الأحد، 17 نوفمبر 2013

قوة الأفكار / ناظم مهنا


نحن قوم، نعاني ثقافياً من ركود الفكر النقدي، وبأمس الحاجة إلى تنشيط الأفكار في كل المجالات، في قراءة النصوص، وقراءة المجتمع، والتاريخ والجغرافيا والاقتصاد والسياسة والقانون..  
 وأهم آلية في ذلك في اعتقادي هو التأليف والنشر، ويبقى الكتاب هو الطريق الأسمى للمعرفة بعد أن أخفقت الأدوات الأخرى في حمل الرسالة أو انحرفت نحو الترويج والتهريج والإثارة! ولذلك يكون لزاماً علينا أن ننوه بالكتب التي يكتبها كتابنا ويطرحون فيها آراءهم بجرأة وثقة، وليس الأهم أن تكون الأفكار التي تطرح صحيحة أو متوافقة مع أفكارنا، بل الأهم أن تكون آراء جدية قابلة للجدل والمناقشة وإثارة التفكير، وبهذه الطريقة تتسع دائرة الجدل وتنفتح منافذ لخروج الآسن والراكد من الأفكار. ومن هذا المنطلق أحببت أن أنوه بكتاب الناقد السوري الدكتور صلاح الدين يونس الذي حمل عنوان: «النقد بين المثاقفة والمقاربة» ولعل العيب الأكبر في هذا الكتاب، يكمن في الحشد الهائل من الأفكار التي تثقل على القارئ المتعب! ولهذا جاء في مقدمة طيب تيزيني له: «إنه يقدم لوحة غزيرة لألوان من الآراء والنظريات والسجالات حول مسألة النقد الفكري..» بالمجمل يتألف الكتاب من مقدمتين الأولى بعنوان: «مقدمة في عمل جاد» للدكتور تيزيني، والثانية للمؤلف بعنوان: «ثقافة النقد بين خصوصية التجريب وعمومية التنظير» وهي بمنزلة توطئة للدخول في الكتاب المتشكل من فصول ثلاثة، تحتوي على عدة عناوين، هي:النقد من المفارقة إلى المقاربة، النقد والنقد البديل/ تعايش الأضداد، استراتيجية الرؤية بين المحلي والعالمي. في البداية يفصل الناقد بروح أكاديمية بين المنهج النقدي بوصفه ظاهرة أيديولوجية، وبين عملية النقد نفسها بوصفها ظاهرة ابستمولوجية (معرفية) وبناء على هذا الفصل يقدم نقده الابستمولوجي للخطاب النقدي العربي، وعلاقة التشابك بينه وبين الخطاب النقدي الأعم أو المركزي (الغربي) ويرى أن النقد بوصفه ظاهرة من ظواهر المثاقفة، يمكن أن يؤسس بثقافة نوعية منتزعة من الأصيل القومي ومن الوافد الأممي. والنقد، كما يرى الدكتور، ظاهرة مركبة من الداخل والخارج، من الأصيل والدخيل، ومن الأدبي والثقافي والأيديولوجي، والمعرفي، ويتطلب لفهم هذه الظاهرة المركبة والمتشابكة، تفكيكها إلى عناصرها ومكوناتها، لكشف سياقاتها الداخلية وخطوطها الظاهرة والخفية. وهذا التشابك يمكن أن يشكل مشهداً ثقافياً متكاملاً واعياً لذاته وواعياً لغيره يمكن أن يواجه الفوضى والانفلات، وضمن هذه الصيرورة يزداد مناعة وأصالة. ويشير، بعين الناقد، إلى المخاض الثقافي العربي منذ القرن الهجري الأول إلى ما بعد هزيمة 1967 وكيف نشأ مفهوم المثاقفة، وكيف تجدول المخاض في الظاهرة الأدبية على هيئة مناهج نقدية، وكل منهج هو معبر غربي على الشرق وله تجلياته في ثقافتنا العربية المعاصرة، وأهم هذه المناهج: الواقعي، الماركسي، النفسي، البنيوي.. وحول أطروحة الحداثة هل هي انقطاع أم تواصل؟ أدخلنا الدكتور يونس في إجابة طويلة ومتشعبة، ما كانت تحتاج إلى كل هذا التقعير، ويلحظ المؤلف هنا أن الثقافة العربية منذ العقد الأخير من القرن العشرين تشهد تحديات من النظام العالمي الجديد، ولكن الثقافة العربية لم تكن بمستوى التحديات لأمرين: الأول، يتعلق بالتراث والتعبير عنه والاختلاف على امتلاكه بين السلفية الدينية والخصوصية القومية. والثاني، يتعلق بمشروع الحداثة ومشروعيتها التي لم تستطع أن تنجز آفاقها إلا عبر النخب التي عملت بجهود فردية على توطين ثقافة الآخر دون أن تنجز في القاعدة المجتمعية أساساً لتقبلها. نظريات عديدة في الثقافة يعرضها ويناقشها ويتقصى تأثيراتها في ثقافتنا، وكثيرة وكثيفة الأفكار المطروحة في هذا الكتاب وهي تستحق أن تثير الجدل الواسع، فالكتاب كتاب فكر ونقد ومن سوء الحظ أنه أتى في زمن انعدام القراءة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق