الأربعاء، 1 يناير 2014

تسريبات السيسي.. هل أفادته حقاً! / سليم عزوز




فجأة وبدون مقدّمات، طالعتنا وكالة "أسوشيتد برس"، بتقرير يُفيد بأنّ التسريبات الخاصّة بالفريق عبدالفتاح السيسي أفادته، ولم تُقلل من شعبيّته، وعلى نحو يُمكن لمن قرأ هذا التقرير، أن ينتظر أن يُعيد التلفزيون المصري الرسمي، إعادة بثّ هذه التسريبات من جديد، لعموم الفائدة، قبل أن يقف على أنّ ما ذكره هذا التقرير يأتي على قاعدة: " يا عوازل فلفلوا"، وهو يستهدف التقليل من حجم طلقة الرصاص التي استقرّت في قلب شعبيّة وزير الدفاع المصري، فأسقطت عنه الهيبة والأسطورة!.

أعلم أن البعض لا يزال مصاباً بعقدة الخواجة، وهي عقدة ترسّخت في هذا المضمار قديماً، عندما كنّا نضع أذاننا على سماعات الراديو، لنستمع إلى أخبارنا الداخلية عبر "هنا لندن"، و " صوت أميركا"، وكما لو كانت " المصداقية" هي بالجزم حليف إعلام " الخواجات"، ولهذا كان النظام في عهد مبارك، يدفع ملايين الجنيهات لنشر إعلانات تسجيليّة في صحف أجنبيّة مقدّرة، ليُعيد نشرها في وسائل الإعلام الداخليّة، ليستقرّ في وجدان المواطن المصري، حجم الجهد الذي يبذله أهل الحكم من أجل إسعاده، وهو جهد مقدّر غربيّاً، وإن لم يشعر به المواطن المصري فهو ولا شكّ، له علاقة وثيقة بخلل في إنزيمات السعادة لدى المواطن، الذي درج على النكد، فلا يُولد المصري إلا توأماً، هو والنكد، في " طلقة واحدة".

ليس خافياً على المراقب أن عمليّة الاحتواء، قد تمّت للإعلام الذي يعمل في القاهرة، بعد الانقلاب، فلم نعد نُفرّق بين تقرير لوكالة أنباء بحجم "رويترز"، أو وكالة أنباء الشرق الأوسط التابعة للسلطة المصريّة، وفي هذه الأجواء الغريبة، يُصبح مضحكاً، عندما نسمع عن مديرة لأحد مكاتب الصحف المصريّة بالقاهرة، عندما تدخل مكتبها في صباح كل يوم، بوصلة سباب في مرسي والإخوان، في صالة المكتب، وهي رسالة للعسس، الذين ربّما ليس لهم وجود، ولكنه أخذاً بالأحوط، ويكون المشهد اليومي المتكرّر مفتعلاً، وبلا سياق طبيعي، وبشكل يُوحي كما لو كان محمد مرسي هو طليقها، الذي "دوّخها" في المحاكم!.

لست متابعاً لتقارير "أسوشيتد برس"، لكن مثلي لا يُمكنه أن يُسلم بنتائج هذا التقرير الخاص بأنّ شعبيّة الفريق أول عبدالفتاح السيسي لم تتأثر بفعل التسريبات، التي نالت من شعبيّته، غير المبرّرة من وجهة نظري، فقد نجح الإعلام في أن يخلق منه أسطورة، انتهت بفعل هذه التسريبات، التي وضعته في حجمه الحقيقي، وهو أنه ليس أكثر من قائد جند متمرّد، رأى فيما يرى النائم أنه سيُصبح رئيساً، فأخذ الوطن كله رهينة لتحقيق هذه "المنامات" غير الواقعيّة فما أدرانا فربّما كانت كوابيس وأضغاث أحلام!.

تذكرون بطبيعة الحال عمليّة تسويق السيسي، على أنه جمال عبدالناصر، وأنه ديجول، وتذكرون ما قاله أديب بحجم علاء الأسواني، لكاتب بحجم روبرت فيسك، إن السيسي هو أعظم قائد عسكري بعد أيزنهاور؟.. وأعتقد أن علاء لو قال الآن ما قاله في بداية الانقلاب، لمثل حالة من المسخرة بفضل هذه التسريبات، هذا ناهيك عن تقديم السيسي على عبدالناصر أو ما شابه!.

في السياسة إذا أردت أن تحطّ من قدر إنسان، وجّه له الإهانات الشخصيّة، بشكل يُنزله من أعين العامّة، وما الحكم إلاّ هيبة؟!، وهذا ما فهمه إعلام الثورة المضادّة، فعمل على إسقاط هيبة الرئيس محمد مرسي لتمهيد الأجواء لإسقاط حكمه، فأيّ تصرّف منه يكون عرضة للسخرية ليلة كاملة عبر فضائيّات الفلول، وفي برامج "التوك شو" التي يُقدّمها من صنعهم نظام مبارك على عينه، وفكر جمال مبارك في استخدامهم في تسويق عمليّة التوريث، عندما تدقّ ساعة العمل.

ينظر مرسي في ساعته، وهو في مؤتمر صحفي، وفي تصرّف يحدث كثيرًا من غيره، فنظلّ ليلة كاملة في حالة هجاء للرئيس، الذي أساء لمقام الرئاسة، ولموقع الرئيس وباعتبار أن من شرّف الموقع هو حسني مبارك!

ويخطب الرئيس فيسخرون منه، ويُصلّي فتكون صلاته سبباً في وصلة سخرية ممتدّة، يُهدّد فيسخرون، ويحتوي فيسخرون، على النحو الذي حدث في أزمة سد النهضة، وكنّا أمام حرب إبادة إعلاميّة بمعنى الكلمة، وبعد أن نجحوا في ذلك انتقلوا خطوة أخرى إلى القول: "مصر كبيرة عليك"، وهي الدعاية المضادّة التي استثمروها في تدشين زعامة الفريق السيسي، باعتباره هو القادر على شغل الفراغ الذي تركه مبارك، كما لو أنّ مبارك كان زعيماً حقاً، ومن عجب أن من ردّد هذا الكلام كالبغبغاء، الذي عقله في أذنيه، هم من كانوا ينتمون للثورة، وكأنهم قادمون من البيوتات الكبيرة!.

مع أنّ مبارك قزّم مصر، وقزّم موقع الرئاسة، ولم يكن أكثر من عميل يعمل لصالح من يدفع له بشكل شخصي، فلم يكن مشغولاً لا بتاريخ ولا بجغرافيا، وثمن ما فعله من أجل أن تكون مصر تابعة ذليلة، كان يروي في بعض الدول العربية بتفاصيل الوقائع، في حملة السخرية من المصريين!.

السيسي، لم يكن سوى اختيار من قبل اثنين، حسني مبارك الذي رقاه إلى درجة اللواء، وجعله رئيساً للمخابرات الحربية، وهو ليس ابن هذا الجهاز للعلم، فقد جلبه من جهاز آخر، وانظر إلى خيارات مبارك كلها، لتعلم أنه عندما يختار أحداً فإن هذا ليس لمؤهلات إيجابية، وقد كان حسني مبارك لديه "عقدة نفسية" تجاه أي إنسان، يحترم نفسه، ولا تمثل "الفلوس" ثمناً له.

الثاني، الذي نفخ في السيسي من روحه، كان هو الرئيس محمد مرسي الذي رقاه من لواء إلى فريق، ثمّ إلى فريق أوّل وعيّنه وزيراً للدفاع، ومن عجب أن كثيرين يرفضون مبارك وخياراته ومرسي وخياراته، ثم ينظرون إلى السيسي بمعزل عمّن اختاره ودفع به ليتخطى الرقاب.

عسكريّاً، فإن السيسي لم يدخل معركة حربيّة، ولهذا كان المدهش هو مطالبة البعض بترقيته لرتبة الفريق، وهي رتبة تعطى على اسم حرب بعينها خاضها من مُنحت له، اللهم إلاّ إذا كان مجزرة رابعة والنهضة، مواقع حربية كبرى في نظر هؤلاء.

الهجوم على الرئيس مرسي استهدف تشويهه والحطّ من قدره، وجاءت هذه التسريبات لتُؤدّي نفس الغرض، فأنزلت السيسي من مقام الأسطورة، فإذا بالمأخوذين به، يقفون على أنه ليس أكثر من شخص حلم بالسلطة، وسعى لها سعيها، وهو مؤمن بأنه الرئيس القادم استناداً على " منامات" رآها، وأخذ الوطن كله معه في تحقيق هذه " المنامات".

فلم يكن هو سوار الذهب الذي دفعته ثورة الشعب، لأن يخون قسمه للرئيس جعفر النميري الذي اختاره وزيراً للدفاع، فتصرّف على أن الضرورة تُقدّر بقدرها، فاستجاب لثورة الشعب وتولى الحكم، ثمّ سلم السلطة إلى الشعب في أقرب انتخابات، لم يخضها ولكنه أشرف عليها، وحرص على نزاهتها، وغادر وقد دخل التاريخ من وسع أبوابه.

التسريبات أسقطت عن السيسي ورقة التوت التي تستر العورات، ليُفاجأ المعجبون به أن خليفة عبدالناصر، الذي يرى السادات في منامه، لم يقل أبداً ما يمثله عبدالناصر له من قيمة، وكل خصوم عبدالناصر هم من يُساندونه في انقلابه، فالغرب الإمبريالي، ومن يُمثلون الرجعيّة محليّاً، وهكذا "عشنا وشفنا" هذه الرجعيّة كما كان يُطلق عليها عبدالناصر والناصريون، تساند خليفة عبدالناصر.. لكن هل قال السيسي إنه خليفة عبدالناصر؟!

التسريبات أثبت أن السيسي، ليس له أدنى صلة بمشروع عبدالناصر، فهو منحاز لذات الأفكار التي كانت تحكم أداء وزارة المالية في عهد يوسف بطرس غالي، وهو أن الخدمة بثمنها، وأن أنبوبة البوتاجاز ينبغي أن يرتفع سعرها من ثلاثة جنيهات إلى سبعين جنيهاً، وفكرته هي اختفاء الدور الاجتماعي للدولة، لتظهر الدولة المتوحشة.

ويلاحظ أن هذه التسريبات الفاضحة هي في الجملة، فقرات لم تُنشر من مقابلة صحفية مع رئيس تحرير جريدة " المصري اليوم"، وفيها بدا السيسي أنه يُريد أن يُؤمّن موقعه، فإذا لم يُحالفه الحظ رئيساً، فلا بدّ من أن يتضمّن الدستور ما يفيد إعادته وزيراً للدفاع!.

ولو كان في هذا ما يفيده شعبيّاً، ما تمّ حجبه عن النشر، وما قامت أزمة للتضليل في البداية بأنّ هذه التسريبات ملفقة، قبل أن يُحملوا على الاعتراف بأنّ هناك من قام بالسطو على التسجيلات وبيعها، وهو ما يجري التحقيق فيه نقابيّاً من خلال نقابة الصحفيين، وجنائيّاً أمام النيابة العامة.

لا بأس يا وكالة " أسوشيتدبرس" فليقم التلفزيون المصري بإعادة بثّ التسريبات، حتى يحظى الفريق السيسي بشعبيّة ربّما تُؤهّله لرتبة المشير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق