الأحد، 24 نوفمبر 2013

كم على الأدباء العرب أن ينتظروا حتى تطرق نوبل أبوابهم مجددا ؟



  محمد القصبي

ما أسعده النجاح، له ألف أب، وما أتعسه الفشل، لقيط ومنبوذ !! بعد 25عاما من حصول شيخ الرواية العربية نجيب محفوظ على جائزة نوبل، ثمة من لا يزالون يتنازعون أبوة الحدث الأعظم في تاريخنا الأدبي، وقد لا يكون نزاعا، خاصة في حالتنا تلك، بل الشعور بالفخر، أو ربما كشفا عن حقيقة تغيب عن الكثيرين، وما أعنيه هذا الذي ذكره البروفيسور عطية عامر مؤسس قسم اللغة العربية بجامعة استكهولم، في صحيفة القاهرة عدد الثلاثاء 2 أكتوبر 2012 من أنه ساهم في حصول محفوظ على الجائزة من خلال ترشيحه له عبر مكاتباته للأكاديمية الملكية السويدية، فهل نصدقه ؟
في مذكراته التي نشرت بالعربية في "أبو ظبي" منذ عدة سنوات، يشير دينيس جونسون ديفز إلى أنه خلال زيارة له للقاهرة في سبتمبر عام 1988 ـ وكان وقتها يقيم بفرنسا أو ربما في أسبانيا ـ اتصل به صديق ليقول له إن زوجة السفير الفرنسي في تونس وهي سويدية الجنسية، وكانت في ذلك الوقت تزور بالقاهرة، ترغب في مقابلته، يقول ديفز: "عندما التقينا في "كليوباترا هوتيل" أخبرتني بأن لجنة جائزة نوبل تنظر في احتمال منح الجائزة لأحد الكتَّاب العرب" ومن هذه العبارة نفهم أن عملية اختيار الفائز بالجائزة لا تتكئ على محكات العدالة المطلقة، أي مرشحين من كافة أنحاء الدنيا يجري اختيار الأفضل من بينهم بغض النظر عن أية معايير أخرى إقليمية أو عرقية أو دينية أو سياسية، مما يضرب عرض الحائط بأحد الشروط الصارمة التي سنها ألفريد نوبل نفسه في اختيار المرشحين لجوائزه وهو: أن تمنح الجوائز لمبدعين قدموا للبشرية أفضل ما يمكنها الاستفادة منه خلال السنوات السابقة، وألا يتم التوقف عند جنسية المبدع وانتمائه القومي عند ترشيحه لنيل الجائزة.
ولأن هذا الشرط رغم إلحاح ألفريد نوبل عليه عند تأسيسه لنظام الجائزة لا يؤخذ به في كثير من الأحيان تحت وطأة الدوافع السياسية، فقد أبدى ديفيز استغرابه لما سمعه من زوجة السفير الفرنسي، لاعتقاده ربما أن الجائزة مسيسة، فكيف تمنح للعرب ؟!
ويكشف المترجم الكبير عن أن زوجة الدبلوماسي الفرنسي كانت لديها بالفعل قائمة بمرشحين عرب للجائزة، مثل أدونيس الذي ظل اسمه يتردد سنويا عشية الإعلان عن الفائز بالجائزة منذ ثلاثة عقود، والطيب صالح، ونجيب محفوظ، ويوسف إدريس، إلا أنها كانت تريد المزيد من المرشحين، لذا سألت إن كان لديه أسماء أخرى؟ وحين أجاب ديفيز بالنفي بدآ في نقاش حول أهلية كل اسم للجائزة.
وطبقا لما ذكره ديفز، بدت حظوظ أدونيس قليلة لأن شعره غامض وغير مفهوم للعامة، وثمة سبب آخر لا علاقة له بإبداعه إلا أنه يمكن أن يمثل عقبة أمام حصوله على الجائزة، تغيير اسمه، سلوك قد يثير نفور الكثير من مواطنيه العرب. يوسف إدريس لم يكن أفضل حالا رغم مكانته الرفيعة ككاتب بارز إن لم يكن الأول في كتابة القصة القصيرة في العالم العربي، لكنه يعاني مما يعانيه الكثير من كتاب العالم الثالث، أعماله المترجمة للغات الأوروبية الأكثر شيوعا قليلة، ويبدي ديفز حماسه للطيب صالح، إلا أنه أيضا يعاني من قلة أعماله المترجمة والتي انحصرت في موسم الهجرة إلى الشمال، وعرس الزين وعدد قليل من القصص القصيرة، ومن وجهة نظر ديفيز أنها أعمال قليلة لا تؤهله للمنافسة، لكن هذا لم يمنعه من الاعتراف بأنه سيكون سعيداً، لو حصل الطيب صالح على الجائزة. إلا أنه بدا واضحا أن نجيب محفوظ هو الكاتب الأوفر حظاً في القائمة، ليس فقط لنوعية كتاباته بل للحجم المذهل من الروايات ومجموعات القصص القصيرة التي نشرها على حد قول ديفيز.
لكن ثمة أسئلة تطرح نفسها إن كان ما جاء في مذكرات ديفيز صحيحا، لقد تم هذا اللقاء في شهر سبتمبر 1988، أي قبل الإعلان عن منح نجيب محفوظ الجائزة بأسابيع قليلة، وكما نرى من خلال الحوار أنه لم يكن قد تم الاستقرار على اسم بعينه لتقديمه للجنة نوبل، فهل كانت تلك الفترة المحدودة جدا كافية لأن يقرأ أعضاء اللجنة أعمال محفوظ وغيره من الكتاب العرب المرشحين للجائزة للمفاضلة بينهم؟ ،أم أنه طالما الجائزة ستمنح للعرب، فلتذهب لأكثرهم شهرة وترجمة لأعماله، بغض النظر إن كانت الجودة والتميز تتوافران في هذه الأعمال أم لا، وكفى أعضاء اللجنة إرهاق القراءة!! أم أن أعضاء اللجنة اتخذوا قرارهم بمنح نوبل للعرب، ثم انخرطوا في قراءة أعمال المرشحين للجائزة ممن ينتمون للعربية، وبدأوا في اجراء اتصالاتهم بشخصيات قريبة من العالم العربي مثل السويدية زوجة السفير الفرنسي في تونس والبروفيسور عطية عامر لتوفير مزيد من المعلومات التي تعينهم على اتخاذ قرارهم النهائي! ربما ثمة أسرار تتعلق بخلفيات حصول محفوظ على نوبل، قد لا نعرفها إلا عام 2032،حيث يقضي نظام جوائز نوبل عدم نشر الوثائق الخاصة بالجوائز إلا بعد مرور نصف قرن على منحها.
على أية حال لا يوجد تعارض بين ما قاله ديفيز في مذكراته، وما ذكره عامر في صحيفة القاهرة، وكما أشرت، فربما اتخذت الأكاديمية السويدية قرارها بمنح الجائزة للعرب، وبدأت تطرق أبواب من هم على دراية بالعرب وآدابهم مثل زوجة السفير الفرنسي والبروفيسور عطية عامر، وآخرين لسؤالهم عمن يرونهم جديرين بالجائزة من الكتاب العرب.
العرق أولا !
من خلال ما ورد في مذكرات ديفيز يمكن تخمين عدة أسباب محورية لاختيار الفائزين بالجائزة:
أنه بدءا ـ ورغم أنف ألفريد نوبل ـ لا يتم اختيار اسم كاتب بعينه، بل عرق !! وكما نرى قالت زوجة السفير الفرنسي لديفيز: لجنة الجائزة تنظر في احتمال منح الجائزة لأحد الكتَّاب العرب، وبالتالي لا يمكن الارتكان إلى ما يقوله ستوري ألين سكرتير الأكاديمية الملكية السويدية في أحد حواراته الصحفية أن الجوائز تمنح فقط للجدارة الأدبية ودون انحياز لأي دول أو قارات أو ثقافات أو مجموعات لغوية"
بعد تحديد العرق يتم إعداد قائمة بالمرشحين الذين ينتمون إلى هذا العرق طبقا
لمعيارين رئيسين: غزارة الإنتاج، وكم ما يترجم منه للغات الأوروبية الشائعة كالانجليزية والفرنسية والألمانية والسويدية والأسبانية والبرتغالية والدنماركية، وهي اللغات "المعتمدة" داخل لجنة الاختيار والتي يقرأ بها أعضاؤها أعمال المرشحين، أما لو كان الأديب المرشح يكتب بشكل مباشر بأي من هذه اللغات، فيقينا هذا يزيد من أسهمه في الفوز بالجائزة، لا لشيء إلا لأنه قد يعد من وجهة نظر اللجنة أحد أبناء الثقافة الأوروبية، وهذا ما يبدو جليا عند قراءة تاريخ الجائزة، حيث ثمة حرص على أن تمنح إما لأوروبي أو متأورب، أو غربي بشكل عام.
فمن بين الـ106مرات التي منحت فيها الجائزة ،حصل عليها 94 كاتبا غربيا، أي بمعدل 90% تقريبا، هذا يعني أنه خارج المنظومة الغربية لم يحصل عليها سوى إثنى عشر كاتبا من آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية وبعض هؤلاء الجنوبيين يكتب إما بالانجليزية أو بـ"شقيقتها اللدود" الفرنسية ،! أو بأي من اللغات الأوروبية الشائعة، أي أنه ينتمي ولو لغويا للثقافة الغربية ! وتحديدا لا يزيد عدد من حصلوا عليها من خارج حظيرة تلك الثقافة على أربعة منهم نجيب محفوظ!
فقط الكتابات الأوروبية،! ومنذ عدة سنوات سأل احد الصحفيين المنسق الدائم للأكاديمية السويدية هوراس اينغدال: لماذا تذهب الجائزة في الغالب لكتاب أوروبيين ؟ وتلك كانت اجابة المسئول "الملكي": لأن أعضاء اللجنة التي تختار تنصب قراءتهم حول الكتابات الأوروبية!
أهذا هو العدل الذي شدد عليه ألفريد نوبل عند تأسيس الجائزة ؟ يقينا لا ، فما ذنب كتاب افريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية الذين لم تترجم أعمالهم ليحرموا من الجائزة ! أنهم لا يملكون عيونا زرقاء وبشرة بيضاء!! ،وأظنه ـ ستور ألين ـ حين يقول في حديث صحفي إن الأكاديمية تعمل حالياً على تحسين قدراتها اللغوية فهو يعني اللغات الأوروبية الشائعة عالميا وليس الصينية أو العربية أو اليابانية ، ذلك لأنه يستدرك قائلا في حديث صحفي: من المهم في هذا المنطلق أن يكون هناك ترشيحات من شتى مناطق العالم، وأن يكون لدى المرشحين مؤلفات ترجمت إلى السويدية، أو النرويجية، أو الدنماركية، أو الإنجليزية، أو الفرنسية، أو الألمانية، فماذا لو كان كاتبا مجيدا ينتمي إلى أمة توازي ربع سكان العالم كالأمة الصينية ولا يكتب إلا بلغة شعبه، ولم تترجم أعماله إلى أي لغة أخرى ، ألا يكفي أنه يكتب بلغة يقرأها مليار ونصف المليار من البشر لتنظر الأكاديمية الملكية في استكهولم لأعماله،؟ أم يحرم من نعيم ألفريد نوبل لا لشيء إلا لأن أعضاء اللجنة لا يقرأون الصينية وليس لديهم استعداد لأن يقرأوا بها !!!
ليس ذنب محفوظ
فهل هذا يعني وفي ظل المعايير العرقية والثقافية التي تهيمن إلى حد كبير على قرارات اللجنة ،! أن فرصة الكتاب العرب لاقتناص نوبل خلال السنوات القليلة المقبلة، قليلة ؟ .
عقب إعلان الأكاديمية الملكية السويدية في أكتوبر عام 1988 عن فوز نجيب محفوظ بالجائزة أتذكر ويتذكر معي الكثير ما قاله البعض بأسى: فوز محفوظ أضاع على آخرين من أبناء هذا الجيل فرصة الحصول عليها رغم استحقاقيتهم،!
والمقصود أن لجنة نوبل لن تعاود الالتفات للأدب العربي قبل مرور عدة عقود ،! ولأن الجديرين بها في عالمنا العربي على مشارف السبعين أو تجاوزوها ، فقد يطويهم الموت قبل أن تلحق بهم الجائزة ،! وبالفعل رحل الطيب صالح ويوسف إدريس ومحمود درويش وجبرا وغيرهم ممن يستحقونها دون أن تطرق بابهم !
وطبقا لهذا المنطق، فلو كان طه حسين أو توفيق الحكيم أو اي أديب عربي
آخر حصل على نوبل في ستينيات أو سبعينيات القرن الماضي لتجاوزت الأكاديمية الملكية السويدية اسم نجيب محفوظ ، وما فكر أعضاء اللجنة في أي كاتب عربي ربما لنصف قرن! وهو استنتاج وجيه ، لكن من السخف أن نلقي باللوم على محفوظ ، الرجل لم يفكر أبدا في الجائزة ، ولم يتطلع إليها ، لكنه جدير بها، حتى لو كانت ثمة دوافع سياسية صاحبت تلك الجدارة ، وكونها طرقت بابه ولم تطرق باب أي عربي آخر حتى الآن، فليس ذنب محفوظ ، بل ذنب أعضاء الأكاديمية الملكية التي لا يراعي أعضاء لجانها شرط مؤسس الجائزة ألفريد نوبل بأن تكون الجدارة ، وليست اللغة أو السياسة أو القومية أو العرق الذي ينتمي إليه المرشح المحك الأول والأوحد لمنح الجائزة ، ولو التزمت الأكاديمية بهذا الشرط فالفرصة متاحة أمام ثلاثة مرشحين عرب ، كالعادة الشاعر أدونيس ، ثم الروائية آسيا جبار ، والروائي أمين معلوف، فإن لم تلتزم ، فعلى الأدباء العرب أن ينتظروا ، ربما بضعة عقود ، ذلك أن الجائزة طرقت العام الماضي باب الأديب الصيني مويان ، ولكي تتذكر الأكاديمية الملكية السويدية مجددا أن ثمة أدباء كبارا في الجنوب أمامها ربع قرن ، هذا إن كانت تتمتع بذاكرة قوية ، فإن تذكرت فربما تمنح جائزتها لأي من أدباء إفريقيا أو آسيا أو أميركا الجنوبية ،ليعاود العرب الانتظار ربع قرن آخر !



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق