الأربعاء، 4 فبراير 2015

معنيون بوطننا وبأبنائنا توجان فيصل (كاتبة أردنية)


(كتب هذا المقال قبل ورود خبر حرق الطيار الأردني الأسير حيا، وعدّلت نهايته فقط بعد وصول النبأ، كون المرفوض من قبل يصبح أكثر رفضا من بعد هكذا مصير لمعاذ).


بعد أن أنذر الجميع من مغبة الحديث، في موضوع الطيار الأردني الأسير لدى داعش، ولصعوبة تطبيق هذا، جرى توظيف غير حصيف لأقلام الدولة لتتحدث على طريقة ما قبل الفضائيات والاتصال الرقمي، أي بتلقين المواطن النسخة الرسمية، بدءا بالإشادة بـ "خلية الأزمة" التي "تعمل باستمرار على مدار الساعة" ولكن لم يصل لنا من عملها سوى أنها أرسلت "رسائل غير مباشرة" لتنظيم داعش (بعد أن وجهت داعش رسائل مباشرة من داعش لعائلة الطيار الأسير تبين فيها مبرراتها لقتل ابنهم)، وأنها لم تتلق أي رد!! وهو ما اضطر والد الطيار الأسير توجيه رسالة مباشرة لداعش، تُبكي الحجر، لولا أن الداعشيين بلا قلوب ولا عقول وحتما بلا عيون تدمع!

ووصل توظيف تلك الأقلام حد أن يطالبنا الكاتب سميح المعايطة أن "كونوا أردنيين"!! والإثبات الجديد لكوننا أردنيين الآن هو أن نقبل بكل القرارات الرسمية التي نتج عنها أسر الطيار الكساسبة والتصريحات الرسمية بعده، وأن نقتدي برد فعل اليابانيين، مع أن معاذ الكساسبة لم يكن لا يقضي إجازة ولا غرضا خاصا في الرقة ولا سافر وحده تطوعا لخدمة المنكوبين بالحروب الجارية في سوريا، كما قال الأسير الياباني الذي جرى إعدامه. ولا ندري إن كان عدم الامتثال لهذا الشرط الجديد يتيح سحب الجنسية والرقم الوطني منا أو تحويل جوازات سفرنا لأخرى مؤقتة؟!

وتوظيف هكذا شخوص بهكذا منطق سبق وأفقد رئيس حكومة منصبه! فعند تعيين "الدكتور" فايز الطراونة رئيسا للحكومة وتعيين ما سُمي "الهيئة المستقلة" لإجراء الانتخابات، كلاهما، الحكومة والهيئة تورطتا في سحب أول وأهم حق دستوري للمواطن وهو حقه في الانتخاب! وكان ذلك عند اشتراط تلك الحكومة ذهاب الأردنيين إليها لتسجيل أنفسهم كناخبين (في تحد للمقاطعة الواسعة التي جرت الانتخابات النيابية الأخيرة). وانتهى الأمر بتسول الحكومة والهيئة تسجيل الناخبين بإرسال لجان تسجيل متحركة للجامعات ودوائرالحكومة والشركات وحتى المولات (تم إخراجهم منها كونها تنفّر الزبائن).. والنتيجة مجلس النواب الحالي الذي تقول إسرائيل، في انتشائها بعودة سفيرنا إليها علنا، أن مجلس النواب لا دور له في السياسة الأردنية وأن وظيفته هي التصفيق وتنفيس غضب الشارع.. وحتى ذلك التنفيس لم يعد يجري بتبرؤ المجلس في بيان رسمي ممن نفّسوا عن ذلك الغضب بشأن معالجة قضية الكساسبة تحديدا! ونسأل معالي الكاتب المعايطة، ألا يستلزم كوننا أردنيين، وكحد أدنى كي يصح تعريف الدستور "للحكم" ، أن نكون ممثلين حقيقة بمجلس نواب يمارس رقابة على السياسات الأردنية؟!

مقابل "خلية الأزمة" الرسمية، نجد ما أسمي بـ "اللجنة الوطنية لمناصرة الطيار معاذ الكساسبة" ، التي أصدرت أول أمس بيانا تخاطب فيه الشعب فيما يخص "قضية الوطن الأولى...قضية ابننا الطيار معاذ الكساسبة".. تقول فيه انه "ليس لديها أية معلومات فالغموض سيد المشهد".. ولكنها أكدت أنها ستجتمع لتحديد برنامج لعمل المناسب لهذا الأسبوع، وستعلم الإعلام بما تتخذه من قرارات، دون أن تنسى توجيه الشكر الجزيل للشعب ولوسائل الإعلام المحلية والعالمية لتغطيتها التي جاءت "بحجم الحدث".. فهل هذه دعوة أخرى من مثل الدعوات العديدة التي خرجت أمس الثلاثاء تطالب الأردنيين بالكف عن الحديث بالعودة "كرأي عام" إلى انشغالاتنا الطبيعية، وأن نترك «خلية الأزمة» تعمل بهدوء وعقل بارد دون ضغوط أو تأثير.

 وإذ يعترف كاتب هذه الدعوة بأن الرأي العام ليس بالآلة التي يتم التحكم بها على قاعدة الضغط على الأزرار، لكنه يشير لوجود "مفاتيح في الجو العام.. آن لهم أن يقرروا ترك القضية للمعنيين والعودة إلى الهم الاعتيادي... الناس تحتاج إلى استقرار في الرواية، وتحتاج إلى مصدر محدد واضح وجيد ترتاح له ويشكل لها المصدر الأسرع والأوثق" .

والسؤال من"المعنيين" بخوض الأردن حربا وكيفية خوضه لها، كونه سيرسلون لها أبناءهم لا أقل، أين هو"المصدر المحدد الواضح والجيد" في ضوء ما صدر عن المصدرين المعتمدين كرسمي وشعبي والذي أوردناه أعلاه؟ كيف أمكن أن يكون معاذ قد أعدم قبل شهر وهذه المصادر لا تدري؟ لماذا لا يكون قرار بحجم المشاركة في حرب بهذه النوعية من الخصوم غير الآدميين خاضعا لموافقة ممثلي الشعب حقيقة.. حرق معاذ ليس كأي قصة استشهاد في تاريخنا الغني بالشهداء، ولا تكفي فيه استقالة الحكومة وإقالة مجلس النواب والأعيان، بل يتوجب ان تتخذ خطوة استدارة كبرى لإعادة القرارت المصيرية لأصحابها ممثلي الشعب حقيقة. فالشعب الأردني لا يجبن حيث تلزم تضحية، وهو يفخر باستشهاد الطيار فراس العجلوني (الذي حذفت قصته من المنهاج المدرسي الأردني مؤخرا) بحيث لا تجد بيتا ليس فيه ابن أسْمي "فراس" ..وكون معاذ "ابننا" كما يقدم الجميع لرأيهم وأيضا لأوامرهم، فهو تحديدا ما يفرض علينا جميعا (وعاد الآن ليفرضه بصورة أشد بعد تكشف ما جرى لمعاذ) لا أن نعود عن الهم الأكبر للهموم "الاعتيادية"؟!!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق