الخميس، 29 يناير 2015

الانقلاب لا يترنح.. إنه شامخ كشموخكم! / سليم عزوز



أكثر المتفائلين، لم يتوقعوا هذا الزخم الثوري، بعد أربع سنوات من اندلاع الثورة المصرية في 25 يناير 2011، وبعد سبعة عشر شهراً من الانقلاب العسكري!.



الثورة كان قد خفت صوتها، والحراك الشعبي انزوي في الحواري والأزقة، خوفاً من مواجهة قوات الانقلاب، والبعض ظن أن هناك فراغًا قد وجد، وأن عليه أن يأخذ فرصته بالتمدد فيه، بمبادرات مراهقة، وصلت إلى حد أن أشخاصاً بعينهم ظنوا أنهم يملكون الحل لمواجهة الانقلاب، ولا حل يمكن أن يتحقق بدونهم. وهناك من تصور أن مرحلة وجود التيار الإسلامي الثوري قد انتهت، ومن ثم فهذه فرصتهم ليقودوا الثورة، ويتزعموا الجماهير، التي تفتقد للقائد. وأطلقت مبادرات وشكلت حكومات على الورق، على نحو ذكرنا بزمن نضال أوقات الفراغ في حكومة الدكتور عصام شرف، الذي كان يتلاعب بأصحاب الائتلافات الثورية، التي وسعتها حجرة خصصها لها في مجلس الوزراء، وكلما ارتفعت الأصوات مطالبة برفض الحكومة، كان يطلب من كل واحد من الحاضرين، أن يأخذ ورقة وقلمًا ويُشكل الحكومة التي يريد. وكانوا يفعلون بحماس!.

فلما كان يوم 25 يناير، خرجت الجماهير، لتثبت أن الثورة لا تزال مستمرة، وأن القرار بيد الشارع، وأن عقدة الأمر بيد من هم على الأرض، وليس بالكائنات الفضائية، التي تقلص حضورها الثوري، في مداخلة تلفزيونية في هذه القناة أو تلك.. مثلي تماماً!.

لقد كان الحضور الثوري كثيفاً، ورغم أن فضائيات الثورة المضادة، ظنت في بداية هذا اليوم أنه بإمكانها أن تخفي الثورة بطرف الثياب، من خلال التركيز بالنقل من الميادين الخالية من البشر بسبب حصار قوات الأمن لها والتي تعاملت على أنه يوم حرب، فإن حكومة الانقلاب في مواجهة هذه الحشود، أقامت "غرفة عمليات"، وتم الدفع بقوات الشرطة والجيش للمواجهة، ووصل الأمر بالدفع بالطائرات الحربية لتحلق في السماء، على نحو ذكرنا عندما تم إرسال الطائرات لتلحق فوق ميدان التحرير، في أيام ثورة يناير 2011!.

وحدث تطور نوعي هذه المرة، خطورته على الانقلاب في أن له ما بعده، فقد تجاوز بعض الثوار دعوة الإخوان للسلمية، بعد عبارة المرشد العام للجماعة: "سلميتنا أقوى من الرصاص"، التي باتت محل سخرية منهم. فهذه الدعوة لم تمنع من اعتقاله هو، وقتل نجله، كما لم تمنع من البطش بالأبرياء والقبض على الحرائر، وهذا مكمن الخطر، الذي قادنا إليه الانقلاب، عندما دفع بفريق من الثوار لليأس من الحل السلمي، في مواجهة المغتصب لإرادة الشعب.

لقد حذرت منذ البداية، من فقد الإخوان لنفوذهم على الشارع، وتمرد هذا الشارع عليهم، وهم الذين حرصوا، حتى وهم يُقتلون، على التمسك بالسلمية باعتبارها منهجاً للمقاومة، وكان الانقلاب يتحدث عن نجاحه في حماية مصر من أن تكون سورية بعزل الرئيس المنتخب، مع أن الانقلاب فعل ما تفعله قوات الأسد، والذي منع من الانزلاق للمستنقع السوري هم الإسلاميون بحرصهم على السلمية!.

اليأس هو الذي دفع لهذا التطور النوعي، الذي تمثل في تشكيل حركات للمواجهة غير السلمية، ومن المقاومة الشعبية إلى حركة "عقاب" التي تبنت العديد من العلميات العنيفة. فقوات الأمن تستخدم القتل وسيلة في مواجهة المتظاهرين السلميين، وبدا أخذ الحقوق عن طريق الاحتكام للقضاء، أمراً مستبعداً تماماً، وقد أعلن وزير داخلية الانقلاب أن الجيش والشرطة والقضاء هم يد واحدة. فصار القضاء مجرد حلقة من حلقات الانقلاب، ودائرة من دوائره!.

وقد تم الإفراج عن كل سدنة عرش مبارك، الذين اتهموا بقتل الثوار، ووعد عبد الفتاح السيسي نفسه، بأنه لن يعاقب ضابطاً على قتله للناس، وكان التحدي واضحاً عندما رفض النائب العام الطعن على قرار الإفراج عن نجلي الرئيس المخلوع، وقد خرج عشية الذكرى الرابعة للثورة، من قسم شرطة مدينة نصر، في موكب حراسة، وكأنهما لا يزلان في السلطة، في إشارة لا تخطئ العين دلالتها.

لقد كشف المتظاهرون في منطقة "المطرية" عن حل مبدع، بأن الثورة، يمكن أن تنتقل لميادين الأحياء، بعد إغلاق الميادين الكبرى، وقد أثبتوا كذلك، أن المرحلة التي كان فيه الثوار يتعرضون لاعتداء قوات الانقلاب، وشبيحة الأمن، ثم يلوذوا بالقرار، وينهوا فاعلياتهم قد انتهت، وأن المعركة ستكون فراً وكراً، وفي محافظات عدة، وأمام حالة الصمود الجماهيري، كان من لاذ بالفرار هم أفراد الشرطة ومدرعاتهم المصفحة.

وكان من الواضح، أن الانقلاب فقد مؤيديه على الأرض، وفقد من يتحمسون له، بعد الفشل الذي مني به في كل الملفات، ولم يستجب لدعوة السيسي بالخروج للدفاع عما أسماه بمنشآت الدولة، التي هي في الحفظ والصون، مع أنه كان قد أنزل الجيش من قبل تحت ادعاء المحافظة عليها، فاته أن يطرح على نفسه هذا السؤال: هل تخطى الرقاب ليصبح رئيساً من أجل أن يحمي الشعب، أم من أجل أن يحميه الشعب؟!.

يمكن للانقلاب أن يبتز الإخوان، عندما يقول إنهم يمارسون العنف، فيسرفون في الدعوة لعدم ممارسته، في الوقت الذي يجهر فيه بالمعصية إعلامي مقرب من عبد الفتاح السيسي ويدعو قوات الأمن لقتل المتظاهرين.. هكذا.. لكن الشباب الذي خرج على "طوع الجماعة" لن يبتز بهذا الكلام، ولن يجد نفسه مطالباً بتبرير موقفه أو ادعاء السماحة.. فمن الذي يقود البلاد حقاً لمستنقع العنف؟!

التطور النوعي هذه المرة، أن القتلى لن يكونوا فقط في صفوف المتظاهرين، وأن الفرار لن يكون شعارهم وحدهم، وأنهم لن يكونوا مسيح هذا الزمان، من ضربه على خده الأيمن سيعطي له خده الأيسر.. وهذا التطور يأتي والانقلاب في أسوأ حالاته، بفقدانه الحماس الداخلي له، كما فقد السند الإقليمي، أما الموقف الدولي فهو مع من غلب، ولن يقبل الجيش والشرطة أن يكونوا على خط النار في معركة استنزاف، تبدو لا ناقة للمواجهين فيها ولا جمل، ودفاعاً عن قيادات تخوض معركتها تحت عنوان: "الحياة أو الموت"، لأنها لن تفقد فقط السلطة إذا هزمت، ولكنها ستحاكم على كل جرائمها، لذا فهي أخذت مصر رهينة!.

واللافت أن من هم على الأرض بتنويعاتهم، والصورة تؤكد أن منهم من لا ينتمون للتيار الإسلامي بتنويعاته، هم مع الشرعية، ومع عودة الرئيس الشرعي، وليسوا مشغولين بنضال مناضلي أوقات الفراغ، أصحاب المبادرات، والذين يطلبون بالتنازل عن عودة مرسي، والتخلي عن شعار رابعة.

لقد سخروا من قبل ممن قال إن الانقلاب يترنح.. لا بأس هو انقلاب شامخ مثل شموخكم تماماً!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق