الأربعاء، 25 ديسمبر 2013

"وعايزنا نرجع زي زمان" ؟! / سليم عزوز



معذرة لهذا "الكوبليه" فمثلي لا تستهويه الكتابة بالعامية، لكن القافية حكمت، وقد انتهيت تواً من الاستماع إلى مقطع لا يميز فيه المذيع المُستجَد، بين اللغة واللهجة، فيقول اللغة المصرية، واللغة الشامية!.

"وعايزنا نرجع زي زمان"؟!.. عبارة لا تنتمي إذن إلى العامية، ولكنها تدخل ضمن مفردات "اللغة المصرية" ، التي تختلف عن "اللغة الشامية" ، بحسب ما جادت به قريحة المذيع الجديد وهو يقدم برنامجاً بإحدى القنوات، ولأن مصر صارت حُبلى بكل عجيبة، فلأول مرة نشاهد مذيعاً ألثغَ، يحشر الكلام داخل عتبة فمه، وقد كان في الحلقة التي استمعت فيها إلى تقديم مقطع تسجيلي للناشط بحركة "6أبريل" أحمد عادل، الذي صدر ضده حكم بالسجن والمراقبة، بتهمة ترويع السادة الضباط، مع أن السمة السائدة للضباط في مصر أنهم شداد غلاظ، لكنهم صار الآن "نجمهم خفيف" إلى درجة أنه يمكن لناشط أو أكثر أن يروعهم، فيقطعون "الخلف" ، من "الخضة" !.

" وعايزنا نرجع زي زمان"؟!.. تساؤل طرحته "الست" في أغنية "فات الميعاد" ، وقد أجابت عليه بشرط مستحيل الحدوث وهو "قول للزمان ارجع يا زمان" ، والمعني أن هذا العاشق الذي يريد أن يعود لمحبوبته، الصابرة على المكاره، و"حمّالة للأسِيّة"، وحاملة "لبُلغته" -أي نعلِهِ- فوق رأسها، أن عليه أن يعيد عقارب الساعة للوراء!.

هذا المقطع من أغنية، "فات الميعاد" ، أذكره كثيراً لمن يظنون أنه عما قريب، سيعود ثوار25 يناير "أمة واحدة" كما كانوا أول مرة، وإلى حد أنهم عندما صدرت الأحكام بالحبس والمراقبة على ثلاثة من النشطاء السياسيين، من الذين مثلوا غطاء ثورياً للثورة المضادة في 30 يونية، ظنوا أن الفرصة مواتية، وصار أي كلام من ناحيتي، في هذا الصدد، من شأنه أن يعرقل هذه العودة المنتظرة، وفي مقابلة تلفزيونية جمعتني والصديق أحمد حسن الشرقاوي، ترسّخ في ذهني هذا الاعتقاد، وظننت بالتالي أنني الحائل دون هذه العودة الميمونة، مع أني لست قائد حركة، أو زعيم تنظيم، ومن يجد الفرصة مواتية للوحدة من جديد، فليفعلها بعيداً عني!

في لقاء سابق على ذلك قلت لرهط من الحاضرين، وكان بينهم الشرقاوي، أنني لن أنزل على رأيهم، وليس لهم أن يطلبوا مني النزول على ما يعتقدون، فإذا نجحوا في مهمتهم فعليَّ "رنات" أو " مِسد كول" ، وهي عبارة قلتها من باب التحدي، وللتأكيد على أنهم سيفشلون!.

كنت على خصومة، مع حكم الرئيس محمد مرسي، الذي لم أنتخبه في الجولة الأولى، أو في جولة الإعادة، وبالتالي فقد كنت أقرب لهؤلاء، وإن اختلفت معهم في أن إسقاط حكم الرئيس مرسي يكون بعد استكمال دورته، وعبر صناديق الانتخاب، لأن مما طالبتْ به الثورة وتحقق هو أن تكون الإرادة للشعب المصري، صاحب السيادة، وقد هتفنا قبل الثورة، وحينها، كما هتفنا بعدها بسقوط حكم العسكر، وكان هؤلاء الشباب في طليعة الهاتفين، لكن البعض تنكر لمبادئه، نكاية في الإخوان، بعد أن جرى اعتماد سياسة "كيد الضرائر" ، فلما نسي ما ذُكِروا به، وجدناهم جنباً إلى جنب مع وزير الداخلية السابق الذي اتهموه بقتل الفتي "جيكا" في أحداث محمد محمود الثانية، ودخل إلى ميدان التحرير محمولاً على الأعناق من قبل الضباط، بعد أن نادى المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي من مكان قريب، بأنه لا ينبغي للثوار أن يسألوا من بجوارهم في يوم 30 يونية إن كانوا من الفلول أم لا، فمعركتنا مع الإخوان جذرية ومع الفلول ثانوية. وهكذا أمكن للدم أن يصبح ماء!.

لم تكن أزمة هؤلاء النشطاء فقط، في أنهم مثلوا غطاء ثورياً للثورة المضادة، وأدخلوا الغش والتدليس بمشاركتهم على الناس، في عملية عودة نظام حسني مبارك، ولكنهم أيدوا القتل والحرق، وكل المجازر التي ارتكبها الانقلاب، وتبدو الأزمة في أنهم ظنوا أنه يمكن للانقلاب أن يسمح لهم بمساحة حركة، يقدمون من خلالها أنفسهم على التمايز لا على الاندماج!.

لم يكن قانون التظاهر، أكثر من إجراء كاشف عن اعتماد الانقلاب للاستبداد وسيلة للحكم، ولم يكن منشِئا لذلك، فقد تبدى استبداد القوم للناظرين، منذ اللحظة الأولى، فقد عمد الفريق السياسي وهو يلغي "بجرة بيادة" المسار الديمقراطي، وينهي نتائج خمسة استحقاقات انتخابية، أن يقمع الرأي الآخر "المحتمل" ، والصورة الأخرى، حتى تعنو الوجوه له فلا يسمع إلا همساً، فكانت الحملة البوليسية على مكاتب عدد من الفضائيات بالقاهرة، واستوديوهات عدد آخر، وتم إغلاقها بالضَّبة والمفتاح، واعتقال كل من تصادف وجوده فيها، بمن في ذلك الضيوف!.

ثم كانت عملية مداهمة لمنازل قيادات جماعة الإخوان، وللمنازل حرمة مصانة، لكن قوات الأمن اقتحمتها، فلم يشعر بها هؤلاء إلا وهي فوق الرؤوس، وقامت القوات بتصويرها بالصوت والصورة، وبثها، ليؤكدوا بذلك أن القانون أصبح في أجازة.

وكانت بعد ذلك المجازر، والمحارق، التي أيدها هؤلاء، لأنها موجهة إلى الإخوان المسلمين، أو إلى الآخر في الجملة، لأن الذين استشهدوا في المجازر التي حدثت على يد قادة الانقلاب، لم يكونوا من الإخوان، أو من الإسلاميين في الجملة!.

البعض صمت، والبعض حرَّض، والبعض أيَّد، والبعض هتف: "أحسن" ، والبعض تنكر لهتافه القديم بسقوط حكم العسكر، ولأن من أعان ظالماً سلط عليه، "سنة الله في الذين خَلوا من قبل" ، فقد كان لابد من أن يحدث الصدام عند أول منعطف!.

ربما دهش هؤلاء النشطاء، وهم يرون عصا الشرطة الغليظة تمتد إليهم، وكانوا يظنون أنهم صاروا معاً في مواجهة الإخوان، ولا يعلمون أن البوليس المصري له ثأر مع كل مكونات ثورة 25 يناير، ومبكراً قلت إن الثورة المضادة قبلت هؤلاء النشطاء على مضض، وفق قواعد الضرورة التي تقدر بقدرها، فهم كانوا بحاجة إليهم "لمسافة السكة" وفي مهمة محددة، وأنهم سينقلبون عليهم سريعاً، وحدثت الاعتقالات، بعد الاعتراض على مظاهرات خرجت ضد قانون التظاهر.

ولعل سؤالاً يطرح نفسه، هل كان قانون التظاهر هو التشريع الأول الذي أسس لدولة الطغيان، ومثل علامة بارزة على أن الانقلاب لم يكن امتداداً لثورة 25 يناير لكنه الامتداد الاستراتيجي لنظام حسني مبارك؟!

لقد جاء دستور 2012 في عهد الرئيس محمد مرسي، ليضع سقفاً زمنياً لفترة الحبس الاحتياطي، بدلاً من تركها مفتوحة ليكون هذا النوع من الحبس أداة للتنكيل بمتهم قد تثبت براءاته في المحاكمات، وقد فاجأنا القوم بإصدار إعلان دستوري يدشن لمرحلة قانون الغابة الحاكم بفتح المدة، ليصبح من الطبيعي أن تستمر هذه المدة لتكون حبساً مدى الحياة، إذا قررت جهات التحقيق ذلك!.

كان الصمت لأن القانون موجه بالأساس إلى الإخوان، وتبين بالصمت كيف أن أحدا وفي ظل اعتماد سياسة "كيد الضرائر" لا يتحرك وفق قناعات شخصية، أو مبادئ حاكمة، لكن من على أرضية الانتقام!.

في اللحظة، التي أبديت فيها صعوبة نسيان الدم، والبعض تواطأ مع من سفكه، كان نشطاء "6 أبريل" يقدمون ساقاً ويؤخرون أخرى، وقبل صدور الحكم لوَّحوا مهددين بالانسحاب من خارطة الطريق التي وضعها العسكر، لكن الأحكام صدرت جائرة، فلم ينسوا أيضاً المناورة لأن هناك مرحلة أخرى من التقاضي، فقالوا إنهم مع إسقاط الانقلاب لكنهم ليسوا مع عودة "حكم الإخوان" ، وفي مقابلة تلفزيونية قال المنسق العام للحركة: "لن نضع أيدينا أبداً في يد الإخوان" !.

لا بأس فالبعض تستهويه قصة الحب من طرف واحد، حيث استعذاب العذاب، والإحساس بالقهر والبُعد والهَجر والحِرمان، وهؤلاء ممكن لهم أن يقدموا تنازلات، أو أن يوافقوا على أنصاف الحلول، من أجل الحشد لإسقاط الانقلاب، لكن في النهاية فإن الطرف الآخر لا يريد أن يعود للوحدة التي تجلت في ميدان التحرير في ثورة 25 يناير، ربما يشتاقون قريباً للعودة إلى أحضان العسكر والفلول كما كانوا في انقلاب 30 يونية.

لا بأس، دعوني وشأني، ومن يريد الوحدة، فليسعَ لها سعيَها وهو مؤمن، وعليّ "رنات".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق