الأربعاء، 25 ديسمبر 2013

الزلزال / توجان فيصل



حكومةُ عبدالله النسور سقطت عدة سقطات مدوية في الأيام القليلة الماضية، الواحدة منها كافية لإسقاط أي حكومة في العالم. ولكن حكومة النسور لم تُسقط نيابيًا وحتمًا هي لن تستقيل، فرئيسها معروف عنه أنه "يموت في المنصب"، حرفيًا. ولكن الرفض الرسمي للاعتراف بهذا يشبه تعطيل أجهزة مراكز رصد الزلازل.

التعطيل الرسمي طال ما يسمى"مجلس نواب" بجرة قلم، أو "بجملة" كما تقول تغطيات إخبارية موضوعية للحدث، وردت في خطاب وجهه الملك لحكومته يشيد فيه بجهودها في التصدي للعاصفة الثلجية! فيما قبل هذا أجمعت الصحافة، والشعب بأكمله في كافة مواقع تواصله على أن العاصفة كشفت سقوط الحكومة ومعها كل مؤسسات الدولة الخدمية. وهو ما عزز توجه بعض النواب لسحب الثقة من الحكومة لأسباب عديدة أضيف لها ما كشفته العاصفة الثلجية. ولكن بمجرد نشر رسالة الملك سُحبت مذكرة حجب الثقة والتزم النواب "مصالحهم" والصمت. وبعض الصحفيين الذين كتبوا طوال الموجة الثلجية عن فشل الحكومة، لجأوا لديباجة على طريقة "نقاد" الأعمال الأدبية العويصة الباحثة عن القصد "في بطن الشاعر"، لاستخلاص نقد وتحذير وردا في الخطاب!.

قبل هذا سقطت الحكومة في الشأن الاقتصادي الذي زعمت أن إصلاحه يحتم إجراءات جبايتها آخر ما تبقى في جيوب المفقرين، فجاءت نتائجه بعد عام ونيف بتحقق كل المخاوف التي بثتها ولا شيء من الإصلاح الذي وعدت به. فحتى المشاريع التنموية الممولة بكاملها من الدول الخليجية توقفت لسبب واحد وهو اشتراط تلك الدول إنجاز مرحلة لتمويل تاليتها!.

ولكن السقطة الأكبر والأخطر سبقت هذا، فمعروف أن الحكومة لا قرار لها وأنه جيء بها لتنفيذ أوامر حلقة الحكم المتنفذة، وتُرك للرئيس تفاصيل صغيرة كأمر التوقيت الصيفي، فجاء "قرار" الرئيس بتثبيته ليصبح ساريًا في الشتاء أيضًا. ومع أنه لم يبق صحفي ولا ناشط ولا مواطن إلا وحذر من مخاطر هذا على الأسر الفقيرة ومحدودة الدخل ممن يعتمدون المواصلات العامة التي خدمتها متردية بسبب فساد تاريخي تفاقم مؤخرًا، وصولاً للمسحوقين الذين يسيرون لأعمالهم ومدارسهم كل أو معظم الطريق. وحذر الكل أن في مقدمة المعرضين للخطر طلبة المدارس الحكومية والنساء العاملات إذ سيضطرون للخروج في العتمة للوصول لمدارسهم وأعمالهم.. ولكن الرئيس انتشى أكثر بإصراره على أنه "صاحب قرار"! .

القرار خلق ظرفًا مغريًا بجرائم تبدأ بالسرقة وتنتهي بالاغتصاب والقتل. فالضحايا المحتملون يتواجدون في الظلمة في مواقع ومسارات محددة بانتظام يوميًا ما يجعلهم صيدًا سهلاً لكل منحرف، والآن تحديدًا حيث تنامت الجريمة في ظل تحول أولويات الأمن لمطاردة الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح. والسرقة هي الأبعد احتمالاً لكون الصيد من المفقرين، ولكن لا ندري كم تحرشًا جنسيًا أو حتى اغتصاب سكتت عنه النساء والفتيات كي لا يقتلن في جريمة شرف، ويسكت عنه الأطفال لما هو معروف من شعورهم بالذنب، أو سكتت عنه أسرهم وأسرهن تجنبًا للعار. ولكن لم يمكن السكوت عن جريمة اكتشفت عند طلوع شمس النهار في موقف باصات في الزرقاء ضحيتها طالبة جامعية وجهها مقطع بالسكين لأنها اختارت الدفاع عن شرفها ضد "كونترول" الباص الذي تستقله لجامعتها، وهي جريمة ثبت أنها مخطط لها باستغلال عتمة وخلو موقف الباصات.

لكون الكل حذر من الأثر الجرمي لقرار التوقيت هذا، تلزم مساءلة الرئيس"جنائيًا " وليس فقط سياسيًا. فالعزل هو لما دون هذا من قرارات ينشأ عنها ضرر غير متوقع أو مرجح، كاستقالة وزير المواصلات المصري لتدهور قطار!. والمؤسف أن رئيس الحكومة، بدل العودة كان عليه أن يعتذر كحد أدنى، يعلن أنه "قرّر" العودة عن قراره تثبيت التوقيت الصيفي شتاء لأن "الطريقة" التي طلب بها النواب ذلك هي "الطريقة المثلى".. والمثلى هي توقيع النواب عريضة تلتمس من الحكومة العودة عن "قرارها" بدل سحب الثقة منها ومحاكمتها. بخاصة لقيام عشيرة الضحية بإعلان أخذ حقها بيدها حسب العرف العشائري، والذي خطره ليس على عشيرة القاتل التي تبرأت منه، بل لدلالاته على توجه العشائر المتصاعد لتحقيق أمنها وأخذ حقوقها بيدها.

ولم تكتف الحكومة بإهانة رئيسها للنواب في تعليمهم "الطريقة المثلى" لمخاطبته في استهانة بالدستور ذاته. فوزيرة جيء بها في صفقة مضادة للحراك الشعبي كانت أهانت الشعب بحضور نواب لكونه لم يلتزم بيته طوال أسبوع العاصفة "لم يخرج سوى المضطرين" بقولها "الشعب الأردني بارد وجه"! وحين طالب الشعب باستقالتها للمرة كذا "تاريخ الوزيرة القصير حافل بإساءات للشعب" قدمتها للرئيس.. ولكن عند أول جلسة تحت القبة بررت الوزيرة سحبها للاستقالة بأن الرئيس ومعه"مسؤول رفيع من الديوان الملكي" أقنعاها بوجوب سحب استقالتها كي لا تؤسس لسابقة تحتم استقالة الوزير الذي يُغضب الشعب!. هذا مع أن تاريخ الأردن حافل بعزل ممثلي الشعب بحق لحكومات، بل وعزل الشعب لحكومات ولمجالس نيابة أيضًا.. "السابقة" هنا تعمد تحدي الشعب صراحة وتعمد إهانته وإهانة من جيء بهم على يد هكذا مسؤولين لزعم تمثيله.. أي كشف هؤلاء "لطابقهم" بأيديهم، والذي هو السقطة الأكبر!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق