الجمعة، 17 يناير 2014

تحالف قوى الشعب الراقص في ليلة زواج الدستور! / سليم عزوز



ذاب الحد الفاصل، بين اللجنة الانتخابية، والـ ‘ نايت كلوب’، فلم نعد نميز بين كون ما نشهده، يحدث أمام لجان الاستفتاء أم داخل ‘ملهي ليلي’، ولم يعد المشاهد يفهم ما إذا كان القوم قد دعوا للتصويت على مشروع الدستور، أم أن الدعوة موجهة لهم لحضور ‘طهور’ الأنجال. وعلى أيامنا كان ‘طهور’ الأبناء مما تقام له الأفراح والليالي الملاح. أقصد بذلك الأولاد، لأنه فلا أحد يحتفل بختان البنات!
لا أخفيكم سراً، أنه عندما نقل لنا التلفزيون المصري الرائد، اللحظة التاريخية التي دخل فيها الفريق أول عبد الفتاح السيسي، لجنة الاستفتاء تحت ‘قصف’ من الزغاريد، أنني ظننت أننا أمام حفل ‘طهور’، لكن عندما نُقلت لنا ‘عمليات’ الرقص الجماعي، أيقنت أننا في حفل زواج، حيث سيعقد قران صاحبة الحسب والنسب ‘وثيقة الدستور’، على صاحب الحظ والنصيب، وأن اليوم الأول للاستفتاء كان هو يوم ‘الحنة’، أو الحناء، وأن اليوم الثاني هو ‘الدخلة’، وكتب الكتاب معاً، وبدا لي قادة حزب النور بلحاهم الطويلة كأنهم ‘حضرة المأذون’، الذي تم استدعاؤه على عجل، لعقد القران، قبل الفضيحة، فالدستور حامل، والمراد هو إصلاح خطأ لموتور، فعل فعلته في لحظة طيش، وكان لا بد من عقد القران في قسم الشرطة، وفي وجود حضرة الضابط ‘ النابتشي’!
في السابق، كانت الصحف تصدر في اليوم التالي للعملية الانتخابية، واصفة ما جرى من تصويت وانتخابات بأنه ‘عرس الديمقراطية’، حتى تلك الانتخابات التي كان التزوير فيها معلوماً للكافة، لكن الآن لم يكن ‘العرس′ مجازاً بل كان حقيقة!
وإذا كان هناك من يحلو له أن يطلق على الفريق أول عبد الفتاح السيسي أنه عبد الناصر الجديد، فالجديد قد حدث بسبب فروق التوقيت بين القرن العشرين، الذي جاء فيه عبد الناصر والقرن الواحد والعشرين الذي شهد بزوغ نجم السيسي. 
ففي القرن الماضي كان شعار المرحلة ‘تحالف قوى الشعب العامل’، الآن صار الشعار هو ‘تحالف قوى الشعب الراقص’. فالراقصات محجبات وسافرات ومنتقبات، فتيات ونساء من جيل ما قبل ‘فحت البحر’، ‘ عُرباً وابكاراً’، وقد سئل ابن عزوز عن ‘ العُرب’ فقال: عاشقات البيادة.
كنا أمام مشهد غير مسبوق في تاريخ الحياة السياسية، عندما صار الرقص هو شعار المرحلة، ولا بأس فمبكراً كان الاحتفاء براقصة متجاوزة، وكنت ترى سياسياً يافعاً، يستدعي انحطاط راقصة مستجدة، تعمل بتكليف من الأجهزة الأمنية، للإساءة للرئيس محمد مرسي. فرجال الانقلاب يمارسون ‘كيد الضرائر’، كما ورد في الكتاب، وما دامت هذه الراقصة هي نجمة المرحلة، فلا بد من أن يكون الرقص هو ما يميز يومي الاستفتاء.

أطفال الشعب

بدت الصورة مبالغاً فيها، على نحو انتقل بها من العفوية، الى التخطيط السياسي، وأول ‘طلة’ في هذا اليوم هو قيام كائن بشري بين الفتاة والسيدة، بنزع غطاء رأسها، وربطت به وسطها الذي لم أتبين حدوده الجغرافية، إذ كانت في حجم ليلي علوي في فيلم ‘بحب السيما’، وكان اللافت هو تخلي ضباط في الجيش عن أسلحتهم، للفتيات ليتصورن بها، ولا أظن أن هذا التساهل له علاقة بتقاليد الجندية من قريب أو بعيد، وتكررت صور لضباط يحملون ‘أطفال الشعب’.. منكم وبكم.
بدا لي أن الخطة استهدفت إشعار القوات بمدى القبول الشعبي، على نحو صار فيه التعامل من قبل الجماهير لرجال الجيش كما لو كانوا قدموا تواً من الجبهة، بعد تحقيق انتصار كاسح على العدو الذي كان يحتل البلاد!
تشاهد جنوداً يحملون مواطنين، في مزاح متجاوز لسقف المزاح الوقور، فتدهش، وتدهشك فتاة تمسك بيدي اثنين من الجنود وتقوم بتقبيل ‘الأيادي’ وهي في الوضع منحنية، فتقف على طبيعة الخطة، وقد شاهدنا عجائز يتعاملن مع الجنود معاملة عودة الابن الضال.
وتسأل عن حالة ‘الشحتفة’ هذه المتجاوزة للسقف المسموح به عالمياً، فيقال لأن الجيش خلص الشعب من الإخوان، وبحسب المعلومات التي يرددها الانقلابيون عبر الفضائيات المختلفة، فان الذي خلص البلاد من الإخوان، هو الشعب الثائر، وما الفريق السيسي إلا وزير قد خلى من قبله الوزراء!
وفي أجواء ‘الشحتفة’ سقطت نظرية الشعب الذي أسقط الإخوان، فتبين ان الذي أراح القلوب الموجوعة هو الجيش، الذي جرى الاحتفاء بجنوده، كما لو كانوا قدموا تواً من على ‘خط النار’.
وفي الواقع، أن الأجواء الاحتفالية أسقطت ما كان يروج له ضيوف الفضائيات الممثلين للانقلاب من أن القوى الموالية للشرعية تبالغ في الحديث عن دور السيسي في السلطة، وأحدهم لا يمل من أن يردد عبر قناة ‘الجزيرة’ أن من يحكم مصر هو المستشار عدلي منصور، ‘الرئيس المؤقت’، وفي البداية كنت عندما أستمع لهذه الاسطوانة أضحك، الآن فقدت النكتة عنصر البهجة فيها من التكرار.
بدا لي عدلي منصور في يومي الاستفتاء، وفي الاحتفالات الصاخبة، كيتيم القرية، فالصور المرفوعة هي للفريق السيسي، ولا احد رفع صورة لهذا اليتيم!

كرسي في الكلوب

وعلى ذكر ‘الجزيرة’، فقد كان لها دور في هذه الأجواء الاحتفالية تمثل في دور ‘العزول’، الوارد ذكرهم في الأغنية الشهيرة ‘يا عوازل فلفلوا’ لكن ‘العزول’ هنا لم يكن سلبياً فقد ضرب كرسياً في ‘الكلوب’، فقلب الفرح إلى مآتم.
فضائيات الثورة المضادة، لكثرتها، هي أكثر من الهم على القلب، وهي وان كانت قد نجحت في تشويه صورة محمد مرسي، ومن ثم مهدت لعملية إسقاطه، إلا أنها فشلت في أن تروج للانقلاب، صحيح أنها نجحت في البداية في أن ترتقي بالفريق السيسي الى مرتبة الأسطورة، لكنها لم تنجح في ان تحافظ على هذه الصورة الذهنية التي بعثتها في النفوس، وهي تقدمه على انه عبد الناصر وديغول وايزنهاور، ونجحت التسريبات في أن تقدمه على أنه ليس أكثر من قائد جند متمرد وطامع في السلطة، وليست له أي مرجعية سياسية أو فكرية، وليس صاحب وجهة نظر، إلا فيما لا ينفع الناس ولا يمكث في الأرض عندما قال في هذه التسريبات ان السلعة بثمنها.
برامج ‘ التوك شو’، التي هي جزء من ‘الزفة المنصوبة’، و ‘فرح العمدة’ المقام، لا شيء تفعله إلا أنها تهاجم ‘الجزيرة’، على نحو كاشف عن مدى تأثير هذه القناة، التي تقدم الرأي والرأي الآخر، وتقريباً هي الفضائية الوحيدة التي تفعل هذا، لكن هذا ‘الرأي الآخر’ مع وجود ‘الرأي’، وهذه ‘الصورة الأخرى’ مع وجود ‘الصورة’، تجعل كل ما تبثه 34 فضائية تابعة للانقلاب، على مدار الساعة، كهشيم تذروه الرياح!
وهذا ما يفسر كيف أن القوم أصابهم عفريت اسمه ‘الجزيرة’، فعندما يفتح احدهم فمه يقول: ‘الجزيرة’، وعندما يغلقه لا ينسى قبل الإغلاق أن يقول ‘الجزيرة’، ولو كنت منهم لتعاملت على طريقة ‘يا جبل ما يهزك ريح’، ولو من باب الادعاء، بيد أننا نعلم أن الانقلاب في مصر كالعنكبوت، اتخذت لها بيتاً، وان اوهن البيوت لبيت العنكبوت!
لميس الحديدي تعرضت لمقلب بالغ الحرج، عندما تصرفت على طريقة محمد صبحي، أو ‘سنبل’ في المسلسل التلفزيوني ‘رحلة المليون’، الذي اتفق مع تابعه ‘فرج’ أن يجلب مجموعة من الشبيحة (المواطنين الشرفاء) ودخل على المستهدف وكله قوة، فهدده ثم نادى: ادخل بالرجال يا فرج، فدخل فرج بطوله، فلم يكن معه أحد.
لميس قررت أن ترد على قناة ‘الجزيرة’، التي ‘ضربت كرسياً في الكلوب’، و’الكلوب’ لمن لا يعرف هو مصدر الإضاءة في الأفراح قديماً، قبل الكهرباء.
نادت لميس على المخرج بصوتها الطارد للكائنات الحية، فإذا بالصورة من الشارع ومن خارج اللجنة، تغزلت لبعض الوقت في هذا الحضور الجماهيري الكاسح، الذي يرد على دعاية قناة الجزيرة السوداء، قبل ان تنتبه الى أنها ليست صورة من داخل لجنة من لجان الاستفتاء.
نادت مرة ثانية وثالثة ‘ادخل يا فرج’ ودخل فرج، فإذا بصورتين كاشفتين عن العزوف الشعبي، وهو أمر كاشف عن أسلوب الفهلوة الذي تدار به برامج ‘التوك شو’ في الإعلام الجديد، حيث يدخل المذيع على الأستوديو دون أن يطلع على الأدوات المساعدة له، فجاءت لميس لتكشف كذب ‘الجزيرة’، فأكدت على مصداقيتها.
ولم تكن لميس وحدها، التي روجت للعزوف الجماهيري، فكثير من المحطات التلفزيونية كانت تنقل صور هذا العزوف، بينما المذيع يتحدث عن حضور جماهيري كاسح، فتنظر في الشاشة فيرتد إليك البصر خاسئاً وهو حسير.
في مثل هذه المناسبة يقال: لقد ذهبت العروس للعريس ليبقى الجري للمتاعيس!

بلا حدود

المقابلات الأهم لأحمد منصور مؤخراً هي التي أجراها مع يحيى حامد الوزير في حكم الرئيس محمد مرسي، والمستشار وليد شرابي أحد قضاة ‘من اجل مصر’، الذين قطعوا الطريق على نية المجلس العسكري في تزوير الانتخابات الرئاسية، وإسقاط الرئيس محمد مرسي، إذ أعلن النتائج مبكراً من خلال فرز اللجان الفرعية. واستبقوا بذلك قرار اللجنة العليا للانتخابات.
الأهمية هنا مردها أن لقاءات حامد وشرابي تقدم للمشاهد معلومات لا يمكن أن يقف عليها إلا من خلال من كانوا يعملون في المطبخ، وكنت أتخوف من أن يحدث التوريث في مصر، فتضيع معالم حقبة كاملة هي الخاصة بفترة تولي مبارك الحكم، نظراً لحرص الأطراف المختلفة على الصمت، وبدأ أطراف هذه المرحلة يغادرون الحياة الدنيا دون ان نقف على المسكوت عنه، بسبب ضجيج الثورة المضادة وحرصها على إشغالنا بالاستغراق في اللحظة الآنية.
القاضي وليد شرابي تحدث في ملف غير مطروق، فأفزعنا بما ذكر، وكيف أن ست دوائر هي التي قررت أن تتولى الحكم على الإخوان، بعد تخيير رئيس المحكمة المختص لمرؤسيه: من يحاكم الاخوان؟!
صاحبنا كان ضيف ‘بلا حدود’ لحلقتين، في الأولى تحدث أحمد منصور عشرين دقيقة، بينما زاد عليه الضيف خمس دقائق فقط لم تخل من المقاطعة. تشعر أن منصور كانت أمنيته أن يعمل ‘ضيفاً’، لكن حظه البائس جعله مذيعاً. وان كان في الحلقة الثانية ترك شرابي يتحدث ولم يقاطعه إلا للضرورة.
وقد لفت انتباهي أمران، الأول: أن الفريق السيسي جزع من اللجوء للمحاكم الدولية، وأنا من كنت اظن انه ليس مستشعراً لخطورة ما يفعل، وقد استأجر محامياً دولياً ليترافع عنه هو صاحب فكرة وضع الإخوان على قوائم الإرهاب ليكون السيسي في حكم بوش ومعركته مع بن لادن، وأن دولاً غربية جزء من المؤامرة.
الأمر الثاني: ان هناك مجالاً أخراً تفوق فيه الانقلابيون غير ميدان التسول، والذي نجحوا فيه نجاحا مبهراً، هذا المجال هو الخاص بالتشويش على اللقاء، لدرجة أن تشويشاً لعدة دقائق تعرضت له الحلقة الثانية، وصل الى خارج القطر المصري، متجاوزاً الحدود الجغرافية للانقلابيين.
في انتظار المزيد من انجازات الانقلابيين المبهجة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق