الأربعاء، 1 يناير 2014

العولمة لم تمت بل في بدايتها / مايكل شومان



ترجمة قاسم مكي  عن مجلة تايم 

في وقتٍ ما كانت العولمةُ تعني ببساطة تصديرَ الثقافة الغربية إلى باقي العالم. ولكن (باقي) العالم يقلب الطاولة الآن. ثمة أحاديث كثيرة هذه الأيام فحواها أن العولمة ماتت. ويبدو أن العديد من العوامل التي كانت تدفع بالعولمة إلى الأمام لم تعد تملك قوة الدفع الكافية. فنمو التجارة الذي فاق في سرعته منذ فترة توسعَ الاقتصاد العالمي تباطأَ في الأعوام الأخيرة.. وتوقفت لعدة أعوام مفاوضاتُ صياغةِ اتفاقٍ جديدٍ للتجارة الجديدة (جولة الدوحة عبر منظمة التجارة العالمية). وتُحدث تحولاتُ التقنية تغييراً في طبيعة الصناعة يُقنعُ بعضَ الشركات الأمريكية بتقصير خطوط الإمداد بل وحتى إعادة العمليات التصنيعية من وراء البحار إلى أمريكا مرة أخرى وجَعْل الإنتاج أكثر محلية وأقل عولمة. ولكن ينبغي تجاهل مثبطي الهمم. إن العولمة حية وفي أتمِّ عافية. فالبيت الأبيض مثلا منخرط في اندفاعة متجددة نحو التجارة الحرة من خلال عقد اتفاقيات مقترحة مع الاتحاد الأوروبي ومجموعة من البلدان الآسيوية والأمريكية اللاتينية تحت مظلة الشراكة الباسيفيكية. ولكن الأهم من ذلك أن العولمة تشهد تحولاً بطرائق مفتاحية. فهي تنسج في الوقت الراهن مجتمعاً عالمياً أكثر من أي وقت مضى. لقد كانت العولمة في الماضي طريقا باتجاه واحد إلى حد كبير. وهو طريق يقود من العالم المتقدم إلى العالم النامي. فالمال والتقنية كانا ينسابان من الولايات المتحدة وأوروبا إلى الصين والهند والبلدان المنخفضة الدخل الأخرى، ويدفعان بها إلى (أحضان) النظام التجاري الدولي. وتلك كانت نفس العملية التي تتم بها عولمة الأفكار (الديمقراطية والرأسمالية والماركسية) وأيضا الثقافة (الموسيقى الشعبية وشبكة التواصل الاجتماعي وأفلام هوليوود). إن الروابط التي تصل بين البلدان الصاعدة قليلة كما أن تأثيرها محدود على السياسة والمال الدوليين. ولكن الآن يحوِّل صعودُ الصين والهند واقتصادات صاعدة أخرى العولمةَ القديمة ذات الاتجاه الواحد إلى عولمةٍ جديدة متعددة الأطراف وحيوية. وهي عولمة تترتب عنها نتائج كبيرة على الطريقة التي يعمل بها عالمنا. دعونا نلقي نظرة على ما يحدث في الاقتصاد العالمي هذه الأيام. لقد كان سكان الصين والهند واندونيسيا بأعدادهم الضخمة يشاركون في اقتصاد العالم كعمال. وكانوا يحوزون على نفوذ اقتصادي ضئيل. ولكنهم لم يعودوا كذلك. فأكثر من نصف البشرية يعيش الآن في جنوب وشرق آسيا. وصار المستهلكون الصينيون والهنود أكثر المستهلكين المرغوبين في العالم. وتشهد التجارة الدولية تَحَوُّلاً نتيجةٍ لذلك. فمثلاً عدد السيارات التي تبيعها شركة جنرال موتورز في الصين يزيد عن تلك التي تبيعها في أمريكا . ويتم طهي مقادير من دجاج كينتاكي للصينيين أكثر من تلك المقادير التي تُعَدُّ لاستهلاك الأمريكان. وتجهد الفنادق ووكالات السفر نفسها من باريس وحتى بالي لخدمة السياح الصينيين والهنود.. كما إفتتحت بيوتات الأزياء الشهيرة متاجرَ مترفة وكبرى في آسيا التي تستعد للتحول الي سوق لأكثر من نصف السلع الفاخرة في العالم خلال الأعوام العشرة القادمة. كما صارت شركات الأسواق الصاعدة تحظى بنفس أهمية الشركات العالمية الكبرى. فأكبر شركة منافسة لشركة أبل ليست أوروبية أو حتى يابانية ولكنها سامسونج الكورية الجنوبية. وشركة هواويي الصينية هي الآن القوة الجديدة في مجال الاتصالات. وتتحول الآن الشركات القادمة من البلدان الصاعدة إلى مؤسسات عالمية أكثر أهمية في مجال الاستثمار وإيجاد الوظائف أيضا. فشركة شوانغو لتصنيع لحوم الخنازير تشتري شركة سميثفيلد الأمريكية وشركة فورد تتخلى عن فولفو لشركة جيلي الصينية وجاجوار لشركة تاتا الهندية. كما أن شركات مثل لينوفو الصينية وويبرو الهندية هي شركات متعددة الجنسية حقا تتولى توظيف أناس من مختلف أنحاء العالم. والأهم من ذلك أن الأسواق الصاعدة تترابط فيما بينها بطرائق لم تحدث أبداً من قبل. ففي الماضي كانت التجارة الدولية تنحو إلى الانسياب بين البلدان الفقيرة والغنية. ولكن ذلك الواقع شهد تغيرا دراميا الآن. فبحسب بنك التنمية الآسيوي اتجه حوالي 56% تقريباً من صادرات آسيا إلى أسواق آسيوية في عام 2012 مقارنة بنسبة 41.6% في عام 1990.. وفي عام 1995 كانت قيمة إجمالي التجارة بين الصين والهند اقل من 1,1 بليون دولار. ولكنها في عام 2012 ارتفعت إلى ما يقرب من 69 بليون دولار. وخلال نفس الفترة الزمنية، زاد إجمالي التجارة بين الصين وروسيا من أقل من 5.5 بليون دولار إلى أكثر من 88 بليون دولار. وتفشت ظاهرة اتفاقيات التجارة الحرة بين الاقتصادات الصاعدة في الأعوام الأخيرة، خصوصا داخل آسيا. كما لم تعد السياسة الدولية والمال الدولي تحت هيمنة قلة قليلة من البلدان القوية. فمجموعة الثماني حلت محلها مجموعة العشرين باعتبارها المنبر الرئيسي للحوار الدولي. وقد أتاح ذلك صوتاً أكبر لبلدان مثل تركيا وجنوب إفريقيا والبرازيل. وتوظفُ دولةُ قطر الصغيرة سطوتها المالية لتعزيز نفوذها في جيوبوليتيكا الشرق الأوسط. ووفقا لمسح أجري مؤخراً بواسطة بنك التسويات الدولية فقد دخلت عملة اليوان الصينية قائمة أكبر عشر عملات يتم تداولها لأول مرة. وعلى نحو مماثل فإن عولمة الثقافة تتزايد باطراد كذلك. فكيف يمكنك، بِغَيْرِ ذلك، تفسير رقص تلامذة مدرسة (ناطقة بالإنجليزية) في ضواحي بوسطن على إيقاع أغنية (باللغة الكورية) يؤديها مغنٍّ اسمه سِي؟ أو أن يذهب شبان في سياتل أو دينفر (بالولايات المتحدة) إلى مهرجانات الرسوم المتحركة(اليابانية) في سياراتهم الهيونداي (الكورية) ثم يتجاذبوا أطراف الحديث عنها لاحقا وهم يتناولون طبق ديم سوم (الصيني)؟ كما انتشرت المئات من معاهد كونفوشيوس لتعليم اللغة الصينية حول العالم. وتحظى الأفلام الرومانسية الهندية والمسلسلات العاطفية الكورية بشعبية كبيرة حول آسيا. ومن المقرر أن تستمر كل هذه التوجهات (العولمية). فربما أن شركات لم تسمع أنت بها أبدا ستعرض لك يوما ما وظيفةً. وأن ما يفعله البنك المركزي الهندي سيؤثر على محفظتك المالية (مجموعة الأسهم التي تقتنيها). وربما أن أبناءك سيقومون بتنزيل موسيقى وأفلام من كل ركن من أركان المعمورة إن لم يكونوا قد فعلوا ذلك سلفا. إن العولمة تتعمق وتصبح أكثر انفتاحا وتوازنا بين مختلف أجزاء الكرة الأرضية. وهي تعرِّفنا جميعنا بأفكار ومنتجات وفنون جديدة. إن العولمة ليست فقط معنا، ولكنها بدأت لتوِّهَا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق