الجمعة، 6 فبراير 2015

رواية فاروق الشرع ما زالت مفقودة / د. عوض السليمان


يبدو لي أن الدعاية التي رافقت كتاب "الرواية المفقودة" لفاروق الشرع، وزير خارجية حافظ الأسد، أكبر بكثير من قيمة الكتاب من الناحية العلمية-البحثية، وليس مؤكداً أن "الرواية المفقودة" سيكون نافعاً، أولا بد منه للمهتمين بالشأن السياسي السوري، ويؤسفني أن كثيراً من المتحدثين حول الكتاب لم يراعوا الجانب العلمي المتعلق بآليات الكتابة والتأليف.



نتفق أن هناك اختلافاً واضحاً بين شروط الكتابة وأركانها، وإذا اتفقنا مطلقاً أن الشرط يسبق العمل ويرافقه، فعلينا أن ننظر فيما إذا كانت شروط كتابة الرواية المفقودة صحيحة أولاً، وهل رافقت العمل حتى نهايته أم لا؟
أول شروط الكتابة أن تتم دون ضغوط، سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها، ومن المعلوم أن المراجع تفقد قيمتها تماماً إذا كتبت تحت أي نوع من تلك الضغوط. لقد انتهى الحديث منذ مائة عام تقريباً حول رفض الاعتداد بمرجع ما، ليس إذا كتب تحت الضغط فحسب، بل يكفي "احتمالية" وجود الضغوط، إن كانت تلك الاحتمالية "ظناً" (أقرب للتأكيد) أو "شكاً" (أقرب للنفي)، فالمرجع يجب أن يكون دقيقاً ومؤكداً وإلا فكيف يعتمد عليه.
حديثنا حول "الشك أو الظن، أو الاحتمالية" فكيف إذا كان بعض المراقبين يجزم بأن "المؤلف" يعيش في قلب الضغط السياسي، لدرجة منعت الشعب السوري أن يراه أو أن يعرف مصيره.
عندما وقعت مجزرة الصنمين في بداية الثورة السورية واعترض الشرع، تم تهديده بالقتل وتم التخلص منه سياسياً، مع أنه كان في عداد الأموات قبل الثورة، وذلك عندما استجاب بشار الأسد للضغوط الأميركية بإبعاد الوزير عن حقيبة الخارجية.
لا يستطيع الشرع التحرك في دمشق إلا بأمر بشار الأسد وموافقته، كما لا يستطيع أن يتخذ قراراً واحداً، لا سياسياً ولا اجتماعياً، ولا يستطيع أن يخرج من سورية على الإطلاق، ولا يعرف الشعب السوري مصيره، أو مكان وجوده، فكيف نقبل، والحالة هذه، كتاباً يصدر عنه في ظل الأسد، وكيف يطمئن الباحثون إلى صدقية ما جاء في الكتاب فيعتمدون عليه لفهم المرحلة السياسية المذكورة فيه كما أعلن المدافعون عن الكتاب؟
سؤال آخر يطرح نفسه، هل كتب الشرع كتابه وكان بشار الأسد نائماً، أم اطلع الأسد على الرواية وسمح بما فيها ومررها، وهل يسمح الأسد لأي كان أن يكتب مادة دون أن يوافق على ما فيها، وهل يقبل الباحثون الاعتماد على كتاب وافق عليه بشار الأسد، ويعتبرونه مرجعاً؟
ما تقدم كان فقط من ناحية علاقة الشرع بالضغوط السياسية التي تفقد الكتاب مرجعيته ولو كان صادقاً، ففي المرجعيات البحثية لا مجال للاستدلال بما فيه "شك أو ظن أو احتمالية".
من ناحية أخرى، فإنه يصدمني أن نعتد بكتاب كتبه وزير خارجية الأسد، الرجل الذي ساعد سيده على مدار أربعين سنة في تثبيت حكمه وإقناع السوريين والعرب أن الحكومة السورية غير طائفية، حتى أصبحت عبارة "ثلاثة أرباع الحكومة سُنّة" متداولة في سوريا كلها مع العلم أن أصغر ضابط علوي يستطيع إقالة بل قتل أي مسؤول سني في البلاد.
لقد لعب الشرع أقذر الأدوار في دعم حافظ الأسد، هو وكل السنة الذين شاركوا في حكومات الأسد، وقد كان يعلم أنه بذلك يخون شعبه ودينه أيضاً، وأسهم في تمكين الطائفة العلوية من رقاب السوريين، بينما كان الأسد يتباهى بالواجهة السنية الضعيفة والمنهكة التي يمثلها الشرع وخدام والشهابي وطلاس وغيرهم.
بلغة حيادية تامة، وبعيداً عن أي موقف سياسي، إذا كان فاروق الشرع كتب كتابه تحت ضغط الأسد، فمن المعيب أن يوصف الكتاب بالمرجعية، وإن كتب الرجل كتابه بكامل الحرية وهو في ظل الأسد، فإن الكتاب سيحمل دعاية، لا يصح أن يعتمد عليها في البحث العلمي. وفي الحالتين كلتيهما لا يصح الثقة بمثل هذا الكتاب، ولا بأس بتصنيفه بكتب المذكرات التي لا نعرف حقها من باطلها والتي كتب مثلها الفنانون والمغنون ولاعبو كرة القدم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق