الأربعاء، 22 يناير 2014

كلمة السر / توجان فيصل




قبل أن نصل لكلمة السر في إصرار الأردن على الجلوس على طاولة مفاوضات كيري، نورد أحدث شهادة من أردني مطلع بحكم انخراطه عبر قنوات رسمية في العلاقات بين إسرائيل والأردن بعد وادي عربة مباشرة. فهو ممن ذهبوا لإسرائيل للدراسة العليا فيها حين فتحت لهم أبواب جامعاتها بعد "وادي عربة" .. ومن بعدها جامعات أمريكا ومعهد كارنيجي للسلام. وأقلّه الرجل الذي كتب من أمريكا أصبح مطلعا بأكثر من سياسيين أردنيين تولوا مناصب وزارية وعليا. ويقدم لمقالته المطولة (وشهادته في مقدمته تلك هو ما يعنينا) بسرد مجريات لقاء جرى في لندن، قبل احتلال العراق بثلاثة أشهر، بين وفدين أردني وإسرائيلي "غير رسميين" ، للبحث في "العلاقة الثنائية مع الإسرائيليين بمعزل عن المسار الفلسطيني" ! ويعدد الكاتب من حضر من الجانب الإسرائيلي وهم: رئيس هيئة الأركان السابق أمنون شاحاك، وكبير المفاوضين الإسرائليين السابق جلعاد شير، والمؤرخ المختص بالأردن أشر سسر، والإستراتيجي البارز في معهد الأمن القومي الإسرائيلي بجامعة تل أبيب مارك هيلر، ومدير مكتب رابين الصحفي إيتان هابر. ولا يسمي أعضاء الوفد الأردني بل يشير لهم بكونهم "من نخب وادي عربة" ممن تولوا مناصب وزارية وأخرى "عليا" قبل اللقاء أو بعده.. صفات تنطبق على كثر من حلقة الحكم المخضرمة. ولكن يستوقفنا آخر اثنين وهما "شخصية هامة كانت تنسق الاتصالات السرية مع إسرائيل منذ العام 1976 وشخصية أخرى استلمت منصبا أعلى من وزير ولأكثر من مرة" .. ما يحصر التأشير، للمطلعين بأبعد مما يتاح لعامة الأردنيين،على شخوص بعينهم!

والاجتماع جاء بعد فترة قصيرة من زيارة "شخصية أردنية بارزة " سرا لشارون في مزرعته (هشكيم) بطلب إعلان إسرائيل إنها لن تستغل ظروف الحرب لتنفيذ الترانسفير، ما رفضه شارون! والسؤال الرئيس الذي طرح على الوفد الأردني في الاجتماع السري في لندن، هو كيفية الحفاظ على العلاقة الأردنية - الإسرائيلية في ضوء ما يجري، ولهذا بالذات طلب منه "تحديد المصالح الأردنية" ، ليس فقط لنقلها لشارون، بل "لخلق رأي عام للضغط على شارون" بشأنها. ولكن الوفد الأردني لم يستطع تعريف أية مصلحة للأردن "بشكل واضح" . والاتفاق كان أن يرفع الوفد تقريرا للملك، ولكنه لم يفعل مستفيدا من أن اللقاء لم يكن بعلم لا الملك ولا الديوان الملكي.. وحاول الوفد عقد لقاء آخر ولكن الطرف الإسرائيلي رفض.

أي جلوس أردني للتفاوض بشأن تصفية القضية نهائيا، لن يكون بوفد خارج هذه الحلقة أو أقله ليس من نوعيه أفضل أو حتى مختلفة. فالذين يديرون المشهد هم ذاتهم منذ "المفاوضات السرية" ، مرورا بوادي عربة وتسهيلات الحرب على العراق، وصولا للتدخل في سوريا أو البحرين أو أي بلد آخر.. فكله مقابل منح ومعونات معلنة وغير معلنة، يضاف لها تسول دائم بزعم عجوزات وهمية (أخيرا كشف السفير المصري للأردنيين كذب زعم انقطاع الغاز المصري عنا ولكن لم يتكشف بعد كذب زعم كلفته وكلفة بدائله) لموازنات منهوبة استباقا بتجفيف مواردها ببيع الأصول، وببنود إنفاق مزعوم يكشفه الحال المتهالك للخدمات حتى الأساسية منها.

والآن المزاحمة على الجلوس لطاولة مفاوضات كيري ليست "لمصالح أردنية عليا" عجزت هذه "النخب" التي"شرّشت" في كافة المواقع عن طرح واحد منها "بشكل واضح" . فكلمة السر هنا هي "55 مليار دولار" لا ندري من طلبها أو من وعد أو أغرى بها، من بين المئة مليار التي يقال إن كيري يجملها في حقيبتة ثمنا للتسوية. ولهذا رئيس حكومتنا الذي لا يعرف شيئا عما يجري فعلا، قام فقط بإعداد تعريف موسع للفلسطينيين الذين يريد التفاوض باسمهم وقبض تعويضات عن كلفة استضافتهم المزعومة. بينما تلك "الاستضافة" ، كما التوطين، جزء من "الدور الوظيفي" مدفوع الثمن عاليا لتلك النخب، وغاليا على الشعب الأردني بكل مكوناته التي دفعت وتدفع ثمن رفضها لذلك "الدور" .

بالعودة لعقود تسوّل المعونات بزعم كلفة اللجوء والنزوح، وزعم إنشاء بنية تحتية مطوّل في الأردن دون الدخول في توظيفها لإنتاج ذي شأن، نجد أن إجمالي تحويلات العاملين في الخليج والخارج (جلّهم من الفلسطينيين المهجرين للأردن) تساوي كامل الكلفة المزعومة للبنية التحتية، ناهيك عن مساهمة من بقي يعمل في الداخل في الناتج القومي الإجمالي. وما إن اكتملت تلك "البنية التحتية" حتى سلمت لإسرائيل في وادي عربة وما تلاها من "تطبيع" كل ما فيه تفريط "بالمصالح الاقتصادية والاستراتيجية العليا" للأردن! والآن والحكومة تستعد لتقديم فواتير مكررة ،معلنة وسرية، لكيري عن كلفة اللجوء وعجوزات التوطين، تقول أرقام البنك المركزي أن تحويلات العاملين في الخليج عام 2013 بلغت 3.6 مليار دولار، أي أكثر من ثلث موازنة الدولة لذلك العام.. أما العجوزات فلا اعتبار لها لأنها مصطنعة وقد تغري ال55 مليار بقفزة صاروخية لها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق