السبت، 10 يناير 2015

لماذا تنخفض أسعار السلع؟ / جيفري فرانكيل *


هوت أسعار النفط بمقدار أربعين بالمائة منذ يونيو، وهذه أخبار طيبة للدول المستوردة للنفط، ولكنها أخبار سيئة بالنسبة لروسيا وفنزويلا ونيجيريا وغيرها من الدول المصدرة للنفط.
إن البعض يعزو هذا الهبوط بالاسعار للانتعاش في الطاقة التي تأتي من الزيت الصخري في الولايات المتحدة الامريكية، والبعض يعزو ذلك الى فشل الاوبك في الموافقة على تقييد العرض.



لكن هذه ليست كامل القصة، فقد نزل سعر خام الحديد أيضا، وكذلك نزلت أسعار الذهب والفضة والبلاتنيوم، والأمر نفسه ينطبق على أسعار السكر والقطن وفول الصويا. وفي واقع الأمر فإن معظم أسعار السلع بالدولار انخفضت منذ النصف الاول من العام الفائت. وبالرغم من أن مجموعة من العوامل التي تؤثر في كل قطاع تؤثر على سعر كل سلعة، فإن الحقيقة أن الانخفاض عريض - كما يحصل في حالة التقلبات الكبيرة في الاسعار- ما يوحي بأن هناك عوامل اقتصادية كلية مؤثرة في هذا الخصوص.
إذن، ما هي العوامل الاقتصادية الكلية التي يمكن أن تسهم في هبوط أسعار السلع ؟ ربما الانكماش، ولكن، بالرغم من أن التضخم ما يزال منخفضا للغاية وحتى سالبا في بلدان قليلة فإنه لا بد أن شيئا أكثر من ذلك قد حصل لأن اسعار السلع تنخفض بالنسبة الى مستوى السعر الاجمالي، أي بعبارة اخرى أن هناك انخفاضا في أسعار السلع الحقيقية.
إن التفسير الاكثر شيوعا هو التباطؤ الاقتصادي العالمي الذي خفض من الطلب على الطاقة والمعادن والمنتجات الزراعية. وفي الواقع فإن النمو قد تباطأ وتنبؤات الناتج المحلي الاجمالي قد تمت مراجعتها لتصبح أقل في معظم البلدان وذلك منذ منتصف العام.
لكن الولايات المتحدة الامريكية هي الاستثناء الرئيس. إن التوسع الامريكي يبدو مترسخا على نحو متزايد حيث ان النمو السنوي المقدر تجاوز نسبة 4% في الربعين الاخيرين. وبالرغم من ذلك فإن أسعار السلع تعرضت للهبوط في الولايات المتحدة الامريكية على وجه الخصوص. إن مؤشر أسعار السلع المرتبط باليورو والخاص بالايكونومست على سبيل المثال ارتفع في العام الماضي، ما يعني أن المؤشر المرتبط بالدولار فقط – والذي يحصل على كامل الاهتمام- هو الذي تعرض للهبوط.
إن هذا يقودنا الى السياسة النقدية، علما أن أهميتها في تحديد أسعار السلع عادة ما يتم نسيانها. إن هناك توقعا على نطاق واسع بتشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة الامريكية حيث أنهى الاحتياطي الفيدرالي التخفيف الكمي في اكتوبر ومن المرجح أن يرفع أسعار الفائده القصيرة المدى في وقت ما من العام القادم.
إن هذا يستحضر نمطا تاريخيا مألوفا. إن هبوط أسعار الفائده الحقيقية (المعدلة بحسب التضخم) في السبعينبات و 2002-2004 و2007-2008 قد رافقه ارتفاع الاسعار الحقيقية للسلع. وإن الارتفاعات الحادة في أسعار الفائدة الحقيقية في الولايات المتحدة الامريكيه في الثمانينيات أدت الى تهاوي أسعار السلع بالدولار.
هناك شيء بديهي فيما يتعلق بفكرة أنه عندما يبدأ الاحتياطي الفيدرالي بطبع الأموال فإن الأموال تتدفق إلى السلع بالاضافة الى أماكن أخرى مما يرفع من سعرها وهكذا تبدأ الاسعار بالهبوط عندما ترتفع أسعار الفائدة. ولكن، ما هي الآلية السببية بالضبط؟
في واقع الامر هناك أربع قنوات يؤثر من خلالها سعر الفائدة الحقيقي على أسعار السلع الحقيقية، باستثناء التأثير الذي يتم من خلال مستوى النشاط الاقتصادي، أولا: أسعار الفائده المرتفعة تخفض من سعر السلع القابلة للتخزين وذلك عن طريق زيادة الحافز للاستخلاص اليوم بدلا من الغد، ما يعزز من رتم ضخ النفط واستخلاص الذهب من المناجم وقطع أخشاب الغابات. ثانيا: إن أسعار الفائدة العالية تقلل كذلك من رغبة الشركات في حمل المخزونات (مثل النفط الموجود في الخزانات).
ثالثا: إن مدراء المحافظ المالية يستجيبون للارتفاع في أسعار الفائدة عن طريق التحول من عقود السلع (وهي الان من فئة الاصول) إلى أذون الخزانة. وأخيرا فإن أسعار الفائدة المرتفعة تقوي العملة المحلية، ما يخفض من سعر البضائع المتاجر بها عالميا بالبنود المحلية (حتى لو كان السعر لم يهبط بحسب العملة الأجنبية).
إن أسعار الفائدة الامريكية لم ترتفع فعليا سنة 2014، ما يعني أن معظم تلك الآليات لم تعمل بشكل مباشر ولكن المضاربين يفكرون في المستقبل ويتحولون عن السلع اليوم توقعا لأسعار فائدة مستقبلية أعلى سنة 2015. وكانت النتيجة هي تقديم موعد زيادة السعر في العام القادم الى اليوم.
إن رابع تلك القنوات - وهو سعر الصرف - قد بدأ بالعمل فعليا. وتتصادف آفاق التشديد النقدي الامريكي مع التحركات من قبل البنك المركزي الاوروبي وبنك اليابان تجاه التحفيز المالي المعزز. وكانت النتيجة ارتفاع سعر الدولار مقابل اليورو والين.
لقد انخفض اليورو 8% مقابل الدولار منذ النصف الاول من العام وانخفض الين 14%. وهذا يفسر كيف أن العديد من أسعار السلع قد انخفضت بالدولار وارتفعت بالعملات الأخرى.

* جيفري فرانكيل هو أستاذ في تشكيل ونمو رأس المال في جامعة هارفارد






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق