الأحد، 4 يناير 2015

هل العقوبات الاقتصادية مُجدية؟ / كينيث روغوف




مع تناول وسائل الإعلام الإخبارية للعقوبات الاقتصادية الغربية ضد روسيا وإيران وكوبا، فلعل من المناسب الآن أن نراجع حقائق المناقشة الدائرة حول مدى فعالية ونجاح مثل هذه التدابير. للوهلة الأولى، نستطيع أن نقول إن العقوبات الاقتصادية تخلف تأثيرات متواضعة عادة، حتى وإن كانت تشكل وسيلة أساسية لإظهار العزيمة المعنوية الأخلاقية. وإذا كان للعقوبات الاقتصادية أن تلعب دوراً متزايد الأهمية في إدارة الدولة في القرن الحادي والعشرين، فقد يكون من المفيد أن نتأمل في الكيفية التي عملت بها في الماضي.
كما لاحظ جاري هوفبور وجيفري سكوت في كتابهما الكلاسيكي حول هذا الموضوع، فإن تاريخ العقوبات الاقتصادية يعود على الأقل إلى عام 432 قبل الميلاد، عندما أصدر رجل الدولة والجنرال اليوناني بيريكليس ما يسمى "مرسوم ميجارا" في الرد على اختطاف ثلاث من النساء. وفي العصر الحديث، استخدمت الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية لتحقيق أهداف متنوعة، من جهود إدارة كارتر في سبعينيات القرن العشرين لتعزيز حقوق الإنسان، إلى محاولات وقف الانتشار النووي في الثمانينيات.

وخلال الحرب الباردة، استخدمت الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية لزعزعة استقرار الحكومات غير الصديقة، وخاصة في أميركا اللاتينية، غير أنها لم تلعب أكثر من دور ثانوي، حتى برغم تغيير الأنظمة في نهاية المطاف. ولم تنجح العقوبات الاقتصادية ضد صربياً في أوائل التسعينيات في ردع غزو البوسنة. ومن المؤكد أن العقوبات الرمزية التي فرضتها حكومة الولايات المتحدة على أسطورة الشطرنج بوبي فيشر (لأنه لعب مباراة في بلغراد في مخالفة للعقوبات) لم تخفف المعاناة عن مدينة سراييفو المحاصَرة.
كما مارَس الاتحاد السوفييتي القديم لعبة العقوبات ــ على سبيل المثال، ضد الصين وألبانيا ويوغوسلافيا. ولم تحقق العقوبات السوفييتية نجاحاً كبيرا، ربما باستثناء حالة فنلندا، التي اضطرت في نهاية المطاف إلى تغيير سياساتها طلباً للخلاص من العقوبات التي فُرِضَت عليها في عام 1958.
إن أغلب العقوبات في العصر الحديث تفرضها دولة كبرى على دولة صغيرة، ولو أنها في بضع حالات قليلة تشمل دولاً متساوية الحجم، مثل الشجار الطويل، من الخمسينيات إلى الثمانينيات، بين المملكة المتحدة وأسبانيا بشأن جبل طارق.
وكما أوضح هوفبور وسكوت، بين باحثين آخرين، فإن آثار العقوبات غالباً ما تكون مخيبة للآمال إلى حد كبير ــ حتى أن العديد من الباحثين استنتجوا أن مثل هذه التدابير تتخذ عادة حتى يتسنى للحكومات أن تُظهِر لجماهير الداخل أنها "تفعل شيئا". فمن المؤكد أن العقوبات الأميركية الصارمة ضد كوبا فشلت في إخضاع نظام كاسترو؛ والواقع أن الخطوة التي اتخذها الرئيس باراك أوباما لإعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع كوبا ربما تكون أعظم تأثيرا.
ولكن في بعض الأحيان تنجح العقوبات. فقد ساعد الإجماع الدولي القوي على فرض العقوبات على جنوب أفريقيا في الثمانينيات في وضع حد لنظام الفصل العنصري هناك في نهاية المطاف. وعلى نحو مماثل، ساعدت العقوبات في حمل إيران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وإن لم يكن من الواضح إلى متى قد تكون الحكومة الإيرانية على استعداد لتأجيل طموحاتها النووية. واليوم يواجه الاقتصاد الروسي ورطة كبرى، ولو أن هذا ربما يوصف بكونه ضربة حظ راجعة إلى الضرر الحقيقي الناجم عن انهيار أسعار النفط العالمية.
ففي روسيا، حيث ضرب انهيار الأسعار الإيرادات الحكومية بشدة، يزعم البعض أن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية يتآمران لإخضاع روسيا. ولكن هذا التصور يبالغ في تقدير مدى فعالية الاستراتيجيات الأميركية. فالأرجح أن الهبوط الحاد في أسعار النفط كان راجعاً إلى تركيبة تتألف من الثورة التي أحدثتها طاقة الصخر الزيتي في الولايات المتحدة والتباطؤ الحاد في النمو الصيني. فقد ساعد التباطؤ في الصين في التعجيل بهبوط واسع النطاق في أسعار السلع الأساسية وهو ما يخلف تأثيراً مدمراً على بلدان ليست على خلاف مع الولايات المتحدة، مثل الأرجنتين والبرازيل.
الواقع أن أحد الأسباب وراء قصور العقوبات الاقتصادية في الماضي كان عدم امتثال كل البلدان لها. وأيضاً كانت الاختلافات الكبيرة في الرأي داخل الدولة التي تفرض العقوبات ذاتها كثيراً ما تقوض العقوبات.
وعلاوة على ذلك، يتعين على البلدان التي تقرر فرض عقوبات على بلدان أخرى أن تكون قادرة على معالجة نقاط الضعف لديها. ولعل النظام في كوريا الشمالية هو الأسوأ في العالم اليوم، ولا يسعنا إلا أن نتمنى انهيار حكومته القاسية قريبا. ورغم ذلك فقد نجح نظام كيم في التشبث بالسلطة برغم خضوعه لعقوبات اقتصادية شديدة، ربما لأن الصين، التي تخشى من وجود كوريا الموحدة على حدودها، ليست على استعداد بعد لسحب الدعم الذي تقدمه لكوريا الشمالية.
ومن السهل رغم ذلك أن ننسى أن هناك وجهات نظر مختلفة في العلاقات الدولية، حتى في الحالات الأكثر تطرفا. فبرغم الإدانة المستحقة للهجوم المزعوم الذي شنته كوريا الشمالية على أجهزة الكمبيوتر في شركة سوني بيكتشرز، يتعين علينا أن نعترف بأن كوريا الشمالية، من منظور النخبة هناك، وظفت ببساطة مبدأ الانتقام الاقتصادي، مثلما كانت أي دولة أخرى لتفعل. فقد أنتجت شركة سوني بيكتشرز فيلماً هزلياً احتوى على سخرية لاذعة من زعيم كوريا الشمالية "الجنرال الصغير" كيم جونج أون. وكانت إهانة لا تُطاق، ردت عليها النخبة في كوريا الشمالية بالتخريب الاقتصادي بدلاً من العمل العسكري.
ولا ينبغي لنا أن ننسى أن روسيا أيضا وظفت الهجمات الإلكترونية في خدمة أهداف السياسة الخارجية. والواقع أن روسيا لديها كتائب أكثر شراسة في شن الهجمات الإلكترونية مقارنة بكوريا الشمالية (وإن كان قدراً كبيراً من المواهب المتميزة لديها في هذا المجال توظف حالياً في دوائر المافيا، وليس في العمليات الاستراتيجية).
في عالم حيث تسبب الانتشار النووي في جعل الحروب العالمية التقليدية ضرباً من المستحيل، فمن الواضح أن العقوبات الاقتصادية وعمليات التخريب من المرجح أن تلعب دوراً كبيراً في الجغرافيا السياسية في القرن الحادي والعشرين. ولكن بدلاً من منع الصراع، ساعدت عقوبات بيريكليس الاقتصادية في اليونان القديمة في إشعال شرارة الحرب البيلوبونيسية في نهاية المطاف. ولا يملك المرء إلا أن يأمل أن تكون الغَلَبة للعقول الرزينة الحكيمة في قرننا هذا، وأن تؤدي العقوبات الاقتصادية إلى التفاوض وليس العنف.
ترجمة: أمين علي    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق