الجمعة، 31 يناير 2014

الائتلاف الوطني السوري إلى أين؟ / شمس الدين الكيلاني




مرَّ أكثر من عام، (11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013) على تشكيل (الائتلاف الوطني لقوى الثورة) السوري، لم يكن تأسيسه بالشيء السهل، وقد سبقه محاولات حثيثة للمعارضة، وكان المؤمل أن يتحول عند تأسيسه إلى قائد للثورة في شتى مجالات نشاطاتها، وممثلاً سياسياً للشعب في طموحه نحو الحرية، فهل استجاب الائتلاف للرهانات التي عُلقت على تأسيسه؟
فقد عانت الثورية السورية منذ انطلاقتها، في آذار 2011، من فراغ في القيادة، تكونت هيئات قيادية ميدانية، ثم جرت محاولة لجمع المعارضة قبل أن يتشكل (المجلس الوطني) إثر اجتماع للمعارضين، 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، في استنبول، تحت ضغط المتظاهرين السوريين، الذين وضعوا (هيئة التنسيق الوطني) رديفاً للنظام والتي تشكلت من مجموعات صغيرة يسارية وقومية. وتضمَّنت وثيقة (المجلس) التأسيسية الدعوة لدولة مدنية ديمقراطية على انقاض النظام. فأعلن الثائرون مباركتهم له في مظاهرات جمعة (المجلس الوطني يمثلني). مالبث أن وجد المجلس نفسه عاجزاً أمام ثقل المسؤوليات، فتآكلت شرعيته أمام الجمهور.
أتت مبادرة رياض سيف في ظروف اشتداد أزمة (المجلس) لتؤكد إلى أن " الحاجة تبرز كي تلتقي فصائل المعارضة السياسية في إطار جسم قيادي جامع لتناضل من أجل إسقاط نظام الأسد والانتقال نحو دولة ديمقراطية". فالتقت على هذه المبادرة القوى المختلفة في اجتماع الدوحة (ما بين 8 و11 تشرين الثاني / نوفمبر 2012)، ونجحت في تشكيل (الائتلاف الوطني..) وضمّت هيئته العامة معظم تكتلات المعارضة السوريّة (باستثناء هيئة التنسيق الوطنيّة)،. وانتُخب الشيخ معاذ الخطيب رئيساً للائتلاف، في 11 نوفمبر 2012، واعترفت الجامعة العربية بالائتلاف ممثلا شرعيا لتطلعات الشعب السوري.. وهي صيغة مختلفة عن تلك التي قدمتها دول الخليج العربي والتي اعتبرت الائتلاف الممثل الشرعي للسوريين، كما اعترفت فيه فرنسا، وإيطاليا، وتركيّا كـ"ممثلٍ شرعيٍّ وحيدٍ للشعب السوريّ". فأُحيطت ولادة الائتلاف بمظاهر من الحفاوة، رافقها نوع من التفاؤل، بدعم عربي ودولي فاعلين.
تحولات في المواقع القيادية
لاقى انتخاب الخطيب تأييداً شعبياً واسعاً ودخلت هيئات جديدة على الائتلاف وفي مقدمتها هيئة أركان الجيش الحر، غير أن المشكلات الكبرى واجهت الائتلاف وأثقلت على قيادته، مع الافتقار إلى الدعم العربي والدولي، فعبر الخطيب عن خيبة أمله منذ اجتماعه بأصدقاء سوريا في باريس، فتقدم بمبادرة للحوار 30 كانون الثاني/ يناير 2013، شريطة:" أن يطلق النظام سراح مائة وستين ألف معتقل". غير أن مبادرته لم يكترث بها النظام، وأحدثت مزيداً من الخلاف في (الائتلاف)، بينما قُوبلت مبادرته بقدر كبير من الدعم الشعبي، إذ لاحت معها بارقة سياسية، وأعادت (السياسة) إلى ميدان التداول.
ثم تحول موضوع تشكيل (الحكومة المؤقتة) إلى محورٍ للاختلاف، فقد اشترط مجلس وزراء الخارجية العرب منح مقعد سورية للائتلاف الوطني، في قراره في 6 أذار/ مارس 2013، بتشكيله حكومته المؤقتة. عارض الخطيب تشكيل الحكومة لضيق اليد ولانتظار مآل (جنيف)، لكن مضى الائتلاف الوطني قدماً وانتخب هيتو رئيساً للحكومة المؤقتة فعلّق اثنا عشر عضواً في الهيئة العامة للائتلاف عضويتهم احتجاجاً، وشكوا من هيمنة الإخوان المسلمين.ازداد الأمر تعقيداً عندما قدم الخطيب، على إثرها، استقالته، أي قبل يومين من انعقاد القمة العربية في الدوحة، وكانت قطر قد دعت المعارضة السورية للقمة وسط أنباء عن إمكانية تسليمها مقعد سوريا. ولم يحضر الخطيب مؤتمر القمة في الدوحة، في 24 آذار/ مارس 2013، إلا بعد وساطات من قادة قطر فأدخل التردد والضعف القياديين للخطيب الائتلاف لأشهر في أزمة شاملة، ولولا اعتراف الأمم المتحدة بالائتلاف كممل للشعب السوري لكانت خسارة الائتلاف أكثر جسامة. وقد دعا قبل استقالته بأربعة أيام جبهة النصرة "إلى فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، وجدد التأكيد على رفض قوى الثورة في سوريا صراحة لفكر تنظيم القاعدة"، فكان كإسلامي معتدل مؤهلاً لتقديم نقد محسوب للمتطرفين الإسلاميين.
تركت استقالة الخطيب إرباكاً وفراغاً قيادياً، وقرر الائتلاف تكليف "جورج صبرة" بتولي مهام رئاسته، في حين ارتفعت الأصوات لإعادة تجديده ليشمل قوى جديدة. وكانت قد عقدت أكثر من مائتي شخصية سورية لقاء تشاورياً بالقاهرة في أيار 2013، تشكل بموجبه "اتحاد الديمقراطيين السوريين"، وأسفر تفاوضه مع الائتلاف على ضم العديد من أعضائه، وأصدرت أثنائها قوى الحراك الثوري بياناً طالبت فيه منحهم نسبة لا تقل عن 50% من مقاعد الائتلاف. فأعلن صبرة في ختام اجتماع للائتلاف، في 31 أيار/ مايو 2013، إضافة 43 عضواً جديداً: 15 من هيئة الأركان، و14 من الحراك الثوري، و14 من (اتحاد الديمقراطيين). وأصدر وثيقتين هما الرؤية السياسية والمبادئ التأسيسية وخطة المرحلة الانتقالية تضع هدفاً لها قيام "دولة مدنية ديمقراطية. وكان جيش النظام وحزب الله آنئذ يحاصران القصير.
أتى انتخاب أحمد عاصي الجربا رئيسا جديدا، السبت 6 تموز/ يوليو 2013، تتويجاً لتوسعة الائتلاف، في غمرة حصار النظام لحي الخالدية في حمص بعد سيطرته على القصير، حصل على 55 صوتًا مقابل 52 لمصطفى الصباغ حليف الإخوان المسلمين. كما انتُخِب ثلاثة نواب للرئيس.لم يكن فوز الجربا توافقياً فأوحى بغلبة فريق الجربا على الصباغ، وإن كان انتخاب بدر جاموس للأمانة العامة خفف الصدمة. 
كان الائتلاف يواجهه مهام جسام تتعلق بتوثيق العلاقة مع مساندي الثورة من العرب وفي مقدمتهم قطر والسعودية، ومع (أصدقاء سوريا) لملاقاة تبعات جنيف 2، لاسيما أن النظام قد انتقل إلى مواقع هجومية في حمص والقصير، وأيضاً لمواجهة تصاعد خطورة تطرف (داعش) وانفصالية (الاتحاد الديمقراطي) الكردي، ولمعالجة ضرورات ترتيب العلاقة مع المناطق المحررة، والمشاكل الإنسانية للسوريين، غير أن تراجع مؤشرات الحل السياسي مع بروز هجوم النظام باشتراك حزب الله علناً إلى جانب الميليشيات الشيعية الأخرى في القصير وحمص والتهيئة لمعركة حلب، نقلت أولويات الجربا إلى توفير مستلزمات المواجهة، فقام بجولات عربية، وأوربية حاول إقناع الرئيس هولاند ليساعد بالسلاح، لكن فرنسا كحال أمريكا -أعربت أنها لن "تسلم أسلحة فتاكة". وأعلن الجربا أثناء ذلك، أن "داعش" منظمة متطرفة وتكفيرية وأضرت بالثورة وفي كثير من الأماكن كانت تقاتل الجيش الحر، وأنها ستنتهي إذ لم يعد لها أي حاضنة شعبية".
من الكيماوي إلى جنيف
واجه الائتلاف في 21 آب /أغسطس مذبحة الكيماوي التي ارتكبتها قوات النظام في الغوطة. وضعت المذبحة الإدارة الأمريكية على المحك، فشرعت في ترتيب المسرح لضربة عسكرية للنظام. فتشابكت الاتصالات، في هذه الفترة، بين قيادة الائتلاف وقيادة أركان الجيش الحر، ومع الفصائل الثورية الأخرى لتنسيق المواقف للاستفادة ما أمكن من (الضربة) المتوقعة، وعلى رغم مما كشف عنه التصعيد العسكري الأمريكي من هشاشة الثقل الروسي عند الاختبار، تلقفت الإدارة الأمريكية (مبادرة روسيا)، واتفقت الدولتان على ملف الكيماوي، وبعد أن اطمأنتا على مصير (الكيماوي)، شرعتا في فتح كوة إلى جنيف 2، دون ترتيبات وآفاق واضحة. 
أفضى عدول أمريكا عن (الضربة)، وانفتاح النقاش حول المشاركة في مؤتمر جنيف، إلى تعميق الخلافات داخل مكونات الائتلاف، فتفاجأ السوريون في سبتمبر ببيان صادر عن العديد من (الكتائب الإسلامية)، تعرب من خلاله عن أحقيتها في تمثيل الثورة، كما أعلنت عن رؤيتها لتشكيل إطار تنظيمي يقوم على المبادئ الإسلامية. في ظل هذا المسار الجديد اتخذت الهيئة العامة (للائتلاف) في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، ثلاث خطوات سياسية مهمة: دخول المجلس الوطني الكردي للائتلاف، وإقرار موقف الائتلاف في الذهاب الى جنيف2 شريطة أن تفضي جنيف إلى رحيل الأسد، كما أقرَّت تشكيل الحكومة المؤقتة رغم تباين الآراء، وإبلاغ السفير الأميركي فورد لقادة الائتلاف أن واشنطن لن تعترف بها.
يتمتّع الائتلاف الوطني بشرعية محلية كبيرة واعتراف دولي واسع، غير أن دوره يقتصر على التمثيل النسبي للمعارضة والثورة، ولم يتمكن من قيادة الثورة ولا من قيادة المعارضة بطريقة فعلية، فهو لا يملك المقدرة على توجيه قرارات الحرب والسلم، ولا توقيتها أو أماكن انطلاقها، ويفتقد إلى أطرٍ تنظيمية تربط عمله بالوطن.الأمر الذي سهَّل هيمنة السلاح على التنظيم المدني، وبروز الروابط الاجتماعية ما قبل الوطنية. لقد اتسمت مرحلة الخطيب بالتردد والضعف القيادي حتى كادت استقالة الخطيب أن تطيح بمستقبل الائتلاف. وفي المرحلة التالية، مرحلة التهيئة لانتخاب رئاسة جديدة، أصابته الاهتزازات، واتسمت الثالثة ببروز المحاور والكتل والافتقار للعمل المؤسسي، ولهيئات قيادية راسخة توكل إليها مسؤولية اتخاذ القرار مع الرئيس والأمين العام، فلم تملك (الهيئة السياسية) سوى صلاحيات استشارية. فاقتصرت مساهمات الائتلاف في الداخل على تقديم بعض الخدمات في مجال تنظيم التعليم والحصول على الاعتراف بالشهادات الدراسية في بعض المدارس في المناطق المحررة وفي دول اللجوء. قام كذلك بتقديم بعض المساعدات لبعض المناطق المنكوبة من خلال مكاتبه وأجهزته المختلفة، إلا أن إمكانياته كانت أضعف بكثير من حجم الكارثة السورية.
وعلى هذا، يبدو أن استمرارية الائتلاف الوطني في تولّي قيادة الثورة السورية أو حتى تمثيلها يتوقف على تمكنه من حل المشكلات الداخلية المتعلقة بضرورة مأسسة العمل وطريقة اتخاذ القرار، وإعطاء دور حاسم (للهيئة السياسية)، والاستعانة بلجان متخصصة في الشؤون المناطة به لتقوم بدور إرشادي لأصحاب القرار، وثانياً، اختبار صوابية قراره بتشكيل حكومة مؤقتة الذي يتوقف نجاحها على قدرتها على تأمين الخدمات الفعلية للمواطنين، وبناء جسم يعطي صورة عن مستقبل سوريا لاعن ماضيها الاستبدادي الفاسد وحماية مؤسسات الدولة والمنشآت العمومية والحصول على الأموال المجمدة في الخارج. والاختبار الثالث يتعلق بترتيب العلاقة مع الجيش الحر والقوى العسكرية والسير قدماً في إطار مظلة هيئة أركان واحدة. والاختبار الرابع يتعلق بما يتخذه الائتلاف من قرار صائب بشأن مؤتمر جنيف 2، بأن يرسم استراتيجية سياسية وتفاوضية ملائمة وأن يُعد للمفاوضات تشكيلة وفد موحد منسجم، يملك القدرات الفنية والتقنية ووضوح الهدف، وأن يدير معركة التفاوض بطريقة مدروسة وفعالة، ولقد أعلن الائتلاف الوطني السوري في 17 كانون الثاني/ يناير الحالي موافقته على المشاركة في مؤتمر جنيف 2 لنقل السلطة إلى هيئة كاملة الصلاحية. وكان حضوره في الجلسة الأولى للمؤتمر قد لاقى تأييداً واسعاً من الشعب السوري.
أن مستقبل سوريا يتعلق بطبيعة القوى القائدة والممثلة للثورة. فهل يمكن تعديل اتجاه سير الائتلاف إلى التقدم والإمساك بزمام المبادرة السياسية؟ الأمر كما يبدو يحتاج إلى إصلاح جذري، وهذا يتطلب تحويل (الهيئة السياسية) إلى هيئة قيادية لها صلاحيات مُقررة وتوسعتها، وأن تعتمد في عملها على أجهزة ولجان فنية استشارية رديفة متفرغة تعمل في شتى المجلات وأن تكون فاعلة على الأرض بطريقة مُجزية. وأن يستعين بلجان متخصصة في الشؤون المناطة به يقومون بدور إرشادي لاتخاذ القرار الملائم، وبرعاية هيئات مجتمعية جديدة، وتفعيل القديمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق