الجمعة، 29 نوفمبر 2013

الشمس أجمل في بلادي من سواها / أحمد صبري


امتدت يد المنون إلى رمز من رموز العراق القومية الراحل سلام أحمد الذي بقي يحلم بتحقيق مشروع الوحدة على الرغم من تجاوزه الثمانين من عمره رغم الارتدادات التي أصابت سعي المتحمسين لهذا المشروع.
وكان يراهن على تجاوز الكارثة التي ألمت بالعراق والأمة بالاعتماد على المخلصين من أبنائها ويرى في فكر الزعيم جمال عبد الناصر ومشروعه، الأمل والملاذ لتخليص الأمة من حالات الانكسار والعثرات.
وسلام احمد ابن البصرة الفيحاء انتمي إلى حركة القوميين العرب في ذروة المد القومي عندما كان طالبا في الجامعة الأميركية ببيروت في خمسينيات القرن الماضي وعاصر الرواد هاني الهندي والمرحوم باسل الكبيسي والمرحوم سعدون حمادي ومناضلين عرب آخرين كان لهم الفضل في استمرار جذوة النضال القومي في تلك الفترة.
وقبل نحو اسبوعين من رحيله هاتفت أبا احمد فرد علي رغم اشتداد مرضه إلا أنه أشعرني انه قوي بالمبادئ التي آمن بها ويحلم أن تتحقق رغم حال الانكسار والتردي بفعل مااصاب قضية فلسطين واحتلال العراق وتغول الطامعين بأرض العراق وسيادته وعروبته. وما زادني اعتزازا وفخرا بموقفه الوطني والقومي أنه حملني مسؤولية أكبرت فيه عمق انتمائه وتمسكه بالعراق العربي الموحد بوصيته أن تكتب على قبره عند رحليه إلى الباري عز وجل مطلع رائعة الشاعر العراقي الراحل بدر شاكر السياب (الشمس أجمل في بلادي من سواها).
والراحل سلام احمد مضى على انخراطه بالسياسة مناضلا ومفكرا نحو ستة عقود تقلد خلالها مسؤوليات كبيرة في العراق وفي سوريا ومصر ولبنان والكويت في فترات هي من أشد فترات الإثارة في تاريخ العراق والنضال العربي .
كان قريبا من عبد الناصر ومن دائرة اتخاذ القرار في الرئاسة المصرية خلال ستينيات القرن الماضي وحاول خلالها أن يعزز أسس العلاقة بين التيار القومي في العراق ومصر إلا أن المتصيدين بالماء العكر وضعوا العراقيل في طريقه.
عمل بالصحافة فترأس صحيفة الثورة العربية لسان حال الاتحاد الاشتراكي العربي بالعراق في ستينيات القرن الماضي بعدها ابتعد قليلا عن السياسة وتفرغ للعمل التجاري واتخذ الكويت مقرا له.
واثار غزو العراق واحتلاله عام 2003 في سلام أحمد كل عوامل النخوة والرفض والتحدي لادراكه بمخاطره على وحدة العراق واستقلاله ودوره القومي ورأى فيه عدوانا سافرا ومشروعا لإضعاف العراق وإخراجه من دائرة الصراع العربي الصهيوني.
وخلال الفترة التي أعقبت احتلال العراق حاول سلام أحمد أن يستجمع طاقات القوى المناهضة للاحتلال ومشروعه وخاصة القوى القومية إلا أنه أصيب بخيبة أمل لاختلاف الرؤى في معالجة الحال التي وصل إليها العراق .
وكان يرى في المشروع الوطني العابر للطائفية والعرقية منقذ العراق وحاميه من محاولات تشظيه وتقسيمه والمحافظ على عروبته وهويته العربية وعمق ارتباطه بأمته العربية.
وراهن الراحل على التيار القومي العروبي بفصائله كافة ودوره في الحياة السياسية لأنه كما يعتقد تيار نظيف ووطني ومخلص وعابرللطائفية والعرقية وهو الأمل في إخراج العراق من محنته.
وعلى الرغم من اشتداد مرضه زاربغداد العام الماضي في مهمة وطنية سعى خلالها لتوحيد أطراف التيار القومي العربي في كيان واحد لمواجهة استحقاقات المرحلة الخطرة التي يمر بها العراق ومسؤولية القوى القومية العربية بالاضطلاع بهذا الدور الوطني.
وعلى الرغم من انه لم يفلح في مسعاه إلا أنه كان يراهن على المخلصين لإنضاج مشروع وطني يستجيب لشواغل العراقيين وتطلعاتهم بوطن آمن وموحد ومستقر وغير قابل للقسمة.
وحاولت مرة أخرى أن اطمئن على وضعه الصحي هاتفيا إلا أن زوجه أم أحمد ابلغتني بصعوبة تحدثه معي غير أنها أبلغتني أن آبا احمد يوصيك بتنفيذ وصيته.
وهكذا نودع إنسانا كان يحلم بوطن يستظل به الجميع وأراد أيضا أن يستظل بشمسه وهو في لحده. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق