الأربعاء، 25 فبراير 2015

إن أردنا حلا .. / توجان فيصل


بعد أيام من استضافة البيت الأبيض مؤتمرا دوليا لمقاومة إرهاب التطرف، تستضيف السعودية مؤتمرا لمكافحة الإرهاب قيل لنا أنه يضم 700 "عالم" مسلم، ويبدأ المؤتمر بنزع صفة الإسلام عن داعش. وفي هذه الجزئية هؤلاء لا يسترضون أمريكا، فالـ 700 كلهم محسوبون على أنظمة دول "مسلمة" ، أي دول يقول دستورها إن دين الدولة الإسلام، أو دول "إسلامية" ، وهذه تقول أن دستورها هو القرآن والحديث فلا تقبل بوضع دستور ابتداء..


وهنا يبرز وجوب تكفير "الدول" المسلمة و "الإسلامية" لـ "داعش" لحظة تسمية الأخيرة نفسها بها المسمى وإخراجها من الملة، كونه اختصار لـ "الدولة الإسلامية في العراق والشام" .. فكيف إن زاد من نصب نفسه "خليفة" على تلك الدولة بأن أعلن أنه سيخرج من صحراء العراق والشام "ليفتح" كل الدول المسلمة، ومن بعدها غيرالمسلمة وصولا لأمريكا. و "الفتح" بحد ذاته ليس مما يرفضه العلماء السبعمائة، وتحديدا إن وصل لدول نصرانية أو وثنية أو" كافرة" ، كأمريكا وأوروبا وروسيا والهند والصين، كما وصل لأغلب هذه أو لمشارفها فتح خرج من الجزيرة العربية من قبل .. ولكن التهديد الحقيقي هو للدول العربية والإسلامية بوسائل لا يلزمها عبور الحدود، بل الأخطر هو التسلل من تحت تلك الحدود عبر أنفاق أيديولوجية تتفتق عن بؤر داخل تلك الدول، وتتواصل عبر تقنيات حديثة مع التنظيم الأصل بأفضل ما تواصلت جيوش الفتح الإسلامي بمراكز الخلافة. وهو ما يسبب ذعرا حقيقيا للدول المسلمة أو الإسلامية يفوق كثيرا ما يسببه للدول "الكافرة" التي حتما لن يصلها من داعش سوى عمليات إرهابية محدودة تضرب عشوائيا هنا أو هناك، تتقلص بدل أن تتسع لكون بيئة تلك الدول رافضة لها رفضا مكرسا في بنية مجتمعات وأنظمة تلك الدول .. وليس رفضا في "بيان" يصدر .

وما صدر عن السبعمائة مؤتمِر هو حقيقة "بيان" سياسي فالقول بأن السبعمائة "عالم" القادمين من مؤسسات دينية عمرها أكثر من سبعة قرون بقيت فيه على حالها لا تتغير، اجتمعوا ليجترحوا الآن تغييرا في مفهوم الإسلام الذي (المفهوم وليس الإسلام) هم نتاجه الذين باتوا، كسابقيهم، معلميه بل و "علماءه" ..أمر لا يتم في مؤتمر. فما لم يُعمل في سبعة قرون،لا يمكن عمله في سبعة أيام .. فخالق الكون (حسب ما يقوله لنا القرآن) خلقه سبحانه في ستة أيام ، وفي اليوم السابع استوى على العرش.

وحتى إن اتفق هؤلاء السبعمائة على تفسير لكل أحكام الإسلام في كل ما يجري، وتحديدا القتل بالاستناد للتكفير، بمعجزة أو رضوخا ..هل سيتقبل أتباعهم النسخة المتفق عليها في مؤتمر جدة، ويسقطون كل ما سبق وأفتى لهم به هولاء "العلماء" وجله وأهمّه الذي حشدوا له الأتباع والمريدين بحماسة والتزام مقدس، هو ما اختلفوا فيه، وأنتج اقتتال الأتباع الدموي لأكثر من أربعة عشر قرنا؟! فالاقتتال بين المسلمين لم يبدأ في عصر الانحطاط، بل لزم عصر الانحطاط لتكريس ذلك الفكر المتطرف وصولا به للقرن الحادي والعشرين، ليتفتق عما لا يقل عن "داعش" لاستحالة أن تتمثل أية "دولة" كامل طيف ذلك الإرث!

مشكلة التطرف هي مشكلة تفاسير وإفتاء متراكمة. وأغلب المؤتمرين في جدة متورطون فيها بدرجة أو بأخرى ولو بالسكوت عنها. ويستحيل بالتالي أن يكونوا هم الحل. ولا أريد ذكر أسماء ونقل فتاوى تجهيل وعنف وتكفير موثقة في عصر الاتصالات هذا. ولكنني سأتوقف عند ما يتجاوز احتكار هؤلاء لفهم الدين، لفرضه بقوة قانون وضعي وبسلطة سياسية على عامة المسلمين. وأشير لمثال قريب .

قانون الإفتاء الأردني "يحظر على أي شخص أو جهة الطعن أو التشكيك في الفتاوى الصادرة عن المجلس (مجلس الإفتاء) والمفتي العام بهدف الإساءة والتجريح" . و "الهدف" لا يمكن أن يعلنه هكذا من يشكك (مع أن السخرية شرعت لشارلي إيبدو!) ولكن نص القانون هنا يمهد لتهمة جاهزة لأي دحض منطقي لفتوى تظهر جهل أو تطرف صاحبها .. فماذا لو صدرت فتاوى كالأزهرية التي أشرت لها في مقالتي السابقة من إرضاع الكبير وإباحة زواج الرجل من ابنته غير الشرعية؟؟ ألا يُظهر مجرد دحضها حال من أصدرها؟! وليكتمل فرض فتاوى بإدانة داحضيها على "نواياهم" ، أدخل قبل بضعة أشهر على ذات المادة تعديل بنص على حكم "بالسجن لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر أو غرامة لا تزيد على ألف وخمسمائة دينار" لمن يقترف التصدي لفتاوى مفتين، سبق أن وصلت تصل حد التكفير وهدر الدم لسياسيين معارضين .. وسبق وطلب المفتي المكفّر من الملك حسين جعل فتواه ملزمة قانونا. وبالطبع لم يتح له هذا في حينه، ولكن كوفئ ولم يعاقب على فتواه! ومؤخرا جرى تحصين الموقع الذي شغله هكذا مفتون بسجن من يتصدى لفتاواهم !!

الحل ليس باحتكار الإفتاء ولا بتسييسه، الحل عرفته قبلنا أوروبا ويتمثل في وقف احتكار الدين والسياسة، وفك تحالفهما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق