الأربعاء، 27 نوفمبر 2013

الجيش الأمريكي يكتشف افريقيا



أندرو بيسفتش 
ترجمة قاسم مكي - عن لوس انجلوس تايمز 
لقد ظلت إفريقيا دائما في أسفل قائمة أولويات الجيش الأمريكي. ولكن يبدو أن ذلك الوضع يتغير الآن. فكما  ذكر إيريك شميدت مؤخرا في نيويورك تايمز “يستعد الآن آلاف الجنود الذين كانوا يتجهون فيما مضى إلى العراق أو أفغانستان لأداء مهام في إفريقيا.” وقبل أن يقطعوا شوطا طويلا في استعدادهم هذا فلربما يرغب الأمريكان في طرح أسئلة قليلة. ومن أهم هذه الأسئلة: لماذا هذا التحول الفجائي في الأولويات؟ وما هو الهدف؟ ومن هو الذي سيستفيد من ذلك؟ وماهي المخاطر التي ستترتب على عسكرة السياسة الأمريكية في إفريقيا؟.
إن الجيش الأمريكي خصوصا (من بين مختلف أسلحة القوات المسلحة)  ينجذب إلى فكرة تمدد الوجود العسكري الأمريكي في إفريقيا.
وكما لاحظ شميدت فإن الجيش “يتطلع إلى مهام جديدة حول العالم” مع خروج القوات الأمريكية من العراق ومغادرتها أفغانستان عما قريب حسبما هو مقرر. وبالنسبة لقادة الجيش فإن إفريقيا تعني فرصة لإثبات أهميتهم في وقت تفقد فيه الولايات المتحدة قدرا كبيرا من شهيتها في إرسال جنودها لغزو واحتلال البلدان الأخرى. وهكذا صارت لدينا قيادة الجيش الأمريكي في إفريقيا (يوساراف) والتي تشكل إضافة إلى قائمة البنتاجون التي تضم قيادات عسكرية تتزايد باستمرار. وبدا يقينا أن مهمة هذه القيادة التي توصف بأنها “أول فريق عسكري أمريكي لخدمة التغيير الإيجابي في افريقيا” يعوزها البريق وأنها طموحة على نحو لاينبئ بخير. فقيادة (يوساراف) تعزز من جهة ” قدرات القوات البرية  للدول الإفريقية والمنظمات الإقليمية”. كما أنها من جهة أخرى “تتصرف بحسم لتأسيس بيئة آمنة إلى جانب حماية مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة.”ويأمل المرء أن تُخصَّص الأولوية لإتمام النصف الأول من هذه المهمة (تدريب الجنود الأفارقة  وتزويدهم بالمعدات ) قبل تنفيذ نصفها الثاني. ولكن مثل هذه الجهود غالبا ما ستمهد السبيل للقيام ” بتصرف حاسم”. وهذا تعبير مهذب يُقصد به “شن الحرب.” دعونا  نتخلى عن العبارات المهذبة ونقول إن هذا مثال  كلاسيكي لوضع تحل فيه المصالح البيروقراطية ليس فقط محلَّ الحسابات الاستراتيجية بل أيضا الحس السليم كأساس لوضع السياسات. وبالنسبة للقوات البحرية والجوية( الأمريكية) فإن سياسة أوباما التي رُوِّجَ لها بشدة تحت اسم “الانعطاف” نحو شرق آسيا تبدو أشبه بفرصة بعثت بها العناية الإلهية. فالتصدي للتهديد المفترض  من الصين الصاعدة ينطوي على وعد بالإبقاء على  القوات المسلحة الأمريكية في حالة انشغال(ووفرة في المخصصات المالية) لعقود قادمة. ولكن باستثناء الاستئناف المحتمل للحرب الكورية التي ظلت في حالة كمون لفترة طويلة فمن الصعب تصور سيناريوهات آسيوية تستلزم تولي قوات الجيش مهاما واسعة النطاق هناك. لذلك  فإن مدَّ ” الحرب الدولية على الإرهاب”  إلى قلب إفريقيا يسمح للجيش الأمريكي باتخاذ ” انعطافته” الخاصة به. مبدئيا، فإن بعثات عسكرية صغيرة فقط ستذهب إلى إفريقيا. وهذا يتسق مع تجانس الجيش مع ما أسماه ” أثر القدم الخفيف” الذي اكتشفه مؤخرا. وعلى الرغم من أن البعثات العسكرية ستتشكل من جنود مقاتلين إلا أن غرضها لن يكون القتال ولكن التدريب. فهي ستساعد في إيجاد قوات محلية كفؤة وموثوقة سياسيا. ولاشك أن جهود الولايات المتحدة  لترقية القدرات العسكرية الإفريقية ستثمر فرصا لتسويق الأسلحة الأمريكية. وهذه منفعة ثانوية لاتغيب عن بال مورِّدِي المعدات الدفاعية بالولايات المتحدة. ثمة مشكلتان على الأقل هنا. أولاهما أن سجلِّ القوات المسلحة الأمريكية فيما يخص بناء القوات الأجنبية يشكل مزيجا من الإيجاب والسلب في أحسن الأحوال. ففي العراق مثلا عَانَى البنتاجون لعدة أعوام في إعادة بناء الجيش العراقي بعد حماقة حَلِّه في عام 2003 . وقد سمح ذلك المجهود في النهاية لقوات الولايات المتحدة بمغادرة العراق. ولكن وكما تشير الهجمات اليومية للمتمردين التي تعيث خرابا في بغداد والمدن الأخرى فمن الواضح أن “جيشنا” العراقي غير قادر على الحفاظ ولو على أدنى حد معقول من الأمن الداخلي. وإذا كان ذلك يُعَدُّ نجاحا فمن الصعب تخيل كيف يبدو الفشل. وفي مصر عملت الولايات المتحدة لعقود من أجل غرس مبدأ الحكم المدني وسط الجيش المصري. ولكنَّ هذا العام حين رأى كبارُ الضباط أن الحكومة المنتخبة ديمقراطيا تتصرف على نحو يخالف هواهم دبَّروا إنقلابا على الفور وأطاحوا بها. ثم عقب ذلك قمع الجنود في قسوة المواطنين ممن تجرَّأوا على الاعتراض.  وفي الأثناء اتضح أن نفوذ البنتاجون على الجنرالات المصريين يساوي صفرا. وربما أن الأسوأ من منظور الولايات المتحدة هو تحوُّل (أو تحوُّر) البعثات العسكرية  التي تتشكل (في البداية) من عدد متواضع من الجنود  إلى قوات كبيرة . فحين لاتمضي الأمور بطريقة صحيحة يكون لدى واشنطن ميل تلقائي لرفع الرهان.إذ سيعني وقوعُ خسائر قليلة خلق انطباعٍ بوجود رهانات كبيرة  وزعما بأنَّ صدقيةَ الولايات المتحدة على المحك وإصرارا من الصقور بأن تغيير مسار الأمور يستلزمُ وجود” أحذية ثقيلة في الميدان.” ولكيلا يكون ذلك إشارة مبتذلة (من جهتنا) للتصرفات التصعيدية التي أنتجت حربَ فيتنام دعونا نتفحص كلمات اللواء حينها بيرك جاريت الذي تولى قيادة (يوساراف) حتى عام 2010. فقد ذكر أن (يوساراف) ربما تبدو صغيرة في حدِّ ذاتها ” ولكننا نمثل جيشا من مليون جندي ( في الخدمة أو الحراسة أو الاحتياط). ويمكننا إرسالهم إلى إفريقيا.” إن لدى إفريقيااحتياجات عديدة. ومن المشكوك فيه أنها تحتاج إلى أن تبعث لها الولايات المتحدة بمليون جندي أمريكي. وإذا كانت واشنطن تريد تشجيع ” التغيير الإيجابي” في إفريقيا فربما يكون تدريب مليون مدرِّس إفريقي أكثر فائدة. إن جهود بناء جيوش أجنبية يرتكز ضمنا على افتراض رغبة الشعوب” المتخلفة” في التعلم على يد أمريكا وأنها ستستفيد منها يقينا. لكن هذا الإدعاء الأبوي الذي يزيد قليلا عن أن يكون تحديثا  لمفهوم “عبء الرجل الأبيض” يستحق مراجعة نقدية. ومن الواجب حقا التخلي عنه باعتباره زائفا ووخيما في  الوقت نفسه. فهو سيىء للإفارقة وسيىء لنا.

* الكاتب أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية بجامعة بوسطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق