الأحد، 1 فبراير 2015

من حسن شحاتة إلى توفيق عكاشة.. يا قلبي لا تحزن!! / شريف عبدالغني

(1)
قبل سنوات وأثناء «الفتنة» الكروية المصرية- الجزائرية التي افتعلها أيامها نظام مبارك ليداري وكساته الداخلية، استضاف برنامج «توك شو» أحمد حسن قائد المنتخب المصري حينذاك، في لقاء منفرد ليتحدث عن الأزمة، بينما كان موجودا خارج الاستوديو أسماء سياسية وفكرية لامعة في انتظار أن يتحدث النجم الكبير أولا، ثم الانضمام إليه بعد ذلك، ولا أدري حتى الآن كيف ارتضوا لأنفسهم ذلك.



كان «الأخ القائد» مشاركا في «موقعة أم درمان» السودانية التي شهدت مباراة فاصلة لتحديد المتأهل إلى كأس العالم من بين طرفي «الفتنة»، وعاد من المشاركة مهزوما لسوء الأداء في الملعب، وليس بسبب أحداث الشغب من الجماهير الجزائرية التي حدثت بعد المباراة، وخارج الاستاد تماما في شوارع الخرطوم. لكنه مارس نفس العادة المصرية والعربية السيئة ولم يعترف بالتقصير من اللاعبين ومدربهم، ولكنه ألقى بفأس المسؤولية في رقبة الجماهير الجزائرية. ثم علق على خروج جحافل من الحمقى لمهاجمة سفارة الجزائر بالقاهرة، بأنه يجب ترك الفرصة للناس للتعبير عن رأيها، دون أن يدرك خطورة الاعتداء على سفارة دولة شقيقة في الأساس، وأثر ذلك على العلاقات المستقبلية بين بلدين تربطهما دماء ومصالح مشتركة.

(2)
أتذكر جيدا أنه عند هذه النقطة تلقى البرنامج اتصالا من الشاعر الكبير جمال بخيت بدأه بـ «آه ه ه ه ه» طويلة، فظنت مقدمة البرنامج أنه متأثر مما صاحب المباراة من شغب هو في كل الأحوال أمر شبه طبيعي من جماهير الكرة في كل مكان، فسألته: «قد كده مجروح يا أستاذ جمال؟»، فأجابها: «آه طبعا». ثم خرجت كلماته كالمدفع: «يعني إيه نذيع أغاني حرب أكتوبر اللي كتبت عن بطولات الشهداء على لقطات لأرجل لاعبي الكرة وهم يسجلون هدفا هنا أو هناك»، و «يعني إيه الكابتن اللي قاعد معاكي بيطالب الناس إنهم يهاجموا سفارة الجزائر.. الجزائر بلد المليون شهيد اللي ساعدت مصر في حرب العبور». ألقى كلماته وأنهى مكالمته، ولا أعرف هل شعر النجم الشهير بالخطأ وقتها أم لا. لقد جلس كالأطرش في الزفة وربما لم يستوعب ما قاله الشاعر. ولم ينطق خلال حديثه سوى ببضع كلمات تنم عن ثقافة ضحلة بشكل لم يليق باسم قائد المنتخب المصري.

(3)
وقتها راودني تساؤل: لماذا لا تقوم الأندية الرياضية بإعداد نجومها خاصة الذين يمثلون «واجهات» لها لمواجهة مختلف وسائل الإعلام، ووضع برامج تثقيفية لهم مثلما تضع برامج للارتقاء بمستواهم الرياضي؟ وإذا نفذ النجم البرنامج التثقيفي له وأعد نفسه جيدا للحديث في أي موضوع يتعرض له، تقوم الإدارة مثلا برفع قيمة عقده كونه يمثل واجهة مشرفة لها، بدلا من الظهور بمستوى مخجل، يكون تأثيره بالتأكيد سلبيا على محبي النجم من الجمهور خاصة الصغار وعددهم بالملايين.
وبعد هذا الظهور الضعيف لأحمد حسن حدثت كوارث من زملائه، منها تصريحات مسفة وسفيهة لعصام الحضري، الحارس الأشهر عربيا وإفريقيا، ذكر فيها أن «الله أكيد لا يحب مانويل جوزيه -المدرب البرتغالي الأسطوري السابق للنادي الأهلي- لأنه ليس من ديننا». وقبل وهذا بعده هناك سلوكيات مرفوضة من بعض اللاعبين، بما يؤكد ضرورة اهتمام الأندية الرياضية بإعداد لاعبيها جيدا لتقديم صورة مشرفة عنها، أو بتر العناصر الفاسدة، وهو ما كان يفعله الراحل العظيم صالح سليم رئيس النادي الأهلي.

(4)
إذا تقبلنا على مضض أن يكون النجوم -القدوة للصغار- بهذا المستوى الثقافي المتدني، لكن ماذا نقول إذا كان أحد أشهر رموز الكرة المصرية وهو حسن شحاتة المدير الفني الأسبق للمنتخب، بنفس مستوى تفكير لاعبيه. أتذكر أنه خرج بعد هزيمة مذلة لفريقه أمام منتخب النيجر الضعيف جدا، ليتحدث عن استخدام مشجعي المنتخب النيجري السحر لإرهاب لاعبي مصر، مدللا بنزول أحد السحرة إلى أرض الملعب وفي يده «معزة» لنشر السحر في الملعب!!
وهكذا تحولت «المعزة» البريئة إلى سبب هزيمة المنتخب، بما يجعلني أخشى أن تعلن الجماهير المصرية المسكينة، التي أصبح أكل اللحوم بالنسبة لها أمرا صعبا للبعض وأمنية مستحيلة للبعض الآخر، أخشى أن تعلن حربا مقدسة على معيز النيجر، ومن ثم تقطع الصحراء الغربية المصرية وتتجه إلى ليبيا ثم تقتحم حدود النيجر وتصادر كل المعيز، لتحقق هدفين: الأول منع السحر عن منتخبها، والثاني أن تأكل بالهنا والشفا هذه المعيز أثناء مشاهدة مباريات الفراعنة.
وكم كان مخجلا -بالنسبة لنا طبعا- أن يخرج رئيس اتحاد الكرة النيجري أيامها، ويسخر من حكاية سحر المعيز، ويتساءل ومعه حق: «إذا كنا نملك هذه المعجزات، فلماذا لا نفوز ببطولات إفريقيا ونصل لكأس العالم»؟!

(5)
الحقيقة أن مصر، أو «ماسر» حسب مسماها الجديد، لا تعاني فقط أزمة «الواجهات» في الكرة، بل الصحيح إن هذا الأمر هو انعكاس لافتقادها «واجهات» في مختلف المجالات. المسؤولون الحكوميون هم مجرد موظفين ينفذون التوجيهات التي تأتيهم من فوق، و «بغبغانات» تردد بصوت مرتعش نفس الأكليشيهات التي تتفوه بها ألسنة الأكبر منهم. وحتى في الساحة الإعلامية كان هيكل واجهة نظام عبدالناصر، وموسى صبري وأنيس منصور واجهة نظام السادات، لكن مع مبارك تدهور الحال وأصبحت شخصيات مثل سمير رجب وممتاز القط هما الواجهة، ومع عودة نظام مبارك في ثوبه الجديد كان طبيعيا أن يتدهور الحال أكثر وأكثر ثم أكثر حتى وصلنا لمستوى أحمد موسى وتوفيق عكاشة!
الأزمة امتدت إلى كل مناحي مصر، إلى المحافظين ورؤساء المدن، إلى «عمد» القرى، وصولا إلى كبيرهم الذي علمهم «الفكاكة».
ملحوظة: أحمد حسن وحسن شحاتة من أبرز من أيدوا نظام مبارك، وحاليا هما في مقدمة صفوف فريق المسبحين بحمد السلطة الجديدة، والسابحين في بحرها والهائمون في غرامها.
حكمة: قل لي من يؤيدك، أقل لك من أنت!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق