الثلاثاء، 28 يناير 2014

المسرح الهزلي! / سليم عزوز



لا يمكن لأحد أن يستوعب ما يجري في مصر الآن إلا في إطار الهزل، والذي لا يمكن إدراجه إلا في باب الكوميديا السوداء!

فوزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، أسقط الرئيس المنتخب بإرادة شعبية "على حد قوله"، وحل الحكومة، ليبقى منها هو فقط بدون قرار، مع أن قيمته الوحيدة يستمدها من كونه أحد أعضاء هذه الحكومة، التي تم تسريحها وبقي منها شخص واحد، لم يجر استثناؤه بنص، وإنما بقي في موقعه بقوة السلاح، وفق نظرية الموظف الفعلي، الذي يدير مرفقا أو قطاعا بالتضليل، أو بالغِواية!

وزير الدفاع، الذي اختطف رئيس الدولة المنتخب، وقال إنه فقد شرعيته، بناء على إرادة الجماهير المحتشدة في يوم 30 يونية، لم يقم بالتنازل عن الترقيات التي منحها هذا الرئيس له، ومن رتبة اللواء إلى الفريق، إلى الفريق أول، على الرغم من أن مانح هاتين الترقيتين متهم بالتخابر مع أعداء الوطن ضد المصالح العليا للبلاد وبما يضر بالأمن القومي، ومتهم بالقتل، وتتم محاكمته الآن على هذه الجرائم!.

واكتمل مشهد العبث، بما حدث يوم الاثنين الماضي، فالرئيس المؤقت الذي عينه وزير الدفاع، يرد التحية بأفضل منها ويقوم بترقية من عينه لرتبة المشير، في سابقة لم تحدث منذ الترقية العبثية لعبد الحكيم عامر إلى درجة المشير على يد صديقه جمال عبد الناصر، لتكون هذه الرتبة الممنوحة بالمخالفة لقواعد الترقيات في المجال العسكري نكتة، يتندر بها العسكريون في دول العالم وفي المحافل العسكرية.

فرتبة المشير لا تعطى إيثاراً ولا تمنح تفضلاً، وتقريرها لا يكون إلا على موقعة عسكرية، للمقررة له دور مؤثر فيها نتج عنه جلب النصر لبلاده، ولأجل هذا فإن هناك من تولى منصب وزير الدفاع دون أن يُمنحَهَا مثل الفريق يوسف صبري أبو طالب، والفريق محمد فوزي.

ويٌذكر أن أحد القادة العسكريين السوفيت سأل المشير عبد الحكيم عامر عن الموقعة العسكرية التي مكنته من الحصول على رتبة المشير!!، فتصبب المسؤول عرقاً، وسرت نكتة في الأوساط العسكرية بأنها "موقعة فلانة" ، ولم تكن فلانة هذه سوى فنانة شهيرة، وقد كان عامر " ابن حظ" ، وكانت له مغامرات تنتقص من قيمته العسكرية، فهو لم يكن سوى عسكري مستهتر، ولم يكن ضابط جيش منضبط.

السيسي تخرج في سنة 1977، وذلك بعد أن خاضت مصر آخر حروبها بالشكل الذي أراده الرئيس السادات صاحب مقولة إن حرب أكتوبر هي آخر الحروب، وكان طبيعياً بعد أن دخلنا في السلم كافة، أن تصبح رتبة المشير مكانها المتاحف العسكرية، فكان آخر مشير هو محمد حسين طنطاوي، الذي عاصر حرب أكتوبر سنة 1973.

كنا نسخر عندما يطالب البعض من القوم المنافقين بترقية السيسي إلى رتبة المشير، وهناك تجمعات لأحزاب صغيرة قررت من تلقاء نفسها منح الفريق السيسي رتبة المشير، لأنه خلص البلاد من الإخوان، وهي النغمة السائدة الآن، بعد أن ثبت للجميع أن الرجل ليس هو عبد الناصر، أو إيزنهاور، وبعد أن سقطت أسطورة الكاريزما، ورئيس الحكومة المؤقتة حازم الببلاوي لم تسعفه الإنجازات وهو في دافوس، فلم يجد من عوامل تجعل السيسي مطلوباً جماهيرياً سوى أنه "وسيم" فقال إن النساء سوف يقمن بانتخابه لذلك، ولا أدري سبباً لزيادة المنسوب العاطفي في مصر هذه الأيام، فالفريق السيسي نفسه يصف المتحدث العسكري بأنه "جاذب للنساء" في إطار تأكيده على جدارته بالمنصب الممنوح له، وكاتبة كتبت في سياق تأييدها للسيسي مقالاً فاضحاً حمل عنوان: "اغمز إنت بس بعينك" وأكدت على استعدادها أن تكون جارية في بلاطه، إن لم يسعفها الحظ أن تكون واحدة على فراش الزوجية بقواعد التعدد!.

إذا اعتبرنا أن تخليص عبد الفتاح السيسي لمصر من الإخوان موقعة عسكرية بارزة في تاريخ العسكرية المصرية، على نحو يمكن قائدها من رتبة المشير، فاللافت أن الانقلاب، وإن انتزع الحكم من الإخوان، فقد ارتفعت شعبيتهم في الشارع، لاسيما بعد المجازر التي ارتكبت ضدهم، وبعد أن تبين وجه الانقلابيين الدموي للناس، وتبين فشل سلطة الانقلاب، وتبين أن جزءاً كبيراً من فشل مرسي كان نتيجة مؤامرة عليه، من الذين قادوا الانقلاب بعد ذلك، إلى حد أن وزير الداخلية يتفاخر بأنه كان يحجب المعلومات عن رئيس الدولة وكان يعصي أوامره.

وتحول محمد مرسي، الذي كنا نقول فيه العِبر، بكسر العين، وهو في الحكم إلى "أيقونة للنضال" ، وهو الصامد المحتسب، الذي رفض أن يخضع للانقلابيين بالقول، لينجو بنفسه من الاختطاف والسجن والاعتقال، وإذا كنت من الذين يعتقدون أن مرسي فقد معظم شعبيته وهو في الحكم، فأنا من القائلين بأنه اكتسب بصموده أنصاراً لم يكونوا في حسبانه، وإلى حد انتقل به إلى درجة أن يكون رجلاً مخيفاً لسلطة الانقلاب وهو في قفص الاتهام، فيمنع من المحاكمة في الجلسة الماضية، ثم تتفتق الأذهان عن قفص عازل للصوت لكي لا يصل صوته وهو المحبوس إلى الخارج، فمرسي الذي لم يكن مهاباً وهو حاكم مصر، صار مخيفاً لمن يملك القوة الغاشمة، وهو في القفص!.

ومهما يكن، فهذا الهزل الذي طالبت به أحزاب هزلية، وأشخاص هزليون تحول إلى قرار رئاسي، منح بمقتضاه "الرئيس المعين" من عيَّنه في موقعه رتبة المشير، لنكون مسخرة أمام الدول بهذه الترقية المضحكة، لقائد عسكري شاهد الحروب عبر الشاشة الصغيرة، ولم يرَها واقعاً طوال فترة خدمته من بدايتها لنهايتها.

لقد علق الفريق السيسي قرار ترشحه للانتخابات الرئاسية على شرط تأييد الشعب له وأيضاً بتفويض الجيش له، وعلى الرغم من أن الذين خرجوا ليحتفلوا في ميدان التحرير وغيره بالذكرى الثالثة لثورة يناير لم يتجاوزوا خمسة آلاف شخص، وأن خروجهم كان للاحتفال وليس للتفويض، وأن حضورهم كان في أجواء صاخبة، ووسط "زفة بلدي" ، فقد جرى اعتماد مجرد رفع صور السيسي بجانب صور حسني مبارك موافقة ضمنية على ترشيحه، فقرر الترشح، ثم كانت الكاشفة من خلال اجتماع المجلس العسكري وقراره له بالتفويض نزولاً على رغبة الجماهير، باعتبار أن الجماهير أبدت رغبتها المُلِحَّة في طلب السيسي الترشح في المهرجان الراقص بميدان التحرير يوم 25 يناير، والذي انتهي بحفلة تحرش جنسي فاضحة ومذاعة!.

هذا القرار الصادر من المجلس العسكري كاشف عن أن ما جري في مصر من تدخل الجيش يوم 3 يوليو وعزل الرئيس المنتخب وحل البرلمان ووقف العمل بالدستور، هو استجابة لنبض الشعب، ولكن كان انقلاباً عسكرياً مكتمل الأركان، والركن غير الواضح فيه تأسس بتفويض المجلس العسكري وبرغبة السيسي في الترشح رئيساً.

أمامنا حالة لتدخل الجيش من أجل حماية الوطن، وعلى غير رغبة منه في الانقلاب على الشرعية، تتمثل في حالة الفريق سوار الذهب، فقد تعامل مع انصياعه لإرادة الشعب السوداني المنقلب على جعفر النميري، على أنها ضرورة تقدر بقدرها، وعليها فقد سلم سوار الذهب السلطة للشعب في أقرب وقت، وبانتخابات لم يخضها.

بيد أن السيسي، فعل، والجيش تعامل على أنه حزب سياسي، بهذا القرار وذلك التفويض، فإذا تجاوزنا نظرية الشرعية، وفكرة الانقلاب، فإن هناك إخلالا بمبدأ تكافؤ الفرص بين من يحق لهم الترشح للانتخابات الرئاسية، فمن يمكنه خوض هذه الانتخابات، غير المتكافئة، والجيش الذي يحتكر الوطنية، ويحتكر القوة، أعلن عن مرشحه المختار؟.

لا بأس فقد أخفوا في أنفسهم ما الله مُبدية، وقالوا إن ما حدث في مصر كان ثورة شعبية..فإذا بالجميع يقف على أنه انقلاب عسكري.

من قبل قال السيسي إنه لن يترشح للرئاسة ولن يسمح للتاريخ أن يكتب أن جيش مصر تحرك من أجل مصالح شخصية، وربط بين ترشحه للرئاسة وتحرك الجيش من أجل مصالح شخصية.. قال ولم نقل. وهو لم يصدق في شيء ليصدق في هذه!

إنه الهزل يا قراء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق