الأربعاء، 20 نوفمبر 2013

هـل تغضـب من الضفدع لأن لونـه أخضر.. ؟! / سوزان إبراهيم






ثمة فيلم في ثلاثة أجزاء, أو هو فيلم واحد يتناول ثلاث مراحل في حياة رجل وامرأة التقيا مصادفة في قطار, لتبدأ مسيرة عمر مشترك بينهما، جاءت عناوين الأجزاء بالتسلسل التالي: (before sunrise- before sunset- before midnight).
نقطة السحر في هذا الفيلم تنبثق من الحوار عالي المستوى الذي يدور بينهما ويشغل المساحة الأكبر من الأفلام الثلاثة, وينفذ في كثير منه إلى جوهر الفلسفة ومعنى الحياة.‏
جملةٌ مرت في الفيلم- في جزئه الثالث- وهي على بساطتها تشكل برأيي جوهراً هاماً في حياة كل منّا: «هل تغضب من الضفدع لأنه أخضر؟»‏
وُلد كل منّا في مكان وزمان لم يخترهما, وُلد بلون بشرة ولون عينين ولون شعر لم يختره, وّلد لأبوين لم يخترهما, وُلد بين إخوة وأخوات لم يخترهم, وُلد فقيراً أو غنياً ولم يُسأل يوماً عن رغبته في هذا, وُلد لأسرة تتبع لهذه الإثنية أو لهذه الديانة, أو لهذا العرق دون أن يُتخذ لرأيه في المسألة أي اعتبار........ إنها سلسلة من الظروف التي نرثها دون أي فرصة للاختيار أو التعديل أو التغيير فيها, مع ذلك قد يأتي زمنٌ على المرء ويُحاسب فيه على ما لم يختره.‏
جملةٌ أخرى ترد في أغنية وتحمل معنى عميقاً وتقول: مامعنى الدنيا لولا الاختيار!‏
وبين نقاشات لم ولن تنته يوماً حول: هل الإنسان مخيّر أم مسيّر؟ مازلنا ندور ومازلنا غير قادرين على حسم الإجابة بالطبع يشكل الاختيار جوهر الحياة فهو ما يعطي وجود الإنسان معناه, فما الحكمة من عيش كل ما لم أختره.. لماذا أحاسب على أمر لم يكن في أي يوم من الأيام خياري؟!‏
بين التخيير والتسيير تكمن براعة الإنسان, فمن يملك فهماً ووعياً عالياً للحياة والكون يدرك أهمية الاختيار ويعمل على إعادة معايرة وضبط حياته مرة أخرى وفق قناعاته التي تشكلت بعد بحث وخبرة وجهد, وهي بطبيعة الحال سلسلة لا تنتهي من المعايرات والضبط إن كان الإنسان قادراً على تطوير نفسه وتعميق فهمه لسر الحياة, أما الإنسان القدري فهو أكثر ميلاً لإلقاء كل الأعباء على مسألة التسيير والقدرية في الحياة, وقد أقول: هذا شخص كسول اتكالي سقف طموحه واطئ.‏
أغلبية الناس لا تحب الخوض في السياسة- وأنا كذلك- لكن لو فكرنا قليلاً لوجدنا أن الأمر لا ينفصل عن إرادتنا في العيش بطريقة إنسانية, قد لا نرغب بمنصب سياسي, لكن يبدو من المهم الإدراك أن السياسة تدخل في مسألة الاختيار التي نحتاجها لتغيير ظروفنا القدرية التسييرية نحو التخيير أو الاختيار الذي يقود غالباً إلى التجديد ومن ثم التغيير.‏
يرتبط التغيير في حياة الإنسان- كما هو بديهي- بالانقلاب الداخلي لا الخارجي, إنه حركة مستمرة ثائرة في الفكر, وهو لن يجدي صاحبه نفعاً بتغيير مكان الإقامة أو العمل أو اي من ظروف معيشته المحيطة, إذ لابد أن يبدأ من داخله فالتغيير كما أراه نتاج ثورة على الذات قبل أن تكون ثورة على ما حولها..‏
الفكر, والمعتقد, أمران يدخلان في صلب ومحور حياتنا شئنا أم أبينا وهما مترابطان كل الترابط مع مفهوم الحرية, وهنا تتسلل السياسة.‏
البعض يجزم بأن النظام السياسي هو المسؤول عن توفير الظروف المساعدة على ممارسة حرية الفكر التي تؤدي بشكل تلقائي إلى حرية التعبير عن الرأي, وممارسة ذلك علناً دون خوف. حرية التعبير تقود أيضاً وبشكل تلقائي إلى الإبداع والتغيير وإطلاق قدرة العقل على الابتكار والإدهاش.‏
إن مصادرة وخنق محاولات الإنسان الإقدام على ممارسة حقه في الاختيار تؤدي غالباً إلى قيامه ببناء قبو متين وآمن يحمي به اختياره المُصادر خارجياً المتجذر داخلياً, هكذا.. ولهذا تكثر الأوقات التي نعيشها- ربما كلنا- في أقبية ذواتنا.. ويصبح لحيواتنا طوابق سفلية نضطر للعيش فيها إلى ممارسة النفاق, والعيش في طابقين واحد للضيوف والمظاهر, وآخر لكل ما اضطررنا إلى إخفائه فينا, وكما نجمع النقود في حصالة, ستتجمع رغباتنا المُختارة, والتي قد تتحول إلى خزانات خطرة.‏
هل تغضب مني لأنني أنتمي إلى هذا الدين أو ذاك؟ لماذا تغضب وأنا لم أختر أياً منهما!؟ هل تغضب لأنني أختلف معك في الرأي؟ هذا حقك لأنني المسؤول عن خياراتي فالرأي خيار, ولكن لم تغضب.. لم لا تناقش الأمر معي ونتحاور وليس مهماً أن نتوصل إلى رأي واحد في مسائل خلافية لأن الأهم من ذلك أن تتجاور القناعات والآراء فليس من المطلوب أن نكون نسخاً مكررة عن بعضنا بعضاً.‏
لن يتمكن الضفدع يوماً من الانسلاخ عن جلده, فهو محفظة حياته, ووسيلته ربما للبقاء, وهو كذلك يعني قدرته على التأقلم مع البيئة المحيطة. كذلك الإنسان لا يمكنه الانسلاخ عن كل ما ورثه دون اختيار. من هنا يتوجب أن يكون تقييمنا للناس مبنياً- حصراً- على ما يقومون به من خيارات في الحياة.‏
من لم يمارس حرية الاختيار هو شخص معاق بشكل أو بآخر- وهذا ما قد ينطبق بنسبة كبيرة على مسلوبي الإرادة والصوت المهمشين والمغيَّبين- وهنا يأتي - وفق ذلك الرأي - دور النظام السياسي ليجهد في سبيل توفير فرصة أكبر لهؤلاء ليمارسوا حقهم الطبيعي والضروري في الاختيار.‏
ثمة من يجعلك تشعر أنك قمت بالخيار الذي تريد, مع أن ذلك لم يكن حقيقياً كأن يكون خيارك محصوراً بين أمرين أحلاهما مرُّ..!‏
من المؤلم أن ندفع أعمارنا ثمناً لبعض خياراتنا.. ومن المؤلم بنفس الطريقة ربما أن تمضي أعمارنا دون خيارات تحت عنوان القدرية والتسيير والتسليم! بين أن تموت منتصراً لخياراتك وأن تموت ككل المسلوبين ثمة ثمن وربما ألم.‏
لا.. لا يمكنك أن تغضب من الضفدع لأن لونه أخضر فهذا خيار الطبيعة. لا.. لا يمكنك أن تغضب من أي إنسان لأنه ينتمي إلى كل الأشياء التي لم يخترها.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق