الثلاثاء، 19 نوفمبر 2013

كيف تصبح مليارديراً ؟ / توجان فيصل



في تقرير دولي عن أعداد وتوزيع المليارديرية، جاء أن في العالم العربي 50 منهم، تتصدّر قائمتهم السعودية تليها الإمارات.. إلخ، وهو أمر متوقع في أغنى الدول النفطية، ولكن أن يكون بين هؤلاء مليارديرية أردنيْان اثنان، فهو ما لا يُفهم بغير كونه فسادًا ماليًا صريحًا، أو ما هو أسوأ: فساد مالي - سياسيّ، بكل تبعات الفساد السياسي .

فقد عرف شعبيًا - وإن لم يجر الاعتراف رسميًا - وجرى تداول أسماء مليارديرية جمعوا ثرواتهم من وراء "وادي عربة" نتيجة صلاتهم "بأولاد عمومتهم" على حساب حقوق ومصالح أخوتهم في الوطن . وهم ذاتهم وبعض غيرهم من استغل حصار إخوته في العراق باحتكار تجارة (وأيضًا تهريب) كل ما يَدخل ويَخرج من العراق بأرباح فاحشة وصولاً لاستغلال الحرب التي شُنّت عليه (موثق بكثافة في تقرير فولكر).

ولكون هؤلاء في غالبيتهم من خلفيات متواضعة، فقد أغراهم المال الهائل الفاسد بالسلطة، فأصبح "الحكم" ما يتنازعونه الآن، وكل مَصائب البلد تشير الصحافة (العارفة بأكثر من طريقة) لكونها احتراب هؤلاء المُستعر بما يُودي بكل فرص الاستقرار ولو على سوء الحال الراهن! .

وكل هؤلاء مليارديرية، حسب قناعة الشعب العارف للتفاصيل في بلد الكل يَعرف فيه الكل، ومَجالس أفراحه وعزائه وأعياده تروى فيها قصص الفساد شهودها العيان.

ولكن الحديث الدولي الصريح الموثق طلع علينا بتحديد اثنين أردنيين بين المليارديرية العرب الخمسين، وهو رقم يفوق كثيرًا حصتنا عربيًا، نسبة للسكان وحدهم، فكيف إن أخذنا باعتبارات أهم مما تعلنه حكوماتنا عن كوننا بلدًا فقيرًا وتنميته متوقفة واقتصادنا "مضروب" بعدة عوامل داخلية وخارجية، فيما هي تستدين وتتسول نصف موازنتنا كل عام؟! وكله مما جرى التعذّر به أيضًا لإفراغ جيوب المواطنين بصورة غير مسبوقة منذ انقضاء عهود الغزو الذي يستحلّ الناس وأموالهم كافة!.

لا مجال لسؤال حكومتنا عن ملياريرية يتداول الشعب أسماءهم، لأن هذا لا يتطلّب فقط البيّنة القطعية بل ويتطلب حماية دولية لا تتاح سوى للاجئ السياسي. ثم إن أغلب البيّنات هي ما لا يتاح للمواطن، لأن أرصدة وأموال وحتى "استثمارات" هؤلاء (فيما يجري تبرير تحليل المحرمات بزعم جذب الإستثمارات) كلها تذهب للخارج، وأغلبها أرصدة سريّة أو موجودات واستثمارات بأسماء شركات ووسائل تغطية أخرى لأسماء المالكين الحقيقيين، تتيح تعمية مواطن العالم الثالث عن حقوقة المسلوبة المتكدّسة لدى كارتيلات العالم الأول .

أي أن الإعلان الدولي عن وجود مليارديرية أردنيين اثنين هو حصيلة تجاوز كل هذه المُعيقات التي تغطي على عشرة أمثالهم. ولكن رقم الاثنين هام، بل وخطير ويلزم الحكومة بإعلان اسميهما، وليس في هذا الإعلان أية إساءة إن كانت أموالهما حلالاً، بل فيه تكريم ووجاهة في بلد أحد أول أمثاله الشعبية المبجلة "صيت الغنى ولا صيت الفقر".. ناهيك عن فوائد اجتماعية أخرى لإعلان الثراء من مثل تيسير زواج الابن أو الابنة في هذا الوقت الذي أصبحت فيه العنوسة للجنسين- نتيجة لتدهور الوضع الاقتصادي - ظاهرة مقلقة في الأردن. فالمثل الشعبي الثاني من حيث الرواج والاتّباع يقول "أخطب لبنتك قبل إبنك"، والدليل القاطع على اتّباعه كما الأمر الإلهي لدى قديس، توزير وتنويب وتعيين الأصهار(ومؤخرًا "الكناين" مع تزايد تعيين النساء لزعم مساواتهن التي يشترطها المانحون) في مناصب أخرى بامتيازات مماثلة، بدرجة باتت لا تعرف معها مقومات العديد من شاغلي الوظائف العليا المستجدين دون معرفة الاسم الرباعي لزوجاتهم .. أو أزواجهن !.

هذا من حيث غياب الضررعن إعلان اسم الملياردير. ولكن يبقى الأهم أن نتيقن من أن ذاك الإثراء لم يُرافقه إضرار بحقوق الوطن والمُواطنين. فحكومة أفلستنا بجبايتها وتتسول باسمنا بل وتستدين بكفالتنا دون استشارتنا، ولا رقابة لنا عليها لأن مجلس النواب المزعوم لا يمثلنا .. حكومة كهذه عليها أن تُعلمنا باسم المليارديرية هذين: أولاً، لنتأكد من شرعيّة أو مجرد "منطقية" إثرائهما. فكون أردنيين اثنين يملكان ما لا يقل عن ملياري دولار(لاستحقاق التسمية ولكن حتمًا في تفاصيل الكشف الدولي هما يَملكان أكثر من هذا بكثير) يعني أنهما يملكان عُشر مديونيتنا. وهذا يؤدي بنا لثانيًا وهي: كم هي الضرائب التي دفعها هذان للخزينة وهما المنتفعان حتمًا من مختلف خدمات الدولة وبناها التحتية؟، إن لم يكن مما هو أبعد من هذا، لنقارن هذا بما يدفعه المواطن ذو الدخل المحدود أو حتى المُعطل عن العمل بفعل سياسات حكومية!

المواطن المُجوّع وحتى المُعرّى وهو على أبواب الشتاء، (زيدت الجمارك على الملابس لأربعة أضعافها)، يريد أن يعرف لمن يدفع من جوعه وعريه، بالمليارات.. أو أقلّه يريد أن يتعلّم من الأساتذة ذوي العلم والسبق كيف يُصبح مليارديرًا !!.







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق