الجمعة، 6 فبراير 2015

دموع الرئيس / سليم عزوز(كاتب وصحفي مصري) ..


تدافعت دموعه إلى سطح عينيه، وبدت للرائي أنها حائرة بين أن تبقى في مكانها، أم تغادرها لتتساقط على وجنتيه؟، وفي النهاية اختارت البقاء في مكانها، فلا يمكن لصاحبها أن يعرف رد فعل أنصاره، إن شاهدوا رئيسهم القوي الذي وصفوه من قبل بـ "الدكر"، لتأكيد تفوقه على الرئيس محمد مرسي الذي حاز على لقب "الرئيس الضعيف" وكان هذا من الذرائع التي بررت الانقلاب عليه!.


لقد كانت الصورة التي بدا عليها الجنرال عبد الفتاح السيسي، عقب اجتماعه بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة، عندما انتصب ليخاطب المصريين، كاشفة عن أنه في أضعف حالاته، لكن حيرة دموعه، كان مردها أنه لا يعرف حينها رد فعل المصريين، الذين لا يمكن لأحد أن يضع مقياساً لرد فعلهم، فهم يريدون الرئيس القوي، وكانت بساطة الرئيس محمد مرسي ليست في صالحه، فقد بدا أنه من الشعب، لكن بعض هذا الشعب لا يريد الرئيس منه، فلا بد من أن يكون من مستوى مختلف ومن الطبقة الأرفع، وهي الأزمة التي واجهت جماعة الضباط بعد ثورة يوليو، عندما كان الباشوات يسخرون منهم في جلساتهم، باعتبارهم مجرد "فلاحين"، لكن عبد الناصر، خلق طبقة جديدة، هي من الشعب الفقير الذي نظر إليه على أنه المخلص، وأسرف في التنكيل بالطبقة العليا، بمن في ذلك الإقطاعي الذي كان سبباً في دخوله الكلية الحربية!.

بيد أن هذا الشعب الذي نظر لعبد الناصر على أنه بطل، وأنه بمثابة "الفتوة" الجديد الذي أسقط "الفتوة التقليدي" المتسلط في أعمال نجيب محفوظ، تعاطف مع ضعفه، وخرج يرفض قراره بالتنحي بعد هزيمة يونيو سنة 1976. فلست من القائلين بأن هذا الخروج الجماهيري وشعاره "لا تتنحى" كان مفتعلاً.

نفس رد الفعل الجماهيري تكرر عقب الخطاب العاطفي للمخلوع حسني مبارك، الذي طلب فيه من الثورة أن تمهله لنهاية دورته في سبتمبر وبعد ثمانية أشهر، وأنه يريد أن يعيش في بلده ويدفن في ترابه، وأعترف أنني ورغم تشككي في نواياه، فقد هزني هذا الخطاب، مع اعتقادي بأنه عندما يغادر الثوار لبيوتهم، سيتم إلقاء القبض على المعروفين من المحرضين على الثورة. وظللت ليلتي كلها أتواصل مع زملاء الميدان، فلم أجد من بينهم من لم يترك فيه هذا الخطاب أثره.

فقد حدث تعاطف مع "مبارك الضعيف"، لكن الناس لم تقبل بصيغة "الرئيس الضعيف" في عهد الرئيس مرسي، وكان ما يتصوره البعض ضعفاً هو ما يؤخذ عليه، والهجوم الإعلامي بدون انتصار الرئيس لنفسه، كان يمكن أن يحسب على أنه سماحة، لكن الرأي العام كان له موقف آخر.

مدعو الحكمة الآن بأثر رجعي، يقولون كان على الرئيس مرسي أن يصارح الشعب بالتحديات التي يواجهها. لكني أذكر أنه بعد خطابه الطويل، الذي ذكر فيه مؤامرات البعض، تلقيت اتصالاً من أقرباء لي هم عندي يمثلون مقياس الرأي العام الشعبي، وكان كلامهم يدور حول موضوع واحد، هل دور الرئيس أن يحمينا أم نحميه؟.. وبصياغات مختلفة!.

ومعظم هؤلاء أيدوا عبد الفتاح السيسي باعتبار أنه الرجل القوي، بحكم موقعه، وأن الأوضاع في مصر لا تحتمل الرئيس الطيب أو المتسامح!.

وجزء من شعبية الرئيس محمد مرسي الآن ترجع إلى أنه باعتقاله، يلاعب الانقلاب على أرضه هو، وليس على أرض الانقلاب، فتجلى بصموده أشجع مما ظنوا، وأشرس مما تتوقعوا!.

فهل تجمعت كل هذه المشاهد، في وجدان عبد الفتاح السيسي فكانت سبباً في حيرة دموعه، ثم كان القرار بأن تبقى مكانها ولا تفارق سطح عينيه؟!.

السيسي بدا ضعيفاً في هذه اللحظات، ومثل حديثه مفاجأة، ربما دفعت إليها الظروف!.
فمنذ وقوع الانقلاب والآلة الإعلامية التابعة له لا تتوقف عن ترويج دعاية مفادها أن الإخوان انتهوا، وأنهم تحولوا لجزء من الماضي، فتنظيم عمره 80 عاماً لا يمكنه أن يهزم بلدا عمره سبعة آلاف سنة.

دعك من الخطأ والخطل في هذه الدعاية التي تنظر للإخوان على أنهم ليسوا مصريين، باعتبار أن المصريين هم السيسي وحلفه، فالمهم هو ما قصد منها!.

لقد تبين أن الإخوان وبعد المجازر، والمحارق، والاعتقالات، والمطاردات، لم ينتهوا وأنهم لا يزالون في قوة تجعل السيسي نفسه يعترف بها، ويقول إننا نواجه أقوى تنظيم سري في العالم، وأن استمرارهم في المواجهة إلى الآن كان متوقعاً سلفاً، وأنه صارح الشعب بذلك!.

ربما كان السيسي هو وحده من يعرف قوة الجماعة، لكن ما أعرفه أن المستقر في وجدان أعضاء المجلس العسكري مبكراً، وقاله وزير الداخلية الأسبق محمد إبراهيم "الأول" في حضور المشير محمد حسين طنطاوي ورئيس الوزراء كمال الجنزوري، وعدد من قيادات الجيش، قبل جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، أن اعتقال 1800 قيادة مرصودة من الإخوان في المحافظات، سيشل الجماعة عن الحركة، وسيحولها لأثر بعد عين!.

ومهما كانت وجهة نظر السيسي، الذي فاجأنا بها الآن، فلا أظن أن أنصاره كانوا يعتقدون أن الإخوان أقوياء، وأنهم يواجهون تنظيماً قوياً يمكنه أن يخوض حرباً طويلة، ويمكنه أن يصمد كل هذا الصمود، ويمكن للسيسي نفسه أن يكون من ضحايا هذا التنظيم، بدلاً من أن نتصور أنه منتصر لا محالة.

لقد اعترف السيسي والدموع تملأ مقلتيه أن الحرب ستطول، وأن الإرهاب والعنف قبل انقلابه كانا محتملين فصارا واقعاً، بفضل ضعفه، وقوة الإخوان، كأقدم وأقوى تنظيم سري في العالم!.

وإذا سلمنا بكل كلامه، فأليس من الحماقة أن تُفرض على البلاد حرب، هدفها الأول أن يصبح السيسي رئيساً، وأن يأخذ قوة الدولة المصرية رهينة من أجل حماية استمراره في هذا الموقع؟!

قديماً قال العندليب: "اللي شبكنا يخلصنا"!.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق