الثلاثاء، 17 فبراير 2015

السيسي والبغدادي.. مشتاق يسعى إلى مشتاق! / سليم عزوز


هي الحرب إذن بعد أن تلاقت الإرادات: إرادة الانقلاب في مصر، وإرادة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وإرادة دول الاستعمار القديم، التي تريد أن تهيمن على ليبيا، وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم!.

في أحد تجلياته، قال عبد الفتاح السيسي إنه فكر وتدبر في معنى "وآخرين من دونهم.."، فتوصل للمعنى بأنهم الذين سيخرجون لحماية "الدولة المصرية" من السقوط في الوقت المناسب، ولو اطلع على أي من كتب التفسير المعروفة للقرآن الكريم، لوفر على نفسه التفكر والتدبر، فإجماع المفسرين يكاد يكون منعقداً على أنهم يهود "بني قريظة"!.



سلالة "بني قريظة"، في مرحلة تنفيذ مخططهم القديم ليس بحماية "الدولة المصرية" ولكن بتدمير الجيش المصري، ضمن مخططهم لتدمير جيوش المنطقة، كما فعلوا من قبل عندما تم حل الجيش العراقي، استجابة لمطلب طائفي، وانتقاماً لدور هذا الجيش في الحرب العراقية – الإيرانية!.

ليس على رأسي "بطحة أتحسسها" كما يفعل البعض، فيضيع وقته وجهده وهو يفكر ويتدبر، فيكون إنتاج هذا التدبر خطأ وخطلا، على النحو الذي حدث عندما فكر عبد الفتاح السيسي وتدبر، في تفسير آية قرآنية جرى تفسيرها منذ قرون!.

من "يتحسسون بطحاتهم" ومن ثم يلتمسون براءة تنظيم الدولة من الاتهام بخطف واحد وعشرين قبطياً وقتلهم بعد ذلك، يتحركون من حيث كون التنظيم إسلاميا، وكأن كل الإسلاميين مع قضية الشرعية في مصر. وعندما أقول: "ليس على رأسي بطحة"، فهذا ليس مرده إلى كوني لا أنتمي للتيار الإسلامي بتنويعاته، وإنما حتى من منظور الانحياز لقضية الشرعية، فتنظيم الدولة لا يمثل أي انتصار لقضيتي على أي مستوى، وقد بادر بتكفير الدكتور محمد مرسي، ولم يكفر عبد الفتاح السيسي. والتنظيم كما هو معروف ضد قضية الديمقراطية التي أنحاز لها، وضد مبدأ الاحتكام لإرادة الشعوب.

التنظيمات الدينية المتطرفة، لا تحضر إلا عند تغييب الحكم الرشيد، وعندما يحكم العسكر، و"مزرعة الإرهاب" الذي يهدد العالم كله، من إنتاج أنظمة الاستبداد في عالمنا العربي، التي أوجدها في بلادنا الاستعمار القديم، ولا أعتقد أنني أعيد اكتشاف كروية الأرض، إذا قلت إن الولايات المتحدة الأمريكية هي راعية الاستبداد، وهي التي عز عليها أن يكون الرئيس المصري من اختيار المصريين، فدعمت انقلاباً عسكرياً، يستمد شرعيته من البيت الأبيض.

ليس سراً إذا قلت إن الرجل الأول في تنظيم القاعدة الآن الدكتور أيمن الظواهري، هو تصدير بيئة الاستبداد في مصر في زمن الرئيس المخلوع، والذي كان يحظى برعاية واشنطن وحمايتها، وإذا كانت إمكانيات الظواهري وتنظيمه "الجهاد" لم تمكنه من مواجهة نظام مبارك، فقد غير معتقداته. وكما هو معلوم أن تنظيم "الجهاد" كان يؤمن بأن مواجهة العدو الداخلي مقدمة على مواجهة العدو الخارجي، فسافر إلى أفغانستان بعد تجربة اعتقال مريرة، وهناك كان التغيير وجرى ما جرى!.

وعندما قام المصريون بثورتهم، وشعر كل إنسان بقيمته في خمس استحقاقات انتخابية، فقد خطاب القاعدة بريقه، ليصبح البريق الآن لما هو أكثر منه تطرفاً وأعني به تنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي يقدم نفسه على أنه البديل لتيارات الاعتدال الديني، والتي سلكت من وجهة نظره، الطريق الخطأ بالاحتكام لإرادة الشعوب، مع أن "السيادة لله"، وسقوطها الآن بقوة السلاح أكبر دليل على أنها سلكت "سكة الندامة". أما أمير المؤمنين "أبو بكر البغدادي"، فهو يحقق انتصارات على أكثر من جبهة، وتبدو هيئة رجاله وقدرتهم على استخدام التكنولوجيا في التصوير وما إلى ذلك مذهلة، ويفتقدها كثير من المحترفين في هذا المجال.

يلاحظ أن الجيوش العربية، تخلت عن مقاييس الهيبة والهيئة في الطول وخلافه، وإلا لما كان من الجائز أن يلتحق عبد الفتاح السيسي بواحدة من الكليات العسكرية منذ البداية.
وبعد جريمة مقتل المصريين الأقباط، وجد كثيرون ممن تحسسوا "بطحات" رؤوسهم، أن هؤلاء الصناديد دليل على نفي الاتهام، وهم في هيئاتهم يشبهون جنود المارينز.. إذن إنه التلفيق!.

جزء من عملية النفي ترجع إلى الصورة الذهنية، التي جرى تصديرها إعلامياً عن هؤلاء الذين يعيشون في مرحلة الكهوف، وزمن ثكلتك أمك يا ابن العانس، ومن خلال فيديوهات تطبيق الحدود حيث يبدو الجهل واضحاً، وهي صورة تستهدف التشويه، ولا تقول الحقيقة. فجيش البغدادي تشكل في البداية من الحرس الجمهوري ومن الجيش العراقي الذي قام الأمريكيون بحله عندما غزوا العراق، ويبدو ولأسباب لا أعرفها أن الانخراط في جيش البغدادي صار مغرياً لآخرين، ويقال إن ثلاثة من الضباط المصريين انضموا إليه.

"أبو بكر البغدادي" ليس معنياً بقضية الشرعية، وعودة الرئيس المصري المنتخب للحكم، وليس مشغولاً بأكثر من أربعين ألف من المصريين في سجون السيسي، ولم يطلب رجاله في ليبيا إخلاء سبيل الحرائر المعتقلات، مقابل الإفراج عن الرهائن الأقباط، ولو فعل لكسب تعاطفاً في مصر، لكن شرطه كان بقضية لا تشغل بال أحد في المحروسة بمن في ذلك إسلامييها، وعلى درجة بالغة من التعقيد، وهي قضية "وفاء قسطنطين" و"كاميليا شحاتة"!.

"البغدادي" في حربه مع السيسي وغيره، يريد أن يقيم دولته هو، وليست الدولة الديمقراطية التي خرجنا من اجلها في 25 يناير، وخرجنا من ديارنا دفاعاً عنها بعد الانقلاب العسكري.. وهو يريد أن يجر السيسي إلى حرب الصحراء، التي لم تتدرب عليها الجيوش النظامية. وفي المقابل فإن السيسي كان قد اتخذ قراره بالهروب إلى ليبيا، بعد فشله في حكم البلاد، وانخفاض نسبة مؤيديه، وأيضاً لتمكين انقلابي مثله هو خليفة حفتر من حكم الجارة، ليصبح الحال من بعضه. وكان ينتظر الفرصة وقد مكنه منها "أبو بكر البغدادي"، مشتاق يسعى إلى مشتاق!.

وهناك أيضاً فرنسا وايطاليا، اللتان تنظران إلى ليبيا على أنها ضمن مستعمراتهما القديمة، ووجدتا في السيسي أنه سيمكنهما من الهيمنة والسيطرة، في غيبة من واشنطن، وعلى قاعدة "من سبق أكل النبق". والولايات المتحدة الأمريكية ستجد في إعلان السيسي الحرب على تنظيم الدولة أنه يتلاقى مع رغبتها في حلف دولي لمواجهة "داعش"، وهناك رغبة في إنهاك الجيش المصري في حرب كهذه، وهو وإن كان الآن في قبضة قائد الانقلاب وهو الحارس للمصالح الأمريكية والإسرائيلية، فلا أحد يعرف من سيخلف السيسي؟!.

لقد تلاقت الإرادات في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل.. فارفعوا أيديكم عن بطحات رؤوسكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق