الأربعاء، 21 يناير 2015

موت قطة / توجان فيصل


هنالك من قبلوا التطبيع مع حالة الإفقار والتهميش والإذلال التي تمارس عليه، بأن باتوا ينازعون القطط على قوتهم، ويفعلونها علنًا!


تأخرت في الكتابة عن موضوعي هذا، رغم أهميته، لأن مواضيع أخرى زاحمته كموت البائع المتجول، موظف "الدلفري" الشاب، أو بالأحرى "قتله" بوضعه في ظروف خطرة باعتراف ذات الدولة، بعد تخييره بين أن يفقد لقمة عيشه وأسرته (اللقمة حرفيًا كون الراتب المهدّد بقطعه شحيح بالكاد يوفر لقمة الخبز) أو أن يخاطر بحياته.. فخضع وخاطر وفقد حياته. وتفجُّر هذه الحقيقة أدى لأن يتراكض "المسؤولون" الحقيقيون عن حال غالبية الشعب هذه لزعم استحقاق أهله "راتب الوفاة" الأكثر شحًا من "الضمان الاجتماعي"، ومثلها رواتب متقاعدي الحكومة وبخاصة القدامى (هذا لمن جرى توظيفهم ولم يلقوا للشارع ضمن مئات ألوف العاطلين عن العمل الآن) والرواتب الأشد شحًا لورثتهم من أطفال ونساء، والذي لا يكفي ثمنًا للقمة العيش تلك.. كلاهما إحالة للعيش على "حاويات القمامة" في منافسة للقطط والكلاب المشرّدة على محتوياتها.. وهو ما يقوم به كثر سرًا في عتمة الليل (وصوّرته الصحافة عن بُعد) بنبش الحاويات ليلاً كي لا يراهم أحد.. ما كان يَستلزم غضبة بحجم الغضبة على "عزاء القطة شاكي" على الأقل!!.

ما يستوقفني هنا هو ما يفعله، مكررًا، جمع غير قليل من الأردنيين الآن، وتبيّن في قصة "موت القطة شاكي" وقيام صاحبتها الصبيّة الصغيرة التي رافقتها لأحد عشر عامًا، بفتح بيت عزاء لدى أهلها علّقت فيه صور قطتها. فتصدّرت القصة مواقع الاتصال لحين طغت عليها قصة العاصفة الثلجية، ثم قصة "شارلي أيبدو" وتفرّعاتها!، وقصة موت شاكي ليست أقل شأنًا حقيقة، بل هي هامة للغاية لأنها كشفت بلسان وتوقيع من كتبوا بأسائهم الصريحة أن هنالك من قبلوا على أنفسهم منازعة القطط على قوتها، بدل منازعة من نهبوا وينهبون أموال الأردنيين، العامة والخاصة، ويزيدون عليه بالاقتراض باسم الأردنيين وتحميل الأجيال التي لم تولد بعد المديونية!.

ووصل الأمر لأن يشتم من يسبق اسمه بلقب "حاج" الصبيّة المفجوعة بقطتها والمتهمة وأهلها بالبذخ لكونهم سايروها في حزنها بقبول فتح بيت عزاء (كما نفعل جمعيًا مع أطفالنا في زعم أخذ أحزانهم بجديّة لمساعدتهم على التغلب عليها)، بوصف الفتاة ليس فقط بـ"المدللة"، فهذا جائز ولا يعيب أحدًا أن يدلل أبناءه، بل إن المثل الشعبي يقول "دلل ابنك ما بتعرف مين بذلّّه"، واتهام أهلها (دون أي دليل ولا حتى معرفة اسم وطبيعة عمل والدها، ولكن الشتم كان لاسم العائلة بما يوسّع نطاقه، وهو اسم غير مرتبط بأي مسؤول فاسد) بأنهم "ذوو أيدٍ طويلة"، وغيره اتهمهم صراحة بالسرقة والفساد.. ولكن الكاتب "الحاج" يصف الصبيّة مكررًا في مقالته المطولة بالـ"المتعوّداااه"! وكلنا نعرف مصدر الكلمة في مسرحية عادل إمام ونعرف مدلولها!!.

لن ندخل في الحديث النبوي عن القطة التي أدخلت امرأة النار ولا في أحكام الرفق بالحيوان في الإسلام والتي فصل معلقون محترمون في بيانها.. ولكننا نذكر "الحاج" بالحديث النبوي عن من لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله في وجوههم وأن منهم من يقذف "المحصّنات الغافلات"!! وأقله نذكر "بالعيب" الاجتماعي الذي اقترفه هذا الحاج.. وأن الرجولة (وأقله الأبوة والأمومة) هي في تصدي المرء لمن أفقر وأذل أهل بيته وليس لمن أطعم قطة أو دلل ابنته الصغيرة!.

وبعد المحرّم دينًا والمعيب اجتماعيًا.. نأتي لأخطر ما كشفته التعليقات وهي: أولاً، أن هنالك من قبلوا التطبيع مع حالة الإفقار والتهميش والإذلال التي تمارس عليه، بأن باتوا ينازعون القطط على قوتهم، ويفعلونها علنًا! الثاني، أن غالبية المعلّقين المؤيدين للحاج، كما يفعل هو أيضًا في مقالته المطولة، يتفكّهون بسرد قصص تعذيبهم للقطط في طفولتهم وشبابهم هم، أو رؤية غيرهم يعذبوهم دون أن يتدخلوا لإنقاذ الحيوانات البريئة.. ما يشجّع على ممارسة تعذيب مماثل لهم (وقد لا يكونون ببراءة الحيوان المسكين) بدون تدخل جماعتهم المتفكّهة والمستمتعة بهذا.. أم هل ينتظرون فقط تدخل جماعة الرفق بالحياة التي إذا امتدت للحيوان ستكون شملت الإنسان قبله، فيما هم يهاجمونها ويشتمونها؟!.

والأمر الثالث الأهم، أن هذا يؤشر على منابع "الداعشيين" الذين يتلذّذون ويحتفلون بالقتل والتعذيب فيما هم يزعمون التدين، لا بل ويطلقون صيحات "الله أكبر"!!.

وأُنهي "باعترافي" بأن لديّ قطة كان أودعني إياها صاحبها كي لا تُظلم، وأن قطًا وليدًا أضيف لها حين وجدته ابنتي وسط الشارع وأنقذته من سيارة كادت تدهسه. وأن مما حفظته عن والدتي (رحمها الله) قولها "القطط لا تستطيع أن تعمل لتحصل على رزقها".. وفي العاصفة الثلجية الأخيرة تفقدت العصافير التي كانت ترش لها أمي الحبوب فوق الثلج حتى لا تجوع بانتظار ذوبانه.. ومن أمّي، وليس من أي صاحب أيديولوجية سياسية، استمديت نهجي المُدافع عن المستضعفين في الأرض!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق