النظام الدولي الذي يتصدى لإدارة العالم، هو أكثر النظم السياسية إخفاقاً في تحقيق أي استقرار، فاشل ولا أخلاقي، ومنذ سنوات غدا آلية من آليات التحكم والسيطرة، وخرج بشكل كبير عن الأهداف التي قام من أجلها بعد الحرب العالمية الثانية،
هذا عدا عن الفساد الذي يرتع به كبار موظفي أهم منظماته، وهي الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، ما جعلهم عرضة للابتزاز والرضوخ لإرادات الدول الكبرى، ولاسيما الولايات المتحدة، لقد بات بمنزلة هراوة وأداة لتبرير العدوان وفرض العقوبات، لا بل صار حارساً للفوضى ومديراً لها! ولم تنفع كل الدعوات لإصلاح مؤسسات هذا النظام الدولي، بل الأمور تزداد سوءاً سنة بعد أخرى! في ظل هذا النظام الدولي برزت الحروب كتعبير عن الصراع الدولي بأدوات محلية، ومن المعروف أن النظام الرأسمالي يمتلك المقدرة على تمويه انقساماته، بظاهرة التلاحم التي تترافق مع خلق أزمات، وتأجيج حروب وصراعات في أماكن أخرى بعيدة عن حدوده، وبعد أن يقوم بكل ما هو لازم لإشعال النار يتقدم كإطفائي جسور وداعية سلام! هذا ما يعرف باسم تصدير الأزمات، وتحويلها إلى انفجارات في أماكن أخرى من العالم، ولاسيما في الدول النامية والفقيرة والتي توجد فيها أرضية للتفجير، وكان الاستعماريون الأوروبيون ولاسيما الإنكليز والفرنسيون قد تركوها مرغمين لكن زرعوا فيها عوامل التفجير، حتى إنهم تدخلوا في دساتيرها وفي طبيعة نظام الحكم فيها وجعلوا ذلك غير قابل للتعديل، وأي محاولة في ذلك دونها حرب ضروس! وبالعودة إلى تصدير الأزمات، كنا قد شهدنا في السنوات الأخيرة، أزمات اقتصادية كبيرة جداً في الولايات المتحدة ومعظم دول الاتحاد الأوروبي، لكن لم تلبث أن خمدت ولم يعد أحد يتحدث عنها مع انفجارات العالم العربي! لقد استخدم الغرب قوة التقنيات الحديثة كآلية جديدة للتحكم، وهم يعترفون أنهم نجحوا في بلدان ولم ينجحوا في بلدان أخرى، ولكنهم لم ييأسوا تماماً من تكرار المحاولات بطرق أخرى مستفيدين من الأخطاء، والعمل على استغلال الظروف والأدوات بشكل أفضل! إن منظريهم وسياسييهم ومراكز أبحاثهم يعملون بالسر وبالعلن على إدخال الشعوب في فوضى العصور الوسطى، بشيء أشبه بجحيم أو مطهر دانتي! فهؤلاء قادرون على إضفاء الطابع العقلاني على ما هو لاعقلاني! إنهم بارعون في إطلاق المترادفات الغامضة والسوريالية وخلق جاذبية لها بما يتناسب مع روح الفوضى الجنونية التي يؤججونها ويسمونها بالتعاون مع شركائهم المحليين، من اليساريين السابقين: «ثأر المجتمعات» ويغدو هذا (الثأر) ممجداً طالما أنه يدمر كل شيء في المجتمعات والدول التي يريدون تفكيكها أو الانتقام منها! أما إذا ما مس بلدانهم أو الكيان المدلل، فيغدو الأمر إرهاباً ما بعده إرهاب! هذا منطق النظام الدولي الفاسد والفاجر الذي لا يغيب عن باله أبداً أمن «إسرائيل»، ويخطط أسياده لحفظ أمنها لمئة سنة قادمة، كما يقولون! وهم عبر أبواقهم يتحدثون عن كل هذا وفق منطق يضفون عليه الواقعية والعقلانية! فيتحدث علماء الاجتماع عندهم عن إعادة تشكيل جغرافيا سياسية جديدة للعالم، على ضوء ما جرى في يوغسلافيا وبعض دول أوروبا الشرقية، وما جرى في تيمور الشرقية، وجنوب السودان وشمال العراق، ويذهب (المناطقة) منهم إلى نمط جديد، ينتج عن التفتيت، يطلقون عليه اسم: «المدينة- الدولة» وهي بديل عن الدولة الوطنية أو القومية المركزية ذات السيادة على أراضيها، و(للمدينة/ الدولة) ثقافتها وكتابها وتلفزيوناتها وشرطتها وبرلمانها وعلاقاتها الخارجية، وصلاحيات توقيع العقود!.. إذاً لم يعد النظام الدولي يشكل أي حماية لأعضائه ومؤسسيه، ولا يكترث بسيادة الدول ولا بوحدة أراضيها! وهو بذلك يخرج عن ميثاقه، والأغرب من ذلك أن النظام الدولي هذا وأسياده لا يجد أي حرج في أن يشتري النفط من عصابات ومليشيات قاتلة لتمويل شراء السلاح ومقاتلة الدولة! وبعض الدول بالتعاون مع مافيا الآثار تشجع سرقة الآثار، فلا يجب أن يبقى شيء فوق الأرض ولا تحت الأرض! ولسان حالهم يقول: أنتم عليكم أن تدمروا كل شيء حتى نقوم نحن بإعادة التركيب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق