الأحد، 1 فبراير 2015

مصر تستعد لاحتلال غزة / أيمن خالد


الرسالة المصرية من خلال حكم المحكمة الدستورية الأخير، هي مجرد مدخل لتشريع الاشتباك العسكري من قبل الجيش المصري مع غزة، وهو أمر تجاوز مسألة الاحتمال الى الواقع الذي علينا أن نترقبه خلال الايام القادمة، وبذلك يمكن القول إن القضية الفلسطينية تدخل في تطورات خطيرة، سينتج عنها إعادة تشكيل قطاع غزة، على قاعدة مواجهة عربية اسرائيلية مشتركة، في ظل ظرف تاريخي معقد، يتيح ويسمح للفوضى العربية وحالة انهيار الدولة بالوصول الى هذا المستوى من الانحطاط.



نحن بانتظار إعلان المدعي العام المصري خلال الايام القادمة لأسماء مجموعة من الارهابيين المحتملين، الذين سيتم توجيه الاتهام لهم بأنهم خططوا لتنفيذ الهجمات الاخيرة في سيناء، ومن الطبيعي ان يكون على رأس القائمة، مسؤولون عسكريون في كتائب القسام، التي ستجد نفسها لأول مرة في تاريخها، في مواجهة مع دولة عربية، ستعمل هذه الدولة على التهديد والوعيد، وستعمل على مزيد من خنق قطاع غزة، وربما افتعال اشتباك محدود بغية تأليب الرأي العام المحلي، ومحاولة إحداث انشقاقات سياسية على الارض في غزة. 
وفي كل الأحوال الجيش المصري لن يكترث كثيراً لغزة، فمسألة اقتحامها من عدمه قد تتحول الى قرار ميداني يستطيع أي ضابط مصري أن يطلق النار على غزة، أو يتوقف عن ذلك، فهناك في الأفق، أصبح أمام الجيش المصري بيان واضح، أن غزة هي مكان ومقر الإرهاب .
على الأقل، ما تسرب من معلومات خلال الاسابيع الماضية، أن مصر ودولا عربية اقترحت على أطراف فلسطينية في غزة، إعلان حالة القطيعة مع الإخوان المسلمين، وهذا ما تمت ترجمته في الفترة الاخيرة من مواقف سياسية صدّرتها حركة حماس، التي حاولت الاجابة بشكل مختلف، من خلال الحديث عن العلاقة مع ايران، وهو موقف يناسب حتى هذه الانظمة التي تريد ان توصل رسالة، ان غزة بكل فصائلها هي جزء من تحالف إيراني يستهدف عموم المنطقة.
موقف حماس هنا جاء برسالة منهجية، هي أن القضية الفلسطينية تتطلب مشاركة الجميع فيها، بما في ذلك ايران التي تعيش مختلف الأمة العربية هاجساً مقلقاً بعد دورها في المنطقة العربية بعمومها، وضبابية المستقبل في طبيعة العلاقة معها، كدولة ذات نظرة دينية للمستقبل، وهو لا يبدو مقلقاً، ولكن التحولات الطائفية التي اطلقها علنا الرئيس الايراني السابق، والتوجه بتغذية الميليشيات الحزبية وافتتاح سيل الفضائيات المؤذية لمشاعر السنة، التي اوصلت لهيب الحرب الطائفية الى أفق مسدود.
فالأمريكان يريدون محاربة «تنظيم الدولة» ثلاثين سنة، وهذا يعني في ملف الفلسطينيين أن القضية الفلسطينية ستكون ضمن دائرة التآكل، وأن الامريكان انفسهم من يدير الحرب الطائفية عبر أدواته بأشكال مختلفة حتى تبقى اطول فترة ممكنة.
أخطأت كثيراً قيادة حركة حماس خلال الفترة الماضية، ويعود ذلك إلى الانتفاضة الثانية، وبداية ظهور الحركة القوي، فهي من اجل الحفاظ على نفسها وكسب مزيد من المؤيدين لجأت الى خصومة تاريخية مع الجهاد الاسلامي، التنظيم الذي سبق ظهور حماس، وسبق ظهور الثورة الايرانية، فاتهمت الجهاد الاسلامي بالتشيع، بغية الحصول على مكاسب محدودة، وأما الخطأ الثاني، فتمثل بقيامها بالحسم في مسألة غزة، وهي بذلك اغلقت الافق السياسي الفلسطيني، لأنها أوصلت الانسان المدني الفلسطيني الى مكانة دفع الثمن للمواقف السياسية التي تتخذها، ولم تتمكن من خلق آلية تميز بين مصالح الناس ومصالح الحركة، وهكذا فمن أزمة المعابر حتى الاموال وغيرها، بقي كل فلسطيني في غزة، هو حماس، وهو أمر بالدلالة الاستراتيجية قاتل بمرارة.
الخطأ الثالث هي انها قتلت السلفية في قصة المسجد المعروف، وهي بتلك العملية الدموية صنفت نفسها امام عدو جديد هو التيار السلفي، الذي يمثله اليوم كل من «تنظيم الدولة»، و»القاعدة»، ولذلك فان «تنظيم الدولة» الذي يقوم بالعمليات في غزة، لا يكترث لمصير حركة حماس ولن ينسق معها، والجميع يعرف ذلك والجميع يعلم ان حماس ابعد ما تكون عن التنظيمات السلفية، ولكن حماس التي قتلـــت بضعــــة افراد من السلفية في قصة المسجد المعروفة في غزة، هي اليوم أمام دفع الثمن، ودفع الاستحقاق، فالتيار الجهادي في سيناء أحب ما على قلبه نهاية حماس، وغرق غزة في فوضى تتيح له العودة اليها بقوة، بعد ان رفضته حماس باختيارها، لكي ترضي مصر وشركاء عربا.
من أجل حماية غزة، ليس المطلوب من الاشقاء والاخوة والاحباب في حركة حماس القيام بمسيرات استعراض عسكرية، ولكن المطلوب منهم الاعتذار عن هذا الماضي، لأنه وحده سيحمي غزة، وسيعيد صياغة المستقبل بشكل افضل.
حماس الان بحاجة الى التنظيم الاقرب لها، وهو الجهاد الاسلامي، هذا التنظــــيم الذي لم يخاصم دولة عربية، حتى التي اعتقلت قيادات له فـــترة طويلة، ولم يسمح للإعلاميين لديه بالإساءة للدول العربية، وأفضل ما يميز سياسته الداخلية هــــي قولهم – اجعلوا قضيتنا فلسطين فقط تسقط بقية الخلافات- على نقيض ذلك تماماً كان إعلام قناة القدس وقنوات حركة حماس موجها ضد السيسي لفترة طويلة، وهو ما يعكس عمق ازمة تقدير الموقف لدى الحركة.
المطلوب من حماس وبشكل عاجل، أن تطلب من السلطة الفلسطينية، أن تتسلم كامل الشريط الحدودي مع مصر، وليس المعبر فقط، فنحن الان امام مستقبل مخيف، فقد يكون هذا الكلام في غير محله وأنه يحتاج اتفاقات وتجهيزات وغيرها، ولكن لا بأس، أن تعلن حماس أن الحدود مع غزة يجب ان تكون بأيدي السلطة.
هو حل مؤقت، لكنه سيعمل على امتصاص خطوات السيسي وقد يؤجل بالفعل اجتياح غزة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق