الخميس، 1 يناير 2015

الأثر العالمي لتدني أسعار النفط / دانييل يرجين



وول ستريت جورنال – ترجمة قاسم مكي 

يعكس قرار أعضاء منظمة أوبك في 27 نوفمبر الماضي بعدم خفض الإنتاج تحولا عميقا في سوق النفط العالمي. فالطلب على النفط من الصين وبلدان الاقتصادات الصاعدة الأخرى لم يعد العامل المهيمن (في هذا السوق) بل ما صار حاسما هو ارتفاع إنتاج النفط بالولايات المتحدة معززا بإمدادات إضافية جديدة من كندا.

لقد بلغت هذه الزيادة في الإنتاج مستوى لم يتوقعه معظم مصدري النفط. وفي الغالب، سيستمر اضطراب الأسعار وترديها الذي اتخذ شكل تشنجات سعرية مؤخرا. ومنذ عام 2008 (حين كانت الخشية من بلوغ ذروة النفط التي يفترض أن يتدنى الإنتاج العالمي بعدها هي الفكرة السائدة في الساحة) ارتفع إنتاج النفط الأمريكي بنسبة 80% إلى 9 ملايين برميل يوميا. وكانت الزيادة في الإنتاج الأمريكي لوحدها أعظم من إنتاج أي بلد عضو في أوبك باستثناء السعودية.

لقد سبق للعالم أن شهد في الماضي زيادات مفاجئة في الإمدادات. ففي أوائل ثلاثينات القرن العشرين المنصرم دفع فيضان من النفط القادم من إيست تكساس بسعر النفط إلى أسفل حيث بلغ 10 سنتات للبرميل. وحينها اضطرت محطات الوقود التي كانت تخشى من بوار وقودها إلى إغراء الزبائن بتقديم دجاج مجاني كحافز لشرائه. وفي أواخر الخمسينات أدى التزايد السريع في إنتاج النفط الشرق أوسطي إلى خفض للأسعار أطلق بدوره الجهود التي أفضت إلى تشكيل أوبك. وفي النصف الأول من أعوام الثمانينات تسبب تصاعد الإنتاج النفطي ببحر الشمال ونورث سلوب في ألاسكا والمكسيك في تدهور الأسعار إلى 10 دولارات للبرميل. وكانت الأزمة التي ترتبت عن ذلك التدني أعظم بالنسبة لأوبك من أزمة اليوم. وخلال تلك الأعوام نفسها هبط الطلب العالمي بأكثر من مليوني برميل في اليوم بفضل الانكماش الشديد وتزايد جهود الاقتصاد في استخدام الطاقة والتحول إلى الفحم من النفط لتوليد الكهرباء. أما هذه المرة فإن الطلب العالمي لا يزال ينمو ولكن بمعدل ضعيف. وفي الأعوام الثلاثة الأخيرة حامت أسعار النفط حول 100 دولار للبرميل حيث امتصت انقطاعات الإنتاج في ليبيا وجنوب السودان وسواهما، علاوة على أثر العقوبات على الصادرات الإيرانية، الزيادات التي شهدها إنتاج الولايات المتحدة وكندا. ولكن النمو البطيء للاقتصاد العالمي، والذي صار واضحا قبل شهور قليلة، رافقه طلب ضعيف على النفط. وصادف ذلك قيام ليبيا فجأة برفع إنتاجها إلى أربعة أضعاف أو ما يقرب من مليون برميل في اليوم. وكانت النتيجة ضعف الأسعار في سبتمبر ثم تدهورها.
إن قرار أوبك الأخير يعكس قناعة من جانب أعضائها «الذين يملكون»، وهم بلدان الخليج العربية الحائزة على احتياطيات مالية كبيرة جدا، بأن خفض الإنتاج سيعني خسارة حصصهم في السوق، خصوصا لصالح إيران والعراق. وبدلا عن ذلك تبنت هذه البلدان استراتيجية ترك الأمور للسوق في الوقت الحاضر. إن أوبك تنتظر، حسبما يقول وزير النفط السعودي، حتى «يستقر سوق النفط من تلقاء نفسه في النهاية» ومن الواضح الآن أن الإنتاج الأمريكي الجديد أكثر مرونة مما هو متوقع. فهنالك رأي واسع الانتشار يرى أن استخراج النفط «المحصور» من الصخر النفطي عند سعر 85 إلى 90 دولارًا للبرميل غير اقتصادي. ولكن تحليلا جديدا أجرته شركة (آي إتش إس) ارتكازا على بيانات بئر النفط «الواحدة» وجد أن 80% من الإنتاج الجديد للنفط المحصور في عام 2015 سيكون اقتصاديا عند سعر ما بين 50 و69 دولارًا للبرميل. وستواصل الشركات تحسين تقنيتها وخفض تكاليف الإنتاج. صحيح مع وجود الأسعار الآن قرب 70 دولارًا للبرميل أو أدنى من ذلك فإن الشركات الآن تدقق في خططها الاستثمارية وتتساءل متى وبأي مقدار يلزمها خفض أو تأجيل الإنتاج. ولكن تأثير هذه القرارات على الإمدادات سيستغرق بعض الوقت. وسيستمر ارتفاع إنتاج النفط الأمريكي في عام 2015. إن من سيواجهون مشكلة كبيرة من أعضاء أوبك هم أولئك الذين «لا يملكون». أي من لديهم احتياطيات مالية صغيرة وموازنات حكومية كبيرة. ولم يضج بلد بالمطالبة بخفض إنتاج أوبك مثل ضجيج فنزويلا. فهذا البلد الذي كان يوما ما ذا سطوة نفطية يعتمد على إيرادات النفط في 65% من الإنفاق الحكومي. ولكن إنتاج فنزويلا هبط بحوالي الثلث منذ عام 2000. إن اقتصاد فنزويلا واقع أصلا في جب الفوضى نظرًا لفداحة سوء إدارته. هذا فيما يعاني نظامها السياسي من أزمة وتتفاقم فيها الاضطرابات. وستكون فنزويلا الخاسر رقم واحد إذا تم بناء خط الأنابيب (كيستون إكس إل) حيث سيحل الإنتاج من الرمال النفطية الكندية محل النفط الفنزويلي الثقيل في أكبر سوق وحيد له وهو مصافي ساحل الخليج الأمريكية. كما علا صوت إيران أيضا في المطالبة بخفض الإنتاج. لقد شكل ارتفاع الأسعار في وقت مبكر العام الماضي «وسادة» استندت عليها موازنتها بعض الشيء. ولكن الحكومة ليست لديها مهلة كافية حتى بداية سنتها المالية القادمة. وتعتمد إيران على النفط في تمويل نصف موازنتها. وهي تعاني سلفا من العقوبات التي قلصت صادراتها النفطية بحوالي النصف تقريبا. وسيطيل انخفاض الأسعار من أمد انكماش اقتصادها.
ومؤخرا قال الرئيس فلاديمير بوتين: إن روسيا، والتي هي أكبر منتج للنفط في العالم وليست عضوا في أوبك»، تعدُ نفسها لانخفاض أسعار النفط ولو إلى مستويات «كارثية». إن النفط يغطي 40% من الموازنة الروسية. ولكن بوتين كدَس احتياطي عملات أجنبية تصل قيمته إلى مئات قليلة من بلايين الدولارات لأسباب منها التعامل مع أي انهيار في أسعار النفط. ورغما عن ذلك فإن هبوط سعر الروبل سيعني للاقتصاد الروسي الذي يعتمد بشدة على واردات الغذاء والسلع الاستهلاكية ارتفاعا في أسعار الواردات وتقليصا فعليا لدخول المستهلكين. وسيعني ذلك، إذا أضفنا إليه أثر العقوبات بسبب الأزمة الأوكرانية، أن روسيا تتجه نحو انكماش اقتصادي. وربما أن أكبر أثر لانخفاض أسعار النفط على إنتاجه في المستقبل لن يكون في أمريكا الشمالية حسبما يتوقع العديد من الناس ولكن في باقي العالم. وحتى قبل انهيار الأسعار أبدت كبرى شركات النفط والغاز الطبيعي قلقا من التزايد المستمر لتكاليف تطوير الإمدادات الجديدة واستجابت لنداءات المستثمرين الداعية إلى «الانضباط في الإنفاق الرأسمالي». وسيحوِل هذا التدني في الأسعار ذلك القلق إلى هاجس ووسواس. وستكون النتيجة تباطؤا وخفضا في حجم الاستثمارات الكبرى الجديدة حول العالم. والخاسر من ذلك سيكون تلك البلدان التي تحاول مغازلة الاستثمار للدخول في مشروعات جديدة للنفط والغاز. لقد بدأنا نشهد تقلصا تدريجيا في عدد الشركات التي تتقدم بعروضها لاستغلال الفرص الجديدة في بلدان بإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وستكون مثل هذه العروض المقدمة أدنى قيمة ربما بكثير مما تتوقع الحكومات. لقد ولت تلك الأيام حين كان في مقدور هذه البلدان الإصرار على شروط قاسية جدا فيما يخص الضرائب والإتاوات والمتطلبات الأخرى التي ترفع تكاليف الإنتاج وتتسبب في تأخيره. ولا يزال الوقت بعيدا لبلوغ نهاية هذه الدراما. وإذا ظلت الأسعار قريبة من مستوياتها الحالية فمن المرجح أن يجتمع أعضاء أوبك مرة أخرى لإعادة تقييم السوق خصوصا مع تلاشي الطلب القوي في الشتاء عند اقتراب الربيع. ولكن إذا انتعش نمو اقتصاد العالم أو حدثت انقطاعات جديدة في الإنتاج أو وقعت أزمات جيوسياسية جديدة في الشرق الأوسط أو شمال إفريقيا أو سواهما فقد يرفع ذلك الأسعار مرة أخرى.

الكاتب نائب رئيس شركة إي أتش إس ومؤلف كتاب «المسعى: الطاقة والأمن وإعادة تشكيل العالم الحديث» (بنجوين – 2012).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق