الجمعة، 29 نوفمبر 2013

الذين اكتشفوا طريق رأس الرجاء الصالح! / سليم عزوز


بدأ حجم المؤامرة يتكشف، إذ وقفنا في هذا الأسبوع على من يقف وراء اختراق القرار المصري برفض التطبيع مع إسرائيل، وهو القرار المهم في تاريخ نقابة الصحفيين المصريين، والجماعة الوطنية عامة!.

وللتذكرة، فإن وفداً يضم خمسة عشر صحفياً مصرياً، فاجأنا بزيارة للضفة والقدس، ويضم الوفد ثلاثة من أعضاء مجلس نقابة الصحفيين المصريين، التي أصدرت الجمعية العمومية لها في سنة 1980 قراراً بحظر التطبيع مع إسرائيل، وقد عاقبت من خالفوا القرار، في فترات متفرقة، بيد أن الفارق فيما حدث في السابق وما حدث الآن، هو إعلان بعض الذين سافروا سابقاً أنهم ندموا على ما فعلوا، وقدموا أعذاراً متعددة، لم تحُل دون توقيع العقوبة، وإن خففتها في بعض الحالات، لكن الجديد هذه المرة أن مِن بين الذين سافروا، مَن كانوا ينتظرون منا، بدلاً من الهجوم عليهم، أن نكرمهم باعتبارهم أقدموا على إنجاز عظيم، وكأنهم اكتشفوا طريق رأس الرجاء الصالح، ولعلهم من فتحوا عكا، و باب المندب!.

وكالة " قدس برس"، بثت خبراً نشرته بعض الصحف، يفيد أن اتحاد الصحفيين العرب، قرر أن يعقد اجتماعه المقبل في "رام الله"، وأن هذا القرار اتخذ في الاجتماع الأخير بالكويت، ولا أدري هل تم نشره حينئذ ولم ننتبه له، لأننا مشغولون بما تتعرض له الثورة المصرية، على يد النظام البائد وأركانه، أم أنه تقرر إخفاء القرار على قاعدة أن الإثم هو ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس، وأن الإعلان الآن هو بعد أن قام " الوفد" سالف الذكر، بمهمة استطلاعية، تمهد لهذا الاجتماع، حتى لا يكون انعقاده بمثابة الصدمة، وحتى يتأكدوا، بمستوى رد الفعل على مدى يقظة العقل المقاوم، وإلى الآن فإن ضعف رد الفعل يغري بالإقدام على هذه الخطوة، التي تمهد لطي صفحة العداء الشعبي للاحتلال الإسرائيلي!.

" قدس برس" استطلعت آراء بعض الكتاب حول هذا الاجتماع المرتقب، وكان مما قاله محمد المسفر أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر، أن قرار اتحاد الصحفيين العرب بعقد اجتماعهم المقبل في "رام الله" يرقى إلى مستوى الجريمة بحق فلسطين والأمتين العربية والإسلامية. واعتبر المسفر القرارَ تطبيعًا، في حين قال عبد الستار قاسم أستاذ العلوم السياسية بجامعة نابلس إن زيارة الصحفيين العرب لفلسطين، وهي تحت الاحتلال، هي مشاركة للاحتلال في جرائمه ضد الفلسطينيين وأن أي عربي يزور فلسطين وهي تحت الاحتلال هو مطبع مع الكيان الصهيوني!.

ما قاله مسفر والقاسم، ليس اختراعاً جديداً، فالإجماع منعقد على أن زيارة الأراضي العربية المحتلة الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي يدخل في باب التطبيع المحرم وطنياً، ونقابياً، وشعبياً، لكن الوفد المكون من خمسة عشر صحفياً الذي ذهب ليمهد الأرض لزعزعة "اليقين الوطني"، قرر أن يشغلنا بالدفاع عن بديهيات وعلى المستقِر في الوجدان الشعبي، وبدأ بعض أعضاء الوفد في الرد علينا وكأنهم كائنات مندهشة وقد تساقطت علينا من السماء!.

لم أكن أعلم بما جرى، إلا عندما شاهدت صورة أحدهم أمام المسجد الأقصى وفركت عينيّ غير مصدق، وقلت في "عقل بالي" ربما لا يعرف الفتى أن ما أقدم عليه يمثل جريمة، فذهب يحتفي بنفسه، وكأنه في رحلة مدرسية إلى مدينة الملاهي، ثم كانت الطامة الكبرى بصورة نشرت لأخرى عضو في مجلس نقابة الصحفيين وهي في كنيسة بيت لحم، وظننت للوهلة الأولى، أن الأمر مرده إلى جهل منها بقرارات الجمعية العمومية، وعدم وعي بأن زيارة الأرض المحتلة يدخل في باب التطبيع، لولا أنني تذكرت أنها وهي المسيحية الديانة، تعلم أن البابا شنودة أوقف الحج للمسيحيين ما دامت القدس تحت الاحتلال، وذات عام تفجرت أزمة الوفد المسيحي الذي زار القدس على الرغم من قرار البابا بالمقاطعة، فأصدر فرماناً بالحرمان الكنسي في حقهم!.

فإن لم يسعف الوعي السياسي للسيدة عضو المجلس أن ما أقدمت عليه يقع في دائرة "الحرام" السياسي، فهي تعلم حتماً أنه يقع تحت مظلة "الحرام" الكنَسي!.

بعد هذا علمت، من خلال ما يكتبه بعض عناصر الوفد المسافر، أن وفداً صحفياً يتكون من خمسة عشر فرداً سافر إلى "رام الله" وإلى القدس، ووجود ثلاثة أعضاء من مجلس النقابة، جعلني في ريبة من أمري، وعليه فقد طلبت رأي اثنين من النقابيين المخضرمين، هما رجائي الميرغني، ويحيى قلاش، فيما حدث: أليس هو التطبيع المحرم؟.. وجاءت الإجابة سريعة، أنه التطبيع بشحمه ولحمه، وجاء رأيهما تنديداً بما جرى ولهذا الاختراق لقرار الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين، وأتبع يحيى قلاش هذا بمقال وضح فيه الصورة لهؤلاء الذين بدوا غارقين في "ماء البطيخ"، يتحدثون خارج الموضوع، وكأنهم جاءوا بدين جديد!.

وفي لحظات معينة، بدا لي جو النقاش، الذي جرى بين من يقفون على ثغرة من ثغور الوطنية، ومن تم اختراق قرار الجماعة الوطنية بهم، فكاهياً بامتياز!.

لم نكن نعلم بأمر الوفد المسافر، إلا من خلال ما نشره عدد من أعضاء الوفد، ومع هذا جاءت الردود على استنكار ما أقدموا عليه، لتدفع من تصدروا المشهد فيه، إلى إعلان أسفهم على الخذلان، الذي تعرضوا له، وقالت واحدة أنها مصدومة، فبدلاً من تكريمهم يجري تقديمهم فريسة لقوات الاحتلال الإسرائيلي!.

لا أعرف الأهداف الوطنية النبيلة، التي كانت دافعاً للقوم للسفر، ولا أعرف ما حققوه من إنجازات وطنية، تدفعهم إلى انتظار التكريم منا، لكن أثار الضحك الحديث عن أننا كان ينبغي أن ننتظرهم حتى يعودوا إلى أرض الوطن، ولا نشعر الأمن الإسرائيلي بهم!.

بدا المشهد ساخراً، والوفد الذي سافر من أجل تحقيق إنجازات عظيمة في اتجاه قضية الصراع الإسرائيلي، يقدم نفسه على أنه "تسلل" إلى رام الله ومنها إلى القدس، دون أن يشعر الأمن الإسرائيلي بهم، كما لو كانوا في رحلة تنكرية، ولم يعلنوا إلى الآن ما حققوه من إنجازات جبارة، وقد طلبوا منا أن نسكت حتى يعودوا ويعلنوها، وقد عادوا ولم يعلنوها فربما لو وقفنا عليها، لأمكن لنا أن نلتمس العذر لهم، وربما قمنا بتكريمهم على النحو الذي أعلنته عضو الوفد "المصدومة" فينا.

ربما استخسروا فينا أن نقف على هذا الدور الوطني، بيد أنه على الرغم من فضحنا لمن قاموا بالرحلة التنكرية، فإن الأمن الإسرائيلي لم يعلم بأمرهم، ربما لأنه لا يجيد العربية التي كتبنا بها، ولهذا تمكن الوفد المتسلل من أن يصفع هذا الأمن على القفا للمرة الثالثة، الأولى وهو قادم لرام الله من القاهرة، والثانية وهو في طريقه للقدس من رام الله، والثالثة من القدس إلى القاهرة.. يا له من أمن هو عنوان الفشل!.

حديث التسلل جاء بعد أن نفى القوم أن يكونوا قد دنسوا جوازات سفرهم بتأشيرة "دولة إسرائيل" وعندما قيل لهم أن أبو مازن نفسه لا يمكنه أن يدخل أو يخرج إلى رام الله إلا بتأشيرة إسرائيلية، وأن هناك طريقة أخرى هي الحصول على تأشيرة على ورقة منفصلة وهي لا تمنح إلا للعملاء ومن في حكمهم، كان الإسهاب في "حدوتة" التسلل على أطراف الأصابع بالليل والناس نيام!.

مما قيل، أن السفر كان للاحتفال بذكرى وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، قبل تضخيم الدور، ليصبح في حجم اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح، وعرفات لم يمت البارحة، وإذا كان المسافرون ليس لديهم علم بموضوع التطبيع، فأليس من المنطق أن يسألوا أنفسهم عن الموانع التي حالت دون سفر وفود خلال السنوات الست الماضية لإحياء ذكرى عرفات؟!

ما علينا، فعندما علمت بأن اتحاد الصحفيين العرب بالتعاون مع السلطة الفلسطينية هم من وقفوا وراء سفر وفد الصحفيين المصريين، قلت اتضحت الرؤية، ولعل القائمين على الاتحاد، يعلمون أن الاجتماع الأول في "رام الله" كاشف عن أن هناك موانع كانت تحول دون ذلك في الماضي، وقد استغلوا إلهاء الأمة بجراحها، للإقدام على هذه الخطوة، التي تخدم إسرائيل، و"عربون محبة" من السلطة الفلسطينية للكيان الإسرائيلي!.

وعندما نتوصل إلى إجابة على سؤال: لماذا كان الوفد مصرياً فقط، على الرغم من أن الاتحاد إطار جامع للصحفيين العرب جميعاً، سنقف على حجم مشاركة الانقلاب العسكري في مصر في الخيانة لقضايا الأمة، بحثاً عن رضا إسرائيلي يجلب بالتبعية الرضا الأمريكي.

إنها الخيانة وقد أطلت برأسها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق