السبت، 3 يناير 2015

مطالع هذه الألفيّـة / د. صلاح صالح



شاع اسم (بياتريس) في الثقافة الغربية بعد أن جعله دانتي اسم المرأة التي تتقاسم الحب مع الراوي في (الكوميديا الإلهية) ووجود الاسم جزءاً من عنوان رواية أمين المعلوف (القرن الأول بعد بياتريس) يستدعي إلى الأذهان عالم (الكوميديا) بعد أن اكتسب الاسم في الثقافة الأوروبية سمة نمطية،  
 كالسمة التي اتخذها اسم (جولييت) في مسرحية شكسبير على سبيل المثال. وأساس الاستحضار يندرج في أن الروايات التي كتبها أمين المعلوف متأسسة على أحداث تاريخية معروفة، يقع معظمها الذي صنع اسم الكاتب في مفاصل شديدة الحساسية والخصوصية في العلاقة بين العالمين الأوروبي والعربي، خلافاً لهذه الرواية التي أنشأتها عملية التخييل المعتمدة في صناعة الأدب.
لا صلة بين اسم (بياتريس) المعلوف و(بياتريس) دانتي إلا المشابهة بين الاسمين، فبياتريس في رواية المعلوف ابنة، وليست حبيبة، والقرن المرصود في الرواية هو قرننا الحادي والعشرون الذي سعى المؤلف إلى استشراف ملامحه الكبرى قبل حلوله بسنوات، في سياق ما نعيشه من ظرف مريع على مستوى العالم، لا مستوى المنطقة فقط، وفي هذا السياق يتجاوز القارئ بعض المسائل الخاصة بالرواية، وخصوصاً مسألة (وجهة النظر) التي يصوّبها السرد في سياق ترسيخ ما تراه الدوائر الغربية عموماً، والفرنسية خصوصاً، في مختلف الشؤون، ورغم أهمية ما يجري تجاوزه في الشأن المشار إليه، فمن المناسب أن نلتفت إلى ثلاث مسائل أثارتها الرواية بشكل ينذرنا بأن هذا القرن هو قرن انقراضنا من الجغرافيا والتاريخ، بموجب الإبادة الذاتية التي صنع (الشمال) بحسب الرواية ظروفها المثلى لجعل التدمير الذاتي حتى الانقراض حدثاً حتميّاً.
المسألة الأولى تتمثل في ما سمته الرواية (شبكة الحكماء) التي تلقي على نفسها عبء خلاص العالم، عبر تقديم الدراسات العلمية الرصينة، والمواعظ الأخلاقية التي تضعها بين أيدي قادة الدول الغربية النافذة، لكي يتصرفوا بهديها. ومن التلقائي أن ينتمي (الحكماء) إلى البلدان الشمالية المتقدمة المهددة بما يحدث في دول الجنوب، من عنف، وتدمير ذاتي متسارع.مع الالتفات إلى ما يريب في اختيار أسماء الحكماء، وطبيعة أبحاثهم الحكيمة.
وتتمثل الثانية في أن الغرب يسعى إلى تعقيم أبناء الجنوب على طريقة ما يفعله العلماء في إطار القضاء على الحشرات الضارة، حين يطرحون مبيدات، وعقاقير جهازية تنتج عقماً لدى أحد الجنسين، أو تنتج خصوبة كاذبة، تؤدي إلى حتمية القضاء على أجيال وأجيال من الحشرات المستهدفة بالإبادة، ويتمثل ذلك على المستوى البشري في إنتاج عقاقير تؤدي إلى تسهيل ولادة الأطفال الذكور المرغوبين بشدة لدى أبناء الجنوب، بالتوازي مع تجفيف ولادة الإناث (غير المرغوبات) في عوالم التخلف. 
والأمر لا ينتمي إلى (فانتازيا) مستقبلية يمكن أن ينجزها التطور المتسارع للعلم، ففي الهند والصين الخاضعتين لتحديد النسل، صارت عمليات التصوير الشعاعي تحدد جنس المولود قبل ولادته، فإذا كان الجنين أنثى تسارع الأم إلى التخلص منه، بحيث تختلّ النسبة اختلالاً مريعاً خلال عدد قليل من العقود، وهو ما يؤدي إلى تفشّي عمليات اغتصاب الفتيات النادرات، وتفشّي العنف الذكوري المفتقر إلى وجود الإناث إلى أقصى حدود التفشي. ولا يقف الشمال (الإنساني جداً) مكتوف الأيدي إزاء هذه الظاهرة المريعة، فيعمد إلى استيراد الإناث الوليدات من الجنوب، لغايات إنسانية، تنتهي بفرض عمليات التبني في المجتمعات الأوروبية التي تعاني ظاهرة الانكفاء عن الإنجاب لأسباب مغايرة شتى، لتصيب عملية الاستيراد ذات الشكل العنصري عدّة أحجار برمية واحدة: فهي تحرم الجنوب من إناثه النادرات. وتخضع المستوردات لتربية شمالية حضارية شاملة. وتعفي السيدات الشماليات من عناء الحبَل وآثاره على الجسد الأنثوي.
  وتندرج الثالثة في إطار التنبّؤ بالعنف الراهن القائم على أسس مذهبية وعرقية، وطائفية، لا تنحصر في بلد جنوبي دون بلد، ومنطقة جنوبية دون أخرى، لكنه عنف مبرمج، ويحظى بالرعاية الشمالية الدائمة. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق