الثلاثاء، 14 يناير 2014

فنجان قهوة .. وسؤال / توجان فيصل




تجربتنا قبل قرن مع "لورنس" الذي قبلنا "استعرابه" لغياب حقائق كثيرة عنا، ثم مع "غلوب" الذي فرض علينا بقوة محور الحلفاء المنتصر في حرب عالمية لا أقل، لحين توحد الشعب الأردني في رفض قيادته لجيشنا، ما جعل الملك حسين يعزله مستبقا "الضباط الأحرار" في الجيش الأردني.. التجربتان الممتدتان لنصف قرن أوجدتا حساسية خاصة لدى الأردنيين توظف مرارا لتصوير الشعب كعدو أعمى لكل ما هو غربي بغض النظر عن متطلبات السياسة من علاقات دبوماسية مع العالم وقواه الكبرى. وحتمية تلك العلاقات توجب أن "يُعمل عليها" بفعل سياسي واع ممثل للشعب ومصالحه، فالبديل الجاري هو عمل بتعليمات تلك القوى عبر وكلائها في حكومات غير منتخبة.

لهذا لا ندين كما فعل الإخوان المسلمون (كعادتهم في محاولة إثبات الوجود بالتركيز على الشكليات حين يجري التفريط الرسمي في الأساسيات) تقديم أردنيين المنسف للسفير الأمريكي ومشاركته في حلقة دبكة، فهذا يفهم من باب إكرام الضيف في العادات والتقاليد الأردنية، لا أكثر ولا أقل. وليس أدل على التزام الأردنيين بواجب "الضيافة " من أن "الجاهة" ترفض شرب قهوة المضيف لحين تلبية طلبها.. ولكن لا جاهة معتبرة تسير في طلب جائر أو مهين. فيما من يأتي لمناطقنا أو بيوتنا في عمل محايد، ويرفض شرب قهوة صاحب المكان يكون إهانة في عرفنا.. أما الوليمة فيقدّر رفضها بأي عذر كونها قد تعرض رغم خلو البيت من الطعام !

نصدّق أن السفير يحب المنسف، خالصا لوجه شهيته، فمن لا يحبون المنسف ندرة. وربما مثلها رغبته في الدبكة، فلطالما شاركًنا السواح دبكاتنا، فقدمنا لهم الطعام أو الشراب إن كانت الدبكة في حفل. بل ونزيد على هذا بالترحيب بمتابعة السفير للمشاريع التي تمولها حكومته كما نرحب بمتابعة دول الخليج للمشاريع التي تمولها. فالأخيرة كشفت الحكومة حين لم تصرف مخصصات مشاريع تنموية سيؤدي صرفها لوصول الدفعة التالية وصولا لكامل الخمسة مليارات دولار الموعودة.. هذا فيما الحكومة تتسول معونات وحتى قروض لا تُراقب، ما يجعلنا لا نؤيد المتابعة فقط بل نشترطها، لأن عدم المتابعة يعني أن المعونة أتت على حسابنا لغرض جرى تلبيته سرا وعلى حسابنا ثانية !

وأيضا نقبل قول السفير، في تبرير جولاته أن الأردن ليس عمان أو غرب عمان، فمشكلتنا هي في زعم حلقة الحكم المتمترسة في غرب عمان أنها هي الأردن وأمنها أمنه ورفاهها رفاهه.. وحتى انصياعها انصياعه. ولافت أن الحكومة هي من يعترض على الجولات الميدانية أو العلاقات الاجتماعية للسفراء إن أثمرت تعاطفا مع الحراك ونقدا لمزاعم الإصلاح الرسمي.. ولكن تلك الحساسية الرسمية لا تطال، لحينه، هذا السفير الأمريكي، كما أوضح كاتب أردني مجازفا بتعرضه "لبعض" التحسس الشعبي الصادق، وللكثير من زعمه من قبل محتكري الوصاية علينا.

وأقل ما يتوجب علينا في هذا الظرف الخطير بالذات، ألا يترك الشعب تمثيله "لناصر جودة"، العابر للحكومات بما يوازي وراثة المنصب لأنه يعترف أنه لا يقوم بمهمته ضمن حصة وزراته من "الولاية العامة" للحكومة، وأنه فقط "يتابع تنفيذ" قرارات الملك، واعترافه هذا يتضمن أنه لا يقدر على المهمة.. ولا نقبل حتما بتمثيل عبد الله النسور لنا في حين هو لم يعد يمثل نفسه خارج مصلحته الفجة المتقزمة لـ"متابعة تنفيذ" مصالح غيره ممن لا يريدون ربط أسمائهم بما يجري. وحتما لا يمثلنا وزير"التخطيط والتعاون الدولي" إبراهيم سيف، كما لم يمثلنا من تولوا تلك الوزارة من قبل، بل إن الشعب يطالب بمحاسبتهم !

وعيب "الدبكة " حقيقة،أنها جاءت بعد توقيع الوزير سيف مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية اتفاقية بقيمة 140 مليون دولار، تنفق على مدى خمس سنوات على "دعم سيادة القانون في الأردن" إضافة لأمور أخرى ستأخذ حصة من هذا المبلغ حتما ليضيع دم "سيادة القانون" بين القبائل (استعارة لتثقيف السفير بمدلولاتنا التراثية).

وبما تبقى من حيز المقال بعد نفض مثيرات التحسّس، نوجه بضعة أسئلة رئيسية مباشرة لسعادة السفير (تمريرا من فوق رأس جودة): هل سيادة القانون غائبة ويمكن أن تبقى كذلك لخمس سنوات، لأن الحكومة ينقصها 140 مليون دولار (28 مليونًا سنويا)، أم أن نهب المليارات يلزمه تحديدًا غياب سيادة القانون؟ وهل يُصنف ك "قانون" يفترض احترام سيادته ما لم يأت من مجالس تشريعية منتخبة كّلها من الشعب بنزاهة؟ وهل سيادة القانون تسمح ببقاء "محكمة أمن الدولة" (التي لا يعترف نظامكم القضائي بشرعية أحكامها) لتحاكم مدنيين إصلاحيين وتبرئ أو "تكيّف" محاكمات الفاسدين الثابت نهبهم (باعتراف الدولة ذاتها في بعض الحالات) لمئات الملايين وحتى المليارات؟!

أسئلة ليست سفسطائية، بل تتطلب الرد!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق