الأحد، 22 ديسمبر 2013

مكافحة الصهيونية واجب يهودي / د. عصام حداد





رفضت الكاتبة والناشرة الألمانية حنه آرنت (1906 1975) المولودة في مدينة هانوفر لأبوين يهوديين علمانيين الاعتراف بدولة إسرائيل, لأنها:
أولاً: أقيمت على حساب الشعب الفلسطيني وحوّلته إلى شعب لاجئ ومن الدرجة الثانية...
ثانياً: لم تفصل بوضوح بين الدولة والدين.
وثالثاً: ترتهن لسياسات الولايات المتحدة الأميركية، حيث كانت تعيش "آرنت" بعد هربها من ألمانيا النازية (1937).
الشاعر الألماني الشهير إيريش فريْدْ (Erich Frid) (من مواليد فيينا عام 1921 وتوفي عام 1988 في بادن بادن/ ألمانيا), كتب في قصيدته "القضية الكبرى". يقول في وصف "جريمة إسرائيل ضدّ الشعب الفلسطيني":
تصفية الحساب الكبرى
العلة تجاهد اليوم، وتكافح
بكل ما ملكت ضد المعلول،
الذي تسببت به،
حتى لا يخطر على بال أحد،
أن يشير، ولو بالاصبع، إليها كونها المسؤولة
عما وصل إليه المعلول من حال..
وهكذا غدا المعلول ممنوعاً،
بل ومطارداً من قِبَل العلة نفسها.
إيريش فريد
وتحت عنوان "مكافحة الصهيونية واجب يهودي" نشرت جريدة "TAz" (الجريدة اليومية) الصادرة في برلين (5/6 اكتوبر تشرين الأول 2013) مراجعة لمؤلف جديد للاستاذة الأميركية في الأدب المقارن والبلاغة السيدة جوديت باتلر، وذلك لمناسبة صدور ترجمته إلى اللغة الالمانية بعنوان "على مفترق الطرق: اليهودية ونقد الصهيونية". والسيدة باتلر هي منذ عام 1993 استاذة للأدب المقارن (الانكليزي) في جامعة كاليفورنيا بركلي، وهي أيضاً أستاذة في "حنه آرنت للفلسفة" في كلية الدراسات العليا الأوروبية في سويسرا.
وُلدت السيدة باتلر عام 1956 في كليفلاند اوهايو لأبوين (روسي/ مجري) من أتباع "كنيس الإصلاح" اليهودي وتلقت مبكراً كطفلة ومراهقة عناية خاصة في التربية الدينية وحصلت عام 1984 على دكتوراه في الفلسفة من جامعة "يل" الأميركية، تناولت أبحاثها العديد من الموضوعات واعتنت مؤخراً بـ"الفلسفة اليهودية" وحرصت في أبحاثها على التمييز الصارم بين اليهودية كدين وأخلاق وبين الصهيونية كحركة سياسية "وليدة الشتات اليهودي...". ويتماهى تقييم السيدة باتلر لبناء دولة إسرائيل من قِبَل الحركة الصهيونية ورؤية الفيلسوفة "حنه آرنت" فهي تقول: "في حين استقبلت فلسطين (إسرائيل) اليهود المطاردين من قِبَل النازية والفاشية على امتداد أوروبا فإنّ إسرائيل بدورها انتجت وتنتج لاجئين، الأمر الذي لا يمكن القبول به ولا بد من مجابهته بكل تداعياته...". وتعيد السيدة باتلر بعد تشخيصها للعلة والمعلول (كما يصفها الشاعر ايريش فريد المذكور أعلاه) تعيد فشل العيش المشترك في فلسطين إلى "حركة الصهيونية السياسية" المبنية على أساس الاضطهاد وطرد المواطنين والحلول في أراضيهم..."، فهي لذلك تلخص التناقض القائم أو جوهر الصراع بين "العلة والمعلول" كما تقول: "بين أن تكون صهيونياً أو مع العيش المشترك...". وهي تتطرق في هذا السياق لتجربة الاستاذ ادوارد سعيد ممثلاً للدياسبورا الفلسطينية... وتكرر وجهة نظر "حنه آرنت" في ما سمته: الناتح عن "العلاقة مع الآخر الذي نعيش معه على هذه الأرض من دون أن يكون لنا الخيار في ذلك...".
في مؤلفها الجديد "على مفترق الطرق: اليهودية ونقد الصهيونية"، تطور الأستاذة باتلر موقفها الحريص على الفصل بين اليهودية كدين ومناقبية وبين الصهيونية كحركة سياسية فتدعو صراحة لمقاومة الصهيونية كوجب على كل يهودي "وفقط اقتلاع الصهيونية هو الذي يوفر الأرضية لإمكانية العيش المشترك...", وتضيف موضحة: "فكما علينا أن نقاوم سعي الصهيونية للهيمنة على اليهودية، علينا أيضاً مقاومة الاستعمار الذي فرضته الصهيونية على الشعب الفلسطيني...". وترى السيدة باتلر في مناقبية مجتمع ما بعد الصهيونية المناخ الملائم لحياة مشتركة في فلسطين "ما بعد الاستعمار"... ولا تشمل بالاستعمار أراضي الضفة وغزة فقط بل كل تراب فلسطين الانتداب... فإسرائيل بالنسبة للسيدة باتلر لم تقم على أساس وشرعة القانون الدولي.
ويجدر التنويه هنا إلى أنّ الأستاذة باتلر في مقاربتها للصراع ضدّ الصهيونية تخلص إلى رفض حل الدولتين لصالح دولة المواطنة الواحدة، وأسهمت وتسهم بشكل فعال في النضال لمقاطعة إسرائيل اكاديمياً واقتصادياً، الأمر الذي تسبب في اندلاع جدل صاخب في آب/ اغسطس 2012 بين الأكاديميين الالمان حول فوزها بجائزة "تيودور ف ادورنو" Theodor w. Adorno التي تقدمها مدينة فرانكفورت/ماين الالمانية كل ثلاث سنوات في موضوعات الفلسفة، الآداب وعلم الاجتماع والموسيقى والسينما.. وطالبت في حينها قيادة الجالية اليهودية الالمانية إلى جانب أوساط إسرائيلية والمانية بعدم منحها الجائزة واتهمت السيدة باتلر بالعداء للسامية، وهو الأمر الذي آلمها جداً كما تقول السيدة باتلر. وعلى هذه الخلفية يرى الكثير من النقاد في كتاب السيدة باتلر الجديد رداً على المحاولات المستمرة لكمّ أفواه نقاد سياسات إسرائيل، فنقد ومواجهة إسرائيل هو واجب يهودي أخلاقي وسياسي، كما تراه السيدة باتلر.
الناشر الالماني لكتاب السيدة باتلر قدم له بالعبارة التالية: "يتعرض نقاد دولة إسرائيل وسياساتها الاستيطانية للتشكيك والاتهام بالعداء للسامية كما حصل للسيدة باتلر".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق