الأحد، 1 فبراير 2015

دوائر أوباما الضيّقة والاستعصاء السياسي الأميركي / مرح البقاعي


تابعت وزارة الخارجية الأميركية مليّاً، وعن قرب بليغ، مسار اندلاع الثورة السورية منذ بواكيرها السلمية، وكرّست لها الدعم السياسي والإعلامي اللازمين من أجل تمكين أطراف المعارضة التي كانت قد بدأت في حينها بالانتظام في مجموعات سياسية وعسكرية. 



وكان من الأبرز والأسبق بين تلك اللقاءات اجتماع رسمي معلن، هو الأول من نوعه وأهميته لمجموعة معارضة سوريّة مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، في 8 آب 2011، وكنت قد شاركتُ في ذاك الاجتماع المطوّل والموسّع والذي أبدت فيه كلينتون الدعم غير المشروط لتمكين المعارضة من تحقيق أهدافها في تغيير النظام وإحقاق دولة الحرية والكرامة والحقوق الإنسانية. لكن حماسها واندفاعها لدعم الثورة آنذاك اصطدم في وقتها بنوايا البيت الأبيض الغامضة، حيث رفض أوباما تسليح المعارضة رفضاً باتاً. يومها كان الجيش الحر هو الفصيل المسلح الوحيد مقابل النظام ولم يكن هناك لا داعش ولا حالش ولا مسلحين أجانب أو متطرفين عقائديين. أما قرار تسليح المعارضة السورية الذي وقعه اليوم الرئيس الأميركي بعد 3 سنوات من تاريخه، فلا نعرف آلياته ووجهته ولماذا تأخر إلى الآن؟ هل تسليح المعارضة الآن هو لتعزيز قوتها لمواجهة داعش أم لإسقاط النظام؟ وهل قام أوباما بهذه الخطوة من أجل استعادة شعبيته وشعبية حزبه التي تراجعت يشكل غير مسبوق في الشارع الأميركي بسبب تعامله مع الوضع الأمني في ما يتعلق بداعش؟ وهل سيستعمل أوباما المعارضة السورية التي سيدربها ويسلحها ليعوّض بها عن جنود أميركيين على الأرض لمحاربة داعش كان قد وعد شعبه ألا يرسلهم أبدا إلى سوريا أو العراق؟ وكيف سيواجه أوباما الراي العام الأميركي واستطلاعات الرأي المتهاوية عن تقويم الشعب الأميركي لسياسات رئيسه ولاسيما بعد أن أصدرت شخصيتان قياديتان ونافذتان في إدارته كتباً تنتقد بشدة سياسته التي كانا في مواقع المسؤولية من دوائرها.

لعل الضجة الإعلامية والسياسية التي أثيرت في الولايات المتحدة قبيل إطلاق كتاب هيلاي كلينتون الجديد الذي يحمل عنوان «الخيارات الصعبة» ترجع إلى ارتباط تاريخ إصدار الكتاب بقرب الإعلان عن إنطلاق الحملة الرسمية للسيدة كلينتون للانتخابات الرئاسية في سباقها إلى المكتب البيضاوي للعام 2016. وقد جاء الكتاب في أجزاء خمسة، وقد خصصت الجزء الخامس منه لتحدّد موقفها من أحداث الربيع العربي والثورات المتعاقبة في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، وموقفها من الاقتتال في سوريا، وأسرار السياسة الإيرانية، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي وكيف تمّ التوصل إلى هدنة هشة بين الجانبين العام الماضي.

تشير كلينتون أنها طالما نأت بنفسها عن توجهات إدارة الرئيس باراك أوباما أثناء ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، قائلة إنها ناشدت الرئيس الأسبق حسني مبارك آنذاك البدء في عملية انتقال منظم للسلطة في مصر، مشيرة إلى أن تلك المناشدة أجهضت بعد مطالبة أوباما لمبارك بالتنحي عن منصبه فوراً. وتسلط هيلاري كلينتون في كتابها الضوء على الانقسام الذي شهدته الإدارة الأميركية خلال الأيام المحمومة من الاحتجاجات الشعبية (الربيع العربي) في العام 2011، والمسار المضطرب الذي عاشته مصر منذ الإطاحة بمبارك وفترة حكم الإخوان المسلمين قبيل ثورة 30 يونيو/حزيران. وتضع نفسها مع الحرس القديم من الواقعيين، مثل نائب الرئيس جو بايدن ومستشار الأمن القومي توم دونيلون ووزير الدفاع روبرت غيتس، الذي كان على خلاف مع جيل الشباب من مساعدي البيت الأبيض من الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس أوباما.

تقول كلينتون التي ينظر إليها بشكل كبير على أنها ستتصدر مرشحي الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة المقبلة عام 2016 إنها كانت حريصة على التمسك بحليف قوي - مثل مبارك - وعدم دخول مصر وإسرائيل والأردن والمنطقة في مستقبل مجهول. وتشير هيلاري كلينتون أن من أهم أسباب سعيها للحفاظ على علاقات قوية مع الرئيس المصري الأسبق هو الحاجة لعزل النظام الإيراني، واستمرار الملاحة في قناة السويس، ومكافحة الإرهاب في المنطقة، وحماية إسرائيل، وإفشال مخططات القاعدة في الترتيب لعمليات إرهابية جديدة.

أما وزير الدفاع ورئيس وكالة الاستخبارات الأميركية الأسبق، ليون بانيتا، فأصدر إثر كلينتون كتابه الذي يحمل عنوان»حروب تستحق خوضها» وهي أشبه بمذكراته خلال فترة عمله في إدارة أوباما حيث انتقد رئيسه بشدّة واتهمه بخلق فراغ في العراق، إثر أمره للقوات الأميركية بالانسحاب الكامل، فراغ سمح لتنظيم الدولة المعروف بـ «داعش» بالصعود والتغلغل في الفراغات الأمنية التي خلّفها ذاك الانسحاب.

وقد جاءت انتقادات بانيتا لاذعة وقاسية على العكس من الصبغة الدبلوماسية التي اتصفت بها مذكرات كلينتون، كون الأخيرة تريد الاحتفاظ بشعرة معاوية بينها وبين موقع الرئاسة إذا ما ترشّحت لمنصب الرئيس في 2016. 

بانيتا أن أسلوب أوباما في اتخاذ القرارات «مركزي»، وينحصر في البيت الأبيض، أكثر من أي إدارة عمل فيها وزير الدفاع السابق، وفق إغناتيوس.

ويوضح إغناتيوس أن بانيتا كان قاسيا في نقده للإدارة وسياستها في العراق وسوريا، فقد كان البيت الأبيض «حريصا على التخلص من العراق، لدرجة أنه كان مستعدا للانسحاب عام 2011، بدلا من عقد ترتيبات تحفظ تأثيرنا ومصالحنا». فرحيل أوباما من العراق تركه للقادة الطائفيين وأدى لخروج «داعش».

ويختم إغناتيوس قراءته بالإشارة لقول بانيتا فيما يتعلق بسوريا «إن أوباما تردد بين (خطه الأحمر) واتخاذ العمل العسكري ضد الأسلحة الكيماوية عام 2013، والنتيجة -كما شعرت- أنها ضربة لمصداقية أميركا».

ويخلص إغناتيوس إلى أنه في الوقت الذي يعبر فيه بانيتا عن إعجابه بكفاءات الرئيس وواقعيته وبراغماتيته، إلا أنه يلاحظ أن الرئيس يحاول تجنب المعارك والتردد والشكوى ويضيع الفرص. ؟!

ويقول ديفيد إغناتيوس، الذي قدم مراجعة لكتاب بانيتا في صحيفة «واشنطن بوست»، ربما كان حريا بالرئيس أوباما الطلب من كبار مسؤولي حكومته التوقيع على اتفاق مشاركة في حقوق كتابة المذكرات عندما يقسم هؤلاء للعمل معه في إدارته؛ حتى يشاركهم في جزء من مبيعات كتبهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق