الأربعاء، 22 يناير 2014

دستور الانقلاب.. كلام في الشكل! / سليم عزوز



انتهت سريعاً "زفة دستور الانقلاب" ، الذي لم يكن سوى سرابٍ بِقيعَةٍ يحسبُه الظمآنُ ماءً، وما هو بماء!.

فقد أقامت سلطة الانقلاب في مصر، الأفراح والليالي المِلاح، ابتهاجاً بالاستفتاء على الدستور، إذ نقلوا لنا "حصريًا" حفلات الرقص التي عمَّت الشوارع، والتي ربَّما وجدوا فيها تعويضاً عن عدم قدرتهم على تقديم صورة لطوابير الاستفتاء عبر الفضائيات، ونتيجة انشغال "كومبارس" الناخبين، في تأمين اللجان من ناحية، وفي التصدي للمظاهرات من ناحية أخرى، وأعني بهم المجندين، الذين كان مقدراً لهم أن يصطفوا أمام اللجان، لالتقاط الصور إعلاميا لهم، وهو ما فطنت إليه مبكراً وكنت من الداعين لضرورة التظاهر في يومي الاستفتاء، لشغل الانقلابيين بأنفسهم، وذلك رداً على الدعوة الخاصة بأن يقاطع الناس، ويجلسوا في بيوتهم!.

كان الرقص الذي عم الشوارع تجربة جديدة في تاريخ مصر السياسي، وبدا الأمر مخططاً ومرتباً له، ومنذ سنوات رصدت حالة الكآبة التي عليها الناس، ففي الأفراح يلفت الانتباه أن المدعوين سارحي الذهن، وفي حالة انشغال باللحظة التي يغادرون فيها الحفل، وكأنهم جاءوا لتأدية واجب والسلام، وذلك أكثر من انشغالها بما يدور في المكان، من غناء وطرب.

بيد أن جرعة الرقص بمناسبة الاستفتاء على الدستور، فضلاً عن أنها غير مسبوقة، فقد بدت أنها زيادة عن المنسوب الطبيعي، على نحو جعل ما يستقر في وجداننا أنها سعادة مُصْطنعة، فليس في مُسَوَّدة الدستور ما يحرِّض على الرقص والخروج عن الوقار، وليس في نصوصِهِ، ما يغني الناس من جوع، ويمثل لهم الأمان من خوف!.

لقد صوَّروا للعامة أن الاستقرار سيتحقق بإقرار الدستور، وها هو الدستور يتم الاستفتاء عليه، ومع ذلك فإن هذا لم يمنع الثوار من الخروج اليومي كعادتهم من أجل كسر الانقلاب وعودة الشرعية، كما أن الدعوة للحشد الأكبر يوم 25 يناير احتفالاً بالثورة وللعودة للمسار الديمقراطي، لم يؤثر في بريقها إقرار دستور تَخلَّق في رَحِم البُطلان، وجاءَ تعبيراً عن إرادة "أحزاب الأقلية" تحت وصايةِ الجيش، وبقوةِ السلاح.

وجاء مشهد إعلان النتيجة كاشفاً عن أننا أمام فضيحة مكتملة الأركان، فخطاب رئيس اللجنة العليا للانتخابات، جاء عنواناً للجهل النَّشِط، ومثل إهانة للقضاء المصريِّ، وإساءة له بالخارج، فالرجل وقع في 70 خطأ نَحْوياً، ولم يتمكن من نطق كلمات كانت مقررة علينا في مرحلة التعليم الأساسي، مثل نهر دِجْلة، وقُطـُز، وهو ما أمسى حديث الناس في الداخل والخارج، والأمر لا يستدعي ثقافة موسوعية لكنه يحتاج إلى الإلمام بما تم ذكره في كتب "المُطالعة" المقررة على تلاميذ المرحلة الابتدائية.

إذا تجاوزنا هذه المهزلة،، التي جعلت سلطة الانقلاب تسعى للخروج منها بافتعال أزمة بين وزير الرياضة والنادي الأهلي، وبين الوزير والحكومة، فإن أحداً لا يمكنه أن يُدخِل الغش والتدليس علينا، بتقديم وثيقة الانقلاب على أنها تمثل دستور الشعب المصري.

قانوناً لا يجوز للقاضي أن يفصل في دعوى أمامه ما لم تستوف الشكل، الذي هو جزء من النظام العام، ولا يمكنه الولوج إلى الموضوع ما لم يتم استيفاء الشكل، ومن هنا لابد من وضع هذه الملاحظات.

أولاً: إن القاضي رئيس اللجنة القضائية، ليس مؤهلاً للإشراف على الانتخابات، لأنه صاحب رأي مناهض لقيمة هذه الانتخابات نشره في مقال بجريدة "الأهرام" ، فالمصريون من وجهة نظره ليسوا مؤهلين للانتخابات وعليه فقد طالب بإرجاء العملية الانتخابية، ولأنه إذا أفصح قاض عن رأيه في قضية منع من الفصل فيها، فقد كان لزاماً عليه أن يستشعر الحرج و يتنَحَّى وإلا وجبَ ردُّه.

ثانياً: إن القاضي رئيس اللجنة القضائية تجرد من الحَيْدَة وجاءَ متحيِّزاً، فغمز ولمَز في طرف سياسي، باستدعاء مشهد من سقوط الأندلس، وإذا نحينا البعد الطائفي في كلام المستشار "نبيل صَليب" ، فهو عندما ذكر واقعة المُلك الذي لم يتم الحفاظ عليه كالرجال، كانت إشارته واضحة لطرف في المعادلة السياسية وهو جماعة الإخوان المسلمين.

ثالثاً: بدت السلطة التنفيذية حاضرة في مشهد الاستفتاء منذ اللحظة الأولى فوزارة العدل أنشأت غرفة عمليات لمتابعة الاستفتاء، ووزير التنمية المحلية تحدث في أمور من صلب العملية الانتخابية، ورئيس الحكومة بدا كما لو كان هو رئيس اللجنة القضائية المشرفة على الاستفتاء، وتوَّجوا المشهدَ بكلمة افتتاحية من موظف تابع لوَزارة الإعلام هو رئيس هيئة الاستعلامات، قدم فيه للقاضي رئيس اللجنة بعد خطبة سياسية رنانة ومتحيِّزة، تليق بكونه موظفاً حكومياً.

رابعاً: في خطابه السياسي المُوَجَّه، ظهر المستشار "نبيل صَليب" متحيزاً، ولهذا كان طبيعياً أن يتجاوز دوره كقاضٍ مستقل في إعلان النتيجة وأن يتقمص دَورَ المُحلل السياسي، وهو يبرر عزوف الشباب، بأنه راجع للامتحانات فلو جرى الاستفتاء في أيام أخرى لحضر الشباب، ولكانت أعداد الناخبين أكثر.

خامساً: في تجاوزه لحدود دوره كقاض يترأس اللجنة العليا للانتخابات، فإن "صَليب" لم ينس أن يذكر أن الحاضرين في هذا الاستفتاء أكثر من الذين حضروا في الاستفتاء على دستور 2012، وهو أمر كان ينبغي أن يتركه للمحللين، ودوره أن يضع أمامنا المادة الخام التي تتمثل في أعداد الذين حضروا هذه المرة.

سادساً: تجاوز الجيش حدود دوره كحارس لأمن اللجان، ليكون جزءاً من الدعاية، من خلاله حمل أفراده للأطفال، وحمل الكبار في مشهد تمثيلي بالغ السُخف، ومن خلال ترك الأسلحة في أيدي البنات لالتقاطِ صُور بها، وفي بعض المناطق كانوا ينادون على المارة ليأتوا للتصويتِ بنعم، وليسَ تأمين اللجان أمرًا جديدًا عليه، فقد أمَّنت القوات المسلحة خمسة استحقاقات انتخابية منذ ثورة يناير، ولم يتم التجاوز لحدود المهمة على النحو الذي جرى في الاستفتاء على هذا الدُّستور.

سابعاً: في إطار تبني سياسة المهرجانات الراقصة، فقد نسينا قواعد العملية الانتخابية، فلم يهتم أحد بأيام الصَّمت، فقد كانت هذه المهرجانات أمام اللجان، تمثل تأثيراً على إرادة الناخبين، دون تدخل من السلطة المُخَوَّل لها تأمين اللجان، بل إنها نفسها كانت جزءا من هذه المهرجانات المنصوبة، ولم تتوقف الدعاية للاستفتاء وللتصويت بـ " نعم" لحظة واحدة.

ثامناً: الذي لم ينتبه له كثيرون، أن الاستفتاء جرى بإشراف منقوص من القضاء، فقد سقطت نظرية قاض لكل صندوق، فأعداد القضاة الذين أشرفوا على الاستفتاء، تجاوزا (15) ألف قاض بقليل على أكثر من ثلاثين ألف لجنة فرعية ناهيك عن اللجان العامة ولجان الوافدين، والمعني أن أكثر من الضعف من الصناديق كان بعيداً عن رقابة القضاء.

تاسعاً: في اليوم الأول نشر أنَّ الصناديق لم تَبتْ في حَوزة القضاة، ولكنها باتت في أحضان قوات الأمن المسؤولة عن تأمين اللجان، على نحو دفعَ بكثيرين أن يقولوا أنها حملت في هذه الليلة سفاحاً.

عاشراً: إذا تفهمنا تجريم الدعوة للمقاطعة، فقد بدا لافتا تجريم التصويت بـ "لا" وقرأنا عن ناخبين تم القبض عليهم من داخل اللجان، لأنه كتبوا نقداً للمشهد السياسي في عهد الانقلاب على أوراق الاستفتاء، ويبدو أن السِّريَّة لم تكن قائمة، وأن الأمر كانَ تحتَ المُراقبة، فجرى اعتقالهُم، فضلاً عن أنَّ هناكَ سبعة أفراد من حزب "مصر القوية" تم إلقاء القبض عليهم لأنهم كانوا يدعو الناس للتصويت بـ "لا" .

فهذا استفتاء غريب من نوعه لأنه لا يعترف سوى بخانة واحدة هي الخاصة بالتصويت بـ "لا" إنما الأخرى وضعت كعادة والسلام.

حادي عشر: هذا ناهيك عن أن الأمرَ برمته بني على باطل، وهو نتاج انقلاب على الإرادة الشعبية وما بني على باطل فهو باطل.

وبالرغم من أن الشكل علي هذا النحو، وبشكل يمثل مانعاً دون الولوج للموضوع، فإن الذي منعني من الدخول ليس عدم استيفاء الشكل ولكن انتهاء المساحة المقررة لهذا المقال، عُذري أنَّ بعضَ ما ذكرتُه على أنه من الشكل هو في الواقع من صميم الموضوع.

ومَهما يكنْ، فقد أسقطتْ ثورة الناس في الشوارع دستورَ الانقلاب لتجعل منه هو والعدم سَواء.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق