الخميس، 26 ديسمبر 2013

المقاطعة الأكاديميّة لإسرائيل.. وبعدها الحوار! / كلوفيس مقصود

في 15 كانون الأول الجاري، صوّت أعضاء «جمعيّة الدراسات الأميركيّة» بنسبة 66 في المئة لصالح تبنّي قرار المجلس الوطني التابع للجمعيّة القاضي بمقاطعة المؤسسات الأكاديميّة الإسرائيليّة احتجاجاً على الطريقة التي تنتهجها إسرائيل في معاملتها للفلسطينيّين.
وقد انطلق المجلس من معايير مبنيّة على أدلّة تفيد بوجود تمييز مؤسّسي، فكانت له بادرة تضامنيّة مع الباحثين والطلاب المحرومين من حرّيتهم الأكاديميّة أملاً في تعزيز هذه الحريّة للجميع، بمن في ذلك الفلسطينيّون.
وانتقدت «جمعيّة الدراسات الأميركيّة» أيضاً الجامعات الإسرائيليّة على «تواطئها» في قمع الفلسطينيّين، على الرغم من أن عدداً كبيراً من الأساتذة في المجتمع الأكاديمي الإسرائيلي يُظهر التزاماً بحقوق الإنسان.
يمثّل هذا القرار التزاماً بالموضوعيّة، وقد استند المجلس في قراره إلى بحوث جدّية. هذا ما يُتوقَّع من الأكاديميّين.
أحد الأدوار الملقاة على عاتق الأساتذة هو نقل المعارف إلى المجتمع خدمةً للتنوير. وهذا هو أيضاً دور المجلس الوطني لـ«جمعيّة الدراسات الأميركيّة».
بالطبع، ندّد السفير الإسرائيلي في واشنطن رون ديرمر بقرار الجمعيّة مقاطعة المؤسسات الأكاديميّة الإسرائيليّة، مدّعياً أن «إسرائيل هي الديموقراطيّة الوحيدة في الشرق الأوسط».
ديموقراطيّة؟ في إسرائيل حيث التمييز المؤسّسي ضد المواطنين العرب متجذّر وموثَّق جيداً؟ الدول الديموقراطيّة لا تطبّق سياسات لبناء مستوطنات زاحفة في المناطق المحتلة، ولا تحرم اللاجئين حقّهم في العودة إلى منازلهم، ولا تبني جدراناً في داخل الأراضي المحتلة، ولا تتحدّى القانون الدولي وكل قرارات الأمم المتحدة المتعلّقة بالمسألة الفلسطينيّة.
عندما تعمد الدول الديموقراطيّة لأي سبب كان، سواء كان مبرّراً أم لا، إلى احتلال كيان وطنيّ آخر ولا تعترف بأنها سلطة احتلال وبأنها تخضع بالتالي لاتفاقيّة جنيف، علينا أن نعيد النظر في تعريف مصطلح «ديموقراطيّة».
تلجأ المجموعات والأشخاص الموالون لإسرائيل الذين يصنّفون أي انتقاد لها في خانة «مناهضة الساميّة»، إلى التشويه الدنيء للحقائق والهجوم المتعمّد على الأشخاص الذين يحاولون فقط أن يكونوا حياديّين. كذلك فإن مهاجمة الأساتذة اليهود وسواهم في داخل إسرائيل وخارجها لدفاعهم عن الحقوق الشرعيّة للفلسطينيّين ونعتهم بأنهم يهود «يكرهون أنفسهم»، ليست ممارسة ديموقراطيةّ بل تصرّف مشين.
الديموقراطيّة الحقيقيّة تنبثق عن التزام بتمكين الإنسان بغضّ النظر عن عرقه أو دينه. يعتبر أشخاص مثل نعوم تشومسكي وريتشارد فولك وآلاف المواطنين اليهود في كل مكان ـ بما في ذلك في إسرائيل ـ والذين يتأثّرون كثيراً بمعاناة الفلسطينيّين ويلتزمون بالدفاع عن حقهم في تقرير مصيرهم، يعتبرون إذاً أنه على صانعي السياسات والقرارات في الولايات المتحدة أن يفكّروا جدياً في المعنى الأخلاقي لقرار «جمعيّة الدراسات الأميركيّة» وسواها من المنظمات الأكاديميّة بمقاطعة المؤسسات الأكاديميّة الإسرائيليّة.
وعن القرار، قال عضو الكنيست السابق أبراهام بورغ «حسناً، إذاً لن يوجّه عدد من الباحثين الأميركيّين دعوات إلى عدد من الباحثين الإسرائيليّين. هذا مريع في نظري، لأن المجتمع الأكاديمي هو الوحيد الذي ما زال يتمتّع بحريّة الفكر وحريّة التعبير». لهذا بالضبط سيد بورغ، تبنّت «جمعيّة الدراسات الأميركيّة» قرارها!
يؤمَل أن يساهم هذا التطوّر المهم في التمهيد لنقاشات وجدالات وحوار صحّي في أوساط الشعب الأميركي، وأن يُترجَم على المستوى الديبلوماسي تراجعاً في استخدام الولايات المتحدة حقّ النقض في مجلس الأمن الدولي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق