الأحد، 10 نوفمبر 2013

في النص / د.مصطفى سالم




اللوحة  تقترب من كونها نصا باذخ الألوان ، وبشكل آخر النص لوحة زاهدة عن اللون كريمة المعاني .
وباعتبار النص منتجا للأيدلوجية فهو يتصف بالتقدمية، ولكنه حين يتماسك يكون إنسانيا.
إذ وحدة الشيء ليس في خصوصيته بل في تنوع تأويلاته.
 حتمية النص ثغرة في منطقة بين المٌنجز والمتلقي. وعدم حتميته فقدان للذاكرة.
والحتمية ذلك الفعل البشري للوصول إلى السماء  والذي لا ينشأ صدفة.
والثغرة هنا هي اللحظة التي نتمكن من منح النص صفة الإبداع وهي نفس اللحظة التي يضع بها الناص تحت المجهر.
والنص عالم معقد أو غامض لكنه عند المتلقي هو عالم يجري التعامل معه وفق ما يستخرجه منه وليس ما هو عليه فعلا.
ولو عادت الحياة بالأموات فان تبادل الألوان هو لغة عالية الخصوصية، وبهذا المعنى النص مدونة رحال.
 ومادام الأصل أن يكون الرحيل باتجاه واحد، فالولادة كذلك، غير إن المسافات زمنيا ومكانيا هنا غير محددة بل غير مضمونة.
لو تمعنا في ذلك نكتشف إن اللوحة والنص كلاهما لا يخرجان عن ذلك، ولهذا يمكن الايمان بأن المبدع وحده من يملك خيار العودة وكسر نظرية الاتجاه الواحد.
والمبدع لا يمكن حصره في الكاتب والفنان والسياسي والمهندس والعالم، انه معنى واسع يكتسب شروطه من خلال المنجز. وعموما لا يوجد إبداع تجاوز فكرة النص كلوحة آو اللوحة كنص. اذ الأثر أو ما تبقى منه مازال المقياس للإبداع.
يتمدد الحرف في الأسماع ويحيط نفسه بهالة لونية لأنه يرفض أن تكون منطقة استهدافه العين فحسب، وطالما اللغة رحمة، يبقى السؤال رائعا، إن كان النص يكتسب الفضيلة من المتلقي أم المبدع؟
وعسى أن يٌظهر ذلك إن اختيار اللون يمثل واحدة من فضائل الصمت التسعة، بينما اختيار النص حالة طليعية.
وتشريح النص يظهر أن مستوياته المتعددة تنشأ بفعل قسري وتلقائي، وهو ما يعني إن الناهض من الكلمات شكلا ومعنى يتجاوز مقصد الناص.
وانتقال المٌنتِج ليكون مبدعا يعني إدراكه إن اللون يسبق الحكاية عند بدء الخليقة، وليس الآن.
لأن اللوحة في أحد وجوهها محاولة في تحديد مكان الإنسان وإظهار مقاييسه، وبهذا يبقى الشموخ  للون باعتباره موقفا ثوريا.
سيكون من المفيد التذكير بان تطور اللوحة ليس فعلا داخليا فحسب، بل هو صراع داخل المتلقي المنتج للمعرفة والثقافة.
إذ الخروج منها ليس إلا تكريسا لسطوتها.
والابتلاء في إن تقاليد ثقافية لم تنتج عن برجوازية الشرق ليحرر اللوحة من أن تكون  ديكورا يتناسب مع لون الجدران والاثاث. لذا لم تنقل روحها إلى البنايات والشوارع والحدائق والإنسان نفسه. ولذا يظهر الفنان كحرفي وليس كمبدع.
إذ السخرية تكشف ان شرط الحرية في البيوت مثل الحرص على مشاعر حارس مرمى الخصم عند التسديد في كرة القدم.
ولو كان شكسبير، رجل قرية ورساما لكان المسرح اقرب الى دافنشي وابعد عن بيكاسو. ذلك إن الابداع في اللون صيغة برجوازية بينما في المسرح ثورية بريختية.
وقد يقول القائل إن احتفاظ المدن بألوانها أوضح من قصصها، وهذا من الجانب الشكلي فقط، إذ المدن إنسان يتحدث، وبغير ذلك لن نسمع صوت اللون.
واللوحة تمتاز بالخروج على مبدعها، وهي تستحق أن تكون عنيدة، لأنها حتى لو كان المبدع حذرا لتمرير ما لديه خشية المجتمع والسلطة وربما المرحلة فهي تكون كيانا مستقلا، قد تكون صولة وقد تكون لعنة. 
هذا إن كان المبدع مخلصا لعدم الانعزال عن المعركة التي تهدد آجل القيم الانسانية كما كان يطالب بيكاسو.
وفي معالجة المبدع العربي نستطيع القول انه يحتفظ بحق قدم مع السلطة و قدم مع الآخرين. 
لهذا لا يشمخ أي نص له وفي أحسن احواله إلا عند مؤسسة الثقافة السلطوية.
والنخبة التي بدورها تتدعي انها طليعة الاخرين وممثلة عنه تنسى إن المسافة بين السلطة والشعب بات من البعد بحيث لا يمكن لمن يفتح رجلية إن يجمع بين الإنتماء  لكليهما، لذا لا بد من الانتماء لاحدهما.  هذا مع إن الوقائع تقول إن النخبة جزء منفصل لايريد أن ينتمي للجموع ولا أن يكون بوقا للسلطة مع أنه يمكن أن يكون داعما ومغازلا لها.
وقيل أن النخبة مطربة لا تجيد الغناء ولاتجد من يطرب لها.
وغالبا ما تكون النخبة للسلطة مثل ديكور تحتاجه، سواء لتجميل نفسها أو لإظهار رفضها للفكر.
وحصيلة النص انه شجاع لكن المثقف الذي لا يجيد الثورة يحصد منه اللغة، ويترك عنه الموقف.
وحين بدات الاحتجاجات، لم يكن المثقف من اشعلها، ولا هو في صفوفها لذا لا تحمل رائحته.
ومادامت المشاعر فقط هي التي ثورية، ونصوص الاحتجاجات مشاعر وليس فعلا فأن أي حديث عن وجود نقلة في موضوع وبنية النص ليست سوى خرافة.
إذ التجديد في النص لاحق لتجذير الإنسان لنفسه.
مجد اللغة انها موقف عند غضب الجماهير ومقرفة عند اذعانهم .
وحينما زيف النص ليهلل لصواريخ الامبريالية التي تفتك بالشعوب ظهر النص الميت وهو اقرب من فجور اللغة وعهر اللون.
وما بين البطولة والنص اللون الذي لم يحمله المبدع لكن حمله عنه بطل الرواية التي لا توزع اكثر من ثلاثة آلاف نسخة في أحسن الظروف.
وخاتمة القول إن النص فعلا لونيا واللوحة استفاقة نصية، ومن يجردهما من ذلك لا يتجاوز رصيده الحساب المكشوف في المعنى لا بالأرقام.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق