الثلاثاء، 17 ديسمبر 2013

العزل في قانون الانقلاب / سليم عزوز




لم يعد أحد يجادل في أن ما جرى في مصر يوم 3 يوليو الماضي، هو انقلاب وليس ثورة، فقد حُسم الأمر، وتوقف الجدل، وان كان بعض ضيوف "الجزيرة" الجدد من الانقلابيين، تكون بداية مشاركتهم من أول "المقرر الدراسي"، وبالحديث عن الثورة التي جرت، فإنهم سرعان ما يتجاوزون ذلك بعد المشاركات الأولى، وإن كانوا لا يغادرون الفصل الثاني الخاص بفشل الإخوان، وكأن انقلابهم نجح في حل المشكلات التي فشل الإخوان في حلها، وكأن الأزمات لم تتفاقم في عهد السلطة المغتصبة للحكم التي مثلت درساً بليغاً في الكفاح الفاشل، وعنواناً بارزاً علي الفشل وقد تمثل بشراً من لحم ودم!

إذا قدر لك أن تخالط من يناصرون سلطة الانقلاب، فسوف تستمتع بكيف أن القوم في حواراتهم العادية لا ينسون أبداً أن ما جرى هو انقلاب بالوصف والرسم، فالحديث يكون عن هذه الواقعة جرت قبل الانقلاب، وهذا الحدث وقع بعد الانقلاب. وأحدهم جاء لي مطالباً أن أتدخل وأطلب من زميل أن يحذف تعريفه الذي يجري تقديمه به، وهو "منسق حركة ناصريون ضد الانقلاب"، وعندما أخبرته بأنه ليس ما في الأمر ما يستدعي غضبه، فكل القوى السياسية فيها وفيها.. فيها المنحاز للشرعية، وفيها المنحاز للفريق السيسي. قال: لكن الناصريين، كل الناصريين، يؤيدون الانقلاب. وعندئذ قلت له معني هذا أنكم تعترفون بأن ما جرى كان انقلاباً! فأسقط في يده، واتهمني بأنني أقوم بتغيير الموضوع هروباً من الموضوع الرئيسي!

ونقل لي أحد الأصدقاء كيف أن خلافاً حدث بين اثنين من الانقلابيين في حضوره على توقيت واقعة بعينها، وظل أحدهم يكرر بأنها كانت قبل الانقلاب، بينما أصر الآخر على أنها كانت بعد الانقلاب، ولم يتنبها إلى خطورة ما قالا إلا عندما قال لهما الحاضر المستمتع بالحوار ضاحكاً: لو قام أحد بتسجيل هذا الجدل لتحولتما أمام الناس إلى فضيحة!

أنا درويش قديم، من دراويش الشيخ عبد الحميد كشك، شرّقت وغربت، وظل موقعي منه كما هو، وعندما أجريت معه الحوار اليتيم قبل وفاته، مازحه صديق مشترك بعد المقابلة بأن من حاوره "علماني". وانزعج الرجل مخافة أن أعبث بالحوار حين نشره، لكن من مازحه عاد ليطمئنه بأنني على الرغم من ذلك فإنني "أمين" مهنياً. ولعل هذا لم يخفف من حدة انزعاجه إلا بعد أن تم نشر المقابلة بدقة، وكانت المقدمة تأكيدا على المكانة: درويش.

نفس الصديق هذا، هو من مازح الشيخ يوسف البدري قبل ربع قرن من الزمان، وكنا ثلاثة من الصحفيين ضيوفاً عليه في منزله، واستأذنته بمجرد أن وصلت في دخول "دورة المياه"، وأخبره صاحبنا بأن الداخل "علماني"، فعاد ليسأله بعربية " قريش": وما معنى "علماني"؟.. قال له ضاحكاً: "إن العلمانيين يقضون حاجتهم وقوفاً"، وكانت ليلة ليلاء!

لم يكن لباب الحمام ما يمكنني من غلقه بإحكام، وقد صددت أكثر من غارة للشيخ وهو يحاول اقتحام "الموقع" وهو يهتف مرة "سليم يا ابني بيتي طاهر فلا تنجسه"، وتارة: "سليم يا ولدي بيتي طاهر فلا تنجسه".. أيضاً. فالخلاف كان بين موقعي منه "ابني" أم "ولدي"؟!

الشيخ كشك يروي في أحد خطبه كيف أن قسّاً يعمل بالتبشير جاء إلى مصر وطلب من القوم أن يأتوا له بعدد من المسلمين لتنصيرهم، فوجدوا طائفة الحرفيين هم من يمكن التأثير عليهم بالمال لتحقيق الشكل للقس. وظل الرجل ثلاث ساعات يتحدث عن الأب، والابن، وروح القدس، ثم توقف ليشرب، فران على الجلسة صمت عميق، قطعه احد الحضور بعفوية بقوله: "وحدوه"، ربما دون أن يتبين مدلول "هتافه"، وكانت الاستجابة له عفوية أيضاً، إذ ردد الحضور: لا إله إلا الله.

ثورة، أم انقلاب؟.. هذا سؤال تجاوزته الأحداث، لأن الإجابة عليه باتت معلومة للجنين في بطن أمه، وقد توقفت الدعاية عن أنه ثورة من قبل المؤيدين لما جرى يوم 30 يونيه، ويوم 3 يوليو، فحتى من مثّلوا غطاء ثورياً لهذا الانقلاب غادروه، ومنهم من يتم سجنه الآن. فقد استدار قادة الانقلاب ليأكلوا من سبق لهم أن شاركوا في ثورة يناير، وانحازوا لهم تحت لافتة أن خلافنا مع الفلول ثانوى وأن الخلاف الجذري هو مع الإخوان!

وها هو الانقلاب يضع دستوره، ومن أهم النصوص التي ألغاها، ذلك النص على عزل الفلول، وقد تحدث عمرو موسي، وهو في حالة زهو لا تغادره بأن هذا الدستور لم يعزل أحداً، وكأن في إلغاء عزل قادة الحزب الحاكم في عهد مبارك الذين أفسدوا الحياة السياسية، ما يدعو للفخر !.

كل الثورات عرفت العزل، لكن آفة ثورتنا في حلمها الزائد عن الحد، وأن الذين وُسّد الأمر إليهم فيها هم إصلاحيون وليسوا ثواراً، فتمكنت الدولة القديمة، من أن تنتصر عليهم، ولم يكونوا جادين في عملية العزل السياسي، لذا جاءت مادة العزل في الدستور الذي وضع في عهد الرئيس محمد مرسي، في اللحظة الأخيرة للانتهاء منه، واستقبلها رئيس اللجنة المستشار الغرياني على مضض، ووافق عليها الإخوان، بسيف الحياء، وكان طبيعياً أن تحصن موقع الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر، الذي أخفى في نفسه ما الله مبديه، وبدا كما لو كان متحمساً للثورة، وهو خصمها الذي ندد بها في الساعات الأولى لها، وهو رجل الحزب الحاكم، والمقرب من الدوائر الأمنية، وعدم الإيمان والحماس

للنص، جعل القوم يضعون ما يدفع المحكمة الدستورية أن تفسر النص على نحو يمكن رجال أحمد عز وجمال مبارك من العودة للحياة البرلمانية من جديد!. العسكر الذين عهد لهم مبارك بالأمر، كانوا أوفياء للعهد الذي صنعهم علي عينه، ولهذا فلم يستجيبوا لمطلب الثوار بالعزل السياسي لكل من افسد الحياة السياسية، وأبقوا علي اسم حسني مبارك تسمي به محطة مترو الأنفاق، علي الرغم من طمس الثوار له. لقد حدث أن أصدرت محكمة في السلم القضائي الأدنى حكماً يقضي بإزالة اسم

حسني مبارك، وكان رأيي أنه حكم مخالف للقانون، وكان ينبغي على المجلس العسكري الحاكم أن يبادر برفع الاسم منذ اليوم الأول لحكمه، ليرفع الحرج عن القضاء، لكنه لم يفعل، وظل اسم مبارك موجوداً باعتبار أن الحكم الذي استهدفه تم الطعن فيه، وصدر حكم المحكمة الأعلى بإلغاء الحكم السابق، وظل اسم مبارك إلى أن أزاله الشباب بأيديهم فاضطرت الوزارة المختصة إلى تغيير الاسم!.

كنت من المؤمنين بأن الشعب هو من سيعزل الفلول، وعندما أبدى البعض قلقاً من الصعيد باعتباره يمثل النفوذ التقليدي لهؤلاء، كنت الصوت الوحيد الذي طالب بعدم الانزعاج فالصعيد سوف يعزل الفلول، وقد حدث في الانتخابات البرلمانية!.

لقد ألغى الدستور الحالي نص عزل الفلول، وهو ما كان دافعاً لعمرو موسي لأن يزهو، بأن دستوره لا يعزل أي فئة، ولم يسمّ الفئة التي كانت معزولة، لأنه لو فعل فسوف يقف الناس على موقع دستورهم من الدولة القديمة، التي جاء انقلاب ٣ يوليو ليمثل ردة عليها. الواقع أن الدستور، الذي رد الاعتبار للفلول، ولنظام مبارك، ولمن أفسدوا الحياة « الجزئي » السياسية، فرفع عنهم الحظر المفروض في دستور ٢٠١٢ ، قد حظر مكوناً رئيسياً من مكونات ثورة يناير، وهم جماعة الإخوان المسلمين، وحزب الحرية والعدالة، عندما تم النص على حظر الأحزاب على أساس ديني، لترضية الكنيسة الجزء الأهم في ديكور الانقلاب. وهكذا تأتي أحزاب الأقلية التي شاركت في انقلاب يوليو، وفي لجنة وضع دستور الانقلاب لتستبعد حزب الأغلبية، وهو سلوك لا وجود له إلا في ظل الدول التي كانت تركب الأفيال!. لقد عزل دستور ٢٠١٢ أعداء ثورة يناير، وجاء دستور ٢٠١٣ ليعزل من شاركوا في الثورة، فهل لا يزال هناك من يسأل: ثورة هذه أم انقلاب؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق