الثلاثاء، 14 يناير 2014

السيسي يقفز للمجهول! / سليم عزوز



"من سبق أكل النبق"!.

هكذا تصرف الفريق عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع في مصر، عندما أعلن استعداده خوض الانتخابات الرئاسية، إذا طلب منه الشعب ذلك، وإذا حصل على تفويض من القوات المسلحة!.

السيسي، قطع الطريق على دوائر الانقلاب الإقليمية والدولية، التي رأت أن الرجل قد انتهت مهمته بما قام به، من انقلاب على الرئيس المنتخب، وليس تراجعها عن تأييده، مرده إلى عداء القوى الخارجية له، باعتباره يقود حركة التحرر الوطني في "المحروسة" على النحو الذي يوحي به أنصاره، فالشاهد أنه لم يكن قائد الانقلاب، ولكنه كان "مقاول" هذا الانقلاب، "من الباطن"، ولعل اللافت أن إسرائيل هي التي تدفع واشنطن إلى الآن من أجل تأييده رئيساً، كما جرى تأييده منقلباً على الرئيس الذي رقّاه رتبتين عسكريتين وجعله وزيراً للدفاع بدون مطلب من المؤسسة العسكرية.

لم يكن لدى "المقاول" الرسمي للانقلاب، إقليمياً وغربياً، مانع في أن يصبح السيسي رئيساً لمصر، فهو تتوفر فيه المواصفات العالمية للرئيس التابع، ما يجعله الأفضل، إذا اعتبرنا أن الرئيس ينبغي أن يحقق المصالح الأمريكية في المنطقة وأن يحافظ على المصالح الإسرائيلية، كما ينبغي أن يحافظ على مصالح دول عربية بعينها، هي التي رعت هذا الانقلاب وأنفقت عليه. لكن تبدو المشكلة في أن هذه المصالح لن تتحقق إلا في ظل حالة من الاستقرار، وقد تأكد للجميع أن وجود السيسي في المشهد لن يكون جالباً له، ولو بعد الاستفتاء على الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية، فقد ينقذ الاستفتاء والانتخابات سمعة حلفائه في البيت الأبيض بالشكل الديمقراطي الذي تحقق، لكن هذا الشكل لن يهضمه المصريون الرافضون للانقلاب وبالتالي لن يتحقق الاستقرار المنشود.

الإدارة الأمريكية قلبها ميت، وهي لا تأس على الحب العذري، وبالتالي فإن الفريق السيسي بالنسبة لها فعَل ما يستطيع فعله، وليس لديه ما يقدمه، لاسيما وأن المطلوب هو تحقيق الاستقرار الآن وهو استقرار يراد له أن يكون على قواعد نظام مبارك، فيكون الإخوان جزءاً من المشهد، وليس المشهد كله. وليس في قدرة الإخوان، أن يدخلوا أي تفاوض مع سلطة على رأسها السيسي، لأن هذا سيجعلهم يحكمون على أنفسهم بالإعدام، وعلى الجماعة بالخروج من التاريخ، لأن الشارع الثوري الآن هو الذي يقود حركة الرفض، ولم يعد هو الشارع الذي ينتظر إشارة من القائد الميداني فيهتف، أو ينصرف.

العاطفة ربما تحكم أداء الدوائر العربية، وهي صاحبة الرأي القائل: فليستمر السيسي وزيراً للدفاع ويلفت نظراً عن فكرة الترشح لرئاسة الجمهورية، وهذا أخف الضررين، لاسيما وأن منصب وزير الدفاع بات محصناً، ومن يشغله سيستمر فيه ثماني سنوات.

فاتورة السيسي رئيساً مرتفعة، ولا قبل لدول الخليج كافة على دفعها، والسيسي طلب من دوائر الانقلاب عربياً 120 مليار دولار، لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في الأمد المنظور، كما لو كانت المليارات يعثرون عليها يومياً على شاطئ الخليج، وعندما سَمِع تململاً، قال إنه يحتاج 30 مليار دولار بشكل عاجل، قبل أن تفلت الأمور من يديه!.

حسبما تردد، فإن الدول الخليجية المؤيدة للانقلاب، والمحرضة عليه، اتفقت على تقديم 13 مليار دولار، "أول عن آخر"، وأن الذي دخل خزينة الدولة بالفعل هو 40 في المئة من هذا المبلغ، والباقي حين ميسرة.

البلدان الممولة للانقلاب، وجدت نفسها في بئر جاذب للأموال، ليس له من قرار، فكان قولها لابد لمصر من أن تعتمد على نفسها، وهذا هو المستحيل بعينه!

فالثورة المستمرة في الشارع، لن تمكن جماعة الانقلاب من أن ينجحوا إن كانت لديهم رغبة في النجاح، أو تصور لهذا النجاح، وإن كان كل ما سمعناه من خطط وبرامج للفريق السيسي وغاية تصوره لحل الأزمة الاقتصادية، يتمثل في رفع الدعم، لتباع السلعة بثمنها، ولا دور للدولة، التي يراد لها أن تكون " سوبر ماركت" كبيراً.

فلا خطط للنهوض الاقتصادي لدى الانقلابيين، وهم لم يفكروا بالأمر من كل جوانبه، فقد كان كل ما يشغلهم هو إسقاط الرئيس المنتخب، وتقديم مصر بعد الربيع العربي على أنها دولة فاشلة، فتكون رداً على الذين يريدون للثورات العربية أن تصل إلي بيوتهم، وهناك بعد آخر ولا شك، وهو الخاص بأن الرئيس مرسي دخل في "عش الدبابير" بسعيه لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، وأن تصنع مصر سلاحها ودواءها، والمباح لنا بعد كامب ديفيد أن تكون صناعة "المكرونة"، و"المراوح" هما ما تنتجه المصانع الحربية!.

الثورة تعوق أي أمل في الخروج من الانهيار الاقتصادي، وتوقف مصر بالتالي عن أن تمد يدها للدوائر الإقليمية المهتمة بإنجاح الانقلاب، وفي لقاء تلفزيوني قلت لو أن بلدا اهتم بتوفير إفطار يومي للمصريين، مكون من "فول" فقط لأفلس هذا البلد، وإن كان يعمل في تزوير العملة، وتزييف أوراق البنكنوت.

ولهذا كله، بحثت دوائر الانقلاب عن بدائل مناسبة، فوقع الاختيار في البداية على الدكتور محمد البرادعي، وإعادة تدويره، وعلى الفريق سامي عنان، حدث هذا في وقت واحد، أما البرادعي فقد عاد لمصر ولم يجد أحداً في استقباله فأيقنوا أن زمانه قد ولى، وعليه عاد مرة أخرى إلى النمسا.

لقد أعلن الفريق سامي عنان خوضه للانتخابات الرئاسية، وليس هو بالشخص الذي يمكنه أن يغامر بهذا القرار، لاسيما وأنه بمجرد أن أعلن قراره استبيح على نحو لافت، وتطاول عليه "غلمان الانقلاب" في فضائيات الثورة المضادة، وجرى الحديث عن فساده!.

لقد أخبرني زميل، أنه دُعيَ لكي يكون ضمن حملة الدعاية للفريق عنان، ثم تلقى اتصالاً هاتفياً يعتذر له لأن الفريق جاءته دعوة للسفر للمملكة العربية السعودية، وفي الحرم استقبله زميل كان هناك للعمرة بسؤال واضح حول إن كان مستمراً في قراره؟.. فقال له بثقة: طبعاً.

وهناك الفريق شفيق الذي يجد ترشيحه هوى إماراتياً، والإمارات قالت أكثر من مرة أنها تتمنى أن يستمر السيسي وزيراً للدفاع، مرة على لسان ضاحي خلفان، والأخيرة على لسان الشيخ محمد بن راشد!.

في ورشة عمل شاركت فيها مؤخراً، قلت إنني مؤمن بأن الانقلاب قد فشل، لكني أتخوف من إعادة تدويره، بتحميل السيسي كل الاتهامات من قتل المتظاهرين، إلى الانقلاب على الرئيس، ونجد أنفسنا أمام مرشح من دوائر الانقلاب يكون خلافنا معه سياسياً، على العكس من السيسي الذي يقوم خلافنا معه وفق نصوص القانون الجنائي!.

قلت إنني على يقين، من أننا سننجح في إفشال المخطط الجديد جماهيرياً، لكن الدوائر الغربية ستحتاج إلى ستة شهور أخرى لتعلم أن الثورة المصرية لن تقبل بأقل من عودة الشرعية.

لكن ها هو السيسي، يبدو قاطعاً للطريق أمام هؤلاء، فيدفع بالشعب وبالجيش أيضاً ليكون في المواجهة، ليكون كلامه لهم إن الشعب يريدني وكذلك الجيش!.

القصة لم تتم فصولاً، ومؤكد أن السيسي لو استمر في قراره بالترشح سيفقد دوائر الانقلاب المؤيدة له، وسيكون مطالباً بأن يتحمل مسؤولية الانهيار الاقتصادي بمفرده، ولن يجد بطبيعة الحال من يدافع عنه باعتباره مجرد وزير وأن من يحكم مصر الآن هو الرئيس عدلي منصور ومعه حازم الببلاوي.

السيسي يقفز خطوة للأمام، دون أن يعلم أنها قفزة في المجهول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق