الاثنين، 27 يناير 2014

الساحل الإفريقي الفقير في حسابات الكبار / مختار بوروينة


سنجعل من سيدي امحمد بلدية عصرية ونموذجية

كان المفوض الأعلى لشؤون اللاجئين في الامم المتحدة انطونيو غوتيريس قد حذر في وقت سابق من ان المصاعب التي يواجهها السكان في مالي وفي المناطق الأخرى بمنطقة الساحل الافريقي يجب الاهتمام بها بسرعة لتفادي سلسلة ازمات من ليبيا الى نيجيريا ومن المحيط الاطلسي الى خليج عدن، موضحا ان هذه المساعدة ستسمح بتعزيز الحماية الاجتماعية مع التركيزعلى التغذية والتعليم والصحة وأيضا دعم النساء والشبان واستعادة الامل بتنمية اقتصادية في المنطقة مما سيساهم في استقرارها.
تعتبر منطقة الساحل الإفريقي من بين أهم المناطق توترا وحراكا في الوقت الراهن، فهذه المنطقة التي تحولت بعد أحداث 11 سبتمبر إلى بؤرة توتر وصراع وأرضية للتنظيمات الإرهابية والجريمة المنظمة، ارتبطت بها عوامل أخرى كهشاشة الدولة القومية وانخفاض الأداء الاقتصادي وضعف مستويات التنمية وغيرها من الأسباب الأخرى التي دفعت إلى ازدياد التوتر والصراع وعدم الاستقرار في هذه المنطقة،الامرالذي دفع بالقوى الكبرى للتدخل في المنطقة حسب مصلحة كل دولة ومجالها الحيوي.
وخلفت أولى الحروب بالمنطقة على ضوء أوضاع دولة مالي العديد من المقاربات التي قدمت لمعالجة الأزمات بها، منها الاعتماد على مقاربات تنموية شاملة، وما بين ما تفرضه التحولات السياسية والعسكرية الحالية لمعالجة الأزمات وانعكاساتها مستقبلا. فيما يتعلق بموضوعات السلم والأمن سواء كانت نزاعات تقليدية أو أنماط جديدة من التهديدات وفي مقدمتها الإرهاب والجريمة المنظمة والاتجار بالبشر والأزمات الإنسانية وما ارتبط بها من تبعات تدفق اللاجئين والنازحين حيث أدى تفجر أعمال العنف في الشمال إلى زيادة عدد اللاجئين الماليين في الدول المجاورة الى نحو250 ألف لاجئ فضلا عن عشرات الآلاف من النازحين الذين فروا من شمال مالي إلى جنوبها.
المتفق عليه بعد الحرب في مالي يتحدد في أهمية تبني نهج جديد عند التعامل مع موضوعات السلم والأمن تعتمد على الدبلوماسية الوقائية وذلك من خلال معالجة الظروف التي قد تتسبب في تفجر النزاعات مستقبلا بتبني برامج للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وإرساء أسس للديمقراطية والحكم الرشيد واحترام حقوق الإنسان والتنويه بأن تبعات التعامل مع تلك النزاعات بعد تفجرها وتحولها إلى أزمات، تفوق بمراحل ما قد يحتاجه هذا النهج الجديد المنشود من تمويل فضلا عن تجنب المعاناة البشرية لضحايا تلك الازمات ومعالجة الوضع الإنسانى المتدهور وتقديم المساعدة للاجئين مع التأكيد على التمييز بين المطالب المشروعة للسكان في التنمية والإعمار والأساليب غير المشروعة التي يتبعها المتمردون والشبكات الإجرامية.
الاهتمام البالغ بالأوضاع الإنسانية في مالي ومنطقة الساحل الإفريقي ككل كان محور نتائج مؤتمر ”النداء العاجل لدعم الساحل الإفريقي” الذي حضرته المجموعة الإفريقية بالتعاون مع عدد من الوكالات والمنظمات الدولية العاملة فى مجال الإغاثة الإنسانية،مما مهد الطريق لاقرار البنك العالمي رفقة الاتحاد الاوروبي خطة عمل جديدة للنهوض بالساحل الافريقي ومساعدة شعوب المنطقة على العيش في ظروف أحسن وضمان استتباب الأمن والاستقرار.
تقضي الخطة المعلن عنها مؤخرا عقب اجتماع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، ومدير البنك الدولي جيم يونغ كيم، بتخصيص الاتحاد الاوروبي مبلغ مالي إضافي بقيمة 6.5 ملياري دولار، وحوالي 2 مليار دولار من قبل البنك تستثمر خلال السنتين المقبلتين، وفق برنامج مشترك يساهم في التقليل من الفقر وتذليل المصاعب التي يواجهها السكان في مالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد وموريتانيا والسنغال.
قناعة رئيس البنك الدولي أن شعوب إقليم الساحل في أمس الحاجة إلى المزيد من تأمين مستويات المعيشة، والمنتظر من هذه المساعدة المالية أن تبني مسارا جديدا للنمو الاقتصادي في الإقليم من خلال استثمارات في بناء شبكات الأمان الاجتماعي ومشروعات في مجال البنية الأساسية والطاقة الكهرومائية وبرامج زراعية وصحية.
من جهته أكد الاتحاد الأوروبي أن نهجه هو البناء على المبدأ المتمثل في أن الأمن هو شرط مسبق للنمو، ولن تكون هناك تنمية دونه، مضيفا ان منطقة الساحل هي أكثر مناطق إفريقيا هشاشة واحتياجاتها في مجال التنمية والأمن كبيرة جدا..
كما أعلن رئيس الوزراء الياباني شينزو ابي أثناء مؤتمر طوكيو الدولي من أجل التنمية في إفريقيا ان اليابان ستقدم مائة مليار ين (750 مليون يورو) على مدى خمس سنوات لتنمية منطقة الساحل واستقرارها، إلى جانب تدريب ألفي شخص على عمليات مكافحة الارهاب وحفظ الأمن.
يدخل هذا الدعم المالي من الدولة اليابانية في اطار حزمة من 10,6 مليار يورو من المساعدة العامة لتنمية افريقيا على مدى خمس سنوات ويشمل هذا الجزء من المساعدة المخصص لهذه المنطقة الشاسعة الواقعة بين افريقيا الشمالية وافريقيا جنوب الصحراء الكبرى وتضم العديد من الدول بينها مالي وموريتانيا والنيجر والجزائر وتشاد والسودان وليبيا.
يقول الباحث في المعهد الياباني للدراسات الاقتصادية الانمائية كاتسومي هيرانو: إن الدعم من هذه الناحية هام لإظهار التزام اليابان في المشاركة في جهود السلام في افريقيا أكان بالنسبة للافارقة ام لليابانيين انفسهم، في حين يبدي مستثمرون يابانيون قلقهم من المخاطر الامنية، وبالتالي هذه الاستثمارات تعد اساسية تحديدا من اجل المساعدة على الحد من ظاهرة الفقرالتي يمكن ان تكون حاضنة للإرهاب.
روسيا التي تتابع باهتمام تطورالوضع في منطقة الساحل الإفريقي أعلنت هي الأخرى انها ستقدم المساعدات لدول المنطقة قدراستطاعتها حيث قال المبعوث الخاص للرئيس الروسي الى افريقيا:إنه يجب اتباع نهج شامل لمعالجة مشكلات المنطقة، مشيرا إلى أن التركيزعلى إجراءات منفصلة منهج غير فعال.
قد تبدو هذه المبالغ للوهلة الأولى معتبرة وكافية ضمن التعهدات الدولية بدعم الساحل الافريقي، لكنها في حقيقة الامر بعيدة كل البعد عن تحقيق الغايات المسطرة، فالمشاكل التي يعانيها قاطنو منطقة الساحل الشاسعة، عديدة ومتشعبة، ووحده الجفاف يتطلب اموالا طائلة لحفر الآبار الجوفية وجلب الماء من نهر النيجر وبعض المنابع التقليدية القديمة، لإحياء الزراعة وتوفير مناصب العمل.
منظمة الاغذية والزراعة الدولية (الفاو) التابعة للأمم المتحدة اعلنت ان نحو 11 مليون شخص يعانون من انعدام خطير في الامن الغذائي في منطقة الساحل الافريقية، موجهة نداء لجمع التبرعات لدعم المزارعين ومربي الماشية الصغار. والعمل على مواجهة أزمة الغذاء التي تجتاح عددا من دول الساحل وعلى رأسهم موريتانيا والنيجر وتشاد ومالي وشمال نيجيريا وبوركينا فاسو.
في مختلف بياناتها ضلت المنظمة تؤكد ان العائلات الفقيرة استنفدت مخزوناتها من الغذاء وتواجه الآن أسعارا مرتفعة للمواد الغذائية،مسجلة في الوقت نفسه قلقها لأنها لم تتسلم سوى 19،4 مليون (من التبرعات) فقط حتى الآن من اصل الـ113.1 مليون دولار الضرورية التي احتسبتها المنظمة الاممية في بداية العام، وبفضل هذه التبرعات، تمكنت الفاو من تقديم الدعم لـ 1،6 مليون مزارع ومرب ماشية وراع في هذه المنطقة جنوب الصحراء لكن هذا يعد بالشيء القليل وبدون الدعم المالي فمنطقة الساحل الافريقي تتجه نحو الكارثة.
وكان المفوض الأعلى لشؤون اللاجئين في الامم المتحدة انطونيو غوتيريس قد حذر في وقت سابق من ان المصاعب التي يواجهها السكان في مالي وفي المناطق الأخرى بمنطقة الساحل الافريقي يجب الاهتمام بها بسرعة لتفادي سلسلة ازمات من ليبيا الى نيجيريا ومن المحيط الاطلسي الى خليج عدن، موضحا ان هذه المساعدة ستسمح بتعزيز الحماية الاجتماعية مع التركيزعلى التغذية والتعليم والصحة وأيضا دعم النساء والشبان واستعادة الامل بتنمية اقتصادية في المنطقة مما سيساهم في استقرارها.
تفيد العديد من التقارير والشهادات المحلية أن سكان الساحل لا يفكرون في شيء سوى استعادة مهنهم، وسد حاجياتهم من الجوع والعطش، ويعتبرون السبيل الوحيد لذلك هو توفير مساعدات دولية ضخمه وبرامج عملاقة وإلا فإن مصيرهم سيكون محتوما بالبقاء تحت سياط الجفاف والفقر؛وهو ما شدد عليه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على وجوب ان يتوفر للناس الطعام والعمل والا سيكون هناك دوما شكاوى واعتراضات على الحكومات ما يمكن ان يؤدي الى اضطرابات سياسية.
وإذا كانت منطقة الساحل من اكثر مناطق العالم تدخلا للمنظمات الدولية فان مبادراتها تصطدم بصعوبات مادية وسياسية تحول دون تطبيقها،وغالبا ما توجهت العائدات المالية الغربية، إلى ممثلي المجتمع المدني لضمان علاقة حسنة مع الشعب وضمان الحفاظ على المصالح عقب تدهور الاوضاع الأمنية لكن الضرورة تقضي بتخصيص هذه الاعانات في بناء البنية الاساسية من الطرقات والمدارس والمستشفيات، ذلك ان حجم المأساة هو ما دفع بشباب المنطقة إلى الهجرة غير الشرعية، والانخراط في العصابات والجماعات الإرهابية ولن يتحقق الاستقرار في الساحل الا بمشروعات جادة وتنسيق ترعاه دول المنطقة الأدرى بشؤونها،الامر الذي جعل الكثير من الخبراء يحذرون من أن الفقر والإهمال يدفع شباب المنطقة إلى الارتماء في أحضان جماعات مسلحة أو منظمات إجرامية تنشط في مجالات تهريب المخدرات والسلاح والبشر فضلا عن اختطاف الأجانب للحصول على مقابل مالي، وعليه فالمعالجة الحقيقية تقتضي دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية لدول الساحل الإفريقي ومساعدتها على تعزيز قدراتها لمواجهة التحديات الأمنية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق