الخميس، 6 فبراير 2014

عندما تصبح دائرة الحكم مسرحًا للهواة! / سليم عزوز



لا أعرف متى كانت المصالحة مع الإخوان، منذ أن وقع الانقلاب العسكري، مطروحة، لكي يتسنّى لـ " المؤقت"، أن يرهق أحباله الصوتية بالإعلان، عن أن المصالحة مع الإخوان لم تعد مطروحة. فضلاً عن أنها ليست مقبولة شعبيًا؟!

" المؤقت" المستشار عدلي منصور، بدا منذ اليوم الأول لتوليه الحكم بفضل انقلاب 3 يوليو المجيد عليه، كما لو كان مغلوبًا على أمره، وكان صمته كاشفًا عن أنه "رجل بركة"، على نحو جعله بعيدًا عن سهام خصوم الانقلاب والمُدافعين عن الشرعية. وقد جاء إلى موقعه ليس استنادًا لخبرة سياسية، ولم يُجرَّب عليه يومًا اهتمامٌ بالسياسة، أو انشغالٌ بدروبها، فقد جرى تعيينه في السلك القضائي، منذ أن تخرّج في الجامعة، واستمرّ فيه إلى الآن، ويحظر على الذين يعملون في مجال القضاء الاشتغال بالسياسة. ومع كل هذا فقد شاء الانقلاب في مصر، أن يتولّى هذا الرجل مُنعدِم الخبرة والكفاءة السياسية، المنصبَ السياسيَّ الأعلى في البلاد، وبدا واضحًا أنه لا رغبة له في التماهي مع المنصب الجديد، وهو منصب مؤقت، لا يستدعي منه أن ينشغل بما لا يعنيه، حتى لا يواجه ما لا يرضيه!.

وقد ترك مهام منصبه في أيدي آخرين من دونه، فكلّف أحمد المسلماني بالقيام بمهامّ سياسيّة، وكلّف مصطفى حجازي بالملفات الأخرى، فحدثت لقاءات مع قادة الأحزاب، في غيبة الرئيس غير المعني بالسياسة، لكن بات واضحًا أنه لن يبقى طويلاً في موقعه، فقرّر أن يشتبك سياسيًا مع الآخرين، ولا ندري هل من اللائق، بالنسبة لمن يختلفون معه أن يستمرّوا في مواجهة رؤيته ونقده حتى بعد أن يغادر القصر الجمهوري إلى المحكمة الدستورية العليا، وقد أصبحت الانتخابات الرئاسية على الأبواب؟!.

وقوع الاختيار على عدلي منصور رئيسًا مؤقتًا هو جزء من حالة الغواية، التي خضع لها الناس من فرط الدعاية، فمنذ أن تولى المجلس العسكري حكمَ مصر وهناك أصوات تطالب بدور سياسي للمحكمة الدستورية العليا، والبعض طرح اسم رئيسها السابق، قبل إحالته للتقاعد، رئيسًا مؤقتًا بديلاً للمجلس العسكري، وهؤلاء اعتقدوا أمرًا ليس مقطوعًا به وهو أنها محكمة مستقلة لا تتدخل السلطة التنفيذية في أعمالها.

وكان لافتًًا أنني كنت قد حذّرت من عمليات التخريب التي يقودها حسني مبارك لهذه المحكمة، فالرجل بعد مرحلة المستشار عوض المر، عمد أن يعبث باستقلالها، واستغل نصًا في قانونها يعطيه حقّ تعيين رؤسائها، ليمارس هذا العبث، وقبل ثورة يناير، جاء برئيس محكمة جنوب القاهرة مُتخطيًا الرقاب ليكون رئيسًا لها، وهو رجل كانت أعماله مثار طعن عندما كان يشرف بحكم منصبه على انتخابات النقابات المهنية، بموجب قانون تأميم النقابات، الذي صدر حكم قضائي بعدم دستوريته، بعد أكثر من خمسة عشر عامًا من تطبيق هذا القانون!.

وقد كتبت عن التخريب والتخطّي في حينه، وفي أيام مبارك، وتمّ تعيين الرئيس الأسبق للدستورية استنادًا إلى سياسة العناد التي كانت مُعتمدة لدى المخلوع!.

لقد أصدر مبارك توجيهاته إلى رئيس محكمة النقض، بأن يضمّ المجلس الأعلى للقضاء في عضويته رئيس محكمة جنوب القاهرة "الابتدائية"، ووافق رئيس النقض على ذلك، لكنّ تململاً حدث في الأوساط القضائية، لهذا التوجيه المعيب، ذلك بأن صاحبنا هو رئيس محكمة ابتدائية، مثلها العديد من المحاكم الابتدائية في المحافظات المُختلفة.

رئيس المحكمة الدستورية حاليًا استفاد من الثورة، التي جعلت عملية اختيار رئيس المحكمة من أقدم ثلاثة نواب لرئيس المحكمة، وباختيار من جمعيتها العمومية، وعلى الرغم من أن رئيس الدولة يختار من بينهم، إلا أن الرئيس محمد مرسي حرص أن يكون الاختيار استنادًا للتقاليد الأكثر احترامًا، باختيار النائب الأوّل بعد موافقة، الجمعية العمومية ليكون قراره كاشفًا، لقرار القضاء المنشئ.

ولا نعرف ما إذا كان المستشار عدلي منصور، هو ابن المحكمة الدستورية، أما جاء إليها نازحًا في التشكيلات التي دخلتها من الخارج، ومن محاكم أخرى!.

وهذا ليس هو الموضوع، فما يعنينا هنا أن المستشار عدلي منصور، هو بعيد كل البعد عن الشأن السياسي، وليس في هذا ما يشينه وقد أُحيل عددٌ من القضاة لمجالس التأديب لأنهم أبدوا آراء سياسية، فمجرد إبداء الرأي السياسي، يعد خروجًا على مقتضى الواجب الوظيفي، ويستلزم توقيع العقوبة لتصل إلى الطرد من السلك القضائي تمامًا، لنكون أمام مفارقة غريبة، تتمثل في أن " رئيس الدولة" هو هنا بحكم المهمة ليس رجلاً سياسيًا، وليس مشغولاً بالسياسة، ومع هذا فقد حرص القوم وهم يجهزون انقلابهم، على أن يتولى سيادته رئاسة الدولة المصرية، وهو في السياسة لا يعرف الألف من كوز الذرة، وهذا أمر لا يشينه ولا يسيء إليه، فالخطأ هنا يُسأل عنه أولئك الذين كلّفوه من الأمر ما لا يطيق!.

وفي تعامله سابقًا على أن الضرورة تقدّر بقدرها، وعليه فلا مندوحة من أن يواصل الصمت، حتى نقول ليته يتكلم!.

بيدَ أن منصور، ظهر في الآونة الأخيرة وكأنه يصمت عجزًا، وأنه عندما وجد الفرصة سانحة للكلام فقد تكلم لاسيما أنه أوشك أن يغادر القصر الجمهوري، ويودّ أن تكون له بصمة، ولو بالكلام!.

فاجأنا عدلي منصور بمقابلة صحفية أكّد فيها أن المصالحة مع الإخوان لم تعد مطروحة، وزاد على ذلك بقوله: ".. وليست مقبولة شعبيًا"، ولا نعرف أين رأى الشعب المصري ليقف منه على أن المصالحة ليست مقبولة منه، وهل التقى به مصادفة على شاشة السينما، أم على الشاشة الصغيرة، فطبيعة عمله كقاضٍ تحول دون اختلاطه بالناس، واحتكاكه بهم!.

ومهما يكن، فلا نعرف متى كانت المصالحة مطروحة، ليعلن الآن أنها لم تعد مطروحة، وفيما تكون المصالحة؟!.

وهل يستطيع الإخوان، أن يقفزوا على الدماء التي سالت، وعن آلاف الشهداء الذين سقطوا من جراء الاستخدام المفرط للقوة؟

إن الجماعة تعلم أنها إذا أقدمت على هذا وفرطت في ثقة الثوار فإنها تكون قد آثرت السلامة، لكنها في الوقت ذاته تكون قد خرجت من التاريخ!.

اللافت، أن عدلي منصور وهو في انشغاله في مجال مستجدّ عليه، قد أخطأ فيما له فيه سوابق، وهو القانون مجال تخصصه الدقيق!.

فقد تمّ ضبطه متلبسًا بالتدخل في شؤون السلطة القضائية، ليكون هذا العنوان الأبرز على هيمنة السلطة التنفيذية وتغوّلها، وهو بالمناسبة على رأسها إن لم يكن يعلم. وذلك بطلبه من النائب العام أن يخصص 9 دوائر لسرعة محاكمة " المعتقلين".. هكذا وصفهم وقد أجرى الله الحقّ على لسانه، غير مأجور، ولا مشكور!.

والذي زاد وغطّى، أن قانون الانتخابات الرئاسية جاء مليئًا بالثغرات، ويكفي أنه لم ينصّ على المنع من الترشيح لمن صدر ضده حكم جنائي، أو جنحة مخلة بالشرف، وهو شرط تمّ نسيانه فلا يوجد دستور، أو قانون لنقابة، إلا ويضع هذا الشرط لطالب الترشيح أو لطالب القيد!.

ثم جاءت المادة 15 متعارضة مع المادة 17 من ذات القانون، على الرغم من أنه يفصل بينهما مادة واحدة، فالأولى قيّدت مدّة الدعاية الانتخابية بخمسة وعشرين يومًا، والثانية أقرّت بأنها لا ينبغي أن تقل عن ثلاثين يومًا كحدّ أدنى!.

فالمستشار عدلي منصور لو تفرّغ لما يفهم فيه وهو القانون لكان خيرًا له، بدلاً من أن يغرق نفسه في بحور السياسة المتلاطمة فيخطئ هنا ويخطئ هناك، فلا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى!.

والمؤسف أن آخرَ لم يعمل بالسياسة بحكم انتمائه للجيش المحظور على من به العملُ بها، يقوم بالتسخين الآن لخوض الانتخابات الرئاسية!.

إن دائرة السلطة في مصر الآن ستكون أقرب إلى مسرح الهواة!.












ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق