الخميس، 6 فبراير 2014

بيع البتراء / توجان فيصل


قبل أسبوع كامل، نشرت الصحف الأردنية خبرًا رسميًّا مفصلاً يقول: إن الحكومة سمحت بتملك حمَلة جوازات السفر الأردنيّة المؤقتة أراضٍ في منطقة "سلطة إقليم البتراء" لأغراض السكن كما لأغراض الاستثمار، على ألاّ تزيد الأرض المتملكة للسكن على أربعة دونمات (الدونم يُساوي ألف متر مربع، وهو ما يعني بناء قصر بحدائق ومسابح، فالسكن المرخّص لبناء فيلا من فئة "أ" يلزمها فقط دونم واحد). وألاّ تزيد الأراضي المستملكة لأغراض الاستثمار عن عشرة دونمات.وذلك "بموجب نظام بيع الأموال غيرالمنقولة وتأجيرها لغير الأردنيّين وللأشخاص المعنويّين في مناطق سلطة إقليم البتراء المتنموي السياحي لسنة 2014". أي أنه نظام أصدرته الحكومة حديثاً، وتحديداً بتاريخ نشرالخبر!

والتشريع بـ "نظام" هو أبرز ما كانت تلجأ له الحكومة تاريخيًّا، باستخلاص قوانين من مجالس نوّاب مزوّرة ضعيفة وفاسدة تتضمّن إحالة أهمّ وأخطر أحكام ذلك القانون (وبخاصّة حيث المال) للحكومة لإصداره بنظام. فتبدأ الحكومة تُصدر وتغيّر ما تشاء من تشريعات وأحكام حين تشاء هي في صيغة نظام تطبقه فورًا، ولا يكون لافتاً للنظر لأنه لم يمرعلى مجلس النواب. ليس لأنّ نوابًا في سوية "الختم المطاطي" التي آلوا إليها سيُحدثون فارقاً، بل لأنّ إحالته سيجعل كتابًا ومحللين ومعارضين قديرين يتناولونه على منابرصحفيّة أو منابر التواصل الأخرى. ما سيستتبع بعض المزاودات في المجلس أو "الطوشات"، ما يعني أن الأمر لن يمرّ بذات السهولة التي مرّ بها النظام موضوع مقالتي هذه والذي لم يعلق أحد على خبره، مع أنه جاء في وسط ميمعان "حقوق حملة الجوازات المؤقتة"!

واستوقفني أن خبر إصدار هذا النظام جاء متزامناً مع خبر عن "مكرمة ملكيّة" (حتماً أريد به تلهية الشارع الغاضب وبخاصّة في الجنوب وفي مدينة معان تحديداً التي أنذرت الحكومة بقرب إعلانها "العصيان المدني") بوهب دونم أرض لكل "معاني" يحمل الرقم الوطني، في منطقة قفرحتماً، كون قبيلة الحويطات ثارت على الخبرمعتبرة أبناءها أحقّ بتلك الأرض وقطع المعارضون الطريق الصحراوي ، وتحرّكت قوى الأمن لتفريقهم. والحكومة حتماً سعيدة بالمعمعة التي تُلهي بأرض قفر تنفيذ وهبها والانتفاع بها مليء بالمعوّقات حدّ الاستحالة، ممّا لا مجال لشرحه هنا. هي فقط تريد قبول أهل معان (المدينة الأقرب جغرافيًّا من البتراء بعد "العقبة" المباعة كلها عبر سلطة إقليمها أيضاً) بشرعيّة الوهب والتخصيص والبيع (كما فعل عمرو بن العاص في حادثة التحكيم)، لتُطلق يدها بعد ذلك في الأراضي الأغلى المصنّفة "سياحيّة" التي ستُباع لحملة الجوازات المؤقتة (وليس الرقم الوطني). وحملة الجوازات المؤقتة هؤلاء ليسوا فقط من الفلسطينيين، بل هنالك عراقيّون وسوريون وغيرهم أهّلهم ثراؤهم، وبغضّ النظرعن مصادر ذلك الثراء، لنيل الجوازالمؤقت!

و"السياحي" هو التصنيف الذي يجعل ثمن الأرض أضعاف ثمن المناطق المصنّفة سكن "أ" وحتى "الخاص". بل ويجعلها أغلى من الأرض المصنّفة تجاريّة في أكثرمواقع التجارة رواجاً. ولكن زعم أن مهمّة "إقليم البتراء" تنمويّة، سيُتيح مبررًا للحكومة كي تبيع هذه الأراضي بأثمانٍ بخسة (في ظاهرها المعترف بقبضه على الأقل) تشارف "الوهب". فهذا ما جرى لأراضي إقليم العقبة التي توالى تكشّف بيعها بأسعار أقلّ من المعروض حينها بكثير، لجهات بعينها، وجرى وهب لأراضٍ شاسعة لمتنفذين في حلقة الحكم باسم "تخصيص" أراضٍ "لهم"، والذي خُصّصت له الأراضي يُصبح مالكاً يحقّ له البيع ، حسب الخبر الحكومي والنظام الذي أصدرته بشأن أراضي البتراء أيضاً. وامتدّ ذلك التخصيص لأراضٍ في منطقة غور الأردن ومنطقة البحر الميت. ما يُعيدنا للفحوى السياسي لما يجري.

والتملك لا يقف عند الدونمات الأربعة السكنيّة والعشرة الاستثمارية، بل يتجاوزها لحظة يُوافق "رئيس مجلس مفوضي الإقليم" الذين لم يُفوّضهم لا سكّان الإقليم ولا الأردنيّون. وتقسيم البلد لأقاليم منفصلة كليًّا وتُحكم من حفنة معيّنة غير منتخبة وبقوانين وأنظمة لا تمرّ على مجلس النواب أو تمرّ مرّة واحدة لشلّ يده وتعطيل سلطته الدستوريّة لصالح "سلطات الإقاليم" المختلقة. سبق أن رفضه الشعب حين عُرض بصيغة "اللامركزية الإدارية" كما بصيغة "مشروع الأقاليم" (يُمكن العودة لمقالتي على الجزيرة نت "لا ذاك قضاء محتم ولا هذا لطف يرتجى") . ويُعزّز الريبة في القرار هذا كون من بين من يحقّ لهم تملك أراضي إقليم البتراء لغايات السكن أو للقيام بأعمالهم:" البعثات الدبلوماسيّة والمنظمات العربيّة والإقليميّة والدوليّة المعتمدة في الأردن"! فماهي مهام وأعمال السفراء والدبلوماسيين وتلك المنظمات التي تستدعي تملكهم ومنازل وأمكنة عمل في منطقة سياحيّة نائيّة، في حين أن كل السفارات في العالم تقيم في العواصم ؟!

حيّز المقال لا يتسع، لهذا أختم بسؤال: كيف ستكون ردّة فعل الشعب المصري لو أعلن عن بيع وتمليك منطقة الأهرامات ووادي الملوك لأجانب وبهذاالسخاء؟! فالبتراء مثلهما، إحدى عجائب الدنيا السبع، وثروة سياحيّة نادرة لا تُقدّر بثمن!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق