الجمعة، 31 يناير 2014

الائتلاف الوطني السوري إلى أين؟ / شمس الدين الكيلاني




مرَّ أكثر من عام، (11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013) على تشكيل (الائتلاف الوطني لقوى الثورة) السوري، لم يكن تأسيسه بالشيء السهل، وقد سبقه محاولات حثيثة للمعارضة، وكان المؤمل أن يتحول عند تأسيسه إلى قائد للثورة في شتى مجالات نشاطاتها، وممثلاً سياسياً للشعب في طموحه نحو الحرية، فهل استجاب الائتلاف للرهانات التي عُلقت على تأسيسه؟
فقد عانت الثورية السورية منذ انطلاقتها، في آذار 2011، من فراغ في القيادة، تكونت هيئات قيادية ميدانية، ثم جرت محاولة لجمع المعارضة قبل أن يتشكل (المجلس الوطني) إثر اجتماع للمعارضين، 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، في استنبول، تحت ضغط المتظاهرين السوريين، الذين وضعوا (هيئة التنسيق الوطني) رديفاً للنظام والتي تشكلت من مجموعات صغيرة يسارية وقومية. وتضمَّنت وثيقة (المجلس) التأسيسية الدعوة لدولة مدنية ديمقراطية على انقاض النظام. فأعلن الثائرون مباركتهم له في مظاهرات جمعة (المجلس الوطني يمثلني). مالبث أن وجد المجلس نفسه عاجزاً أمام ثقل المسؤوليات، فتآكلت شرعيته أمام الجمهور.
أتت مبادرة رياض سيف في ظروف اشتداد أزمة (المجلس) لتؤكد إلى أن " الحاجة تبرز كي تلتقي فصائل المعارضة السياسية في إطار جسم قيادي جامع لتناضل من أجل إسقاط نظام الأسد والانتقال نحو دولة ديمقراطية". فالتقت على هذه المبادرة القوى المختلفة في اجتماع الدوحة (ما بين 8 و11 تشرين الثاني / نوفمبر 2012)، ونجحت في تشكيل (الائتلاف الوطني..) وضمّت هيئته العامة معظم تكتلات المعارضة السوريّة (باستثناء هيئة التنسيق الوطنيّة)،. وانتُخب الشيخ معاذ الخطيب رئيساً للائتلاف، في 11 نوفمبر 2012، واعترفت الجامعة العربية بالائتلاف ممثلا شرعيا لتطلعات الشعب السوري.. وهي صيغة مختلفة عن تلك التي قدمتها دول الخليج العربي والتي اعتبرت الائتلاف الممثل الشرعي للسوريين، كما اعترفت فيه فرنسا، وإيطاليا، وتركيّا كـ"ممثلٍ شرعيٍّ وحيدٍ للشعب السوريّ". فأُحيطت ولادة الائتلاف بمظاهر من الحفاوة، رافقها نوع من التفاؤل، بدعم عربي ودولي فاعلين.
تحولات في المواقع القيادية
لاقى انتخاب الخطيب تأييداً شعبياً واسعاً ودخلت هيئات جديدة على الائتلاف وفي مقدمتها هيئة أركان الجيش الحر، غير أن المشكلات الكبرى واجهت الائتلاف وأثقلت على قيادته، مع الافتقار إلى الدعم العربي والدولي، فعبر الخطيب عن خيبة أمله منذ اجتماعه بأصدقاء سوريا في باريس، فتقدم بمبادرة للحوار 30 كانون الثاني/ يناير 2013، شريطة:" أن يطلق النظام سراح مائة وستين ألف معتقل". غير أن مبادرته لم يكترث بها النظام، وأحدثت مزيداً من الخلاف في (الائتلاف)، بينما قُوبلت مبادرته بقدر كبير من الدعم الشعبي، إذ لاحت معها بارقة سياسية، وأعادت (السياسة) إلى ميدان التداول.
ثم تحول موضوع تشكيل (الحكومة المؤقتة) إلى محورٍ للاختلاف، فقد اشترط مجلس وزراء الخارجية العرب منح مقعد سورية للائتلاف الوطني، في قراره في 6 أذار/ مارس 2013، بتشكيله حكومته المؤقتة. عارض الخطيب تشكيل الحكومة لضيق اليد ولانتظار مآل (جنيف)، لكن مضى الائتلاف الوطني قدماً وانتخب هيتو رئيساً للحكومة المؤقتة فعلّق اثنا عشر عضواً في الهيئة العامة للائتلاف عضويتهم احتجاجاً، وشكوا من هيمنة الإخوان المسلمين.ازداد الأمر تعقيداً عندما قدم الخطيب، على إثرها، استقالته، أي قبل يومين من انعقاد القمة العربية في الدوحة، وكانت قطر قد دعت المعارضة السورية للقمة وسط أنباء عن إمكانية تسليمها مقعد سوريا. ولم يحضر الخطيب مؤتمر القمة في الدوحة، في 24 آذار/ مارس 2013، إلا بعد وساطات من قادة قطر فأدخل التردد والضعف القياديين للخطيب الائتلاف لأشهر في أزمة شاملة، ولولا اعتراف الأمم المتحدة بالائتلاف كممل للشعب السوري لكانت خسارة الائتلاف أكثر جسامة. وقد دعا قبل استقالته بأربعة أيام جبهة النصرة "إلى فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، وجدد التأكيد على رفض قوى الثورة في سوريا صراحة لفكر تنظيم القاعدة"، فكان كإسلامي معتدل مؤهلاً لتقديم نقد محسوب للمتطرفين الإسلاميين.
تركت استقالة الخطيب إرباكاً وفراغاً قيادياً، وقرر الائتلاف تكليف "جورج صبرة" بتولي مهام رئاسته، في حين ارتفعت الأصوات لإعادة تجديده ليشمل قوى جديدة. وكانت قد عقدت أكثر من مائتي شخصية سورية لقاء تشاورياً بالقاهرة في أيار 2013، تشكل بموجبه "اتحاد الديمقراطيين السوريين"، وأسفر تفاوضه مع الائتلاف على ضم العديد من أعضائه، وأصدرت أثنائها قوى الحراك الثوري بياناً طالبت فيه منحهم نسبة لا تقل عن 50% من مقاعد الائتلاف. فأعلن صبرة في ختام اجتماع للائتلاف، في 31 أيار/ مايو 2013، إضافة 43 عضواً جديداً: 15 من هيئة الأركان، و14 من الحراك الثوري، و14 من (اتحاد الديمقراطيين). وأصدر وثيقتين هما الرؤية السياسية والمبادئ التأسيسية وخطة المرحلة الانتقالية تضع هدفاً لها قيام "دولة مدنية ديمقراطية. وكان جيش النظام وحزب الله آنئذ يحاصران القصير.
أتى انتخاب أحمد عاصي الجربا رئيسا جديدا، السبت 6 تموز/ يوليو 2013، تتويجاً لتوسعة الائتلاف، في غمرة حصار النظام لحي الخالدية في حمص بعد سيطرته على القصير، حصل على 55 صوتًا مقابل 52 لمصطفى الصباغ حليف الإخوان المسلمين. كما انتُخِب ثلاثة نواب للرئيس.لم يكن فوز الجربا توافقياً فأوحى بغلبة فريق الجربا على الصباغ، وإن كان انتخاب بدر جاموس للأمانة العامة خفف الصدمة. 
كان الائتلاف يواجهه مهام جسام تتعلق بتوثيق العلاقة مع مساندي الثورة من العرب وفي مقدمتهم قطر والسعودية، ومع (أصدقاء سوريا) لملاقاة تبعات جنيف 2، لاسيما أن النظام قد انتقل إلى مواقع هجومية في حمص والقصير، وأيضاً لمواجهة تصاعد خطورة تطرف (داعش) وانفصالية (الاتحاد الديمقراطي) الكردي، ولمعالجة ضرورات ترتيب العلاقة مع المناطق المحررة، والمشاكل الإنسانية للسوريين، غير أن تراجع مؤشرات الحل السياسي مع بروز هجوم النظام باشتراك حزب الله علناً إلى جانب الميليشيات الشيعية الأخرى في القصير وحمص والتهيئة لمعركة حلب، نقلت أولويات الجربا إلى توفير مستلزمات المواجهة، فقام بجولات عربية، وأوربية حاول إقناع الرئيس هولاند ليساعد بالسلاح، لكن فرنسا كحال أمريكا -أعربت أنها لن "تسلم أسلحة فتاكة". وأعلن الجربا أثناء ذلك، أن "داعش" منظمة متطرفة وتكفيرية وأضرت بالثورة وفي كثير من الأماكن كانت تقاتل الجيش الحر، وأنها ستنتهي إذ لم يعد لها أي حاضنة شعبية".
من الكيماوي إلى جنيف
واجه الائتلاف في 21 آب /أغسطس مذبحة الكيماوي التي ارتكبتها قوات النظام في الغوطة. وضعت المذبحة الإدارة الأمريكية على المحك، فشرعت في ترتيب المسرح لضربة عسكرية للنظام. فتشابكت الاتصالات، في هذه الفترة، بين قيادة الائتلاف وقيادة أركان الجيش الحر، ومع الفصائل الثورية الأخرى لتنسيق المواقف للاستفادة ما أمكن من (الضربة) المتوقعة، وعلى رغم مما كشف عنه التصعيد العسكري الأمريكي من هشاشة الثقل الروسي عند الاختبار، تلقفت الإدارة الأمريكية (مبادرة روسيا)، واتفقت الدولتان على ملف الكيماوي، وبعد أن اطمأنتا على مصير (الكيماوي)، شرعتا في فتح كوة إلى جنيف 2، دون ترتيبات وآفاق واضحة. 
أفضى عدول أمريكا عن (الضربة)، وانفتاح النقاش حول المشاركة في مؤتمر جنيف، إلى تعميق الخلافات داخل مكونات الائتلاف، فتفاجأ السوريون في سبتمبر ببيان صادر عن العديد من (الكتائب الإسلامية)، تعرب من خلاله عن أحقيتها في تمثيل الثورة، كما أعلنت عن رؤيتها لتشكيل إطار تنظيمي يقوم على المبادئ الإسلامية. في ظل هذا المسار الجديد اتخذت الهيئة العامة (للائتلاف) في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، ثلاث خطوات سياسية مهمة: دخول المجلس الوطني الكردي للائتلاف، وإقرار موقف الائتلاف في الذهاب الى جنيف2 شريطة أن تفضي جنيف إلى رحيل الأسد، كما أقرَّت تشكيل الحكومة المؤقتة رغم تباين الآراء، وإبلاغ السفير الأميركي فورد لقادة الائتلاف أن واشنطن لن تعترف بها.
يتمتّع الائتلاف الوطني بشرعية محلية كبيرة واعتراف دولي واسع، غير أن دوره يقتصر على التمثيل النسبي للمعارضة والثورة، ولم يتمكن من قيادة الثورة ولا من قيادة المعارضة بطريقة فعلية، فهو لا يملك المقدرة على توجيه قرارات الحرب والسلم، ولا توقيتها أو أماكن انطلاقها، ويفتقد إلى أطرٍ تنظيمية تربط عمله بالوطن.الأمر الذي سهَّل هيمنة السلاح على التنظيم المدني، وبروز الروابط الاجتماعية ما قبل الوطنية. لقد اتسمت مرحلة الخطيب بالتردد والضعف القيادي حتى كادت استقالة الخطيب أن تطيح بمستقبل الائتلاف. وفي المرحلة التالية، مرحلة التهيئة لانتخاب رئاسة جديدة، أصابته الاهتزازات، واتسمت الثالثة ببروز المحاور والكتل والافتقار للعمل المؤسسي، ولهيئات قيادية راسخة توكل إليها مسؤولية اتخاذ القرار مع الرئيس والأمين العام، فلم تملك (الهيئة السياسية) سوى صلاحيات استشارية. فاقتصرت مساهمات الائتلاف في الداخل على تقديم بعض الخدمات في مجال تنظيم التعليم والحصول على الاعتراف بالشهادات الدراسية في بعض المدارس في المناطق المحررة وفي دول اللجوء. قام كذلك بتقديم بعض المساعدات لبعض المناطق المنكوبة من خلال مكاتبه وأجهزته المختلفة، إلا أن إمكانياته كانت أضعف بكثير من حجم الكارثة السورية.
وعلى هذا، يبدو أن استمرارية الائتلاف الوطني في تولّي قيادة الثورة السورية أو حتى تمثيلها يتوقف على تمكنه من حل المشكلات الداخلية المتعلقة بضرورة مأسسة العمل وطريقة اتخاذ القرار، وإعطاء دور حاسم (للهيئة السياسية)، والاستعانة بلجان متخصصة في الشؤون المناطة به لتقوم بدور إرشادي لأصحاب القرار، وثانياً، اختبار صوابية قراره بتشكيل حكومة مؤقتة الذي يتوقف نجاحها على قدرتها على تأمين الخدمات الفعلية للمواطنين، وبناء جسم يعطي صورة عن مستقبل سوريا لاعن ماضيها الاستبدادي الفاسد وحماية مؤسسات الدولة والمنشآت العمومية والحصول على الأموال المجمدة في الخارج. والاختبار الثالث يتعلق بترتيب العلاقة مع الجيش الحر والقوى العسكرية والسير قدماً في إطار مظلة هيئة أركان واحدة. والاختبار الرابع يتعلق بما يتخذه الائتلاف من قرار صائب بشأن مؤتمر جنيف 2، بأن يرسم استراتيجية سياسية وتفاوضية ملائمة وأن يُعد للمفاوضات تشكيلة وفد موحد منسجم، يملك القدرات الفنية والتقنية ووضوح الهدف، وأن يدير معركة التفاوض بطريقة مدروسة وفعالة، ولقد أعلن الائتلاف الوطني السوري في 17 كانون الثاني/ يناير الحالي موافقته على المشاركة في مؤتمر جنيف 2 لنقل السلطة إلى هيئة كاملة الصلاحية. وكان حضوره في الجلسة الأولى للمؤتمر قد لاقى تأييداً واسعاً من الشعب السوري.
أن مستقبل سوريا يتعلق بطبيعة القوى القائدة والممثلة للثورة. فهل يمكن تعديل اتجاه سير الائتلاف إلى التقدم والإمساك بزمام المبادرة السياسية؟ الأمر كما يبدو يحتاج إلى إصلاح جذري، وهذا يتطلب تحويل (الهيئة السياسية) إلى هيئة قيادية لها صلاحيات مُقررة وتوسعتها، وأن تعتمد في عملها على أجهزة ولجان فنية استشارية رديفة متفرغة تعمل في شتى المجلات وأن تكون فاعلة على الأرض بطريقة مُجزية. وأن يستعين بلجان متخصصة في الشؤون المناطة به يقومون بدور إرشادي لاتخاذ القرار الملائم، وبرعاية هيئات مجتمعية جديدة، وتفعيل القديمة.

الجريمة ولا عقاب / سليمة الهاشمي

مرة أخرى يتم الكشف عن عملية تمثيل بالجثث، بعد أن تم تعذيب شخص بسحله حتى الموت. هذا الفلم هو واحد من جرائم جيش وعصابات نوري مالكي الطائفية الشيعية ويظهر فيه جريمة حرق احد جثث الثوار.
مشهد مماثل حدث أيضا أثناء تعذيب جنود عراقيين اسرى من قبل الجيش الإيراني اثناء الحرب التي امتدت من عام 1980 ولغاية 1988.
هذا الأمر يؤكد أن عقيدة القتلة والمجرمين واحدة. عقيدة خميني وحزب الدعوة الشيعي تشبه جريمة حرق جثث في الفلوجة من قبل قوات الاحتلال الامريكي التي كشف عنها مؤخرا، ناهيك عن جريمة التعذيب في ابو غريب.
هؤلاء هم أنفسهم من يلطمون ويضربون على صدورهم، ويزورن مراقد أئمتهم كما يقولون والحسين "رض" لا يمكن ان يكون اماما لهؤلاء القتلة.. 
بل بالعكس هم يفعلون كل ما كان يرفضه الحسين، وهو ما يدل على ان حب آل البيت لدى الشيعة ماهو الا كذبة من أجل تمرير الافكار التي تحط من الاسلام والعرب نتيجة الدور الفارسي واليهودي في عقيدتهم.
لا يمكن وصف هذه الجريمة الا بانها قمة الانحطاط الاخلاقي وجريمة ضد الانسانية.
المهم يجب ان نعرف ان مرجعية الشيعة التي على رأسها علي سيستاني اخذت الرشوة من وزير دفاع العدو الامريكي والتي حرضت على قتل العرب السنة وكل من يرفض الاحتلال يجب التعامل معها على انها منتج للخيانة والارهاب.

لمشاهدة الفلم اضغط هنا 

ملاحظات من أجل الثورة في العراق / د.مصطفى سالم


حين يتطلب الأمر فعلا ثوريا، يكون السؤال، ما الذي يجب أن يفعله أبناء العراق دعما للانتفاضة التي أنطلقت من الأنبار من أجل تحويلها إلى ثورة شاملة؟
بداية ليكون هدف الأنتفاضة هو إزالة كل ما نتج عن الاحتلال الأمريكي وليس إسقاط نوري مالكي فقط، لأن الامبريالية يمكن أن تضحي بنوري لتجد بديلا عنه مع بقاء الحال كما هو.
لن يكون نزول الجماهير للشوارع وحده كافيا، وقد لا يتحقق ذلك بسبب البطش واستسهال القتل من قبل قوات نوري مالكي، بل يجب أن يجب تكون هناك مقاطعة لقواته وحكومته وداوئره، وبما لا يسمح من تزويد القوات بالمؤن، ولكي لا تتحول حربه على الشعب إلى انتصار يزيل أي أمل باستعادة العراق.
 هل سيتحقق هذا؟ لا يبدو أمكانية تحقيق ذلك لان هناك من يؤمن بالطائفية وهناك من يعتنق الانتهازية والمصلحة. مع الأقرار بأن الطائفية متوغلة داخل الوسط الشيعي لذا يفضل بعض من هذا الوسط "مجرم طائفي" على عادل عراقي.
غير إن تحقيق ذلك في المحافظات الثائرة أقرب للواقيعة وهي الأنبار، الموصل، صلاح الدين، ديالى، كركوك، وأرجاء واسعة من بغداد.
لقد صنعت واشنطن وقبلها إيران قتلة ومجرمين لا ينتمون لوطن، أو أرض ومن ثم نصّبوهم على رأس الحكم.
بالمقابل كانت فترة لتجذير مفهوم المقاومة والفعل الثوري السلمي والمسلح لدى نخبة ثورية وقطاع من الشعب.
لكن لاحظنا أن هناك خلافات بين المجلس العسكري للثوار والمجلس السياسي. وهذه الخلافات سببها إن أعلان المجلس السياسي لم يكن بالتنسيق مع المجلس العسكري، بل أن البعض من ثوار المجلس العسكري يشعرون أن هناك محاولة للاستيلاء على دروهم.
من الخطأ أن تفرض قوة سياسية نفسها على الأنتفاضة، بل أن المجلس السياسي يجب أن يكون تعبيرا واقعيا عن الانتفاضة.
ومن الخطأ أن لا يتم رؤية موازين القوى على الساحة بوضوح وموضوعية لأن تجاهل ذلك ينطوي على الكثير من العواقب.
وتبدو معالجة مشكلة عدم الأعلان عن المجلس السياسي المتوافق مع المجلس العسكري يراد منها عدم إظهار القوى السياسية التي قد تعطل  فاعلية المجلس العسكري وتؤثر عليه.
والقوى الساسية في العراق تعاني من عدم حسم معالجة بين أنتماءها الطبقي اما برجوازي، أو شبه أقطاعي (مجموعة مسعود برزاني وجلال طالباني في كردستان العراق مثلا) وبين كونها يجب أن تحقق الديمقراطية والحرية و العدالة الاجتماعية لكل طبقات المجتمع في العراق الواحد.
وفي بلد غني لكن أكثر من نصف سكانه فقراء لايبدو الحديث عن العدالة الأجتماعية مسموعا في بلد شبه محتل وبلا قانون وتحكمه قوى طائفية.
والحديث في مرحلة التحرير عن التحرير فقط هو أقرب للواقعية إذ هذه قضية تخص طبقات وقوى المجتمع بما لايسمح من قلق القوى السياسية من بعضها.
لكن اللافت هو دور العشائر في إستعادة العراق والقتال من أجل ذلك لانه أدركوا ان الوطن بحكم طائفي اوجده الأحتلال سيهدد الافراد والبيوت والعشائر.
وتأجيل أعلان المجلس السياسي من قبل ثوار المجلس العسكري يبدو مبررا لكن تأجيل هذه الخطوة في غاية الخطورة أيضا، أذ صياغة الأهداف السياسية يوفر الفرصة لترسيخ مبادئ الانتفاضة لتتمكن من التحول إلى ثورة.
وتظهر صورة أحراق جثة الشهيد من قبل قوات نوري مالكي وقبل ذلك سحل جثة الشهيد الممثل بجسده، نوع هذه الحكومة ونوع القوات وعقيدتهم الطائفية التي تكرر جريمة إيران حين تم التمثيل بجثث الاسرى. و معنى ذلك هذا ما سيتم فعله بالعراقيين أن أنتصرت قوات وعصابات نوري مالكي الطائفية.
في المجال العربي، وبسبب غياب الوعي الثوري والفهم الأنساني نجد حكومات تدعم جرائم نوري مالكي عتادا وأسلحة وتدريبا وهي دول غارقة في التعامل مع إسرائيل، أو في حالة أذعان دائم للامبريالية الأمريكية.
في مقال سابق للازمة طالبنا بتشكيل حكومة وطنية في المناطق التي ترفض كل ما جرى بعد غزو العراق عام 2003. وهذا ما يجب الآن ليكون هناك صراع ثوري بحكومة شرعيتها الانتماء للوطن ضد حكومة شرعيتها قوات الغزو الأمريكي بالتوافق مع إيران والرجعية العربية التي حاولت أعطاء شرعية زائفة لجريمة الغزو عن طريق دعم قبول هذه الحكومة للامم المتحدة والجامعة العربية.
تحالف القوى الثورية والوطنية، القومية والإسلامية واليسارية، السياسية والعشائرية، هو المدخل لاستعادة العراق من أجل إقامة حكم وطني ديمقراطي عادل.

إذا كانت معايير الفعل الجرمي واحدة ..؟؟ فكيف لا يكون التجريم والعقاب كذلك..؟؟ / حسان القطب




من المفترض ان القوانين اتي يتم وضعها وتشريعها، إنما بهدف إحقاق الحق وتطبيق العدالة لخدمة الجميع دون استثناء، ولحماية المواطن من أن يكون ضحية ظروف استنسابية او تقديرات مزاجية من القاضي او المحقق او حتى من قبل عناصر الشرطة التي تقوم بالتحقيق.. المعايير هذه ثابتة من المفترض، والأدلة غير القانونية مرفوضة في المحكمة وامام القاضي ولو كانت صحيحة في أصلها، لأن الاستحواذ عليها تم بطريقة غير شرعية وغير قانونية ولم تكن تتمتع بقانونية الاستحصال بما يتيح للقاضي استعمالها كقرائن او ادلة دامغة يمكن الاعتماد عليها لتجريم المتهم او إدانة الموقوف...؟؟ والأهم من كل هذا ان معايير وصف وتصنيف الجريمة هو واحد.. ويجب ان تكون لا متفاوتة أو نسبية بحيث يعتبر حين ارتكاب جرمين يتصفان بالمواصفات عينها على أن احدها وطني والاخر إرهابي... وهذا في الحقيقة ما يحدث هنا في لبنان نتيجة تسلط فريق بسلاحه وهيمنته على مؤسسات ومواقع ومؤسسات يفترض انها لكل الوطن، وان سيادة القانون وحماية المواطن مهما كان انتماؤه بالنسبة إليها هو فوق كل اعتبار...؟؟؟؟ وهنا لن ادافع عن دوافع أية جريمة او اسبابها لأن القانون هو المرجع الأول والأخير للتفسير والتجريم وإطلاق الوصف والتوصيف، وليس الموقف السياسي او المبرر الطائفي أو غيره من الانتماءات الحزبية... ولكن هل التزم من أصدر هذه البيانات بعدالة تطبيق القانون..؟؟ ومن أصدر الإدعاءات بما ينص عليه القانون لتطبيقه على الجميع..؟؟؟ ومن يدير التحقيقات والملاحقات بعدالة  وشرعيته التحقيق وبواجبه في حماية جميع اللبنانيين دون استثناء..؟؟ من عبث الخروج على القانون وتعريض المواطنين اللبنانيين للقتل سواء على الأراضي اللبنانية او خارجها.. وفي توقيف المطلوبين للعدالة مهما كان انتماؤهم وارتباطهم ...وملاحقة من يخفيهم عن العدالة او يساعدهم على الفرار بما ينص عليه القانون....؟؟؟... وهنا سأقف عند بيان مديرية التوجيه في الجيش وإدعاء مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية الذين صدرا أخيراً.. لمناقشتهما بهدوء.. وكذلك عند وصف وزير خارجية لبنان كما يفترض ان يكون، السيد عدنان منصور، للمعارضة السورية بالارهاب...
(مديرية التوجيه في قيادة الجيش أعلنت في بيان "أن مديرية المخابرات أحالت على القضاء المختص الموقوف عمر إبرهيم الأطرش، الملقب "أبو عمر"، والذي أوقف في 22/1/2014 بعد توافر معلومات في شأن ارتباطه بإرهابيين داخل سوريا، وتأليفه خلية ارهابية تضم لبنانيين وسوريين. واعترف كذلك بنقله انتحاريين من جنسيات عربية إلى داخل الأراضي السورية وتسليمهم إلى "جبهة النصرة"، اضافة إلى إحضاره 4 صواريخ من سوريا أطلقت في 22/8/2013 من منطقة الحوش (صور) في اتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، و4 صواريخ أخرى تسلمها قبل توقيفه بأيام من المدعو أحمد طه. تقوم مديرية المخابرات بالتوسع في التحقيق لكشف كل العمليات التي قامت بها الخلية التي ينتمي إليها الموقوف").. كذلك (ادعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر أمس على الموقوف عمر الاطرش و12 آخرين من جنسيات لبنانية وسورية وفلسطينية ومجهولي باقي الهوية فارين من وجه العدالة، لإقدامهم بالاشتراك في ما بينهم على الانتماء الى تنظيم ارهابي مسلح بهدف القيام بأعمال ارهابية وتجهيز عبوات وأحزمة ناسفة وسيارات مفخخة وصواريخ وتجنيد اشخاص للقيام بأعمال ارهابية، وعلى الاشتراك في تفجيري حارة حريك واستهداف مواكب "حزب الله" وإطلاق صواريخ على اسرائيل وحيازة اسلحة ومتفجرات، سندا الى المواد 935 عقوبات، المادتين 5 - 6 من قانون 11/1/58 و72 أسلحة وتنص على الاعدام، وأحاله مع الملف على قاضي التحقيق العسكري الاول)...وبيان .. (وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور.. في كلمته امام مؤتمر "جنيف 2" الذي عقد في مدينة مونترو السويسرية قال إن الذين يدعون أن ما يجري في سوريا من اقتتال هو نتيجة مشاركة حزب الله وهو الحزب اللبناني المقاوم للاحتلال الاسرائيلي إنما يريدون صرف الأنظار عن الوقائع وتغطية الجرائم التي ترتكبها التنظيمات الارهابية التي تتغلغل وتتغذى من أفكار تكفيرية متطرفة غريبة عن عادات وتقاليد وثقافات المجتمعات العربية..)..
ظاهر جداً المعايير غير المتوازنة والمواقف غير الموضوعية والاتهامات التي تطال فريق بالارهاب.. ولنفس السلوك والجرم إذا صح التعبير ينعت الفريق الآخر بالمقاوم وبأنه صاحب الروح الوطنية العالية..وهذه هي السمة الغالبة في لبنان.... والإعلام الذي ينشر التسريبات والاتهامات قبل صدورها رسمياً نقلاً عن مرجع مختص دون تسمية او التحقق من دقتها وصحتها، تهيء الجمهور لمعرفة المجرم قبل تجريمه...؟؟ وإطلاق وصف البطولة والوطنية ولنفس الأسباب والأحداث على من تريد وترغب وبتسريبات امنية ايضاً.....؟؟
لذا نتساءل كيف يطلق وزير خارجية لبنان وصف الإرهاب على المعارضة السورية وهي تجلس على طاولة المفاوضات وبحضور دول عربية ودولية عديدة.. مع وفد النظام السوري الذي يدافع عنه منصور وحزب الله...؟؟ فهل هما اكثر انتماءً لسوريا من نظامها ومعارضتها.. أم هو خوفهما على انهيار النظام وفريقه الذي جعل منه وزيراً...ومن حزب الله تنظيماً مسلحاً..؟؟ وإذا كانت الولايات المتحد قد اطلقت وصف الإرهاب على جبهة النصرة في سوريا والتزم الوزير منصور بهذا الوصف وهذا المعيار في إطلاق موقفه هذا.... فكيف لا يلتزم بالمعيار نفسه الذي اطلقت بموجبه الولايات المتحدة وصف الإرهاب على حزب الله ..؟؟ ام هي  الوصاية والالتحاق بمشروع إيران في المنطقة من خلال موقعه الرسمي..؟؟؟؟ ..
وهنا سوف نناقش الاعترافات كما وردت دون النظر إلى صحتها أو قانونيتها من عدمه....فقد ورد في البيان الذي أصدرته مديرية التوجيه في الجيش ان عمر الأطرش...مرتبط بإرهابين في سوريا وان الخلية تضم لبنانيين وسوريين..؟؟ وهنا ينطبق على جيشنا اللبناني وقيادته ما ينطبق على وزير خارجية لبنان.. إذا كان دعم وتنسيق الأطرش مع بعض السوريين واللبنانيين لدعم الثورة السورية داخل سوريا جرماً يعاقب عليه القانون.. فكذلك يجب ان يعاقب القانون من يرسل الشباب اللبناني إلى سوريا برعاية حزب الله لقتل الشعب السوري وتهجيره إلى لبنان وغيره من البلدان وتدمير ممتلكاته وسرقتها وبيعها في مناطق بعلبك والهرمل وبريتال..؟؟؟؟.. وهذا ما يعلنه حزب الله وأمينه العام علناً ويشيعون قتلاهم بمواكبه إعلامية ومشاركة رسمية.. وحين يطلق نصرالله موقفه على شاشات التلفزيون نرى العديد من أصحاب الرتب العالية من القيادات الأمنية جالسة في الصفوف الامامية مستمعة ومنصته بخشوع ورهبة ووقار....؟؟؟؟؟؟
كما ان اعتراف الأطرش بإطلاق صواريخ على الكيان الصهيوني....؟؟؟ (وإطلاق صواريخ على اسرائيل وحيازة اسلحة ومتفجرات، سندا الى المواد 935 عقوبات، المادتين 5 - 6 من قانون 11/1/58 و72 أسلحة وتنص على الاعدام)... أين تنفيذ مضمون البيان الوزاري والمعادلة الذهبية التي تنص على (جيش وشعب ومقاومة)... أم هي لصالح فريق ولخدمة مشروع محور..؟؟؟؟؟؟ والتي يتغنى بها حزب الله ووزير خارجيته ورئيس حكومته ميقاتي..؟؟ كيف يكون شكل المقاومة ووصفها...؟؟ وإذا كان نقل الأسلحة وإطلاقها على إسرائيل جريمة فأين أصبحت المعادلة الذهبية... ؟؟ وكيف يكون التوصيف الحقيقي لحرب عام 2006، التي خاضها حزب الله بناءً على هذا الوصف وهذا البند القانوني الذي طلب المعي العام تطبيقه..؟؟
ترى كم من اللبنانيين يسمع التسريبات والإشاعات التي تتحدث عن مرور عناصر مقاتلة قادمة من الخارج عبر مطار بيروت برعاية حزب الله ناهيك عن نقل الأسلحة والعناصراللبنانية التي يعلنها نصرالله وفريقه علناً للقتال إلى جانب الجيش الأسدي الذي يفتك بالشعب السوري وهو لن يستمر طويلاً...كما يبدو؟؟؟  وكذلك بان عناصر الحرس الثوري الإيراني موجودة فعلاً في لبنان وبكامل سلاحها.. إذا كان هذا صحيحاً.. فهو بناءً على اي اتفاق ومع من.. ولصالح من ولخدمة اي مشروع...؟؟؟ واي حكومة وجيش وشعب يقبل بوجود جيش اجنبي على أرضه دون اتفاق أمني..؟؟؟ ....
وكيف اتفق أنه لم تتوافر لمخابرات الجيش اللبناني إلى الان معلومات عن العناصر التي تطالب المحكمة الدولية باعتقالها لمشاركتها في اغتيال الرئيس الحريري ومواطنين لبنانيين وآخرين من السياسين واللبنانيين...؟؟؟ وكيف أنه لم تتوافر بعد لمدعي العام العسكري التسجيلات التي تدين نصرالله وغيره ممن اكدوا عدم قدرة الدولة على اعتقال هؤلاء ولو بالقوة... والنصوص القانونية التي تعاقب من يخفي مجرماً او يساعده على الفرار جريمة يعاقب عليها القانون..؟؟؟؟؟
وكيف انه لم تتوافر لمخابرات الجيش وسائر الأجهزة اللبنانية الأمنية وإلى الان المعلومات الكافية عمن ارتكب جريمة السابع من آيار وغيرها من الجرائم الموصوفة عن سبق إصرار وتصميم وتخطيط واعتراف علناً لاحقاً بارتكاب هذه الجريمة حيث وصفها نصرالله (باليوم المجيد).. فقد أصبح قتل اللبنانيين وجرحهم وتدمير ممتلكاتهم واحراق مؤسساتهم يوماً مجيداً... وللتذكير فقد قتل حينها ما يقارب من 300 شخص وجرح المئات.. وتعطلت الحياة العامة وتكبدت المؤسسات خسائر فادحة...من المسؤول ومن يجب ان يعاقب..؟؟ فإذا كان استعمال السلاح في الداخل اللبناني وتفجير السيارات باستهداف لبنانيين جريمة كما ورد في بيان اتهام الأطرش... وهو كذلك بالتاكيد إذا صح الاتهام... فكيف لا يكون كذلك بحق من صارح اللبنانيين بجريمته وهو حزب الله...؟؟؟
كيف انه لم تتوصل بعد القوى الامنية ومخابرات الجيش إلى مكان وجود المتهم بمحاولة اغتيال النائب بطرس حرب..؟؟؟؟ ومن هي الجهة التي تفاوض على ملفه..؟؟ والصحافة تتابع علناً ما يدور..؟؟ أية معايير هذه التي تطبق على اللبنانيين من قبل مؤسسة واحدة... واي استقرار نتوقعه للبنان..؟؟ وأية دولة وحكومة مقبلة سوف تمارس دورها في حماية الشعب اللبناني من ظلم وقهر وإرهاب حزب الله وممارساته الظالمة..؟؟ وأية مؤسة امنية من الممكن ان نلجأ إليها لتحمينا من الميليشيات المسلحة التي ينشرها حزب الله في لبنان (سرايا المقاومة وغيرها من الميليشيات المسلحة).. وهي تحمل بطاقات رسمية صادرة عن قيادة الجيش اللبناني تسمح لها بالتجول بالسلاح وحمله .. وهناك من يحميها عندما ترتكب موبقة او جريمة او اعتداء، وآخر مهازل سياسة النأي بالنفس التي اعلنها ميقاتي لحماية تدخل حزب الله في سوريا هو اعتقال شبان كانوا يحاولون إدخال اكياس طحين إلى إحدى القرى السورية التي يحاصرها جيش النظام وميليشيات حزب الله المدعومة بضعف تطبيق القانون ورعاية المخابرات اللبنانية لقتل ابنائها جوعاً....ويقال انه قد تم تحويلهم للقضاء المختص...؟؟ بناءً على هذا كله لا بد ان نسأل: إذا كانت معايير وصف الفعل الجرمي واحدة.. فكيف لا يكون التجريم والعقاب كذلك...؟؟

الثلاثاء، 28 يناير 2014

المسرح الهزلي! / سليم عزوز



لا يمكن لأحد أن يستوعب ما يجري في مصر الآن إلا في إطار الهزل، والذي لا يمكن إدراجه إلا في باب الكوميديا السوداء!

فوزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، أسقط الرئيس المنتخب بإرادة شعبية "على حد قوله"، وحل الحكومة، ليبقى منها هو فقط بدون قرار، مع أن قيمته الوحيدة يستمدها من كونه أحد أعضاء هذه الحكومة، التي تم تسريحها وبقي منها شخص واحد، لم يجر استثناؤه بنص، وإنما بقي في موقعه بقوة السلاح، وفق نظرية الموظف الفعلي، الذي يدير مرفقا أو قطاعا بالتضليل، أو بالغِواية!

وزير الدفاع، الذي اختطف رئيس الدولة المنتخب، وقال إنه فقد شرعيته، بناء على إرادة الجماهير المحتشدة في يوم 30 يونية، لم يقم بالتنازل عن الترقيات التي منحها هذا الرئيس له، ومن رتبة اللواء إلى الفريق، إلى الفريق أول، على الرغم من أن مانح هاتين الترقيتين متهم بالتخابر مع أعداء الوطن ضد المصالح العليا للبلاد وبما يضر بالأمن القومي، ومتهم بالقتل، وتتم محاكمته الآن على هذه الجرائم!.

واكتمل مشهد العبث، بما حدث يوم الاثنين الماضي، فالرئيس المؤقت الذي عينه وزير الدفاع، يرد التحية بأفضل منها ويقوم بترقية من عينه لرتبة المشير، في سابقة لم تحدث منذ الترقية العبثية لعبد الحكيم عامر إلى درجة المشير على يد صديقه جمال عبد الناصر، لتكون هذه الرتبة الممنوحة بالمخالفة لقواعد الترقيات في المجال العسكري نكتة، يتندر بها العسكريون في دول العالم وفي المحافل العسكرية.

فرتبة المشير لا تعطى إيثاراً ولا تمنح تفضلاً، وتقريرها لا يكون إلا على موقعة عسكرية، للمقررة له دور مؤثر فيها نتج عنه جلب النصر لبلاده، ولأجل هذا فإن هناك من تولى منصب وزير الدفاع دون أن يُمنحَهَا مثل الفريق يوسف صبري أبو طالب، والفريق محمد فوزي.

ويٌذكر أن أحد القادة العسكريين السوفيت سأل المشير عبد الحكيم عامر عن الموقعة العسكرية التي مكنته من الحصول على رتبة المشير!!، فتصبب المسؤول عرقاً، وسرت نكتة في الأوساط العسكرية بأنها "موقعة فلانة" ، ولم تكن فلانة هذه سوى فنانة شهيرة، وقد كان عامر " ابن حظ" ، وكانت له مغامرات تنتقص من قيمته العسكرية، فهو لم يكن سوى عسكري مستهتر، ولم يكن ضابط جيش منضبط.

السيسي تخرج في سنة 1977، وذلك بعد أن خاضت مصر آخر حروبها بالشكل الذي أراده الرئيس السادات صاحب مقولة إن حرب أكتوبر هي آخر الحروب، وكان طبيعياً بعد أن دخلنا في السلم كافة، أن تصبح رتبة المشير مكانها المتاحف العسكرية، فكان آخر مشير هو محمد حسين طنطاوي، الذي عاصر حرب أكتوبر سنة 1973.

كنا نسخر عندما يطالب البعض من القوم المنافقين بترقية السيسي إلى رتبة المشير، وهناك تجمعات لأحزاب صغيرة قررت من تلقاء نفسها منح الفريق السيسي رتبة المشير، لأنه خلص البلاد من الإخوان، وهي النغمة السائدة الآن، بعد أن ثبت للجميع أن الرجل ليس هو عبد الناصر، أو إيزنهاور، وبعد أن سقطت أسطورة الكاريزما، ورئيس الحكومة المؤقتة حازم الببلاوي لم تسعفه الإنجازات وهو في دافوس، فلم يجد من عوامل تجعل السيسي مطلوباً جماهيرياً سوى أنه "وسيم" فقال إن النساء سوف يقمن بانتخابه لذلك، ولا أدري سبباً لزيادة المنسوب العاطفي في مصر هذه الأيام، فالفريق السيسي نفسه يصف المتحدث العسكري بأنه "جاذب للنساء" في إطار تأكيده على جدارته بالمنصب الممنوح له، وكاتبة كتبت في سياق تأييدها للسيسي مقالاً فاضحاً حمل عنوان: "اغمز إنت بس بعينك" وأكدت على استعدادها أن تكون جارية في بلاطه، إن لم يسعفها الحظ أن تكون واحدة على فراش الزوجية بقواعد التعدد!.

إذا اعتبرنا أن تخليص عبد الفتاح السيسي لمصر من الإخوان موقعة عسكرية بارزة في تاريخ العسكرية المصرية، على نحو يمكن قائدها من رتبة المشير، فاللافت أن الانقلاب، وإن انتزع الحكم من الإخوان، فقد ارتفعت شعبيتهم في الشارع، لاسيما بعد المجازر التي ارتكبت ضدهم، وبعد أن تبين وجه الانقلابيين الدموي للناس، وتبين فشل سلطة الانقلاب، وتبين أن جزءاً كبيراً من فشل مرسي كان نتيجة مؤامرة عليه، من الذين قادوا الانقلاب بعد ذلك، إلى حد أن وزير الداخلية يتفاخر بأنه كان يحجب المعلومات عن رئيس الدولة وكان يعصي أوامره.

وتحول محمد مرسي، الذي كنا نقول فيه العِبر، بكسر العين، وهو في الحكم إلى "أيقونة للنضال" ، وهو الصامد المحتسب، الذي رفض أن يخضع للانقلابيين بالقول، لينجو بنفسه من الاختطاف والسجن والاعتقال، وإذا كنت من الذين يعتقدون أن مرسي فقد معظم شعبيته وهو في الحكم، فأنا من القائلين بأنه اكتسب بصموده أنصاراً لم يكونوا في حسبانه، وإلى حد انتقل به إلى درجة أن يكون رجلاً مخيفاً لسلطة الانقلاب وهو في قفص الاتهام، فيمنع من المحاكمة في الجلسة الماضية، ثم تتفتق الأذهان عن قفص عازل للصوت لكي لا يصل صوته وهو المحبوس إلى الخارج، فمرسي الذي لم يكن مهاباً وهو حاكم مصر، صار مخيفاً لمن يملك القوة الغاشمة، وهو في القفص!.

ومهما يكن، فهذا الهزل الذي طالبت به أحزاب هزلية، وأشخاص هزليون تحول إلى قرار رئاسي، منح بمقتضاه "الرئيس المعين" من عيَّنه في موقعه رتبة المشير، لنكون مسخرة أمام الدول بهذه الترقية المضحكة، لقائد عسكري شاهد الحروب عبر الشاشة الصغيرة، ولم يرَها واقعاً طوال فترة خدمته من بدايتها لنهايتها.

لقد علق الفريق السيسي قرار ترشحه للانتخابات الرئاسية على شرط تأييد الشعب له وأيضاً بتفويض الجيش له، وعلى الرغم من أن الذين خرجوا ليحتفلوا في ميدان التحرير وغيره بالذكرى الثالثة لثورة يناير لم يتجاوزوا خمسة آلاف شخص، وأن خروجهم كان للاحتفال وليس للتفويض، وأن حضورهم كان في أجواء صاخبة، ووسط "زفة بلدي" ، فقد جرى اعتماد مجرد رفع صور السيسي بجانب صور حسني مبارك موافقة ضمنية على ترشيحه، فقرر الترشح، ثم كانت الكاشفة من خلال اجتماع المجلس العسكري وقراره له بالتفويض نزولاً على رغبة الجماهير، باعتبار أن الجماهير أبدت رغبتها المُلِحَّة في طلب السيسي الترشح في المهرجان الراقص بميدان التحرير يوم 25 يناير، والذي انتهي بحفلة تحرش جنسي فاضحة ومذاعة!.

هذا القرار الصادر من المجلس العسكري كاشف عن أن ما جري في مصر من تدخل الجيش يوم 3 يوليو وعزل الرئيس المنتخب وحل البرلمان ووقف العمل بالدستور، هو استجابة لنبض الشعب، ولكن كان انقلاباً عسكرياً مكتمل الأركان، والركن غير الواضح فيه تأسس بتفويض المجلس العسكري وبرغبة السيسي في الترشح رئيساً.

أمامنا حالة لتدخل الجيش من أجل حماية الوطن، وعلى غير رغبة منه في الانقلاب على الشرعية، تتمثل في حالة الفريق سوار الذهب، فقد تعامل مع انصياعه لإرادة الشعب السوداني المنقلب على جعفر النميري، على أنها ضرورة تقدر بقدرها، وعليها فقد سلم سوار الذهب السلطة للشعب في أقرب وقت، وبانتخابات لم يخضها.

بيد أن السيسي، فعل، والجيش تعامل على أنه حزب سياسي، بهذا القرار وذلك التفويض، فإذا تجاوزنا نظرية الشرعية، وفكرة الانقلاب، فإن هناك إخلالا بمبدأ تكافؤ الفرص بين من يحق لهم الترشح للانتخابات الرئاسية، فمن يمكنه خوض هذه الانتخابات، غير المتكافئة، والجيش الذي يحتكر الوطنية، ويحتكر القوة، أعلن عن مرشحه المختار؟.

لا بأس فقد أخفوا في أنفسهم ما الله مُبدية، وقالوا إن ما حدث في مصر كان ثورة شعبية..فإذا بالجميع يقف على أنه انقلاب عسكري.

من قبل قال السيسي إنه لن يترشح للرئاسة ولن يسمح للتاريخ أن يكتب أن جيش مصر تحرك من أجل مصالح شخصية، وربط بين ترشحه للرئاسة وتحرك الجيش من أجل مصالح شخصية.. قال ولم نقل. وهو لم يصدق في شيء ليصدق في هذه!

إنه الهزل يا قراء.

الاثنين، 27 يناير 2014

الساحل الإفريقي الفقير في حسابات الكبار / مختار بوروينة


سنجعل من سيدي امحمد بلدية عصرية ونموذجية

كان المفوض الأعلى لشؤون اللاجئين في الامم المتحدة انطونيو غوتيريس قد حذر في وقت سابق من ان المصاعب التي يواجهها السكان في مالي وفي المناطق الأخرى بمنطقة الساحل الافريقي يجب الاهتمام بها بسرعة لتفادي سلسلة ازمات من ليبيا الى نيجيريا ومن المحيط الاطلسي الى خليج عدن، موضحا ان هذه المساعدة ستسمح بتعزيز الحماية الاجتماعية مع التركيزعلى التغذية والتعليم والصحة وأيضا دعم النساء والشبان واستعادة الامل بتنمية اقتصادية في المنطقة مما سيساهم في استقرارها.
تعتبر منطقة الساحل الإفريقي من بين أهم المناطق توترا وحراكا في الوقت الراهن، فهذه المنطقة التي تحولت بعد أحداث 11 سبتمبر إلى بؤرة توتر وصراع وأرضية للتنظيمات الإرهابية والجريمة المنظمة، ارتبطت بها عوامل أخرى كهشاشة الدولة القومية وانخفاض الأداء الاقتصادي وضعف مستويات التنمية وغيرها من الأسباب الأخرى التي دفعت إلى ازدياد التوتر والصراع وعدم الاستقرار في هذه المنطقة،الامرالذي دفع بالقوى الكبرى للتدخل في المنطقة حسب مصلحة كل دولة ومجالها الحيوي.
وخلفت أولى الحروب بالمنطقة على ضوء أوضاع دولة مالي العديد من المقاربات التي قدمت لمعالجة الأزمات بها، منها الاعتماد على مقاربات تنموية شاملة، وما بين ما تفرضه التحولات السياسية والعسكرية الحالية لمعالجة الأزمات وانعكاساتها مستقبلا. فيما يتعلق بموضوعات السلم والأمن سواء كانت نزاعات تقليدية أو أنماط جديدة من التهديدات وفي مقدمتها الإرهاب والجريمة المنظمة والاتجار بالبشر والأزمات الإنسانية وما ارتبط بها من تبعات تدفق اللاجئين والنازحين حيث أدى تفجر أعمال العنف في الشمال إلى زيادة عدد اللاجئين الماليين في الدول المجاورة الى نحو250 ألف لاجئ فضلا عن عشرات الآلاف من النازحين الذين فروا من شمال مالي إلى جنوبها.
المتفق عليه بعد الحرب في مالي يتحدد في أهمية تبني نهج جديد عند التعامل مع موضوعات السلم والأمن تعتمد على الدبلوماسية الوقائية وذلك من خلال معالجة الظروف التي قد تتسبب في تفجر النزاعات مستقبلا بتبني برامج للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وإرساء أسس للديمقراطية والحكم الرشيد واحترام حقوق الإنسان والتنويه بأن تبعات التعامل مع تلك النزاعات بعد تفجرها وتحولها إلى أزمات، تفوق بمراحل ما قد يحتاجه هذا النهج الجديد المنشود من تمويل فضلا عن تجنب المعاناة البشرية لضحايا تلك الازمات ومعالجة الوضع الإنسانى المتدهور وتقديم المساعدة للاجئين مع التأكيد على التمييز بين المطالب المشروعة للسكان في التنمية والإعمار والأساليب غير المشروعة التي يتبعها المتمردون والشبكات الإجرامية.
الاهتمام البالغ بالأوضاع الإنسانية في مالي ومنطقة الساحل الإفريقي ككل كان محور نتائج مؤتمر ”النداء العاجل لدعم الساحل الإفريقي” الذي حضرته المجموعة الإفريقية بالتعاون مع عدد من الوكالات والمنظمات الدولية العاملة فى مجال الإغاثة الإنسانية،مما مهد الطريق لاقرار البنك العالمي رفقة الاتحاد الاوروبي خطة عمل جديدة للنهوض بالساحل الافريقي ومساعدة شعوب المنطقة على العيش في ظروف أحسن وضمان استتباب الأمن والاستقرار.
تقضي الخطة المعلن عنها مؤخرا عقب اجتماع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، ومدير البنك الدولي جيم يونغ كيم، بتخصيص الاتحاد الاوروبي مبلغ مالي إضافي بقيمة 6.5 ملياري دولار، وحوالي 2 مليار دولار من قبل البنك تستثمر خلال السنتين المقبلتين، وفق برنامج مشترك يساهم في التقليل من الفقر وتذليل المصاعب التي يواجهها السكان في مالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد وموريتانيا والسنغال.
قناعة رئيس البنك الدولي أن شعوب إقليم الساحل في أمس الحاجة إلى المزيد من تأمين مستويات المعيشة، والمنتظر من هذه المساعدة المالية أن تبني مسارا جديدا للنمو الاقتصادي في الإقليم من خلال استثمارات في بناء شبكات الأمان الاجتماعي ومشروعات في مجال البنية الأساسية والطاقة الكهرومائية وبرامج زراعية وصحية.
من جهته أكد الاتحاد الأوروبي أن نهجه هو البناء على المبدأ المتمثل في أن الأمن هو شرط مسبق للنمو، ولن تكون هناك تنمية دونه، مضيفا ان منطقة الساحل هي أكثر مناطق إفريقيا هشاشة واحتياجاتها في مجال التنمية والأمن كبيرة جدا..
كما أعلن رئيس الوزراء الياباني شينزو ابي أثناء مؤتمر طوكيو الدولي من أجل التنمية في إفريقيا ان اليابان ستقدم مائة مليار ين (750 مليون يورو) على مدى خمس سنوات لتنمية منطقة الساحل واستقرارها، إلى جانب تدريب ألفي شخص على عمليات مكافحة الارهاب وحفظ الأمن.
يدخل هذا الدعم المالي من الدولة اليابانية في اطار حزمة من 10,6 مليار يورو من المساعدة العامة لتنمية افريقيا على مدى خمس سنوات ويشمل هذا الجزء من المساعدة المخصص لهذه المنطقة الشاسعة الواقعة بين افريقيا الشمالية وافريقيا جنوب الصحراء الكبرى وتضم العديد من الدول بينها مالي وموريتانيا والنيجر والجزائر وتشاد والسودان وليبيا.
يقول الباحث في المعهد الياباني للدراسات الاقتصادية الانمائية كاتسومي هيرانو: إن الدعم من هذه الناحية هام لإظهار التزام اليابان في المشاركة في جهود السلام في افريقيا أكان بالنسبة للافارقة ام لليابانيين انفسهم، في حين يبدي مستثمرون يابانيون قلقهم من المخاطر الامنية، وبالتالي هذه الاستثمارات تعد اساسية تحديدا من اجل المساعدة على الحد من ظاهرة الفقرالتي يمكن ان تكون حاضنة للإرهاب.
روسيا التي تتابع باهتمام تطورالوضع في منطقة الساحل الإفريقي أعلنت هي الأخرى انها ستقدم المساعدات لدول المنطقة قدراستطاعتها حيث قال المبعوث الخاص للرئيس الروسي الى افريقيا:إنه يجب اتباع نهج شامل لمعالجة مشكلات المنطقة، مشيرا إلى أن التركيزعلى إجراءات منفصلة منهج غير فعال.
قد تبدو هذه المبالغ للوهلة الأولى معتبرة وكافية ضمن التعهدات الدولية بدعم الساحل الافريقي، لكنها في حقيقة الامر بعيدة كل البعد عن تحقيق الغايات المسطرة، فالمشاكل التي يعانيها قاطنو منطقة الساحل الشاسعة، عديدة ومتشعبة، ووحده الجفاف يتطلب اموالا طائلة لحفر الآبار الجوفية وجلب الماء من نهر النيجر وبعض المنابع التقليدية القديمة، لإحياء الزراعة وتوفير مناصب العمل.
منظمة الاغذية والزراعة الدولية (الفاو) التابعة للأمم المتحدة اعلنت ان نحو 11 مليون شخص يعانون من انعدام خطير في الامن الغذائي في منطقة الساحل الافريقية، موجهة نداء لجمع التبرعات لدعم المزارعين ومربي الماشية الصغار. والعمل على مواجهة أزمة الغذاء التي تجتاح عددا من دول الساحل وعلى رأسهم موريتانيا والنيجر وتشاد ومالي وشمال نيجيريا وبوركينا فاسو.
في مختلف بياناتها ضلت المنظمة تؤكد ان العائلات الفقيرة استنفدت مخزوناتها من الغذاء وتواجه الآن أسعارا مرتفعة للمواد الغذائية،مسجلة في الوقت نفسه قلقها لأنها لم تتسلم سوى 19،4 مليون (من التبرعات) فقط حتى الآن من اصل الـ113.1 مليون دولار الضرورية التي احتسبتها المنظمة الاممية في بداية العام، وبفضل هذه التبرعات، تمكنت الفاو من تقديم الدعم لـ 1،6 مليون مزارع ومرب ماشية وراع في هذه المنطقة جنوب الصحراء لكن هذا يعد بالشيء القليل وبدون الدعم المالي فمنطقة الساحل الافريقي تتجه نحو الكارثة.
وكان المفوض الأعلى لشؤون اللاجئين في الامم المتحدة انطونيو غوتيريس قد حذر في وقت سابق من ان المصاعب التي يواجهها السكان في مالي وفي المناطق الأخرى بمنطقة الساحل الافريقي يجب الاهتمام بها بسرعة لتفادي سلسلة ازمات من ليبيا الى نيجيريا ومن المحيط الاطلسي الى خليج عدن، موضحا ان هذه المساعدة ستسمح بتعزيز الحماية الاجتماعية مع التركيزعلى التغذية والتعليم والصحة وأيضا دعم النساء والشبان واستعادة الامل بتنمية اقتصادية في المنطقة مما سيساهم في استقرارها.
تفيد العديد من التقارير والشهادات المحلية أن سكان الساحل لا يفكرون في شيء سوى استعادة مهنهم، وسد حاجياتهم من الجوع والعطش، ويعتبرون السبيل الوحيد لذلك هو توفير مساعدات دولية ضخمه وبرامج عملاقة وإلا فإن مصيرهم سيكون محتوما بالبقاء تحت سياط الجفاف والفقر؛وهو ما شدد عليه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على وجوب ان يتوفر للناس الطعام والعمل والا سيكون هناك دوما شكاوى واعتراضات على الحكومات ما يمكن ان يؤدي الى اضطرابات سياسية.
وإذا كانت منطقة الساحل من اكثر مناطق العالم تدخلا للمنظمات الدولية فان مبادراتها تصطدم بصعوبات مادية وسياسية تحول دون تطبيقها،وغالبا ما توجهت العائدات المالية الغربية، إلى ممثلي المجتمع المدني لضمان علاقة حسنة مع الشعب وضمان الحفاظ على المصالح عقب تدهور الاوضاع الأمنية لكن الضرورة تقضي بتخصيص هذه الاعانات في بناء البنية الاساسية من الطرقات والمدارس والمستشفيات، ذلك ان حجم المأساة هو ما دفع بشباب المنطقة إلى الهجرة غير الشرعية، والانخراط في العصابات والجماعات الإرهابية ولن يتحقق الاستقرار في الساحل الا بمشروعات جادة وتنسيق ترعاه دول المنطقة الأدرى بشؤونها،الامر الذي جعل الكثير من الخبراء يحذرون من أن الفقر والإهمال يدفع شباب المنطقة إلى الارتماء في أحضان جماعات مسلحة أو منظمات إجرامية تنشط في مجالات تهريب المخدرات والسلاح والبشر فضلا عن اختطاف الأجانب للحصول على مقابل مالي، وعليه فالمعالجة الحقيقية تقتضي دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية لدول الساحل الإفريقي ومساعدتها على تعزيز قدراتها لمواجهة التحديات الأمنية.

خارطة الشرف وخارطة الخيانة في الأنبار عاصمة المقاومة / د. مثنى عبدالله



ليس بين مفهومي الشرف والخيانة الا موقف يسوّد صفحات ويبيّض أخرى. أما أصحاب الصحائف البيض فهم أولائك الذين عزمهم هو المؤهل الوحيد الذي يجعل العزائم لا تستقر الا في رحلهم، فيجعلون منها ملاحم بطولة وفداء في سبيل المجموع. أما أصحاب الصحائف السود فهم أولائك الذين تعظم في عيونهم الصغائر فينهزمون أمامها ملقين بأنفسهم في أحضان أعداء أهلهم وقتلة أبنائهم، أملا في شراء يوم أو بضعة ايام من العمر للعيش في كنف الذل والمهانة. ولقد كان غزو واحتلال العراق في عام 2003 سببا في نهوض الكثير من القيم وارتفاعها في سماء الوطن، حتى باتت كحزمة ضوء ساطع شعت على أرض الرافدين، كأنها قدر كي يميز بين هذين الصنفين من البشر. فعرف العراقيون من هم أهل البطولة والعزم والمقاومة التي لا تلين، الذين أنار دروبهم ضياء القيم، كما عرفوا أولائك الذين أعماهم الباطل فبرزوا يقاومون الحق تحت مسميات ‘صحوات القوات الامريكية وشركاء العملية السياسية’. 
وقد انخرط تحت هذه العناوين آخرون عُرفوا بأنهم زعماء قبائل وشيوخ عشائر، ففتحوا مضايفهم للمجرم بوش ولقادة الجيش الامريكي المحتل، كما استضاف بعض رجال الدين وخطباء المنابر الحاكم الامريكي بول بريمر والكادر الدبلوماسي في السفارة الامريكية في دورهم ومدوا لهم موائد الطعام. وقد كان نصيب محافظة الانبار من هذا الفرز بين رجال الحق وأصحاب الباطل كما كبيرا. ولان الخيانة عمرها قصير ورموزها لا يمكن الوثوق بهم حتى من قبل أسيادهم الذين استخدموهم، ولانهم كعود الثقاب لا يستعمل الا مرة واحدة، فسرعان ما تم التخلي عنهم وباتوا مطرودين من قبل السلطة الحاكمة في بغداد، بعد أن صدرت بحق الكثير منهم أوامر القاء قبض وقطعت عنهم الاموال التي أجراها لهم المحتل، وباتوا وجوها معروفة في شوارع عمان يلوذون في أماكن معلومة يعرفها العراقيون في الاردن. وعندما فاض كأس غضب الشرفاء في الانبار وتفجرت الانتفاضة الشعبية فيها، وارتفعت في سمائها خيم الاعتصامات المطالبة بالحقوق، عاد البعض من هؤلاء وخرج آخرون منهم من جحورهم كي يلبسوا رداء الانتفاضة ويعتلوا منصات الحق، مدعين بأنهم ضد السلطات الحاكمة ومع المطالبات بالحقوق، بل كانوا أكثر تطرفا من غيرهم في التصريحات عبر الفضائيات والصحف والمواقع الالكترونية المعارضة، حتى تخالهم من أقطاب المقاومة الوطنية، لكن رفع الخيم والحرب التي أشعل المالكي أوارها في الانبار، وسقوطه المهين في وحل الهزيمة نتيجة التصدي البطولي من قبل أهلها الشرفاء لثعابينه التي أطلقها عليهم، جعلته يولي وجهه صوب حلفائه الامريكان طالبا النصيحة، فنصحوه بإعادة حلقة الوصل (الدولارت) التي كان قد قطعها عن صحوات الانبار والاخرين المحسوبين على الامريكان، فعادوا مرة أخرى يرتدون الدروع الواقية ويرافقون قادة الجيش والاجهزة الامنية، يمارسون دور الدلالة لصالح المالكي على أهلهم وأبناء عشائرهم بتهمة الانتساب لـ’داعش’ و’القاعدة’، ويصححون إحداثيات القصف المدفعي لقوات الجيش على الفلوجة والخالدية والبو بالي والكرمة وغيرها من أقضية ونواحي المحافظة وشوارعها وأحيائها. كما بات بعض شيوخ العشائر يمارسون دور المراسلين لرئيس الوزراء ولوزير دفاعه، الذي يأمرهم بالتحرك لممارسة الترغيب والترهيب على هذا الزعيم القبلي او غيره كي يشتروا ولاءهم له. أما المحافظ فقد ارتكب خطيئتين كبيرتين بحق أهل الانبار، الاولى عندما استغله وزير الدفاع كي يحضر الى مجلس الوزراء ويدعي أمام المالكي بأنه الوحيد الذي يعلم بوجود أكثر من 36 قائدا من قادة ‘القاعدة’ في ساحات الاعتصام، ثم انكر علمه بما أدعى في لقاء تلفزيوني على احدى الفضائيات نائيا بنفسه عن ذلك، مدعيا بأن لا علم له بذلك، لان هذا واجب الاجهزة الامنية وليس عمله، والثانية عندما طالب المالكي بدخول الجيش للمدينة بحجة سقوطها بيد ‘القاعدة’ و’داعش’. 
ان تعدد قوى الخيانة والتنافس القائم بين رموزها في الذهاب الى أبعد حدود الدعم للمالكي، أملا في الحصول على الامتيازات المستقبلية التي تدرها مساهمتهم في الحرب الدائرة ضد أهلنا في الانبار، سيطيل عمر الصراع الدائر فيها ويزيد من معاناة الابرياء ويساهم في زيادة أعداد المهجرين، ويعطل مصالح الناس ويضيق عليهم عيشهم. فالسباق بات محموما بين زعيم قوات الصحوة الامريكية وزعيم مجلس إنقاذ الانبار ورئيس صحوة المالكي وبعض الزعماء العشائريين، كل يريد تقديم أفضل الخدمات للحصول على افضل الامتيازات، على حساب مصير ومستقبل المواطنين، وباتوا يلصقون تهمة الانتساب لـ’داعش’ و’القاعدة’ بكل صوت شريف يعارض المالكي وسياساته. كما أن بدعة الاستقالة مع وقف التنفيذ التي تقدم بها بعض نواب القائمة العراقية ومتحدون، هي الاخرى تدعم موقف السلطة الباغية، وتعطيها مؤشرا خاطئا على عدم وجود قرار شجاع لدى الاطراف الاخرى في مواجهة الباطل حتى لو كان بدرجة أضعف الايمان، وقد تكرر هذا المشهد البائس مرات عدة ثم عادوا أدراجهم الى البرلمان ومجلس الوزراء. ان رهان أهل الانبار بات اليوم محصورا بشيوخها الذين عززوا أقوالهم بأفعالهم الشريفة ومواقفهم البطولية، والذين عكسوا وحدة العراق ومجتمعه عندما فتحوا مضايفهم الى كل من القى سلاحه من قوات الجيش، وباتوا يرعون مصالح الناس ويسهرون على ممتلكاتهم بعد أن هجرّهم القصف المدفعي على المدينة، كما ان الرهان معقود أيضا على مجلس ثوار الانبار وفصائل المقاومة وكل الاصوات الشريفة التي رفضت ظلم وطغيان السلطة، وكذلك رجال الدين الذين لم يواربوا ولم يهابوا ووقفوا وقفة عز في وجه سلطان جائر. لكن من حق أهل الانبار أن يسألوا أين أفعال ساحات الاعتصامات الاخرى في بقية المحافظات؟ ولماذا لم يرتفع فعلهم الى مستوى البطولة التي تجري في غرب العراق؟ بل أين التضامن الذي يفترض ألا يبقى محصورا بالاقوال والخطب، بينما دماء أهلهم تسيل في الانبار؟ انه موقف بات جميع الشرفاء مسؤولين مسؤولية تاريخية عن ضرورة تسجيل أسمائهم في سفره، لانه الوحيد الذي يقرر مصير ومستقبل العراق ويفتح نافذة انقاذه من الهوة السحقيقة التي هو فيها منذ أكثر من عشر سنوات.

حتى آخر مواطن عراقي! / هيفاء زنكنة



تشمل حملة التوسل بالتدخل زيارات قيادة حزب الدعوة الى واشنطن واللقاء والتنسيق مع القيادة العسكرية كلما تعرض النظام لغضب جماهيري او قاربت ايامه على الاحتضار. آخر الزيارات كانت برئاسة نوري المالكي، رئيس الوزراء وأمين عام حزب الدعوة الشيعي، بتاريخ متضرعا تزويده بالسلاح المتطور لمحاربة ‘الارهاب’ وتلا ذلك طلب عدد من الوزراء، الواحد تلو الآخر، بارسال فرق خاصة واعادة تدريب القوات العراقية في بلد عربي مجاور وتمت تسمية الاردن كمكان صالح للتدريب، حسب متحدثين باسم وزارة الدفاع الامريكية. منذ جلاء قوات الاحتلال العسكري الامريكي من العراق، في عام 2011، بعد ان اوهنتها ضربات المقاومة المسلحة، والنظام الحاكم، يتأرجح ما بين الادعاء بالسيادة والاستقلال الوطني الكامل من كل تدخل أجنبي وما بين التوسل بالادارة الامريكية للتدخل من جديد.
وقد يوحي تعميم مثل هذه الاخبار بان أمريكا قد تخلت، فعلا، عن العراق، خاصة من الناحية العسكرية. مما يترك انطباعا خادعا باستقلالية النظام. غير ان هذا الانطباع هو ابعد ما يكون عن الواقع. فالادارة الامريكية لم تتخل عن مشروعها الاستراتيجي الامبريالي بالعراق وهي مستمرة به ولكن بشكل جديد يقلل من خسائرها المادية والبشرية ويحافظ على سمعتها وشعبيتها لدى الرأي العام الامريكي. ولم تخاطر بحياة مواطنيها من الشباب اذا ما كان بامكانها تنصيب حكومة تعمل كوكيل محلي، وتنفذ سياستها بالنيابة، حسب المفهوم الاستعماري القديم / الجديد الذي لخصه ببلاغة رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل حين قال بانه سيقاتل، دفاعا عن مصالح بريطانيا العظمى، حتى آخر جندي هندي؟ 
ما تحاول امريكا تنفيذه، الآن، هو قتالها حتى آخر جندي ومواطن عراقي لتحقيق سياستها في استمرارية جعل العراق حلبة للمبارزة بينها وبين ايران ودول الخليج، مدركة بأن افضل الحروب، ضمن الاوضاع الامنية العالمية بتعقيداتها وديناميتها، هي التي تدار خارج الحدود الوطنية الى حين غربلة الاوضاع ورسم حدود الشرق الاوسط الجديد، مستفيدة، في سيرورة الحرب، من رخص حياة المواطن العراقي في ظل نظام يجيد الدفاع عن نفسه ومصالحه فقط. 
ان ‘الاهتمام الامريكي’ بالعراق، وهو التعبير المهذب للتدخل الامبريالي، بطيفه الواسع، بدءا من التدخل الانساني الى الهيمنة، مستمر، بدرجات متفاوتة، من السياسية الى الاقتصادية والثقافية والمجتمعية، بضمنها منظمات المجتمع المدني، والجانب العسكري. 
ما يستوجب التركيز عليه هو جانب التسليح حيث غالبا ما يستخدم السلاح، في معظم البلدان العربية، لقمع ومحاربة المواطنين. ليست هناك معلومات دقيقة عن صفقات الاسلحة التي ابرمها النظام العراقي. اذ يحيط الغموض بالصفقات ومصادرها ونوعيتها، وان طفت على السطح رائحة الفساد الكبير الذي احاط بصفقة السلاح الروسية الذي وقعها المالكي عام 2012 بقيمة ما يقارب اربعة ونصف مليار دولار تقريبا وتم ايقافها ومن ثم اعلان تنشيطها بعد ذلك. ولم يقدم ايا من المسؤولين عن تلقي العمولة في الصفقة الروسية او غيرها او توقيع صفقات اسلحة ومعدات وتجهيزات عسكرية غير صالحة للاستخدام الى المحاكمة، مما يوفر مناخا ملائما لفساد اكبر واوسع ويعطي المسؤولين الضوء الاخضر بالتمادي نتيجة انعدام المساءلة والعقاب. 
بالنسبة الى الادارة الامريكية، لم تتوقف الادارة يوما عن مد النظام بالسلاح والعتاد بانواعه، وان كانت تعلن غير ذلك، وان كانت الامدادات مرهونة، ايضا، من ناحية الكمية والنوع بمدى حسن سلوك نظام المالكي (سياسة الجزرة والعصا)، خاصة فيما يتعلق بدرجة انصياعه للنظام الايراني وحدة المناورات بين البلدين. 
تثبت ذلك الجداول التفصيلية، الطويلة، الخاصة بتسليح العراق من عام 2007 الى 2012، المذكورة في كتاب ‘التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي ـ 2013′ ، المختص بقضايا التسلُّح والإنفاق العسكري، الصادر سنويا عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (يصدر عربيا عن مركز دراسات الوحدة العربية) . وتغطي الجداول قيمة الصفقات وانواع الاسلحة وتاريخ التجهيز بها. وكان تقرير لصحيفة ‘نيويورك تايمز′ الامريكية قد ذكر بتاريخ 28 كانون الاول/ ديسمبر 2011، بأن ‘إدارة أوباما تمضي قدما في بيع ما قيمته نحو 11 مليار دولار من الأسلحة والتدريب للجيش العراقي… بما في ذلك طائرات مقاتلة متطورة ودبابات، لمساعدة الحكومة العراقية على حماية حدودها’. 
وفي كانون الاول / ديسمبر 2013، جاء في الصحيفة ‘ نقلا عن مسؤولين في إدارة أوباما، ان الولايات المتحدة تقدم المساعدات الفتاكة، بما في ذلك صواريخ هيلفاير 75 و 10 طائرات استطلاع (سكان ايجل) بدون طيار. كما تقوم أجهزة الاستخبارات الأمريكية، أيضا، بتوفير معلومات عن موقع شبكات القاعدة ومعسكرات المتشددين’. وقام المالكي، بتقديم قائمة تمنياته (كما يفعل الاطفال حين يقدمون قائمة بما يتمنون الحصول عليه الى بابا نويل) باسلحة اضافية وتدريب فرق خاصة لمكافحة ‘الارهاب’ خلال مهاتفته جو بايدن، نائب الرئيس الامريكي، يوم 16 من الشهر الحالي. 
والمعروف ان الادارة الامريكية اعلنت، في الشهر الأخير، عن تسريع تسليم نظام المالكي الطائرات بلا طيار وصواريخ هيلفاير، بعد ان اعلن المالكي بان اعتصام المتظاهرين في محافظة الانبار، غرب العراق، يجب ان يتوقف لأن لديه ‘معلومات دقيقة ومؤكدة بوجود أكثر من 30 قياديا بارزا’ من تنظيم القاعدة فيها. وقام مستشاره علي الموسوي بتكبير حلقة الادعاء قائلا بان ‘لدى القاعدة من الاسلحة الحديثة المتطورة ما يمكنها من الاستيلاء على بغداد’. ولعل مريم الريس، مستشارة المالكي للاعلام، شعرت بالغبن وعدم تسليط الضوء عليها بما فيه الكفاية في الآونة الاخيرة فدخلت على الخط، لتزايد على المالكي ومستشاريه وكل الخبراء العسكريين قائلة بان عدد افراد القاعدة في العراق هو ‘خمسمائة الف ارهابي’. واذا ما اخذنا بنظر الاعتبار بان سكان قضاء الفلوجة المحاصر والمتعرض للقصف والتهجير هو حوالي 600 ألف فهل هذا يعني، حسب تصريح السيدة المستشارة، ان جميع السكان تقريبا ارهابيون بمن فيهم الاطفال والنساء وكبار السن والمقعدون؟ ام انها تعني ان جميع رجال الفلوجة والرمادي وعموم الانبار هم من الارهابيين؟ 
عودة الى التسليح العسكري الامريكي للنظام بذريعة محاربة الارهاب، يخبرنا معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، ضمن جداوله ان الولايات المتحدة ارسلت ما يقرب من 1.3 مليار دولار من المساعدات الخارجية إلى العراق في السنة المالية 2012. والسؤال : ما الذي حل بهذه المبالغ؟ ما الذي حصلت عليه امريكا مقابل هذه المساعدة؟ واذا ما اضفنا هذا المبلغ الى صادرات النفط الهائلة بمعدل 100 مليون دولار سنويا، هل نستغرب اذا ماكان المالكي غير مصدق بانه صار بالحكم ولن يعطيه لغيره ابدا؟ والسؤال الاهم من ذلك كله : هل يظن ساسة النظام ان بامكانهم، مهما كانت الاسلحة التي يتزودون بها والاموال التي يختلسونها، البقاء في مناصبهم على الرغم من ارادة الشعب؟ واقول الشعب لأن الظلم المهيمن على العراقيين، اليوم، لايستثني الكثيرين. 

الأحد، 26 يناير 2014

أديان توني بلير / صبحي حديدي




لا يُدهَش المرء، بل قد يُتاح له الضحك إلى حدّ القهقة العالية، إزاء تطوّر يفيد بأنّ توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، هو المنجذب الأحدث إلى إغواءات نظرية صمويل هنتنغتون حول صدام الحضارات والأديان؛ الآن وقد شبعت احتضاراً، ودُحرت مراراً وتكراراً على أرض الواقع، معظم أطروحات تلك النظرية. كأنّ بلير يدخل إلى أسواق التنظير القديمة، هذه وسواها، على هيئة زائر منذهل مأخوذ بما يكتشف من عجائب؛ أو كأنّ تمثيل اكتشاف الجديد هو التكتيك الأصلح لاستغفال العقول، و… استدراج التمويل، قبلئذ وبعدئذ!
ذلك لأنّ راعية هذا التطوّر هي ‘مؤسسة توني بلير للإيمان’، التي أسسها صاحبها سنة 2008، في نيويورك، ولها فروع وشراكات وتعاقدات ومشاريع في عشرات البلدان، وقد جمعت تبرعات بعشرات الملايين، ورواتب كبار مسؤوليها تُحتسب بستة أرقام. وإذْ تعلن المؤسسة أنّ فلسفتها المركزية هي التقريب بين الأديان التوحيدية الثلاثة، فضلاً عن البوذية والهندوسية والسيخية؛ فإنّ بلير نفسه لا يعود إلى استلهام هنتنغتون إلا لكي يشدّد على اصطراع الأديان والمذاهب، وأنّ ‘الخلاف الديني، وليس الايديولوجيا، هو محرّك المعارك الملحمية في هذا القرن’، كما يقول عنوان مقالته التي نشرتها صحيفة ‘الأوبزرفر’ البريطانية، يوم أمس.
ما نشهده من ‘هجمات إرهابية فـــــي الأماكن الواضحــــة’، يكتب بلير، ويسمّي ســـورية وليبيا والعـــــراق ولبنان ومصر واليمن والباكستان (ثمّ، في استطراد لاحق: نيجيريا، وأماكن كثـــيرة في أفريقيا الوسطى، وروسيا، وآسيا الوسطى…)؛ هي بعض تلك ‘المعارك الملحمية’، التي قد يعتبرها البعض منفصلة، أو ـ كما يوصي حكيم الإيمان، وتعايش الأديان ـ يتوجب ‘البدء في رؤية القاسم المشترك بينها، والبدء في إنــــتاج ستراتيجــــية كونية أصيلة للتعامل معها’. كيف؟ الوصفة بســيطة، جدّاً في الواقع، ولهذا فإنها سحرية استطراداً: ‘يجب أن نشجّع التعليم والتسامح، إذا شئنا تحقيق السلام في الشرق الأوسط والعالم’؛ هكذا، ليس أكثر!
كذلك، إذْ يضرب بلير سورية مثالاً على تصارع الأقليات الدينية، فقط ـ وليس، البتة، صراع الشعب ضدّ نظام استبداد وفساد، متعدد الطوائف، فاشيّ البنية، وحشيّ الأدوات، همجي الأجهزة، بربريّ الأنصار… ـ فإنّ ‘الديمقراطية ليست سبيلاً في التصويت. بل هي سبيل في التفكير’. نحن، بذلك، شعوب لن تتخذ معاركنا صفة الصراع من أجل أنظمة سياسية أفضل، كالديمقراطية ضدّ الاستبداد مثلاً؛ بل سيكون جوهر الصراع هو ‘الفارق الثقافي والديني’، وحده وحصرياً. وهيهات، حسب بلير، أن نرى سورية مستقبلية يتعايش فيها السوريون على قدم المساواة، بغضّ النظر عن الدين الذي يعتنقونه، أو الجزء الذي ينتمون إليه من ذلك الدين؛ ‘طالما أنّ مجموعة أقلية تحكم بلداً غالبيته مختلفة الانتماء، أو طالما أنّ صفوف أولئك الذين يقاتلون النظام تضمّ أيضاً عناصر ترغب في الحكم على أساس الفارق الديني’.
أقدارنا مختومة مرسومة مسبقاً، إذاً؛ ولا سبيل إلى ارتياد آفاق جديدة، ديمقراطية وعصرية ومدنية وتعددية، ما دام هذا ‘الفارق’ خالداً أبد الدهر، أزلي العواقب، مطلقاً ومغلقاً وكتيماً…؟ ومَن الذي يشخّص حالنا هذه، هذه الأيام تحديداً، سوى بلير دون سواه: ذاك الذي كانت صحيفة ‘الإندبندنت’ البريطانية قد قدّرت أتعابه بمليونَيْ جنيه سنوياً من مصرف بريطاني كبير، ونصف مليون من شركة خدمات مالية سويسرية، وأجور تتراوح بين 50 و170 ألف جنيه لقاء محاضرات متفرقة، إلى جانب أرباح مؤسسة ‘بلير وشركاه’ للاستشارات عبر البحار؛ وعلى نحو تقريبي، بلغت حصيلة ما جناه بعد أن ترك المنصب، سنة 2007، قرابة 15 مليون جنيه إسترليني.
كلّ هذا حين كان على أعتاب المثول أمام ‘لجنة شيلكوت’ البرلمانية البريطانية، التي تولت التحقيق في خلفيات التحاق بريطانيا بالولايات المتحدة أثناء غزو العراق واحتلاله، وسط إصرار بلير على أنه كان سيشارك واشنطن في الإطاحة بنظام صدّام حسين حتى دون التأكد من وجود أسلحة الدمار الشامل. أكثر من هذا، بلغ به الصلف حدّ التصريح، علانية، بأنّ عدم العثور على تلك الأسلحة كان تفصيلاً ‘فنّياً’ محضاً؛ وأمّا ‘الصورة الأهمّ’ في المشروع بأسره، أي الغزو والاحتلال وقلب النظام، فإنها كانت ثقته القصوى بصواب قراراته، ومشروعيتها وأخلاقيتها.
معروف، أيضاً، أنّ بلير زاود على البيت الأبيض، ذاته، في تصعيد الحرب النفسية، خصوصاً حين نشرت حكومته ما أسمتها ‘تقارير سرية خطيرة’، عن وجود ترسانة عراقية مرعبة، خرجت بغتة من مغارة على بابا: صواريخ سكود سليمة مصانة، وأطنان (نعم، أطنان!) من المواد الكيماوية الجاهزة للتحوّل إلى أسلحة كفيلة بإبادة ‘سكان الأرض بأكملهم’، كما جاء في النصّ الحرفي حينذاك. ولقد تطوّع لتبرير فضائح بيل كلنتون الجنسية، خائناً بذلك ‘مدوّنة السلوك’ التي بشّر بها طويلاً، هو المعروف بدفاعه المحموم عن ‘القِيَم العائلية’، وسعيه إلى تجسيد ‘المعجزة الأخلاقية للبريطاني النيو ـ فكتوري’، السائر على السبيل الثالث بين اليمين واليسار!
ها هو اليوم يصل، متكئاً على عكاز، إلى نقطة افتضاح علوم ‘الغرب’ عــــن الشرق’، حيث تعفنــــت التنميطـــــات الاستـــشراقية، وصدئت التنظيرات التبسيطية التسطيحـــية؛ آتياً من ركام ما خلّفه هنتنغتون، حول صراع الأديان وصدام الثقافات؛ ليس دون أن تكون جيوبه محشوّة مثقلة بالملايين، مع ذلك… وبسبب ذلك، أوّلاً!

عندما تتكامل الثورة المسلحة بالعراق / د. عماد الدين الجبوري


 


رغم وجود وثبات فصائل وجبهات جهادية للمقاومة الوطنية العراقية المسلحة، وما حققته ميدانياً بإلحاق هزيمة مريرة بالجيش الأمريكي الغازي. إلا أن سنوات المجابهة الضارية بين المقاومة العراقية وقوات الإحتلال الأمريكي ما بين (2003-2008) والتي تقهقر فيها الجيش الأمريكي وإنسحب مسكوراً عبر خطة الإنسحاب الرسمي التي أكتمت قبل نهاية 2011. فإن ستراتيجية المقاومة العراقية كانت تتجه نحو الشطر الثاني من عملية التحرير، وهو مجابهة الوجود الصفوي الإيراني الممسك بالعملية السياسية والدولة من خلال الكتلة التي صنعها ودعمها وأوصلها للسيطرة على مقاليد السلطة بالتوافق مع المحتل الأمريكي. زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى بغداد في 3-3-2008، نموذجاً.
بيد أن المقاومة العراقية مهما كانت تمثل الجانب الشرعي والإرادي للشعب وللوطن، ومهما خططت وجابهت أذناب الإحتلاليين الأمريكي والإيراني، لكنها تبقى محدودة ضمن نطاق مكوناتها وما يترتب على ذلك من تنظيم داخلي، وتنسيق خارجي مع بعضها الآخر، بحكم وحدة الهدف المشترك بين كافة المقاومين المجاهدين. إلا أن ثورة العشائر بالقدر الذي إنفجرت فيه جراء الظلم والجور الذي مارسه الطاغية نوري المالكي على مدى تسع سنوات تقريباً، فإن هذه الثورة المسلحة تعتبر إمتداداً طبيعياً للمقاومة العراقية من جهة. وتكملة حتمية لأبعاد الثورة الشعبية المسلحة من جهة أخرى.
وهكذا ما أن أرسل المالكي قواته الطائفية إلى محافظة الأنبار لكي تقمع المعتصمين المسالمين، ثم أرتكبت جريمتها في 28-12-2013، وقبل أن تتوسع قوات المالكي بإرتكاب مجزرة أخرى على غرار "مجزرة الحويجة" في 23-4-2013، بمحافظة كركوك، وما بعدها من مجازر "جامع سارية" بمحافظة ديالى، والقتل العمد للمتظاهرين في محافظة نينوى. فما أن تم الهجوم على آل بو علوان وإعتقال النائب أحمد العلواني وتصويره بوضع مُذل، وقتل أخيه ميادنياً ونشر صورة للقتيل وبصطال سوات على رأسه، حتى هبت عشائر الأنبار الأصيلة بثورتها المسلحة. وسرعان ما أنتشرت هذه الثورة العشائرية المسلحة لتعم بقية المحافظات المنتفضة.
ومع سرعة تشيكلات المجالس العسكرية لثوار العراق في المحافظات الست المضطهدة، فقد باشرت أيضاً محافظات الوسط والجنوب بالتجاوب الوطني معها. حيث تم الإعلان عن تشكيل المجالس العسكرية لثوار العشائر في محافظة المثنى، وذي قار، وكربلاء، وواسط، والبصرة. وبعد أسبوعين من الثورة العشائرية المسلحة، تم الإعلان عن تشكيل "المجلس العسكري العام لثوار العراق" في 16-1-2014. حيث أنضوت تحت قيادته جميع المجالس العسكرية التي ناهزت (حتى الآن) قرابة الخمسين مجلساً عسكرياً، منتشرة في أحدى عشرة محافظة لغاية اليوم.
وبعد إكتمال الجانب العسكري في ترابطه الهيكلي الميداني، وما تحدث به الناطق الرسمي اللواء مزهر القيسي في وسائل الإعلام عن مهمام وواجبات وأهداف هذا المجلس العسكري. جاء الجانب السياسي جناحاً مكملاً لتحليق هذه الثورة عالياً نحو الداخل والخارج. حيث أنبرى شيوخ العشائر وعلماء الدين والمثقفين من الوطنيين بالإعلان عن "المجلس السياسي العام لثوار العراق" بتاريخ 22-1-2014. ومن بين أهم أهداف هذا المجلس السياسي، ورد في بيان تأسيسه ما يلي:
أولاً: تأمين الدعم السياسي للثورة العراقية وإيصال صوت ثورة الشعب العراقي إلى المحافل الدولية، والتأكيد على أن هذه الثورة ثوة الشعب العراق كله ضد الحكومة العميلة الطائفية الفاسدة، وليست ثورة فئة أو طائفة أو عرق.
ثانياً: العمل على إسقاط الحكومة العميلة الطائفية الفاسدة بكل الوسائل المشروعة.
ثالثاً: الحفاظ على الوحدة الوطنية لكافة مكونات الشعب العراقي من شماله إلى جنوبه، ونبذ دعوات تقسيم البلد تحت أي مسمى، وحماية إستقلال العراق، والمحافظة على سيادته وهويته العربية الإسلامية.
رابعاً: التأكيد على أن أبناء الشعب العراقي متساوون في الحقوق والواجبات الوطنية.
خامساً: ضمان عدم حدوث فراغ سياسي بعد إسقاط الحكومة العميلة الطائفية الفاسدة بتشكيل حكومة إنتقالية مؤقته وإنتخاب برلمان مؤقت ليقوم بإعداد مسودة دستور جديد وإجراء إنتخابات عامة حرة ونزيهة في وقت لاحق وفق البرنامج السياسي للإستقلال والتحرير.
ولم يفت البيان في الختام أن يشير إلى دعوة "الوطنيين وأبناء العشائر وأبناء شعبنا العراقي الأصيل في الداخل والخارج لمساندة المجلس السياسي العام لثوار العراق، وصب الجهود نحو الهدف الأخير وهو إسقاط الحكومة العميلة الطائفية الفاسدة وتطهير العراق من براثن النفوذ الأجنبي ليسود الحق والعدل والإنصاف والعيش بكرامة".
ومع إنطلاقة الجناح السياسي، تم تشكيل "اللجنة الإعلامية المركزية لدعم ثورة العراق". حيث تشكلت لحد الآن أكثر من عشرين لجنة إعلامية في العديد من العواصم العربية والأجنبية. حيث يقع على عاتقها توصيل الحقائق لعموم العالم بأن قوات المالكي الطائفية بحجة محاربة الإرهاب تقتل العشائر العربية الثائرة ضد الأستبداد والتسلط وسياسة القتل والتصفيات الممنهجة التي يتبعها المالكي في تطبيق المشروع الصفوي الصهيوني الأمريكي في تمزيق النسيج الإجتماعي، وتقسيمه البلد على أُسس طائفية وعرقية، وهذا ما يرفضه الغالبية العظمى من الشعب العراقي.
وإذا أكتملت الجوانب الضرورية واللازمة في بنية الثورة المسلحة، فإن ذلك ينم أيضاً عن تعاضد وتظافر المقاومة العراقية بكل أطيافها ومكوناتها في مؤازرة ثوار العشائر. علاوة على إنتماء أعداد كبيرة من ضباط الجيش الوطني السابق إلى "المجلس العسكري العام لثوار العراق". ولقد تجلت هذه البنية القوية بإلحاق الخسائر الفادحة بقوات المالكي التي كشفت عن حقيقة تركيبتها الهزيلة، كونها ميليشية لا تفقه شيئاً عن العلوم العسكرية، وليست لها خبرة قتالية بخوض المعارك، بل أنها تجيد مداهمات البيوتات الآمنة، والإعتقلات العشوائية، وزج النساء بالسجون بجريرة الأب أو الأخ أو الأبن المطلوب تحت تهمة "المادة 4 إرهاب".
هذا وأن تواصل هروب العناصر المنتسبة إلى قوات المالكي من الذين لا يريدون مقاتلة أخوتهم من أبناء جلدتهم، وتسليم أنفسهم وأسلحتهم إلى شيوخ العشائر، وما يقوم به الشيوخ الأفاضل من تأدية الواجب العربي بالضيافة لهم وتوصليهم إلى مناطقهم وذويهم؛ فإنه يضفي بُعداً شعبياً آخراً على هذه الثورة.
ستدخل ثورة العشائر العراقية في شهرها الثاني، وأن عنصر الوقت مهما طال، فإنه يسير لصالح ثوار العشائر. إذ كلما صمدوا وألحقوا الخسائر بقوات المالكي الطائفية، كلما أظهروا قوتهم ومقدرتهم، مما يحفز بقية العشائر على الإنضمام إليهم ضد الظلم العام على الجميع. وكلما تعرضت قوات المالكي الطائفية للهزائم، وتزايد أعداد الهروب الجماعي بين صفوفه، كلما أقتربت العشائر الأصيلة من تحقيق الهدف في إسقاط الطاغية المالكي، وتحرير العراق أرضاً وشعباً من العملية السياسية التي صنعها المحتل الأمريكي ومسكها المحتل الإيراني الصفوي.
إن ثورة العشائر التي إنفجرت كرد فعل طبيعي بعد سنوات الحيف والتعسف المتعمدة في سياسة المالكي الطائفية الصفوية. فإنها المرحلة التكميلية على طريق التحرير، لكنها المرحلة النهائية بعون الله تعالى. فإن المجابهات الميدانية التي كانت ضد قوات الإحتلال الأمريكي، تجري الآن ضد قوات المالكي الطائفية. وبما أن نتائج المجابهات السابقة بين الذي يؤمن بتحقيق إحدى الحسنيين: أما النصر أو الشهادة، وبين الغازي الصليبي القادم من بلاد بعيدة، قد إنتهت لصالح المؤمن بالحياة الحرة الكريمة؛ فإن نفس النتائج سوف تتكرر بين الذي يحمل عقيدة النصر أو الشهادة، عن الذي يحمل العقلية الصفوية الصفراء المتمثلة بالغدر والإغتيال وإعتقال النساء البريئات. وإن غداً لناظره قريب.


العصور الوسطى الجديدة / باراج خانا




لا تزال القوة تتمثل في الأذهان إلى حد كبير بوصفها عملة السياسة العالمية. لكن مفهوم القوة ـ الثابت ـ لم يعد كافيا لتفسير العالم عديد الطبقات والأقطاب الذي نعيش فيه. فالقوة اليوم تتجلى من خلال الفعالية. وقد تكون القدرات العسكرية لبلد أوضح موارد القوة لكننا نعرف أن هذه القوة لا تقوم بالضرورة بتحقيق جميع ما ترمي إليه من أهداف. وذلك ما أثبتته تجربتا العراق وأفغانستان إثباتا أليما. لم يعد بوسعنا أن نتوقع لقدر ثابت من القوة ـ عسكرية كانت أم سياسية أم اقتصادية ـ أن يكون هو العامل الحاسم في سياسة العالم أو اقتصاده.
ولكن بوسعنا أن نقوم بتحليل الفعالية: كيف يمكن استغلال القوة لتحقيق النفوذ. الفعالية، خلافا، للقوة غير الثابتة لأنها لا توجد إلا في علاقتها بشيء آخر. وليس بوسع أحد أن يمتلك الفعالية على النحو الذي يمتلك به القوة. فالفعالية قوة في سياق، ودرجة المرء في الفعالية تبقى دائما في حالة تغير. وانظروا مثلا في فعالية القطاع الخاص على القطاع العام فيما يتعلق بالتعقيد المالي: لقد كان هناك اعتقاد ـ بعد الأزمة المالية ـ بأن القطاع العام سوف يسترد فعاليته بعدما فقد القطاع الخاص مزاياه. ولكن من الواضح بجلاء أن ذلك لم يحدث. فقد برع القطاع الخاص في استغلال فعاليته في استعادة استقلاله في مجال التعقيد المالي.
هونج كونج أهم من المكسيك
يفضي بنا هذا بسلاسة إلى أن سؤال «من الذي يمتلك القوة؟» هو سؤال قليل الأهمية في يومنا هذا. فعلينا بالأحرى أن نسأل «من يمتلك الفعالية؟». في أغلب سنوات القرن العشرين، كانت الدولة هي اللاعب الوحيد. لكن الدولة اليوم تجد نفسها في منافسة مع لاعبين آخرين كالمدن، والشركات، والمجتمعات. ولقد أصبحت العوامل النظامية مثل رأس المال والتكنولوجيا هي أدوات أولئك اللاعبين، ولكن ما ليس بواضح هو من الذي يتحكم في هذه الأدوات، أي من الذي يجلس في مقعد السائق.
إن القدرات المالية لكثير من الشركات والمدن تفوق قدرات دول. ولو أننا نظرنا إلى مجموعة العشرين، وهي أهم عشرين اقتصادا في العالم، فلن يكون بوسعنا أن ننال من حقيقة أن بعض الدول ـ كإيطاليا والارجنتين ـ لم تعد ذات صلة باللعبة على الإطلاق. فهونج كونج  بكونها مركزا تمويليا وملتقى اقتصاديا ـ أهم من المكسيك. لو اختفت المكسيك من على الخريطة، لن تكون عواقب اختفائها المالية أفدح على العالم مما لو اختفت هونج كونج. وهذا وإن يكن مثالا افتراضيا إلا أنه شديد الدلالة في واقع الأمر.
بالطبع هناك بعض الدول مثل الولايات المتحدة أو الصين أو ألمانيا لا تزال صاحبة نفوذ كبير، ولكن علينا أن نتذكر أن نفوذها هذا يأتي من إيوائها أصلا للاعبين من أصحاب الفعاليات الكبرى. ولكن سيكون من الخطأ أيضا أن نفترض أن حكومة الولايات المتحدة هي صاحبة النفوذ الأكبر لأنها مقر اللاعبين ذوي الفعاليات الكبرى. فلا يمكن القول إن الولايات المتحدة هي صاحبة الفعالية الكبرى إلا في حالة ما إذا كانت حكومتها تقوم بالتنسيق بين هؤلاء اللاعبين من ساكني أراضيها. وفي حدود قيام شركات الولايات المتحدة بالحصول على تمويلات من الحكومة واجتذاب رؤوس أموال خارجية، فإن إسهامها في فعالية أمريكا الوطنية أقل مما يبدو.
لقد ولَّى توازن القوى الذي عرفناه في القرن الماضي بما كان فيه من سيطرة للدول. ونحن اليوم شهود على حقبة تعتمد فيها الدول على المدن أو الشركات وليس العكس. ففي أغلب الدول ترون مدينة أساسية تعتمد عليها الدولة في نشاطها الاقتصادي ورفاهيتها. ولو سقطت هذه المدينة، سرعان ما تسقط بقية الدولة في أعقابها. وتمهلوا للحظة فكروا فيها في دولة واحدة ناجحة لا تستطيعون أن تشيروا فيها إلى مدينة ناجحة نجاحا استثنائيا. ولسوف يطول بكم الانتظار بلا جدوى. وإن آثار هذا التطور الجديد تزداد كل يوم وضوحا عن سابقه. فالناس في لندن يمزحون فيقولون إنهم قادرون على الانسحاب من المملكة المتحدة. وهم واعون تمام الوعي أن العلاقة بين مدينتهم وبقية الدولة علاقة ظالمة إلى أبعد حد. فأغلب العائد الضريبي في المملكة المتحدة وأغلب إجمالي الناتج الوطني إنما يأتيان من مدينة لندن، ثم يتم توزيعهما من بعد بالتساوي على جميع أرجاء البلد. ولو أن بوسع أهل لندن أن يتحكموا في هذه العوائد، إذن لانمحت بقية البلد.
ولكن هذه الحقبة الجديدة في السياسات العالمية التي تشهد تنافس العديد من اللاعبين على النفوذ ليست بالحقبة الجديدة كل الجدة على أية حال. وأفضِّل على وصفها بالجدة وصفها بـ «القروسطية الجديدة» إذ ان في هذا الوصف تصويرا مساويا لتوازن القوي العالمي الحالي. إن الفترة الممتدة بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر تشبه شبها مذهلا زمننا المعاصر الحديث. فالعصور الوسطى كانت عديدة الأقطاب عديدة الحضارات تقوم على نظام عديد الطبقات. ولم تكن الدولة الحديثة ولدت، حينما كانت الإمبراطوريات والسلطات الدينية والمدن والشركات والعائلات وشتى أشكال اللاعبين في حالة تنافس على القوة والنفوذ ـ تماما كما هو حالنا اليوم. وإذن، من وجهة النظر التاريخية، فإن الهيمنة الحصرية للدولة هي الاستثناء، لا القاعدة والعرف.
مشكلة الشرعية
ومع ذلك تبقى للدولة على نطاق واسع مكانة الأصنام المعبودة، وذلك لأن في يدها ميزة حاسمة يفتقر إليها منافسوها: هي ميزة الشرعية الديمقراطية. لكن مشكلة الشرعية الديمقراطية ـ بوصفها المصدر الوحيد للشرعية ـ تتمثل في أنها لا تنطبق إلا على الدول فهي بذلك تقصي بقية اللاعبين. ولو أننا نريد احتواء بقية اللاعبين في نظم شرعية، فعلينا أن نتبنى نظما أخرى في المساءلة والمحاسبة تلائم اللاعبين حينما لا يكونون دولا مثل المراقبة والإشراف والسمعة السوقية. إن الشرعية الديمقراطية مقياس منقوص بالنسبة لأي نظام. وحتى النظام السياسي الذي تتوفر فيه المسائلة والمحاسبة والشرعية الديمقراطية  ـ كالديمقراطية الغربية على سبيل المثال ـ ليس بعد نظاما كامل الشرعية إذا لم تكن المحاسبة والمسائلة السوقية فاعلة فيه. وتجاهل هذا فيه خسران لجزء كبير من الصورة.
إن القضايا والمشكلات التي تواجهنا اليوم لهي أكثر تعقيدا من أن تتولاها حفنة من الدول. وإن أنصار نظام الدولة ليتشبثون بسلطة الدولة الحصرية لكنهم ينسون أن التعقيد هو الواقع الأشد جذرية من نظام الدولة نفسه. فنظام الدولة لا يسيطر على التعقيد، بل إن نظام الدولة نفسه هو الذي يقع تحت رحمة التعقيد.


*كاتب المقال يعمل في المنتدى الاقتصادي العالمي في جنيف  وفي معهد بروكنجز وله مؤلفات عديدة تصب في محاولة حل المشكلات العالمية من خلال توثيق التعاون الدولي.

نشر المقال في مجلة ذي يوربيان
ترجمة أحمد شافعي