الخميس، 16 يناير 2014

مخاطر الحروب الأثنية في عصر العولمة! / عبدالله بن علي العليان


لعل أبرز هذه الأحداث التي وقعت في العقد الماضي، احتلال أفغانستان والعراق من قبل الولايات المتحدة وحلفائها بدعوى مقاومة الإرهاب ومقاومة نزعة التوجه لامتلاك أسلحة الدمار الشامل! مع عدم صحة هذه الأقوال وتأكد عدم صدقيتها.
عندما برزت أطروحات اقتصاديات السوق المنفتحة على التجارة الدولية، كانت أبرز مقولاتها أن العالم سيصبح أكثر اندماجاً وتوافقاً بحكم الثورة المعلوماتية الهائلة. وستكون هناك اختصارات للمسافات الجغرافية والزمانية وحتى الجوانب الثقافية ستشهد تقارباً كبيراً بين كافة شعوب العالم بفضل هذا الجديد المقتحم بعد الحروب والتوترات والتوجسات من الانفتاح الاقتصادي!
وعلى الرغم من التوجس والتخوف من ظاهرة العولمة المقبلة على الدول الأقل نمواً، إلا أن البعض اعتقد أن هذا التقارب والاندماج من خلال الحصول على تقنيات ووسائل العلم الحديث، سيبعد شبح الحروب السياسية، والصراعات الدولية كالتي شهدها العالم أثناء الحرب الباردة والتي انتهت بتلاشي الاتحاد السوفييتي القوة المضادة للولايات المتحدة، وسيكون هناك توجه للتنمية الاقتصادية. فما أن بدأت مظاهر العولمة وتوابعها من خلال منظمة التجارة العالمية والاتفاقيات الثنائية حول حرية التجارة والتبادل الحر للسلع بين دول العالم.. إلا وشهد العالم انفجار الحروب والاحتلالات والعنف والإرهاب يحتاج العالم وبصورة لم يشهدها حتى الحروب الباردة إذا ما استثنينا بعض الحروب التي جاءت لاختبار أسلحة الدول الكبرى من خلال تحريك الدول الصغرى وإثارتها على بعضها البعض، أو غيرها من الأسباب الدافعة لهذه الحروب.
ولعل أبرز هذه الأحداث التي وقعت في العقد الماضي، احتلال أفغانستان والعراق من قبل الولايات المتحدة وحلفائها بدعوى مقاومة الإرهاب ومقاومة نزعة التوجه لامتلاك أسلحة الدمار الشامل! مع عدم صحة هذه الأقوال وتأكد عدم صدقيتها.
فلماذا هذا التناقض الصارخ بين دعوات الاندماج العالمي والتوحد الجغرافي والزماني، وهذا الشره للحروب والدمار والأحقاد وعودة العقليات الطائفية والأثنية وتغذيتها وتشجيعها على الظهور والبروز في النظام السياسي لبعض الدول.
الحقيقة أن المرء يستغرب هذا الذي يجري في عالم اليوم في الوقت الذي يفترض أن تتفاعل العلاقات الدولية وتزداد تجانساً ـ كما أشرنا ـ وتتجه إلى التعاون والتقارب ونبذ العنف والهيمنة، وغير ذلك من الجوانب. وهذا يخالف ما تسعى إليه الدول التي صدرت العولمة وأرادت لها أن تسعى ـ كما يقول الدكتور محمد سعدي ـ إلى إيجاد مزيد من الارتباط والتداخل بين مختلف مناطق العالم وإلى تكريس الاعتماد المتبادل بحيث أصبحت كل أجزاء المعمورة تتواصل وتتفاعل فيما بينها. ويمكن أن نقول إنه إذا كان الإنسان قد ظل يعيش على هذا الكوكب منذ ملايين السنين، فإنه لم يستطع إلا خلال العقود الأخيرة أن يعيش ويحقق خطوات مهمة نحو المجتمع ـ العالم والاقتصاد ـ العالم بالمعنى الحقيقي للاصطلاح. فقد بدأ الحديث اليوم عن مجتمع يتشكل فوق المجتمعات المحلية ويتحرر من الانتماءات والروابط اللغوية والقومية والثقافية والجغرافية، للاندماج في مجتمع عالمي تقني منسجم. وإذا كان العالم بالغ التعقيد من حيث بناه السياسية، والاقتصادية، والثقافية والاجتماعية، فإن التطور الذي يعرفه يرسخ  فكرة تحول العالم إلى (قرية كونية صغيرة). ولقد تقّوت تيارات العولمة بفعل تفكك الاتحاد السوفييتي وسقوط جدار برلين وأنظمة الحزب الواحد وانتشار اقتصادات السوق ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان في كل بقاع العالم.
إن كل هذه الأقوال الجميلة والآراء الرائعة عن العولمة وآثارها تلغيها الحروب والصراعات الراهنة، وتشجيع الطوائف والأقليات، وتفرز ما يعرف بـ(الانكماش) على الذات والتقوقع على الأقلية الضيقة بدلاً من النظرة الواسعة للأمور والانفتاح على الآخر المختلف. ناهيك عن آثار هذه الحروب ونتائجها على المجتمع والبيئة والتعليم والثقافة وظهور جماعات وطوائف تحارب الوافد القائم سواءً كان اقتصادياً أو سياسياً لأن الحروب والدماء توجد عالماً جديدا لا ينظر إلا من خلال ما يعتقده ويراه موافقاً لأفكاره وتطلعاته الفكرية والسياسية.
إن دعاوى العولمة وتوابعها الأخرى لن تجد القبول المأمول مع مرور الزمن، والسبب أن الحروب تناقض ما يقال عنها تماماً، حتى قضية الديمقراطية وهي وسيلة من الوسائل الناجحة في عالم اليوم عند البعض أصبحت مرفوضة وسيئة السمعة، لأنها جاءت مع الحرب والانتهاك لآدمية الإنسان وحقوقه الإنسانية. وبدلاً من أن تجعله أكثر تحضراً، أصبح أكثر تخلفاً على كافة الأصعدة وهذا ما جعل مانويل كاستسيلس يقول (إننا نعيش حركة انطواء على القيم الأساسية التي لا تقبل التفاوض ولا الذوبان في التدفقات العالمية من الرساميل والمعلومات. إلهي، ثقافتي، أمتي، أثنيتي، مدينتي، حيي، كل هذه الأشياء توجد رضينا أم كرهنا. يمكن إعادة تنظيم الحياة والعثور على أشكال جديدة من العلاقات مع هذا العالم الذي أصبح منفلتاً من المراقبة والتنبؤ، وذلك بفضل تلك الخنادق المرتبطة بالهوية التي تثير الطمأنينة وتحمل قليلاً من الدفء الإنساني).
وهذا يجري الآن بسبب الصراع الأيديولوجي القائم والحروب الاستباقية أو نشر الفوضى الخلاقة كما يدعون، مع أنها لم تنشر إلا للهدم والقتل والطائفية البغيضة وزيادة التطرف والعنف وغيرها من المشكلات الظاهرة أو الخافتة.
فمقولة أن الاندماج في عولمة الاقتصاد، سوف توحد العالم كذبة كبرى لا أساس لها، لأنها لا تستطيع فرض القيم العولمية مع وجود الهيمنة والحروب والتهميش الذي يزرع الحقد والكراهية في هذه القرية الكونية.
وفي اعتقادنا أن العولمة لن تنجح عالمياً ولا الحروب الاستباقية كذلك في إرساء قيم معينة في مقابل تعدديات حضارية وأفكار وقيم هنا وهناك، لأن الفرض والإلحاق سيفشل حتماً لأنه لم يأت اختياراً في أجواء مفتوحة، بل في ظل عقلية فوقية ويغرس بعد ذلك قناعاته الخاصة مع تهميش الخصوصيات والفضاءات الثقافية الخاصة وإقصاء هذا التنوع الكبير الذي عاشته أمم وحضارات عبر القرون، ولن تتقدم أو تتحضر شعوب العالم إلا بالتنوع والتعدد واحترام العالم له والقبول بثقافته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق