السبت، 28 فبراير 2015

التيرميدور العربي.. الردة عن الثورات العربية


ملاحظة من (المتابع) قبل قراءة المقال: التيرميدور كمصطلح يعني ((حالة تصل بها بعض الثورات لمرحلة ما قبل الثورة كما يقول د.مصطفى سالم، لكنه يتحفظ على استخدام المصطلح بالنسبة للحالة العربية في مصر وتونس. اذ لم تحدث ثورات اصلا، بل كانت احتجاجات فشلت في التحول الى ثورة. لذا عادت الى المربع السابق، او حتى اسوء بالنسبة لمصر، وفي ليبيا لم تكن هناك ثورة بل حركة رجعية مسلحة مدعومة من الناتو مع ان الحكم لم يكن مثاليا، اما الثورة السورية فهي مع كون اطرافها المنقسمون عقيدة ومصالح يواجهون نظاما طائفيا وراثيا جمهوريا، ولا يبدو ان الثورة بالنسبة لهم سوى الخلاص من بشار الاسد، الا ان تحرك الجماهير ضد النظام كانت اهدافه تنسجم مع كونه يحمل شعارات الثورة ). غير اني اشير لنقطة مهمة، وهي دور العامل الخارجي، وهو ما فعله الناتو في ليبيا ضد نظام الشهيد معمر القذافي. اذ من غير الممكن القول ان الاحتجاجات لم تكن على علاقة بجهات خارجية وقد شاهدنا قصف الناتو للمدن الليبية. وما لا يشير له احد هو الثورة العراقية التي انطلقت في الانبار ضد الحكم الشيعي الذي نصبته قوات الاحتلال الامريكي بالتوافق مع ايران، وقد دخل تنظيم الدولة لاحقا ليحولها الى صراع يوصف بالارهاب.



التيرميدور العربي.. الردة عن الثورات العربية / مارك لينش

من الصعب أحيانًا أن نتذكر أن الانتفاضات العربية في 2010-2011 وعدت بإمكانية تغيير سياسي حقيقي. أطاح الحشد الشعبي، الذي لم يسبق له مثيل، ببعض الأنظمة وزعزع استقرار معظم الأنظمة الأخرى. لكن، هذه الآمال انهارت منذ فترة طويلة؛ انتهى تحول مصر بانقلاب عسكري وقمع دموي، وقوة سلطوية جديدة اكتسبت شرعيتها من خلال شعبوية مُعادية للأجانب. ونجت تونس بصعوبة، وعانت ليبيا واليمن وسوريا من انهيار سياسي شبه كامل، واستقطاب، وحرب أهلية. وأصبح كل نظام أكثر تعصبًا وأكثر قمعًا، وظهرت الحركات الإسلامية المتطرفة، مثل تنظيم الدولة الإسلامية، في ظل هذا المناخ الفوضوي.

كيف نفهم عودة السلطوية في أعقاب الانتفاضات العربية؟ في أكتوبر من عام 2014، قررت مع توبي دودج عقد ورشة عمل حول مشروع العلوم السياسية في الشرق الأوسط (POMEPS) – كلية لندن للاقتصاد من أجل التعمق أكثر في أسباب وآليات ودوافع ما أسماه “التيرميدور العربي“. بحث أكثر من عشرة باحثين بعمق في قطاعات معينة مثل أجهزة الجيش والشرطة والمخابرات، وفي بلدان مختلفة، وفي بيئة إقليمية أوسع. وقد نُشرت بعض الأبحاث حول ورشة العمل على مدونة Monkey Cage، وتم إصدارهم باسم “دراسات POMEPS 11 التيرميدور العربي: عودة ظهور أمن الدولة“، متوفر بصيغة PDF للتحميل مجانًا. تقدم الأبحاث في هذه المجموعة نظرة ثاقبة وشاملة في تجدد واستمرار الدولة السلطوية العربية.

من منظور تاريخي، لا ينبغي أن تكون عودة ظهور السلطوية مفاجأة كبيرة. في كتابي الذي نُشر في عام 2012 بعنوان: “الانتفاضة العربية“، خصصت فصلًا كاملًا لتوضيح كيف أن كل موجة ثورية سابقة في العالم العربي قد انتهت بشكل أعمق وأكثر قتامة وشراسة من السيطرة السلطوية. وفي مقالته ضمن هذه المجموعة، استند ريموند هينبوش في هذا النمط على علم الاجتماع التاريخي للمنطقة و”القانون الحديدي من الأوليغارشية” والذي قامت من خلاله “فاعلية الكتلة الثورية“، في أحسن الأحوال، بتزويد النخب بدماء جديدة من الأسفل “وبدأت نضالًا سياسيًا أكثر قوة“، كارثة الانتفاضات العربية، إذن، ليست مجرد قصة من الناشطين الفاشلين أو الأنظمة الساقطة أو طموحات الإسلاميين؛ إنها قصة دول: قوية، وضعيفة، وشرسة، وفقًا لمصطلحات نزيه الأيوبي الكلاسيكية. منذ الانتفاضات العربية، تسعى الدول العربية إلى التأكيد بأنها أصبحت أقوى، ولكنها في الواقع أصبحت أكثر شراسة فقط، وهذا لا يبشر بالخير فيما يتعلق بالاستقرار على المدى الطويل.

بالطبع، ليس من الصعب أن نفهم عودة السلطوية من قِبل الأنظمة التي نجت من الموجة الأولى من الانتفاضات العربية. وعلى الرغم من أن بعض الدول -وخاصة ليبيا واليمن- انهارت تحت الضغط وتركت فراغًا مؤسسيًا في المركز؛ إلا أنه في معظم البلدان الأخرى ظلت المؤسسات الأساسية للدولة كما هي، ولم تتأثر بشكل كبير، بغض النظر عن مصير القادة. في مصر وتونس، حيث تمت الإطاحة بالقادة من السلطة، لم يحدث تقريبًا أي تقدم في إصلاح مؤسسات الدولة. من أجهزة الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية إلى القضاء والإعلام الرسمي، ظل الرموز الرئيسيون للسلطة في أماكنهم بنفس آرائهم الراسخة، ومصالحهم وهويتهم القديمة.

لاحظ كل المساهمين في هذه المجموعة أهمية هذه الاستمرارية في مؤسسات الدولة، التي وصفتها سلوى إسماعيل، بطريقة مُعبّرة، بأنها “جهاز راسخ من الحكم مع هياكل من السُلطة والإجراءات القائمة عالية الخطورة“، وتركز سلوى إسماعيل على الدور الذي لعبته الشرطة المصرية في الحشد المضاد للثورة، في حين يبحث كورتيس ريان في أداء قطاع أمن الدولة في الأردن، ويفعل وتوبي ماتيسن نفس الشيء في البحرين. ويبحث روبرت سبرنجبورج في دور القوات المسلحة، الذي يعتبرها الرابح الأكبر من عودة السلطوية، في حين يرى يزيد الصايغ مستوى أعمق من الأزمة يكمن داخل الانتصار الظاهري للجيش. ويتعمق بيتر مور في الموارد المالية العامة للدول العربية. وقد حدد ناثان براون الآثار المترتبة على الاستمرارية داخل النظام القضائي المصري. وتقدم إليس غولدبرغ النخبة القديمة نفسها، أكبر المستفيدين من الوضع القديم والذي لا يمكن تجاهل سلطتهم الاجتماعية والاقتصادية في خضم التحولات التي لم ترق إلى ثورات اجتماعية كاملة. في مقال مقبل (غير المدرج في هذه المجموعة)، أقوم بشرح الدور الذي تقوم به قطاعات وسائل الإعلام الحكومية التي لم تتأثر بالثورات في مصر وتونس، في تقويض المعارضة، وبث الخوف والاستقطاب، وحشد الدعم ضد الإسلاميين والقومية الشعبوية.

ساهمت البيئة الإقليمية أيضًا على هذا البعث الاستبدادي؛ حيث تدخلت دول الخليج، بفاعلية، لاستعادة الوضع الراهن أو الحفاظ عليه، والمساعدة في دعم القادة في المغرب والأردن الذين يتبنون نفس الأفكار والآراء، وتوجيه الدعم إلى الوكلاء الذين يختارونهم في البلدان التي تمر بفترات انتقالية مثل مصر وليبيا وتونس. وساعدت الكوارث في ليبيا وسوريا، والتي تمت تغطيتها بشكل مفرط في الإعلام العربي، على خمود الحماس الشعبي من أجل التغيير السياسي. وقدم صعود تنظيم الدولة الإسلامية غطاءً سياسيًا غير مسبوق لعمليات القمع العنيفة من القوات الأمنية على جميع أشكال المعارضة باسم مكافحة التطرف والإرهاب.

باختصار، بعد التخلص من خطر قائم يهدد بقاءهم في السُلطة، بدأ زعماء الخليج وشمال إفريقيا في التحرك لضمان عدم حدوث ذلك مرة أخرى من خلال مضاعفة وتكثيف بعض من أسوأ ممارساتهم. يبدو أنهم أدركوا أن القبضة الحديدية، بدلًا من الإصلاحات والتنازلات السياسية، من شأنها أن تلبي احتياجات بقائهم في السُلطة. وكما يقول ستيفن هايدمان، فهم تعلموا أفضل ممارسات القمع من بعضهم البعض، ورفع مستوى سيطرتهم لمواجهة التحديات الجديدة. إنهم، ببساطة، لن يلجئوا مرة أخرى إلى الممارسات القديمة: “يبدو أن تحولاتهم تشير إلى تغييرات أكثر جذرية في تصورات النخبة لطبيعة التهديدات التي يواجهونها، وكذلك التغيرات المطلوبة لضمان بقاء النظام“. هذه المخاوف والتحديات الجديدة أدت بهم إلى “أنماط شبه قومية وإجراءات إقصائية وقمعية من الحكم الاستبدادي“.

يبدو أنه من غير المحتمل أن ينجح هؤلاء الطغاة في تحقيق الاستقرار والسيطرة على المدى المتوسط. لقد أظهروا القليل من القدرة على حل أي من المشاكل الأساسية التي أشعلت الثورات العربية في المقام الأول. وفي نهاية المطاف، قد يُضعِف انهيار أسعار النفط قدرة هذه الدول العربية على الحفاظ على هذه الأنماط الجديدة من الحكم الاستبدادي، سواء في الداخل أو في المنطقة.

لدى جيل الشباب المفعم بالحماس الذي قاد الانتفاضات العربية توقعات كبيرة من بلادهم، وأصبح أقل تهاونًا مع الإساءة والفشل، وأظهروا قدرتهم على النزول إلى الشوارع عندما تتطلب الظروف ذلك. ربما يكون التيرميدور العربية قد أعاد البلاد تحت السيطرة في الوقت الراهن، كما توضح المقالات في هذه المجموعة، ولكن هذا من المحتمل أن يكون مجرد مرحلة عابرة في إعادة ترتيب سياسي طويل الأمد في الشرق الأوسط.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق