السبت، 23 نوفمبر 2013

جون كينيدي ومشكلة النساء / ناعومي وولف



إن الذكرى الخمسين لاغتيال الرئيس الأمريكي جون ف. كينيدي توفر الفرصة للنظر في تحولات الوعي التي شهدتها الولايات المتحدة في نصف قرن منذ وفاته. وبشكل خاص، ورغم أن كينيدي دخل معبد الأبطال الأمريكيين، فإن البيانات الأخيرة تُظهِر أن النساء بوجه خاص كنّ قد بدأن يفقدن إعجابهن به كزعيم. ولكن لماذا؟

في بعض النواحي، كان إرث كينيدي فيما يتصل بالنساء لا يقل تقدمية عن إرثه فيما يتعلق بالعرق والفقر. وكان من بين التحركات الأصيلة الحالمة مطالبة إليانور روزفلت، وكانت من نصيرات الحركة النسائية لفترة طويلة، بتولي رئاسة اللجنة الرئاسية الأولى المعنية بأحوال النساء. والواقع أن هذه اللجنة، التي تضمنت زعماء سياسيين من الرجال والنساء، كانت بمثابة جهد حقيقي وليس تجميلياً لتقييم التحيز في مكان العمل، والحماية القانونية التي يجب أن تتوفر للنساء، وماذا يمكن القيام به لإنهاء التمييز بين الجنسين ــ وهو المفهوم الذي لم تنشأ له بعد مفردات تناسبه.

والواقع أنه عندما شكل كينيدي هذه اللجنة، كان من الممكن آنذاك استبعاد النساء من هيئات المحلفين، هذا فضلاً عن حرمانهن من وسائل منع الحمل عن طريق الفم والإجهاض، ولم يكن بوسع النساء حتى الحصول على الائتمان بأسمائهن. وفي نفس العام الذي شهد مقتل كينيدي، نشرت بيتي فرايدان كتاب "الغموض المؤنث"، والذي أشعل عاصفة من الجدال حول "المشكلة التي لا اسم لها" استياء النساء إزاء أدوارهن المحدودة. وكان تقرير اللجنة النسائية الأولى المعنية بأحوال النساء، والذي صدر قبل شهر واحد من اغتيال كينيدي، ليصبح علامة فاصلة ونقطة تحول كبرى لولا مقتله.

ولكن رغم موقفه التقدمي، فإن إعادة تقييم النساء الأمريكيّات لمرحلة الستينيات في العموم لم تترك سمعة كينيدي سالمة. فبعد أن كان ذات يوم رمزاً للبطولة وسحر الشخصية والسعي إلى التغلب على مظالم طال أمدها، تضررت سمعة كينيدي بشدة بفعل روايات وشهادات عن العشرات من النساء اللاتي تناوبن على غرف النوم في البيت الأبيض (أو غرف الفنادق عندما كان الرئيس يسافر).

والواقع أن المذكرات المدونة بأيدي بعض هؤلاء النساء -بما في ذلك ميمي الفورد، وكانت متدربة تبلغ من العمر تسعة عشر عاماً في المكتب الصحفي بالبيت الأبيض عندما بدأت علاقة دامت عاماً ونصف العام مع الرئيس- كانت سبباً في تضاؤل الهالة التي أحاطت بكينيدي، إن لم تكن قد أظلمتها تمامًا. وكذلك فعلت التقارير التي تناولت علاقته بمارلين مونرو ومارلين ديتريتش. وهناك نساء آخريات، مثل عشيقته جوديث كامبل، والتي يُقال إنها كانت تقيم علاقات جنسية مع شخصيات من المافيا أيضًا.

منذ ذلك الوقت تآكل شعور الاستحقاق الذي دعم مثل هذا الاستهتار الذكوري، وهي العملية التي تكشفت فصولها على شاشات التلفاز، مثلها في ذلك كمثل الكثير في الثقافة الأمريكية. فالمسلسلات الشعبية، مثل مسلسل "الزوجة الطيبة"، تُظهِر آلام ومعاناة زوجات الساسة اللاتي ينتظر منهن أن يلتزمن الصمت وينتحلن سلوكاً مهذباً في مواجهة معايير سلوكية مزدوجة. وعلى نحو مماثل، يتناول مسلسل "رجل مجنون" خواء ودمار الامتياز الجنسي الذكوري المتفوق في أوائل الستينيات، من خلال عرضه لمجموعة من المديرين التنفيذيين في مجال الإعلان والذين يستهلكون النساء كما يتناولون المقبلات في وقت الغداء.

وقد حدثت عملية إعادة تقييم الامتياز الجنسي الذكوري وانعدام المسؤولية في ستينيات القرن العشرين في مجالات أخرى أيضا، الأمر الذي عزز من تحول صورة كينيدي من الشاب اللعوب الساحر إلى مفترس قهري خطير. ومؤخراً ظهرت في الولايات المتحدة السيرة الذاتية للكاتب نورمان مايلر -الذي اشتهر بمقولته عندماً بدأت الحركات النسائية بأن كل النساء لابد أن يحبسن في أقفاص-، والواقع أن تاريخ مايلر في ملاحقة النساء (وهو أيضاً تزوج ست مرات) يستحق إعادة التقييم بشكل نقدي جاد.

ولعل من الأمور الكاشفة إلى حد كبير أنه مع تضاؤل هالة كينيدي بين النساء كانت سمعة زوجته تتنامى. والواقع أن الأعوام العشرة الأخيرة شهدت ظهور جاكلين كينيدي الجليل الموضوعي كمحررة كتب بارعة -ورمز للمرأة العاملة الحديثة والمهتمة بالحركة النسائية- فحلت هذه الصورة محل صورتها كمضيفة أشبه بالدمية تظهرها كاميرات التلفاز في البيت الأبيض، أو الأرملة المصدومة الحزينة على زوجها وهي ترتدي النقاب الأسود. وقد أضافت المحادثات المسجلة في مارس من عام 1964 مع المؤرخ آرثر شليزنجر، والمصممة بشكل متعمد لتطلع عليها الأجيال القادمة والتي نشرت عام 2011، إلى شهرتها بعد وفاتها.

إن نجم جاكلين كينيدي الصاعد ونجم جون كينيدي الآفل على نحو متزايد -على الأقل عندما يتعلق الأمر بحياته الخاصة والاستخدامات التي كرس لها جاذبيته الشخصية- يعكسان التطور الاجتماعي في أمريكا ذاتها. فالتحول في فهم الأمريكيين للرموز مثل آل كينيدي يسلط الضوء على التغيير -والذي أعتبره نحو الأفضل- الذي طرأ على احتياجات الأمريكيين وقيمهم ورغباتهم فيما يتصل بالنساء والعلاقة بين الجنسين. إن تأسيس كينيدي للجنة النسائية الأولى المعنية بأحوال النساء يوحي بأنه رأى ما هو آت، حتى رغم أنه ظل إلى حد كبير رجلاً متماشياً مع زمنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق