الثلاثاء، 19 نوفمبر 2013

روحاني واستراتيجية "قاتل ثم فاوض"


د. عبد العظيم محمود حنفي
باحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية 
عند استعراض الملف النووي الايراني فان المتأمل المحايد لذلك الملف، لابد ان يعود للخبرة التفاوضية الايرانية السابقة للسيد روحاني؛ بعد كشف برنامج ايران النووي السري (اذا كان سلميا فلم السرية ؟!) واشتداد التساؤلات والشكوك والضغوط ، فانه بحلول صيف 2003، قررت إيران أن التدقيق العام المتزايد لأنشطتها النووية يتطلب تدخلاً نشطاً من قبل "المجلس الأعلى للأمن القومي"، الذي ترأسه آنذاك حسن روحاني. وأُنيطت بالمجلس مهمة قيادة اجتماعات منتظمة بين الوكالات والتعامل مع السياسات المرتبطة بالمسألة النووية. وفي غضون ذلك، أصر خامنئي على أن يشغل روحاني المنصب الجديد وهو كبير المفاوضين النوويين، حيث عُهدت إليه مسؤولية ابتكار إطار عمل جديد للدبلوماسية النووية. في ظل رعاية روحاني، قام "المجلس الأعلى للأمن القومي" بتأسيس هيكل هرمي لصنع القرارات النووية، مع لجان على مستويات المدراء والنواب والوزارات. وقد كانت استراتيجية المجلس بسيطة وهي: استغلال الفجوات بين الولايات المتحدة وأوروبا، والحيلولة دون قيامهم بإحالة قضية إيران النووية إلى مجلس الأمن الدولي، والعمل في الوقت ذاته على تعزيز قدرات دورة الوقود النووية الخاصة بالنظام. وكما أكد روحاني في خطاب له أمام "المجلس الأعلى للثورة الثقافية " في عام 2004 قائلاً "بينما كنا نتحدث مع الأوروبيين في طهران، قمنا بتركيب معدات في أجزاء من منشأة (تحويل اليورانيوم) في أصفهان، لكن لا يزال أمامنا طريق طويل جداً لإكمال المشروع. وفي الواقع أنه من خلال خلق بيئة هادئة، تمكنا من إتمام العمل في أصفهان".ويبدو ان المهمة نفسها اوكلت للرجل بعد ان سارت ايران طويلا في برنامجها النووي . فدعوات الرجل للتهدئة هي في اطار استراتيجية قاتل أولا ثم فاوض بعد ذلك. والدليل ما اظهرته التقارير الاخيرة لـ "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" حول إيران، من أن طهران واصلت بناء قدراتها النووية، لاسيما طاقتها على التجاوز المفاجئ لالتزاماتها الواردة في المعاهدات التي أبرمتها، وقدرتها على تطوير سلاح نووي إذا رغبت في ذلك. ومن ثم فان دعوات التهدئة التفاوضية جيدة التوقيت من قبل النظام الايراني لتضليل الدبلوماسيين والسياسيين في الولايات المتحدة، حول نواياه الحقيقية وكان تلهف النظام الايراني على العودة إلى طاولة المحادثات "بروح بناءة وشفافة " يروق لصناع السياسة في الولايات المتحدة، وترى أن هناك تغييراً في المناخ الداخلى الايراني .ان مقاربة روحانى الجديدة شعارات براقة لينة نحو الوصول الى حلول وسط لا تمس مصالحها الرئيسة لا سيما رفض إيران تماما وقف انشطة تخصيب اليورانيوم عند نسبة 20 بالمئة التي تعتبر قريبة جدا من الوصول إلى مادة إنتاج الأسلحة النووية ، والتأكيد على حقها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وفي استخدامها في المجال الطبي. وهذه المقاربة تناسب النمط المألوف والمتبع لدى نظام طهران عبر السنين، والقائم على استراتيجية "قاتل أولا ثم فاوض بعد ذلك". ففترة احمدي نجاد كانت القتال لانجاح وانضاج البرنامج الايراني وحانت فترة المفاوضة هذه هو لب الموضوع ؛ فحتى فترة قريبة كانت ايران تناي بنفسها عن الانخراط في مباحثات جادة مع الولايات المتحدة ، ثم الان يعلنون سعادتهم وغبطتهم لذلك الانخراط مع الاميركيين الذي بدا وكانه نصر مبين لروحاني!ان استراتيجية ايران روحانى هي تنفيذ امين لتوجيهات ايات الله بأمل خداع المجتمع الدولي من خلال تغير تكتيكي. فالنظام الايراني يبدو أكثر ميلا نحو الانفتاح والتبادل لكنه لم يتخل عن التركيز على النهج العسكري للبرنامج النووي .وما التحرشات والاستفزازات والدتخلات الايرانية الفجة في منطقة الشرق الاوسط الا نتاج طبيعي للسياسات الفاشلة التي ظلَّ ينتهجها الغرب بقيادة الادارات الاميركية المتعاقبة تجاه النظام الايراني، فسياسة تقديم العروض والتنازلات غير المشروطة يشجع الايرانيين على ممارسة السياسات الاستفزازية والسلوك غير المسؤول ويستفيد منها النظام والقيادة دون الشعب الايراني الذي يئن. وما الزعم غير الرشيد بان روحانى سيغير من استراتيجية ايران النووية- التى يراها ايات الله الضمان الوحيد لبقاء النظام قابضا على السلطة رغم انف المجتمع الايراني بفئاته وتنوعاته- ما هو الا اماني وتخيلات لا يسندها الواقع. ونعود لمذكرات روحاني نفسه عن تجربته السابقة، فإن "من بين إحدى أكبر المشاكل في (إيران) أن البيئة السياسية الداخلية أحياناً ما تعيقنا عن اتخاذ الإجراءات اللازمة حول قضايا دولية ووطنية مهمة". وتشمل هذه العوائق قيوداً صارمة على الفرع التنفيذي للسلطة وهي معضلة أوضحتها رواية روحاني حول محاولاته إصلاح علاقات إيران العاصفة مع الولايات المتحدة وفي الوقت نفسه إنقاذ المفاوضات النووية من ضغوط "الشجار السياسي والدعاية وغياب علاقات العمل بين المسؤولين الإيرانيين" في الداخل. وعند مناقشة تعليق إيران الطوعي لأنشطة التخصيب أثناء مفاوضات E-3 في الفترة 2003-2005، زعم روحاني أن غياب العلاقات الدبلوماسية للنظام مع واشنطن كان "مشكلة جوهرية" حالت دون حل القضية النووية. فقد تخلى المرشد الأعلى عن المفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة في ذلك الحين، ولم يكن أمام روحاني من خيار سوى السمع والطاعة. ان النهج الاميركي لا يقود الا الى نتيجة واحدة وهي التهيؤ لاستقبال عضو جديد في نادي القوى الذرية .





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق