الجمعة، 8 نوفمبر 2013

في الثقافة والسياسة / د.مصطفى سالم


تدني عدد القراء لا يعني انه كان متصاعدا، لكن المقصود ان نسبة زيادة السكان لم تفصح عن زيادة في عدد القراء.  هذا هو الحال عربيا.
ومع ذلك فالمسألة تتجاوز القراء لتشمل الكٌتاب أيضا.
فهذه الزيادة السكانية تركت بصماتها على القراء والكتاب معا. والمشكلة ان الجميع يتجاهل ان الازمة تتعلق بأن الثقافة لم تعد تدخل في تفاصيلنا.
وسابقا كنا نجد ان المدرسين والمعلمين يؤلفون الكتب، والآن نادرا من يفعل ذلك، ومادمنا نريد نشر الثقافة علينا البدء من المدرسة والمدرس.
وقد كان المدرس يقدم لتلاميذه اجابات عن كل الاسئلة التي تخطر لهم حتى في مجال الفلسفة. واصبح المدرس الان مثل تلاميذه لا يعرف من الثقافة سوى ما يتابعه على الفيس بوك.
وكان الجيل ينظر سابقا للمدرس على انه موسوعة وهو كذلك، وليس من حاجة للمقارنة حاليا حتى وصف أحد المدرسين "النقد" بعبارة عن "حسد وغيرة".
النظام التعليمي الذي يعتمد التلقين والخيارات المحدودة يتناسب مع بنية المجتمع القمعي.
وفي المدراس الحديثة الخاصة في الخليج العربي ودول عربية أخرى  هناك مساحة لتعليم الرقص حتى من قبل المدرسات ولكن لا مجال للثقافة لان الحرية لا تعني الفكر بل الجسد.
وفي كل هذه المدراس  ليس صدفة انه لا يتم تنمية العلاقة بين الطالب والمكتبة.
والفن موقف من الحياة، ولكنه مساحة واسعة والجزء الترفيهي فيه يأتي لاحقا للمو قف من الفن نفسه. 
ومادام الفن ابداعا فلا بد من حرية ولابد من حوار. لكن الحرية والحوار سلطويا غير متاح، لو استخدمها المبدع والمتلقي لموقف سياسي أو ثقافي أو حتى اقتصادي.
التعليم نفسه لدى السلطة ليس قضية مهمة، بل غالبا ما يستخدم كخداع.
و دول عربية تتحدث عن مستوى التعليم والعلاج، والحقيقة معظم جامعاتنا ضعيفة المستوى، والعلاج بيد مواطني أي دولة عربية يفتقد للعناية، ونقابات الأطباء العربية و وزارات الصحة تخفي دوما جرائم الاهمال في العلاج. وحدث ولا حرج عن ذلك في التعليم والعلاج في الأردن مثلا.
ودول الخليج العربي التي غالبا ما تبرز لديها العنصرية ليس بسبب التفوق لا يستطيع مواطنيها 
تقبل انه لولا الوافدين لم تزدهر هذه الدول أي أن الوافدين منحوا هذه الدول فرصة لتشهد إعمارا بنائيا .
 ومع كون السلطات تبدو مبتسمة لانها لا تحتاج لشعب مثقف يزعج  مؤسسة الحكم التي هي غالبا عائلية أو ما يشبه، فانها لا تدرك إن ثورات المثقف بالرغم من انها لم تحدث عربيا إلا انها ستكون اقل دموية، إذ ان  المثقف لن يكون شهيدا من أجل فكرة، أو أمة. 
وإن كانت هناك استثناءات فهي ليست إلا محاولات فردية لم تزد عن عدد اليد.
والشهادة لا تعني دوما الموت من أجل القضية، بل العيش من أجلها. 
إذ الاعتقال والعزل وفقدان المورد كلها من جانب عميق تعني الشهادة.
وعموما المثقف مكروه من السلطة وإن تملق، ليس بسبب الخوف من موقفه، بل لأن الثقافة أمر يتعارض مع السلطة القمعية.
والمثقف يهاجر ليس بسبب القمع الشخصي له فقط، بل لان الثقافة ليست دوما وسيلة مقبولة للتقرب للسلطة.
والازمة ليست بالعقول بل بالانظمة التي تقمع المبادرة. اذ الفضاء الحر يطلق اجنحة الجميع.
وأزمة عدد القراء تتعلق بالمجتمع والنظام معا، ومثلما تزخر السجون بمعتقلي الرأي فأن مكتباتنا تخلو من القراء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق