الأحد، 19 يناير 2014

عام عودة السياسة الأمريكية إلى الشرق الأوسط / جيديون راشمان




لقد مارست سياسة انعطاف شخصي نحو آسيا (2013) من خلال عدة رحلات منفصلة أخذتني إلى كوريا الجنوبية واليابان وفيتنام والصين(مرتين). وبالتأكيد فقد كان يوجد الكثير الذي يمكن الكتابة عنه هناك مثل القيادة الجديدة في الصين وسياسة آبي الاقتصادية (آبينوميكس) في اليابان والمواجهة الصينية اليابانية والتوترات النووية في شبه الجزيرة الكورية. ولكن في أكثر من مناسبة وجدت نفسي جالسا في غرفة فندق في شرق آسيا لكي أكتب فقط عن الشرق الأوسط. إن الانشغال عمَا (هو أمامنا) بالأخبار العاجلة التي ترد من الشرق الأوسط  ليس فقط رذيلة صحفية ولكنه أيضا معضلة تواجه السياسة الخارجية الأمريكية. فأمريكا ملتزمة نظريا بسياسة (انعطاف) نحو آسيا. وهو انعطاف يضع الشؤون الآسيوية في مركز انشغالات السياسة الخارجية للولايات المتحدة. أما من الناحية العملية، فكما شرح لي مسؤول أمريكي مؤخرا، فإن «وظيفة البيت الأبيض هي إدارة الأزمات. وفي السياسة الخارجية فإن 90% من الأزمات في الشرق الأوسط.» وذلك كان صحيحا بالتأكيد في عام 2013 مع الحرب الأهلية في سوريا والتغيير العسكري للحكم في مصر وبداية المفاوضات النووية الجادة مع إيران. لقد عززت السنة الكاملة التي قضاها جون كيري وزيرا للخارجية من سياسة عودة أمريكا الى الشرق الأوسط ( ارتدادا عن انعطافتها الآسيوية). وفي اجتماع مبكر مع فريقه الجديد كان قد جرى إخطار كيري بأن هيلري كلنتون التي سبقته في المنصب قد اختارت أن تبعث برسالة من خلال جعل أول زيارة لها كوزيرة للخارجية الى آسيا. واقترح الفريق بأدب أن يفعل كيري نفس الشيء. ولكن الرجل الجديد لم يفعل.
وأوضح دون لبس أنه ينوي التركيز على الأولويات الأكثر تقليدية للسياسة الخارجية الأمريكية. أي عملية السلام في الشرق الأوسط. واتباعا لتقليد العديد من أسلافه الأعلام (من هنري كيسنجر وإلى مادلين أولبرايت) مضى كيري على الدرب الذي يقود إلى القدس بحثا عن (الوصفة السحرية لإحلال) السلام بين إسرائيل والفلسطنيين. وسجل وزير الخارجية الأمريكي عددا كبيرا من الزيارات الى المنطقة بحيث صار الآن يتحدث متندرا عن « ذهابه وعودته من دوامه اليومي في الأرض المقدسة.» لقد كان اختيار كيري لأولوياته مفاجئا لاعتبارين. فهذا الاختيار لايشكل فقط تغليبا للشرق الأوسط على آسيا بل يمثل أيضا هوسا بعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية وليس بالمشاكل السياسية والإنسانية التي يمكن الاحتجاج بأنها أكثر إلحاحا مثل النزاع السوري الذي قضى على أكثر من 100 ألف نفس والاضطرابات العنيفة في مصر والتوترات التي تسبب فيها البرنامج النووي الإيراني. وفي الواقع ومع تقدم العام صار كيري عميق الانشغال  بكل هذه القضايا فيما كان يشدد الضغط على الإسرائيليين والفلسطينيين.
ومع كل هذا الوقت والاهتمام الذي ينصب على الشرق الأوسط كان ينبغي التخلي عن شيء ما.. لقد كان ذلك الشيء سياسة أوباما التي كثر التباهي بها. أي سياسة الانعطاف نحو آسيا. لقد جاءت اللحظة الرمزية (للتخلي عن هذه السياسة) في أكتوبر حين أخلف الرئيس (أوباما) وعده بحضور قمة التعاون الاقتصادي الآسيوي الباسفيكي. وفي غياب الرئيس الأمريكي كان شي جين بينج، الرئيس الجديد للصين، الشخصية ذات الحضور المهيمن (في القمة.) وفي الحقيقة فإن ما أقنع أوباما بأنه ليس بمستطاعه مغادرة واشنطن (الى آسيا) كان أزمة داخلية ( الانسداد حول الموازنة الأمريكية.) ولكن الرسالة التي تم استلامها في آسيا هي أن انعطافة أمريكا انتهت قبل أن تبدأ حقا. ولكن فيما تواجه إدارة أوباما نقدا قاسيا في آسيا لنكوصها إلى الشرق الأوسط توصل العديدون من صانعي السياسات في المنطقة نفسها إلى نتيجة مناقضة لذلك. وقرروا أن الولايات المتحدة عاقدة العزم على الرحيل من الشرق الأوسط. إن انسحاب الولايات المتحدة من العراق وأفغانستان يقلل دون شك من الوجود العسكري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط الكبير.
وفي الأثناء زادت طريقة التعامل الأمريكي مع القضيتين السورية والإيرانية من شكوك أولئك الذين يرتابون في ضعف الالتزام الأمريكي في المنطقة. ويرى السعوديون والإسرائيليون أن اللهفة الأمريكية في عقد صفقة مع إيران توحي برغبة تنحصر فقط على غسل يديها من الموضوع النووي. وعلى نحو شبيه بذلك فقد تم تفسير التردد الأمريكي في استخدام القوة في سوريا باعتباره ضعفا. وللمفارقة ففي حين يتزايد الاستهزاء بالحديث عن «انعطافة» السياسة الخارجية الأمريكية نحو آسيا في آسيا نفسها الا أنه يعامل بجدية في الشرق الأوسط. وينظر الى ارتفاع مستوى إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة كآخر دليل يستوفي «الأدلة الكافية» على أن أمريكا قد يستهويها الخروج من الشرق الأوسط. ويقول مسؤولون في إدارة أوباما:إن كل هذا الحديث حول « انسحاب» أمريكي من الشرق الأوسط عبث.
ويحاجج أحدهم قائلا « إننا ننسحب فقط إذا كان معيارك للوجود العادي هناك يعني  انتشار 40 الف جندي في العراق وخوض حرب أخرى في أفغانستان. وبأي معيار عادي آخر فإننا موجودون بقوة.» وفي الجدل الدائر بين من يقولون أن أمريكا لاتزال تبالغ في انشغالها بالشرق الأوسط وأولئك الذين يقولون إنها تنسحب بأسرع مما يلزم فإن اولئك الذين يؤكدون على استمرار عمق الانشغال الأمريكي بالمنطقة يقفون على أرض أقوى صلابة. وسواء كان الأمر يتعلق بالمفاوضات النووية مع إيران أو بالمسألة الإسرائيلية الفلسطينية أو الشؤون الداخلية لمصر أو الأمن في الخليج فإن الولايات المتحدة لاتزال منهمكة حتى «مرفقيها» في القضايا الشرق أوسطية. وفي الحقيقة فإن الفكرة الأصلية لأولئك الذين دعوا إلى إعادة توجيه مشاغل السياسة الخارجية الأمريكية نحو آسيا لاتزال صائبة. فشرق وجنوب آسيا معا يشكلان أكثر من نصف سكان العالم.
وهما في قلب الاقتصاد الدولي. كما أن النفوذ السياسي والاستراتيجي ينساب أيضا إلى الصين والهند وجيرانهما. لذلك يبقى غريبا أن ينفق صانعو السياسة الأمريكية 90% من وقتهم وهم يتشاكسون حول الشرق الأوسط الذي يبلغ عدد سكانه بما في ذلك إيران وتركيا حوالي ثلث سكان الصين وحدها. وإذا كان شرق آسيا خاليا من المتاعب أو أن مشاكله يمكن وضعها جانبا (في أمان) أثناء انشغال المسؤولين الأمريكيين بالعالم العربي فسيكون ذلك شيئا آخر. ولكن اليابان والصين أقرب إلى أن تتنازعا فيما بينهما الآن قياسا بعدة أعوام مضت. وإذا وصل هذان العملاقان إلى نقطة الصدام في العام القادم فقد يندم المسؤولون الأمريكيون على حقيقة أن أمريكا في عام 2013 ارتدَت (بسياستها الخارجية) مرة أخرى إلى الشرق الأوسط .
ترجمة قاسم مكي  عن الفاينانشال تايمز 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق