السينما التي أظهرت الشيخ بصورة «الأكول النكوح»، فكانت التراجع الذي وقع في منظومة الصحوة الإسلامية، والتي لم تبدأ رحلة صعودها من جديد إلا مع نهاية السبعينيات.
كل ذلك يعيدنا إلى تلك المجموعات التي حملها الثأر مع الإخوان، أو الطمع باحتلال مكانهم بعد استهدافهم، كما هو حال حزب النور، دفعها إلى تأييد الانقلاب، معتقدة أن موقفها هذا سيمنحها ما تريد، ولم يعتقد رموزها أن الاستهداف سيطال كل منظومة التدين في المجتمع، بوصفها هي ما ينتج ما يسمى الإسلام السياسي.
من هنا يمكن القول: إننا إزاء موجة من تسخيف الدين واستهداف المقدسات ستتصاعد في الواقع المصري، وربما يشمل ذلك أكثر الأنظمة العربية، بما فيها تلك التي تستند إلى شرعية دينية، ولا يقال إن دعم بعض المجموعات ضد الإخوان والجهاديين وغيرهم يؤكد التمسك بالدين، لأن من يفعلون ذلك يعلمون أن الصحوة مرتبطة بالاهتمام بشؤون الناس، وأية تدين ينحصر في الزوايا لا يمكنه البقاء في المدى المتوسط.
الصحوة الإسلامية في ضوء ذلك كله مستهدفة، وسنرى الكثير من معالم الاستهداف خلال المرحلة المقبلة، ليس في مصر وحدها، ولكن في معظم أنحاء العالم العربي، وستدرك تلك اللحى والعمائم التي شرَّعت الاستبداد أية جريمة ارتكبتها بحق الدين والتدين.
على أن ما ينبغي قوله أيضا هو أن لعبة كهذه لن تمر بسهولة، والأرجح أن لا تمر، لأن منظومة التدين في مجتمعاتنا باتت أكثر عمقا من أن يجري اقتلاعها، وما سيحدث هو أن موجة الربيع العربي ستعاود الصعود من جديد بعد أن تلتقط الشعوب وقواها الحية أنفاسها وتعيد ترتيب صفوفها وأوراقها مرة أخرى.