الاثنين، 16 ديسمبر 2013

إيران.. وأخيرا انهار السجين في زنزانته / د. مثنى عبدالله



قيل الكثير عن الاتفاق الاخير بين الولايات المتحدة الامريكية وايران. اطلقت شتى 
الاوصاف عليه وحُبكت فيه الكثير من الكلمات والعبارات الرنانة. وصف البعض المفاوضات بانها حياكة سجادة ايرانية بايد ماهرة، وبعضهم اطلق عليها عبارة ‘الذبح بالقطن’ في اشارة الى الصبر الايراني الطويل. لكن لا احد تكلّم عن انهيار البُعبع الايراني داخل السجن الامريكي – الغربي، لان السيناريو المطلوب كان موضوعا كي تظهر فيه المفاوضات والاتفاق وكأنهما انتصار تاريخي عظيم، لاسباب ذاتية تخص الداخل الامريكي والايراني معا، واسباب موضوعية تخص المنطقة العربية على وجه التحديد. فعلى الصعيد الامريكي هناك اصوات باتت مرتفعة تدعو الى الاهتمام بالتطور الاقتصادي والاجتماعي والمصالح الاستراتيجية البعيدة المدى، التي لن تكون في المنطقة العربية، بل في منطقة المحيط الهادئ، وهذا ما افصحت عنه التغيرات التي جرت في وزارة الخارجية والبنتاغون والمخابرات، التي تشير الى التخلي عن خيارات القوة العسكرية. كما ان الركود الذي يعانيه الاقتصاد الامريكي يمكن له النهوض بالقدرات الايرانية، وهذا ما بدأت تضغط به الشركات العملاقة على النخب الحاكمة. مضافا الى ذلك ان السياسة الجديدة للولايات المتحدة تقوم على اساس القيادة من الخلف، اي البحث عن وكلاء لها في المناطق التي باتت ليست اولوية في اجندتها، ولا يمكن اخفاء عامل الطموح الشخصي للرئيس الامريكي للاعلان عن انه حقق شيئا في فترة رئاسته. اما العوامل الذاتية الايرانية التي تدخّلت في صنع القرار، فيقف على رأسها التهديد الحقيقي الذي واجهه النظام بسبب العقوبات التي مزقت الاقتصاد واسقطت العُملة الوطنية واضرت بالحياة الاجتماعية، زيادة على ذلك الخوف من انكفاء الاذرع الايرانية في المنطقة بسبب عدم القدرة على تمويلها، والحرص على عدم خسارة الورقة السورية التي هي عماد الاستراتيجية الايرانية في المنطقة. كما ان روحاني كان في حالة سباق مع الزمن كي يحقق الاتفاق، لانه ليس لديه سوى سنة واحدة لاحراز تقدم، وان أي تأخير في ذلك سيوحد الاصوات المضادة لسياسة تحسين العلاقة مع امريكا والغرب. 
في ما يخص العوامل الموضوعية للمنطقة العربية التي تدخلت في صنع الاتفاق، ابرزها ان الحلفاء العرب غير قادرين على مساعدة الولايات المتحدة في التكاليف السياسية لملء الفراغ الذي سيتركه خروجهم، فمواقفهم السياسية متصادمة، ومراكز القرار السياسي لديهم غير قادرة على انتاج موقف سياسي موحد، كي يصبحوا في مصاف القوة الاقليمية التي يمكن الاعتماد عليها في ادارة شؤون المنطقة وضبط العزف السياسي الايراني. بينما ايران في المنظور الامريكي دولة واحدة وعنوانها السياسي واحد يمكن الوصول اليها بيسر والاتفاق معها، وبالتالي حتى يمكن للامريكان استخدامها في ضبط الحلفاء العرب القدامى. كما ان التحولات السياسية التي حدثت في المنطقة العربية بما يسمى الربيع، ضغطت على صانع القرار الامريكي كي يجري تعديلات كبيرة على تحالفاته فيها، بما يؤمن له الخرشوج من المثلث العربي الذي تمثله السعودية ومصر وسوريا، الى المثلث غير العربي الممثل بايران وتركيا واسرائيل. 
كانت الخطة الامريكية ـ الاسرائيلية لاخضاع ايران وايصالها الى مرحلة التوقيع على اتفاق سياسي تقوم على مسارين يلتقيان في نقطة واحدة. الاول ان تتولى الولايات المتحدة تحطيم قواعد ومرتكزات الاقتصاد الايراني بالعقوبات والعمل الدبلوماسي الفاعل مع كل الشركاء، والثاني تتولى اسرائيل عملية عرقلة البرنامج النووي بالاغتيالات والتفجيرات والفايروسات وتقريب صورة شبح الحرب، وان كل الدلائل التي وردت في الاتفاق الاخير تشير الى نجاح هذه الخطة، حيث كانت كلمة نعم الايرانية كبيرة في الاتفاق. نعم لايقاف التخصيب لاكثر من 5′، نعم لتحويل اليورانيوم المخصب بنسبة 20′ الى مواد اخرى لا يمكن صناعة اسلحة منها، ونعم لعدم تركيب اجهزة طرد مركزي جديدة، وايقاف ثلثي اجهزة الطرد المركزي عن العمل في مفاعل فردو، وكذلك نصف اجهزة الطرد المركزي في مفاعل نتنز، ووضع المفاعلين تحت انظار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ونعم لتسهيل عمليات التفتيش الدورية والمفاجئة. في الجانب الاخر من الاتفاق كانت هنالك (لا) امريكية كبيرة وافقت عليها ايران شملت، لا ترفع العقوبات عن كل ما يدخل في الصناعة النفطية، لا تعديل على كميات النفط الايراني المصدرة الى الخارج، لا لرفع العقوبات عن الشخصيات والمؤسسات الايرانية التي تمت معاقبتها، لا ترفع العقوبات عن البنك المركزي الايراني، لا افراج عن الاموال الايرانية المجمدة، في ما عدا 7 مليارات يمكن تحريرها، لا استخدام للنظام النقدي الامريكي في التعاملات التجارية الايرانية، لا ترفع العقوبات التي فرضها مجلس الامن على ايران. اذن اين هو النصر التاريخي الذي تحقق لايران في هذا الاتفاق ؟ 
تقوم الثقافة الايرانية على عنصرين اساسيين هما الظلم والنصر، اي لا وجود لكلمة خسارة. الخسارة دائما يجري تصويرها للداخل على انها ظلم وقع من الاستكــبار العالمي، مما يتطلب التعاطف ورص الصفوف، وهي صنو للنصر في المفهوم الايراني، على اعتبار انها فضيحة اصابت المستكبر. النصر الايراني الذي تم تسويقه للجميع، كان الجلـــوس بصورة منفــــردة مع الدول الكبرى حول طاولة واحدة، وهي تعتـــقد بان هذا الجلوس اعطاها افضلية على كل الحلفاء في المنطقة، بل همّش ادوارهم جميعا، لذلك رفضت ايران بصورة قاطعة دعوة وزير الخارجية القطري بمشاركة دول مجلس التعاون في المحادثات القادمة بينها وبين مجموعة 5+1. 
لقد ركز روحاني في خطابه امام الامم المتحدة على الكرامة وحفظ ماء وجه ايران، وان الخلوة الايرانية بالقوى الكبرى حققت له ذلك، لكن اطلاق سراح السجين السياسي بعد انهياره لا يتم بلا ثمن، بل يتطلب منه لعب دور وكيل السلطة في الحزب الذي ينتمي اليه، فيصبح عينها التي تراقب، وذراعها التي تعبث، وطلقتها التي تقتل حتى رفاق الامس. وهذا هو الدور الايراني المقبل بموافقة القطب الاوحد. نعم انه ليس نصرا بل نشوة سجين ظهر الى العلن وهو يجلس بجانب سجانه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق